الجمعة، 28 يوليو 2023

دراسة في قصة الأسد الذي فارق الحياة مبتسمًا للأديب سهيل عيساوي - بفلم : الدكتورة ميساء الصح



دراسة في قصة الأسد الذي فارق الحياة مبتسمًا للأديب سهيل عيساوي، رسومات وتنسيق الفنانة رنا حتاملة

صدرت القصة عن دار الهدى زحالقة، وقعت في (37)صفحة من الحجم الكبير 
تتحدث القصة عن الأسد الذي حكم الغابة لفترة زمنية وقد أحبته جميع الحيوانات برغم سلطته عليهم وقد حزن  الجميع لمرضه، وفي خطابه الأخير قبيل الموت شكر الجميع وطلب منهم العفو والصفح وكان مهتمًا بأن يحافظوا على ما بنى من علاقات اجتماعية ممتازة بين حيوانات الغابة.
جاءت هذه القصة على لسان الحيوان " لتنقل لنا مجموعة من القيم الإنسانية والتربوية بطرق غير مباشرة وبأسلوب ماتع.

ومن يطلع على القصة يعتقد للوهلة الأولى بأنّ الأسد كما في كل القصص، فقد اعتدنا قراءة الأسد كشخصية أنانية متسلطة، فالأسد هو أقوى الحيوانات، والقوي يأكل الضعيف في قانون الغابة، إلّا أنّه كان مختلفًا لدى كاتب هذه القصة، فقد كان قائدًا حقيقيًّا والقائد الحقيقي هو الذي يؤثر في أتباعه فيتبعونه بكل سرور وثقة، تربطه بهم علاقة قوية ذات مغزى، بحيث يطمئن الأتباع بأن القائد يبتغي مصلحتهم، إذ القائد الحقيقي هو الذي يقوم بتهيئة بيئة متينة تمامًا كما فعل الأسد.
رسالة الكاتب موجهة لطفل اليوم قائد الغد الذي سيبني المستقبل، تنقل القيم الإنسانية في التعامل والتعاون والقيادة الحقيقية.
تنتهي القصة ب"ومع إشراقة الشمس معلنةً يومًا جديدّا، عُلم بأنّ الأسد قد فارق الحياة مبتسما" (ص37).
يجد القارئ نفسه أمام مفارقةٍ ما، فمن يُحتضر يكون حزينًا متألمًا، كيف لا والفراق حزن، إلّا أنّ الفراق كان مُرضيًا ودليل الرضا ابتسامة الأسد، نعم كان راضيًا عمّا فعل وعما ترك، وقد أدى الرسالة على أكمل وجهٍ ممكنٍ.
فليست الحيوانات مُحبة بطبيعتها وإنما الأسد من كان سبب هذه الوحدة.
ففي نهاية القصة لم تتمكن من الاتفاق حول من سيكون القائد ليأخذ مكان الأسد وتفرقوا بعدها…

فيما يلي سيتم تحليل القصة بناء على أهم الخصائص التي ذكرها الباحث أحمد العياضي (2020) في دراسته حول الموضوع 

-الموضوع وهو عبارة عن فكرة القصة والإطار الذي تجري من خلاله الأحداث، وكما يبدو أنّ القصة التي أمامنا تتحدث عن العلاقات الجيدة والحميدة بين القائد والمقودين، وتدل على القيادة الحكيمة والناجحة، فقد استطاع الأسد أن يكون قائدًا مؤثرًا يهابه الجميع ويحبونه ويحبهم.
وفيما يلي إشارة إلى بعض المواضع في القصة والتي تدلل على ذلك:

"يحكمها قائد شجاع تهابه الحيوانات والطيور وتكنّ له الاحترام والوقار، ولا تخالف شرعه وتعليماته، عندما يزأر ترتعد فرائصها خوفًا" (ص4).
تحترمه أيضا اللبؤة التي كانت تصطاد له غزالًا صغيرًا كي يتناوله(ص9).
والأسد يثق أيضا بالثعلب"سمع الثعلب -طبيبه الخاص-بما جرى لملك الغابة، فأصابه الإحباط والقنوط وشعر بكبر المسؤولية"(ص10)
وعندما جاءت الحيوانات لزيارته.

"تحدث الضبع وتمنى له الشفاء العاجل، وأقسم بأغلظ الإيمان أنّ الضباع تقدم له أجود أنواع اللحوم"(ص28)
"وثب النمر من بين الجموع وقال أيها الأسد العظيم، ملك غابتنا، كنت لنا نعم الأب والقائد والمعلم والسند والصديق…
سوف تفتقدك الغابة لأجيالٍ قادمةٍ لأنّ بصماتك راسخة"(ص29)وهكذا بالنسبة لبقية الحيوانات فكلٌّ أدلى بدلوه بالنسبة لرأيه بالأسد.

"نهض من فراشه، وزأر بصوتٍ مرتجفٍ، مسكونٍ بالحزن والحنين، وقال : شكرًا جزيلًا لكم أيها الأصدقاء الأوفياء، ليس سرًّا بأني راحلٌ عنكم عما قريب، وقد تركت لكم غابةً واسعةً، غنيةً وجميلةً، ونسيجًا اجتماعيًّا متينًا، فلا تفرطوا به، سامحوني إن أخطأت بحق أحدكم، أحبكم لو تعلمون كم!"(ص31)

"خرجت الحيوانات من عرينه بخطوات حثيثة محدثة جلبة كبيرة، غارقة في التفكير، والخوف يسكن قلوبها"
(ص32)

-البناء أو الحبكة: يؤكد أحمد نجيب في دراسته بعنوان 
أدب الأطفال علم وفن (1991) على أهمية البناء أو الحبكة، وذلك بعد تحديد الموضوع، فلا بد من وضع سلسلة الحوادث المترابطة والمنظمة على نحو خاص، بحيث تسرد بشكل فني ومؤثر، أي بكلمات أخرى هي القدرة على إحكام القصة بطريقة منطقية ومقنعة. 
كما أشار إلى أهمية الشخصيات وهي العناصر الأساسية في العمل الفني لذلك لا بد من اختيار شخصيات تناسب موضوع القصة بحيث يشعر القارئ بصدقها وهي تتحدث فيراعي الكاتب الوضوح والتميز والتشويق(أحمد نجيب، 1991)
كما يظهر في الأمثلة التالية:
 "خرج الثعلب مسرعًا دون أن ينبس ببنت شفة، يبحث عن أعشاب نادرة في أعالي التلال لعله ينقذ الأسد من براثن الموت المحدق"(ص15)

"أخذت تتوافد الحيوانات على عرين الأسد الذي كان مشرع الأبواب، لتدخل الوفود بلا عقبات"(ص26)
لقد اختار الكاتب سهيل عيساوي شخصيات قصته من عالم الحيوانات، وهو العالم القريب للطفل، ونقل لنا عبر هذه الشخصيات القيم الإنسانية والأخلاقية التي قصدها عبر ربط أحداثها وتنظيمها بإحكام وبمنطقية وإقناع للقارئ.

الأسلوب: وهو الوعاء الذي يستخدمه الكاتب لعرض القصة أو الأسلوب الذي من خلاله قام الكاتب بنقل أفكاره وموضوعه فالكاتب الجيد هو الذي يتناسى موضوعه وأفكاره مع أسلوبه في تقديم القصة، وقد نجح الأديب سهيل عيساوي في إيقاظ حواس الطفل وجذبه وإثارته حتى يندمج بالقصة ويؤكد الباحث مفتاح محمد الذياب أنّ عملية وصول انفعالات الكاتب للقصة تنعكس على الطفل القارئ وتعمل على تكوين صورة حسية مناسبة. (مفتاح محمد،1995) 

لا بد أن الكاتب الذي يكتب لهذه الفئة يجب بأن تكون أفكاره رقيقة على سمع الطفل ولسانه، شائعة الاستعمال، مأخوذة من قاموس الطفل اللغوي، حتى يفهم الطفل المقصود من غير عناء ولا تعب. قريبة من عالمه وإن كانت خيالية على لسان الحيوان. 

نستطيع القول بأنّ هذه القصة تخاطب الصغير والكبير 
فالقارئ يتعاطف ويتفاعل مع الأسد ومع جميع الحيوانات التي تأثرت عليه.
 كما أنها تمثل المجتمع الإنساني الذي لا يخلو من السوء برغم الخير فعلى سبيل المثال جاء أنّ الأفعى قالت في مرض الأسد "الأفاعي أشاعت أنها لعنةٌ أصابته بسبب ظلمه للحيوانات" (ص17)
مما يقرّب الطفل من عالم القصة ليربطها مع الواقع
فهناك دائمًا المبغضون مهما كان الإنسان عادلًا وحسنّا فهذا واقع المجتمع.

 استخدم الكاتب التعابير القريبة من عالم الطفل والتي تتناسب مع الفئة العمرية التي قُدّمت لها القصة.
فجاء: "فلا يقوى على التهامه بيسرٍ، أصابه الإحباط والقنوط، مشى إلى عرين الأسد بخطوات ثقيلة" حتى لو أنّ الطفل لم يقرأ مسبقًا هذه التعابير فإمكانه فهمها من خلال السياق والقالب الذي تمّ به وضع الأحداث.

-الزمان والمكان: وهي عبارة عن بيئة القصة الزّمانية والمكانيّة أي أين ومتى حدثت أحداث القصة، 
البيئة الزمانية: تدل على البعد الزماني الذي حدثت به أحداث القصة فقد تكون في الماضي أو الحاضر أو المستقبل أو قد تجمع بين زمنين، ومثل هذه القصة تجمع بين ما حدث وما من الممكن أن يحدث في المستقبل.
أما بالنسبة للمكان فقد وصف الكاتب الغابة مع بداية القصة 
"مترامية الأطراف، يجتازها نهر كبير تتدفق فيه المياه بقوة، أشجارها باسقة(ص4). 
وبالمعنى الأوسع قد تُشير هذه الغابة بدورها إلى المجتمع الإنساني كما تمت الدلالة على ذلك، فهذه الغابة تميزت بروح المحبة والتآخي بين الحيوانات التي كانت جميعًا قلبًا واحدًا على الأسد، وتصرفت كما يتصرف الإنسان في الكثير من المواقف. 
فأية إنسانية تجمعت في هذه القصة! "يدخل الثعلب على رؤوس أصابعه كي لا يزعج الأسد" (ص13)
تجد نفسك هنا أمام إنسان مريض يخاف الآخرون عليه فيراقبون حتى خطواتهم!

-أهداف القصة:
إنّ الأدب المقدم للطفل له أهداف مختلفة ومتنوعة فمن الممكن أن يكون الهدف عقائديًّا أو تربويًّا أو تعليميًّا يهدف لإكساب الطفل معلومات حول موضوع معين أو الترفيه والتسلية، أو الوعظ والإرشاد والتوجيه أو غير ذلك من الأهداف الأخرى. (أحمد العياضي، 2020) 

ولا بد أنّ هناك أهمية للقيم على المستويين الفردي والجماعي فتضبط شهوات الفرد كي لا تتغلب على عقله ووجدانه، كما أنها توجهه لكيفية التعامل مع الأحداث المستقبلية، وعلى المستوى الجماعي تدعو إلى التماسك والثبات النسبي لممارسة الحياة الاجتماعية السليمة وتنقّي المجتمع من الأنانية المفرطة والشهوات الطائشة.

ستركز هذه الدراسة على الهدف التربوي، بحيث يرى الدكتور محمد حسن بريغش أنّ الهدف التربوي يرتبط بأمرين اثنين: البناء والحماية والبناء يعني بناء النفس الصغيرة والتحرر من العبودية لأي شيء سوى لله عز وجل فيحمل الإنسان الأمانة والمسؤولية.
أما الحماية فهي حماية الفطرة البريئة من الوقوع في المفاسد والمغريات وأهواء الحياة والضلالات الفكرية والسلوكية.

وبهذا يجب على أدب الأطفال أن يكون مربيًّا موجهًا للطفل على الأخلاق والقيم الحسنة والفاضلة ذات أهداف تربوية سامية تعزز روح التضحية وتغرس العزة بالانتماء فطفل اليوم هو رجل الغد وعليه تعتمد الأمة وكما يبدو واضحًا مما جاء في القصة التي أمامنا أنّ الكاتب يؤمن بدور الطفل، ولهذا فقد جعل الأسد رمزًا للقوة وحمل الأمانة والمسؤولية على أكمل وجه ممكن، لم يفكر بأهدافه الخاصة وإنما عمل من أجل الجميع ونجح في جعل الجميع يستمعون إلى كلمته ويقدّرونه ويحبّونه في ذات الوقت، وكان حتى في مرضه لا يتوانى عن ذكر محاسن الآخرين،
"أهلا وسهلا بطبيبي الثعلب الماهر ذائع السيط…"(ص13).

ومن الواضح بأنّ القصة أجابت أيضًا على الهدف التعليمي والذي يسهم بشكل فعال في تنشئة شخصية الطفل وتوسيع قدرته العقلية والفكرية واللغوية والثقافية، وتنمية مهارات القراءة والكتابة لديه، وتزويده بثروة لغوية عربية فصيحة، وهذا يتطلب من الكاتب بأن يكون على معرفة بقاموس الطفل اللغوي من أجل تحقيق نموه اللغوي. (محمد حسن بريغش، 1996) ففي القصة التعابير التي من شأنها بأن تنمي وتزيد من الثروة اللغوية لدى الطفل، وتعمل على تزويد الطفل بمجموعات متكاملة من الألفاظ والكلمات وتدريبه على طلاقة اللسان عند التعبير عن رأيه في أحداث القصة، كما أنها تفتح له العديد من المجالات للتساؤل والتوقع حول ما أصاب الأسد وحول ردة فعل الحيوانات وادعاء كل منهم حول سبب ما أصاب الأسد.

الهدف الترفيهي: يرتبط هذا الهدف بالأهداف السابقة لكون الطفل يميل بطبيعته للتسلية والمتعة ويمل من كثرة الصرامة والجدية، كما ويميل إلى ما يشعره بالفرح ويدب السرور في نفسه، ولذلك ينبغي أن تقدم قصة الطفل بقالب فني ترفيهي فيه فن وروح التسلية والمتعة بحيث تزيد من فضوله وحب استطلاعه للاطلاع واكتشاف المزيد، ويتفاعل حينها مع المحتوى فيكتسب الطفل منها خاصة إذا تم تقديمها وصياغتها في نسيج فني يجمع بين المتعة والفائدة، وكان لاختيار شخصيات القصة الأثر الواضح والذي انعكس بالمتعة على القارئ وخاصة أن هذه الشخصيات أخذت دورًا غير اعتيادي والتي من شأنها إثارة القارئ وفي ذات الوقت فالطفل يستطيع التماهي مع كل كلمة وكلمة، ويكون جزءًا لا يتجزأ من شخصيات القصة فيشاطر الحيوانات الألم على ما جرى للأسد.



ملخص:
إنّ الكتابة للأطفال ليست موضوعًا بسيطًا سهلًا كما يظن البعض، فعلى الكاتب مراعاة خصائص الطفل واحتياجاته، ومراحل نموه العقلي والانفعالي والنفسي والمعجم اللغوي للطفل، هذه الفئة الحساسة تستوجب ترسيخ سلوكها الحضاري بالمبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية السامية حتى تكون هذه الثقافة الموجهة للطفل  أصيلة متفتحة علمية تواكب روح العصر،
وتكوين ثقافة للطفل تتناسب مع البيئة التي يعيش فيها، وما أحوجنا في مجتمعنا العربي إلى تنشئة طفل مسؤول واعٍ وقائد مستقبلي يستطيع بأن يأخذ الشعب نحو الأفضل، والارتقاء بأدب الأطفال في المجتمع العربي 
يوجب تضافر جهود المهتمين به حتى يتناسب مع ما يُقدم للطفل ولمستواه ونموه وشخصيته.

لقد استطاع الكاتب سهيل عيساوي رسم معالم القائد الناجح والمتعاضد مع الشعب، بأسلوبه الشائق  وغرس قيمة التعاون والمحبة بين القائد والعامة؛ فليس معنى أني قوي أنّه  عليّ الاستعلاء على الآخرين، وليس معنى أني أملك ما لا يملكه الآخرون بأنه علي أن أعاملهم بسوءٍ
القصة مثال لخلق روح الإبداع والتعاون والعمل وبعث الشعور بدور الطفل في بناء مجتمع صالح. 

لقد نجحت القصة في نقل القيم التربوية وتنمية اتجاهات مختلفة، لعل الكاتب قام باختيارها قصدًا وبعناية فائقة، وقام بالتركيز على أنماط سلوكية بحيث يجد فيها الطفل القدوة والمثل.
نذكر على سبيل المثال زيارة الحيوانات للأسد في بيته وتمني الشفاء له، بات من يقرأ القصة يشعر وكأن الكاتب ينقل لنا واقعًا إنسانيًّا.
نستطيع القول: إنّ قصة الأسد الذي فارق الحياة مبتسمًا 
تسهم في تزويد الأطفال بحصيلة لغوية وتزيد من خبراتهم وتنمي معارفهم العامة، وخيالهم وقوة ملاحظتهم وتشبع الجانب الاجتماعي مما يسهم في تكيّف الفرد مع بيئته وتوسع نظرته للحياة وتساعده في تكوين علاقات اجتماعية سوية، وهذا ليس بالغريب عن الأديب سهيل عيساوي وهو من المبدعين البارزين في البلاد والذي يشهد له الجميع بجودة وغزارة نتاجه للأطفال،
بوركت جهود الأديب سهيل عيساوي وهنيئًا للطفل العربي بهذه القصة .

رمضان عامر يقدّم "السّقوط في الشّمس لسناء الشّعلان في بولندا

 






رمضان عامر يقدّم "السّقوط  في الشّمس لسناء الشّعلان في بولندا

 

جامعة وارسو/ بولندا: قدّم الأستاذ الدكتور المصريّ رمضان أحمد عبد النّبي عامر أستاذ الأدب العربيّ في قسم اللّغة العربيّة في كليّة الآداب في جامعة بني سويف المصريّة ورقة بحثيّة بعنوان "تجليّات الأسطورة في لغة السّرد العربيّ المعاصر"، وذلك مشاركة منه في أعمال المؤتمر العالميّ العلميّ:

INTERNATIONAL CONFERENCE MODERN ARABIC LITERATURE BETWEEN MYTH AND REALITY

"المؤتمر الدولي للأدب العربي الحديث بين الأسطورة والواقع"، الذي احتضنته كليّة الدّراسات الشّرقيّة في جامعة وارسو في بولندا على امتداد يومي 1-2/6/2023

    رواية "السّقوط في الشّمس" هي للأديبة أ. د سناء الشّعلان (بنت نعيمة) الملقّبة بـ"شمس الأدب العربيّ"، وقد صدرتْ في ثلاثة طبعات متتالية، آخرها عن مركز التّنور الثّقافيّ الفنلنديّ العربيّ، وقد حصلت على الجائزة الأولى في الجائزة الأردنية الشهيرة " جائزة صلاح الدين الأيوبي"، وذلك في العام 2005، كما حظيت بدراسات نقديّة وأكاديميّة وبحثيّة كثيرة، وهي رواية اجتماعيّة رومانسيّة تنطلق من فلسفة سوداويّة.

  ذكر الأستاذ الدكتور المصريّ رمضان أحمد عبد النّبي في بحثه بعنوان "رواية السّقوط في الشّمس للكاتبة سناء الشعلان أنموذجاً" هذا البحث: يتناول تجليّات الأسطورة في الأدب العالمي بشكل عام وفق كل حضارة عالمية أو محلية ووفق ثقافة كل شعب من شعوب العالم أو أمة من الأمم وفق ما شاع لديهم من أساطير نشأت من جذور تلك الأمة ومن أصيل ثقافتها ومعتقداتها أو ما تلاقحت فيه مع ثقافات وحضارات أمم أخرى.

كما أن البحث سيقف على تجليات الأسطورة في الأدب العربي بشكل عام والأدب العربي الحديث بشكل خاص وفق خريطته الحضارية والثقافية التي تشمل عددًا من الثقافات والحضارات التي تركت تنوعًا ثقافيًّا وحضاريًّا ترك أثره في تشكيل لغة الأدب العربي المعاصر بأنماطه وأنواعه الأدبية المختلفة شعرًا كان أو نثرًا، كما استوعب الأدب العربي إلى جانب هذا التنوع الثقافي أنماطًا من أساطير عالمية جاورته أو تلاقحت مع ثقافات الأمم التي انضوت تحت لوائه أو جاورته، وتجسدت في لغة مبدعيه.

يركز البحث على تجليات أنماط الأسطورة ولغتها ومعطياتها في تشكيل لغة السرد العربي في إحدى روايات الكاتبة والناقدة الدكتورة سناء الشعلان بشكل خاص؛ وهي مبدعة وناقدة لها أعمال أدبية ونقدية كثيرة في مجال الأدب العربي المعاصر ونقده، خاصة في روايتها (السقوط في الشمس)، ويتتبع البحث ملامح الأسطورة وسماتها في لغة الكاتبة وتشكيلها لبنية النص الروائي في تلك الرواية؛ سواء أكان على مستوى الزمان أم المكان أم وصف الشخصيات في تلك الرواية.

Manifestations of the myth in the language of contemporary Arab narrative

(The novel "Falling in the Sun" by writer Sana Al-Shaalan as an example)

 The research deals with the manifestations of myth in world literature in general, according to each global or local civilization, and according to the culture of every people of the world or a nation of nations, according to the myths that have spread to them that arose from the roots of that nation and from the origin of its culture and beliefs, or what it fertilized with the cultures and civilizations of other nations.

 The research will also stand on the manifestations of the myth in Arabic literature in general and modern Arabic literature in particular, according to its civilizational and cultural map that includes a number of cultures and civilizations that left a cultural and civilizational diversity that left its impact on shaping the language of contemporary Arabic literature with its different literary styles and genres, whether poetry or prose. In addition to this cultural diversity, Arabic literature absorbed patterns from global myths that bordered it or crossed with the cultures of nations that joined under its banner or neighboring it, and were embodied in the language of its creators.

The research focuses mainly on the manifestations of the patterns, language and data of the myth in the formation of the language of the Arab narrative in one of the novels of the writer and critic Dr. Sana Al-Shaalan in particular; She is a creator and critic who has many literary and critical works in the field of contemporary Arabic literature and its criticism, especially in her novel (The Fall in the Sun). Whether it is at the level of time, place, or the description of the characters in that novel.

 

"عودة جفرا " الشاعر مفلح الطبعوني

أهداني  الأديب والشاعر مفلح الطبعوني  ، ديوانه الجديد ، "عودة جفرا "،  إصدار  دار  عنات للطباعة والنشر  - رام الله  ، التصميم والخطوط المربي عايد علي الصالح ، لوحة الغلاف للفنان تيم طبعوني - الناصرة - ، يقع الديوان في 128 صفحة من الحجم المتوسط ، قدم الديوان  الباحث والناقد الدكتور رياض كامل ، جاء بها " رسم الشاعر خطوط الطول والعرض ، ووضع حدودا واضحة لمسيرته ولرؤيته الفكرية ، دون أن يحيد عنها قيد أنملة ، واضح ، صريح وشغاف ، يعلن مواقفه دون مهادنة ، يدعم حق الشعوب المقهورة في استرداد حقها ، أممي حتى الثمالة ، وبسيط حد المباشرة ، وشفاف حد المكاشفة الحادة ، وضعيف حد البركان لا يلجم  عواطفه حين تلامس شغاف قلبه امرأة تخرج صباحا للبحث عن لقمة خبز تسد رمق طفل ينتظر عودتها "


من عناوين القصائد ؛ عودة حفرا ،  زغاريد الاكاليل ، أبجديات الجرمق. الى محمد نفاع ، السائد المأزوم ، حفرا ، قبقاب  الذاكرة ، عقابيل ، اختمار الحناء .








صدر حديثا ؛ غربال الأحاجي - قصة للأطفال

 

صدر حديثا ؛ غربال الأحاجي - قصة للأطفال ، تأليف الدكتورة راوية جرجورة بربارة. ومجموعة من طلبة الإكليريكية - الناصرة ، إشراف المربية أهيلة عواد. عن دار سهيل عيساوي للطباعة والنشر ، والمدرسة الإكليريكية  - الناصرة. تقع القصة في 40 صفحة من الحجم المتوسط ، مزينة بلوحات ميريل عويد ، ندى أبو أسعد ، لوحة الغلاف بريشة الفنانة التشكيلية روان جبارين . جاء في مقدمة القصة " غربال الأحاجي ، تجربة إبداعية فريدة بنوعها ، مشتركة بين كاتبة القصة الأديبة والمفتشة للغة العربية في البلاد ، الدكتورة بربارة وكوكبة من طلبة الإعدادية في المدرسة الإكليريكية  " المطران " ، حيث تخرجت الكاتبة من ذلك الصرح الشامخ في الناصرة … تعود بنا القصة إلى  أيام جائحة الكورونا ، وما عايشناه في تلك الحقبة من نهج حياتي ممل،  وحجر ، وملل وشاشة زوم لم نعتز عليها سابقا ، تلتقط القصة توثيقا لتفاصيل علقت بذاكرتنا منذ ذلك الزمن ، وستنضم لأدبيات " الكورونا "  .
القصة كتب بأسلوب جذاب ولغة جميلة.



صدر حديثا : " أجمل في أناي " للشاعر معين شلبية

أهداني الشاعر والصديق معين شلبية ، ديوانه الجديد " أجمل في أناي " ، الصادر عن دار الأهلية للنشر والتوزيع ، عمان ، المملكة الأردنية الهاشمية ، تصميم الغلاف زهير أبو شايب ، يقع الديوان في 224.  من الحجم المتوسط . طباعة قشيبة. 

قدم الديوان الشاعر سليمان دغش ، جاء بها " معين شلبية ، موجة متمردة خرجت عن  المألوف ، معلنة رحلتها اللازوردية ، نحو شواطىء الحلم المشتهى ، على شراع من القلق الإنساني الوجودي . هو لا يكف عن التحدي الكبير المتمثل في جماليات اللغة الشعرية العالية ، الحاملة القيمة الحداثوية ، بوصفها  المعيار الأهم في الحكم على جدارة النص الأدبي ". 
من عناوين  القصائد ؛ في الخريف الأخير ، رحيل الروح ، وحدي في المساء المشتهى ، رؤيا ، حصان الروح ، هل يغريك الموت ؟ ، نافذتي الضبابية ، هجرة الأشواق العارية ، مرايا الغمام ، قبل الماء ، بماء اللازورد ، اذهبي للبحر  يا حبيبتي ، على غيمة من الحب والاغتراب ، حين خلعت جسدي ، ليًا ونبيذ وامرأة ، موسيقى الجسد. كم أحبك يا حبيبتي. 

للشاعر معين شلبية عدة أعمال شعرية منها ؛ 
-  الموجة عودة 
 بين فراشتين 
- ذاكرة الحواس 
- طقوس التوحد 
- هجرة الأشواق العارية 
- قصائد  عالقة 
- بماء.  اللازورد 
-   كرائحة الياسمين 

اضافة الى أعمال نثرية. ( تأملات ، مساء ضيق ، شطحات ).














صورة داخلية

صورة داخلية





الخاسر الرابح ميسون أسدي

 



قصة قصيرة

الخاسر الرابح

ميسون أسدي

 

كنت بعيدة جدًا عن هذا العالم الذي نبع من الفن التشكيلي. عالم تصميم الجرافيك وتوابعه، إلى ان جاء اليوم وقررت إصدار أول كتاب لي وكان عبارة عن مجموعة قصصية. عندها كنت مضطرة للاستعانة بمصمم للكتاب واعتقدت بأن التصميم يقتصر على الغلاف. أخبرني أحد الاصدقاء ان الامر ليس بهذه السهولة وسيعرفني على صديق متخصص في هذا المجال وبارع فيه. لم استوعب الأمر، لكنني أخذت بمشورته وذهبت إلى ذلك الصديق ويدعى شربل.

ذهبت إلى محل عمله وما هو إلا عبارة عن غرفة متوسطة اقتطعها من بيته وجعلها مكان عمله. نظرت حولي فرأيت اكوام من الكتب والأوراق والمنشورات والملصقات وما شابه. فوضى عارمة لم افهم كيف يتدبّر أمره مع كل ما حوله. اكتشفت بعد ذلك عندما تعرّفت عليه أكثر، بأنه يعرف كل قطعة كبيرة أم صغيرة داخل هذه الفوضى ويستطيع أن يخرجها بثانية، فالأمر على حدّ تعبيره فوضى منظمة.

بدأ شربل يشرح لي ما يقوم به لإخراج كتابي على أجمل وجه. بدءا من تصميم الغلاف، اللوحة، نوع الخط وتوزيع الكلمات على الغلاف. توزيع الصفحات في الداخل. أظهر لي عدة نماذج، حتّى اختار احداها.

عندها فقط أيقنت بأن هذا الجزء من مراحل حلة اصدار الكتاب هو جزء هام جدًا، فسألته عن التكلفة فأخبرني عن مبلغ معين لم أعرف إذا كان هذا كثير أم قليل. فيما بعد عرفت بأن العاملين في هذه المهنة يأخذون مبلغًا أكثر بكثير فعزوت معاملته لي لأنني جئت عن طريق صديق مشترك.

بعد زيارتي الاولى لهذا المصمم واستمتاعي بحديثه عن هذا العالم من الابداع، اخذت بزيارته عدّة مرات بحجة الاطمئنان عن سير العمل. كنت أهدف للاستماع والاضطلاع أكثر وأكثر وقد كان شربل على ثقافة واسعة جدًا في عالم الفنون التشكيلية وثقافة عامّة كبيرة.

في لقاءنا الاخير لاحظت ان لديه قالب عبارة عن برواز خشبي مضغوط في داخله كتابة حروف معدنية، سألته: ما هذا؟

فقال لي: هذه مقطوعة تذكارية قديمة احتفظ بها وهي عبارة عن طريقة الطباعة الأولى، حيث كانوا يطبعون الاحرف على قوالب من معدن الرصاص ثمّ يقومون بدهنها بالحبر ويمدون عليها الورق الذي يريدون ان يطبعوا عليه ويضغطونه فتخرج الاحرف على الورق.

-        تقصد مثل الاختام المصنوعة من المطاط؟

-        صحيح، لكن الاختام ثابتة... في عالم الصحافة مثلا، كانوا يضطرون إلى تغيير هذه الاحرف يوميًا والاخبار لا يعاد نشرها مرّتين. سازيدك معلومة. هل سمعت باسم وكالات الانباء مثل "فرانس برس"؟

-        نعم وهناك أسوشيتد برس.

-        ماذا تعني كلمة برس؟

-        اظن أنها صحافة؟

-        هل تجيدين الإنجليزية؟ لم اسالك ماذا تعني فرانس بريس بل بريس لوحدها.

-        اه برس، تعني ضغط.

- صحيح لأن طباعة الصحف في الماضي كانت مثلما شرحت لك قبل قليل عن طريق الضغط حتى أنه بعد ذلك ظهر للعالم نوع من المبدعين وخصوصا التشكيليين أطلقوا على أنفسهم الانطباعيين والتي جاءت من نفس المصدر.

سعدت كثيرًا بهذه المعلومات الجميلة والمثيرة وقد لاحظ شربل الأمر وأراد ان يبهرني أكثر وسألني:

-        هل تعريفين من اين جاءت كلمة نيوز؟

-         هذه الكلمة واضحة تعني اخبار واعتقد ان مصدرها نيو جديد.

فقال لي: لا، نيوز هي اختصار لأربعة كلمات كان الهدف منها أن الذي يبث الاخبار لديه معلومات ومصادر من جميع انحاء العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا:  North الشمال East الشرقWest   الغرب South الجنوب.

بعد عدّة أحاديث بيننا واضطلاعي على ما انجزه لي في كتابي من تصميمات رائعة وجميلة تبادر إلى ذهني سؤال ملح، خصوصًا بعد أن عرفت أن التكلفة التي يأخذها المصممين الآخرون على هذا العمل هي أكثر بكثير وقلت له مدعية بان هناك شخص سألني عن التكلفة لمثل هذا العمل فاستغرب السؤال وقال:

-         انت تعرفين، سآخذ منه نفس التكلفة التي اخذتها منك.

-        لا، لا، هو ليس صديقي ولا أعرفه، هو مجرد شخص.

فقال لي: ما الفرق؟ هذه هي تسعيرتي

فقلت له: هذا سعر قليل وأنا أعرف بأن الآخرون يتقاضون سعر أعلى من ذلك بكثير، فكيف تقبل بذلك؟

فأجابني بابتسامة: لديّ من الاعمال الكثير ومن كثرتها لا أستطيع إنجازها، هل تعرفين لماذا؟

أومأت براسي: لا

فقال وهو يسكب لي القهوة: سأروي لك هذه القصة... في حيّنا كان هناك حلاقا ثرثار ويتبجح بأنّه الاذكى في كل صغيرة وكبيرة. في أحد المرّات كنت جالسًا على كرسي الحلاقة وفجأة توقف عن عمله وقال لي "انظر ماذا سأفعل بهذا الولد الغبي، فهو يمر في كل يوم من امام المحلقة وأفعل به نفس الشيء ويصرّ على غباءه" فاستغربت الامر ولم يمهلني حتى نادى على الولد، ووضع في يده اليمنى عشرة شواقل وفي يده اليسرى عشرون شاقل وقال للولد أيهما تختار اليمنى أم اليسرى؟ فما كان من الولد إلا أن مدّ يده بسرعة للعشرة، أخذها وخرج. فضحك الحلاق وقال لي "هل رأيت كم هو غبي هذا الولد. اختار العشرة بدل العشرين"... لم يرق لي ما حدث للولد فهو مسكين وبائس ويستحق أكثر من ذلك فقرّرت بنفسي ان الحق به وأبيّن له خطأه.  وعندما استوقفته وبيّنت له الأمر، قال لي وعلى وجهه ملامح بسمة خفيفة "يا أستاذ، أنا أمر بدكان الحلاقة كل يوم، وكل يوم يعيد الحلاق فعلته هذه معي، وأنا أعرف جيدًا أن العشرين أكبر من العشرة، ولكنني أعرف بأنّني إذا اخذت العشرين، لن يعيد فعلته معي في اليوم التالي وستكون العشرين آخر مرّة وسأفقد العشرة التي اخذها كل يوم. نظرت للولد وقلت له في بداية حديثك قلت لي يا استاذ في الحقيقة أنك انت الأستاذ...

 

دون مخرج ميسون أسدي

 



قصة قصيرة

دون مخرج

 

ميسون أسدي

 

فاجأني أحد الأصدقاء بأنّه متابع دؤوب لكل ما أكتب، وقد أشار إلى إحدى القصص التي تحدّثت فيها عن التعليم في مدينة عكا، والتي استقيتها بنفسي من أحاديث زوجي المتكرّرة عن المدارس هناك والذي بنفسه تنقل بين جميعها... قال لي الصديق، اسمعي هذه القصّة التي لا يعرفها زوجك:

في تلك الفترة، كانت المدارس في المدينة تعجّ بالمدرّسين القادمين من القرى الجليليّة المجاورة. وكانت نسبتهم عالية جدًا وخاصة خريجي مدرسة يني في كفر ياسيف. في نفس الوقت، كانت هناك نظرة استعلائية من قبل أهل المدينة للوافدين من تلك القرى، نابعة من الحسد والجهل لما يقدمه اولئك المعلمون، وقد عمل العديد من الخبثاء واذناب السلطة على تعميق تلك النظرة وزرعوها في نفوس الطلاب، فكانوا لا يجرؤون على التطاول على المعلمين فيبثون حقدهم على زملائهم الطلاب القادمين من تلك القرى وينعتونهم بالفلاحين، غير مدركين أنه بعد سنوات قادمة سيكون كل هؤلاء الفلاحين من المتفوقين وهم أنفسهم دون مرتبة.

وكانوا يتحيّنون الفرص للنيل من مدرّسيهم، والمدرس الذي كان يخطأ في السيطرة أو أداء أي مهمّة منوطة به، كان يعاقب بشكل عنصري مقيت. وكنّا نرى بعض المدرسين الضعفاء يفرّون هاربين لوحدهم من سلك التعليم في هذه المدينة، نظرًا لما يعانونه من الجو العنصري السائد. في المقابل، كان هناك مدرّسون أقوياء واعون لتلك اللعبة، فكانوا يفرضون سيطرتهم بعدّة طرق مبتكرة، ثم تدريجيا يبدؤون بمصادقة الطلاب دون التخلّي عن السيطرة.

كان موضوع الرياضيات من المواضيع التي تعتبر صعبة للتلاميذ وعملية تحبيب الطلاب بهذا الموضوع كانت عسيرة جدًا، ومن النادر أن يأتي معلم يجعل الطلاب يحبّون مثل هذا الموضوع. والحديث هنا يدور عن أوائل السبعينيات ولا اعتقد أن الأمر تغيّر كثيرًا في وقتنا الحالي، لكن في تلك الفترة كان الأهالي يهتمّون أكثر بمستوى اولادهم التعليمي وكانت اساليب التعليم صارمة جدا وما زال المعلمون يحتفظون بهيبتهم المبالغ بها. لكن هذه الهيبة كانت تساعد نوعًا ما في ارغام الطلاب على مذاكرة دروسهم في البيت لأن اساليب العقاب البدني كانت متاحة ومعظم المعلمين كانوا يستعملون هذه الاساليب لإرغام الطلاب على الحفظ والمذاكرة. بمعنى آخر كانت الأمور مفروضة، وكما نعلم ان المفروض مرفوض مثلما هو الممنوع مرغوب، والنتيجة كانت خلق نوعية من الطلاب الحفظة دون فهم، ليحصلون على علامات عالية، ممّا لا يفيدهم في المستقبل باستثناء الموهوبين وهم قلة والمجتهدين الذين أدركوا ما يصبون اليه مبكرا.

في صفنا في الاول اعدادي، حضر الينا استاذ غريب الشكل والطباع شعره أشقر ومجعد كالأجانب مع انه جاء من قرية إلى المدينة. فنظر اليه الجميع بإعجاب واستخدم هذا المربي وسائل تعلمية وتأهيلية خاصة لكي يقوم بتحفيز القدرة التحليلية في دماغ الطالب، ولكي يكون قادرا على إجراء المعادلات الرياضية بالطريقة الصحيحة والسليمة.

كان مميّزا بطريقة تعليمه، حيث علم مسبّقا بأنّ الموضوع صعب على الطلاب، لكنّه كان يعلم أنّه يمكن بطريقة ما جعل الطلاب يحبون الموضوع، وبمجرد ابتدائه بالتدريس بدأ الطلاب يتفاعلون مع الموضوع وكأنهم يشاهدون عرضا فنيا أو مسرحيا، فكان يروي قصصا جميلة ليمرّر نظريات وعمليات حسابية تعلق بذهن الطالب وبالنتيجة كان الطالب يفهم المعادلة من القصة الظريفة المضحكة. كأن يروي القصة عن جدته التي كانت راكبة على عربة يجرها حمار ومن تحتها مئة حبة من الفجل ذاهبة إلى السوق لتبيعها، لكن الحمار رأى في طريقه اتان ووقف فجأة ممّا ادى إلى سقوط كمية من الفجل على الارض وتلوثت بالوحل، وطار فستان جدته وشاهد جميع المارة شنطيانها الأحمر المرقع. وهنا تبدأ المعادلة الحسابية لقد سقط من العربة عدد معين من الفجل مما سيؤدي إلى الخسارة. فكّرت الجدة وقالت سأرفع سعر الفجل حتّى أعوض الخسارة التي سقطت، ووسط اندماج الطلاب يسألهم المعلم: ما هو السعر الذي وضعته الجدة لكي تعوض خسارتها؟.

كانت قصصه جميلة والطلاب يتجاوبون بشكل منقطع النظير، حتّى أنه أحدث طفرة في تعليم هذا الموضوع الجاف. وبدأ الطلاب يحبون الرياضيات، ولأول مرّة تعامل الطلبة مع هذا المعلم دون رهبة كما كان متوقع في ذلك الوقت وخاصة داخل المدارس الأهلية. لقد كسر هذا المعلم حاجز الرهبة بينه وبين الطلاب على عكس باقي المربين الذين كانوا يفرضون سطوتهم بأساليب الضرب وما شابه.

استمر هذا الأمر إلى أن جاء يوم وكان المعلم يدرّس كيفية استخراج القاسم المشترك بين عددين كسريين، فسأل الطلاب عن القاسم المشترك: هل تعرفون ما اسم هذا؟ فرفعت احدة الطالبات يدها وقالت انه المخرج وهذا ما سمعته من المعلم السابق، عندها صعق المعلم من هذه الاجابة الخاطئة وقال: من اين جئت بهذه الكلمة هذا اسمه القاسم المشترك وليس المخرج هل تعرفين معنى كلمة مخرج؟ صمتت الطالبة عندما رأت ردّة فعل المعلم الذي لم تعتد عليه بالعصبية، فأردف المعلم قائلا المخرج معناه الطيز. لم يعر انتباها للكلمة على اعتبار انه يستعملها من القرية التي جاء منها دون ان يؤاخذه عليها أحد وهو الآن في المدينة المتحررة حسب ما كان يعتقد. لكن جاءه ما لم يأت بالحسبان، فقد اشتكت الطالبة لمدير المدرسة وهو أحد الرهبان التابعين للكنيسة، بأن هذا المعلم يستعمل كلمات بذيئة في الدرس، وهو أمر ترفضه تعاليم الكنيسة، مما أدّى إلى فصل المعلم من المدرسة وخسارة الطلاب للمعلم المميز.