السبت، 30 أبريل 2022

المدينة العربية بين الماضي والحاضر

 أ.د. محمد الدعمي:





درج مؤسسو المُدن العربية بعد ظهور الإسلام على وضع الحجر الأساس في “دار الخلافة” أو “دار الإمارة” أولًا (السلطة الدنيوية)، على أن يلتصق هذا الدار بالجامع الرئيس الذي يُمثِّل السلطة الدينية. وتنطبق هذه الحال على نحو لا يقبل الشك في تأسيس الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) لمدينتين عظيمتين، هما الكوفة والبصرة (الأبلة) سابقًا، بعد فتح العراق، ناهيك عن تأسيس بغداد المدورة على يد الخليفة العباسي، أبي جعفر المنصور لتكون عاصمة الدنيا عبر العصر الوسيط.
وكما أسلفنا أعلاه يخدم دار الخلافة رمزًا للسلطة الحكومية “الزمنية”، بينما يرمز الجامع للسلطة الروحية، وكلاهما حكران على الوالي أو الخليفة. علمًا أن هذين المعلمين الرئيسين، أي دار الخلافة والجامع هما اللذان شكلا نواة المُدن الجديدة: ففي حالة الكوفة بنيت دور العرب حول هذه النواة وقسمت أحياءً، حسب القبائل العربية الرئيسة التي تشكل من رجالها جيش فتح العراق.
وإذا كان دور دار الخلافة أو دار الإمارة قد أخذ يضعف بسرعة مع انتقال الخلافة من أيدي العرب الى سواهم من الأمم، كالفرس والصفويين والترك العثمانيين فيما بعد، راحت نواة المدينة العربية (أعلاه) تنتقل من موضع لآخر بحسب معطيات الحياة الاقتصادية.
وإذا كانت المُدن، التي فطن جيلنا عليها عبر القرن الماضي قد اتخذت من السوق مركزًا ماليًّا وتجاريًّا لها، فإن هذه الظاهرة قد عبَّرت عن ارتفاع كفة الاقتصاد والمال لتحل محل السلطتين السابقتين، الإدارية والروحية. بل إن السوق نفسه اكتسب عنوان “سوق السراي”؛ نظرًا لأنه دائمًا ما يكون توأمًا للسراي، أو توأم “السراي” مركز الحكومة والشرطة والإدارة، بل وحتى مقرًّا للقوات المسلحة!
وهكذا، أخذ مركز المدينة العربية يتنقل من موضع لآخر حسب جبروت السلطة الأكثر تنفذًا في مختلف الحقب المتتابعة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق