هل كان ثابتٌ ثابتًا أمام الريح العاتية ؟ بقلم : الأديبة خالدية ابو جبل - طرعان
بقلم : خالدية ابو جبل
هل كان ثابتٌ ثابتًا أمام الريح العاتية؟؟
ثابت والريح العاتية
قصة للأطفال حائزة على جائزة ناجي نعمان الأدبية الهادفة، وجائزة
ماري لوثر.
بقلم الأديب سهيل إبراهيم عيساوي
رسوم، د، فارس قرة بيت
إصدار، دار الهدى، ع، زحالقة
تقع في 26 صفحة من الحجم الكبير .
….
تعصّفُ ريح عاتية بقوة في صفحة القصة الاولى، لتُدخل القارئ منذ البداية في عمق قسوة وقوة الحدث،
ولؤم هذه الريح وشراستها التي لم تأت على شكل اضطراب مناخي
او هيجان بيئي عابر ، بل هي ريح
جاءت قاصدة هذه القرية الآمنة الوادعة، دون غيرها من قرى المعمورة، فهي تدّمر وتعيث فسادا
مع سابق الإصرار والترصد، وتقف شامتة فرحة بما أنجزت من خراب
ودمار، ” تطلق لسانها الطويل، ليعبث
بالأشياء ويقلبها رأسا على عقب”ص3.
فلا ينتهي القارئ من الصفحة الاولى
الا وقد وجد نفسه أمام صورة لكارثة أصابت البشر والشجر والحجر
حيث تشرد البشر ، واقتلع الشجر، وهُدم الحجر.
انها النكبة الفلسطينية التي توقظها العبارة الاولى، “في ليلة ظلماء حالكة السواد”.
…
“استيقظ ثابت ابن الثمانية أعوام، من نومه العميق مذعورا …”ص4
لم يذكر الكاتب اين أهل ثابت وهو ابن الثمانية اعوام، ولمَ هو لوحده!
ولا أظن أنه أمرٌ فات الكاتب، بل تعمده لتدعيم ما ترمي وترمز له قصته التي لم يأت على ذكر النكبة الفلسطينية بصريح العبارة ولو مرة واحدة،
الا أن وحدة ثابت تعني وحدة الشعب الفلسطيني في مجابهة مصيره المُر، وحتى الرقم ثمانية
هو أحد مركبات ال48، وللدلالة
على طفولة هذا الشعب من حيث
الطيبة، والاحلام البسيطة، والعتاد والمؤسسات.
غير ان الكاتب يسير بنا في منحنى
لم يسبق أن سار به أحد من قبل
في سياق قصص الاطفال بالذات.
فلم يسرد لنا الكاتب قصة من قاوموا و هُجّروا وتشردوا، ولا قصة
من قبضوا على الجمر وبقوا في مساكنهم وارضهم، بل روى لنا قصة من هانت عليهم أنفسهم وتخاذلوا
ولم يفكروا الا بمصالحهم ونجاتهم.
فها هو ثابت يقف أمام الريح مرتعدا مذعورا، بعد أن طاردته وانهكت قواه
“والقمر كئيب، حزينٌ، يراقب الأحداث عن كثب، بصمت مطبق، ويعضُّ على شفتيه بشدة، حتى همَتْ دموعه على خدّيهِ”
وصفٌ رائع لموقف الحكومات العربية الجبان والصامت، وما عضّ الشفاه والدموع، الا ندما على ما فات
وخوفا من الآتِ.
وقد يكون ان الكاتب ذكر موقف القمر الصامت ليجد لثابت المبرر
لقبوله عرض الريح عليه،”بأن تبتلعه ويبتلعها”
بعد أن حاصرته بأسئلتها ومُغريات عرضها،
حتى اسمه “ثابت” جعله الخوف يخرج من فمه مرتعدا مهزوزا ،
ولعل اختيار هذا الاسم، جاء ليظهر لنا مدى استخفاف الريح- قوى الاحتلال-بثوابت هذا الشعب وانها قادرة على زعزعتها بوسائل وطرق شتى …
فكانت البداية، في بثّ سمومها، في تعزيز المنفعة الخاصة،” الابتلاع “
ولا يُبلع الا ما لا يُستساغ طعمه،
وعلى هذا الاساس بنيت هذه العلاقة الانتفاعية، ليسهل تقيؤ القوي للضعيف حين امتصاصه.
وهذا ما كان فبعد ان ضمنت الريح لثابت السلامة، وقدمت له المغريات
من هدايا وزيارات لأماكن لم يكن ليصل اليها بدون مساعدتها، وافق ثابت طلبها ونسيّ قريته التي دُمّرت
عن بكرة أبيها. كما قال هو!
ضمنت الريح لنفسها انتصارها على الشمس التي شكلت عائقا امام شراستها- وما الشمس الا ثورة الشعوب العربية على زعاماتها اولا واتحادها في وجه الريح-
وما وعدها لثابت بزيارة الاهرام والبتراء والبحر الميت وحتى سور الصين العظيم، الا لتجعله يدرك قوة أذرعها وطولها، وانها بالغة اهدافها لا محالة.
من هنا كانت نقطة الانطلاق، وبداية تكسير العيدان متفرقة واحدة تلو الاخرى( الدول العربية)، حتى استقوت ولم تعد تأبه بشمس في وضح النهار” فقد جمعت ما يكفيها من قوة وعزم، وأحزمة غليظة من الشّر” .
وخير برهان على هذه الاحزمة التهافت المذّل على التطبيع، من دول لحكومات مُنقادة.
ولم تعد بحاجة لثابت بعد ما اصابه من ترهلٍ فكري وانتفاخٍ بسبب انبطاحه السياسي ” وثابت يتذوق الذ الاطعمة وأشهاها، حتى غدا ثقيلا، وسمينا”ص15، حتى فقد مصداقيته لها ولقومه.
ولات ساعة ندم فالتاريخ بالمرصاد
لكل من تخلى عن موطنه وقومه،
فحين يحضُر ثابت طيفُ شوقٍ لقريته وأهله ويطلب العودة، تسخر منه الريح وترميه شرّ رمية، ليكون ما ناله حفنة رمل ينعفها بفضاء الصحراء. متوعدًا مهددًا : “الويل لك
أيّتُها الرّيح اللّئيمة…”
ووجود هذه النقاط الثلاث في نهاية القصة تعني ان القصة لم تنته بعد،
وأعتقد أن الكاتب اراد بها شرارة لصحوة آتيه.
قصة قصيرة بصفحات قليلة حكت النكبة وما تبعها من نكسات واتفاقيات سلام بدءا بكامب ديفيد
مرورا بأوسلو ومهزلة التطبيع، والحكاية مستمرة…
لكن وبمهارة من الكاتب جعل القصة تحمل معنى أمميا واسعا، فلم يخصها بمكان ولا زمان، وهو أهم أسباب نجاحها، هذا الترميز الذكي
الذي يجعل القارئ يقرأ قصته في كل مكان وقع فيه ظلم واحتلال.
….
غير أنها ليست قصة للأطفال دون الثانية عشرة او اكثر ، حيث يصعب
عليهم ادراك ما ترمي اليه.
أمّا من حيث تناول الطفل لها كقصة عادية، فهي قصة خيالية بامتياز ، يُحلّق بها الطفل بكل كيانه
وذرات خياله، خاصة وأن الكاتب
جعل عناصر الطبيعة التي تُشغل ذهن الطفل تلعب دور البطولة مع ثابت، الريح والشمس والقمر، الليل والصحراء والكهف، هي عناصر معلومة للطفل بحقيقتها، وخياله شاهد على عظمتها وقوتها.
وما رافق هذا الخيال من سرد متقن
بلغة رائعة الجمال وكثيفة الدلالات.
ورسومات معبرة تكمل رسالة النص
الأدبية والتربوية، والتي اراها
فيما يلي 1) إثراء خيال الطفل
وشحذ ذهنه.
2) إثراء قاموسه اللغوي، بكلمات وعبارات جديدة وجميلة.
3) تنمية ذائقته الفنيّة من خلال الربط ما بين النص والرسم.
….
وقد حملت القصة مفاهيم تربوية هادفة أهمها:
1) الاتحاد والتعاون والتفكير والعمل الجمعي لمجابهة الأخطار.
2) تنبيه الطفل من عدم الانصياع للأغراب تحت أي ضغط أو مقابل أي إغراء.
…
قصة استحقت وبجدارة ما منحت من جوائز ، من حيث المضمون والمبنى الفني، واللغة والسرد والرسومات .
وقد كانت طباعتها الاولى 2014 ، لكنها لا تنحصر في إطار القصص “الموسمية” احترمت
ذكاء الطفل وشخصه، وتركت له مجالا للتفكير في نهايتها التي تركها الكاتب مفتوحة.
كل الاحترام والتقدير الأديب سهيل عيساوي والى الامام نحو المزيد من
أدب الأطفال الجاد و المميّز.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق