الاثنين، 31 يوليو 2017

صدر حديثا : ثقافة الهبل وتقديس الجهل للأديب جميل السلحوت



صدر  حديثا عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة، كتاب "ثقافة الهبل وتقديس الجهل" للأديب المقدسي جميل السلحوت وتقديم المفكّر الدّكتور خضر محجز، ويقع الكتاب الذي صمّمه ومنتجه شربل الياس ويحمل غلافه الأوّل لوحة للفنّان التشكيليّ الفلسطينيّ جمال بدوان في 180 صفحة من الحجم المتوسّط. 

ويشكّل هذا الكتاب قنبلة الموسم الثّقافيّة لما يحمله من جرأة في نقد ثقافة الهزيمة السّائدة، ومعالجة القضايا بالعلم والمنطق. 

كسر أفق التوقع في قصص سناء شعلان مجموعة الهروب إلى آخر الدنيا أنموذجاً بقلم : د. غنام محمد خضر




كلية التربية / جامعة تكريت
العراق

تجتهد هذه الدراسة لمعالجة تقنية كسر أفق التوقع في مجموعة الهروب إلى آخر الدنيا للقاصة الأردنية سناء شعلان، وكما هو معلوم لدى القارئ، أن لمفهوم كسر أفق التوقع جذوراً قديمة تعود إلى النقد العربي القديم، لكن هذا المصطلح شاع في الدراسات النقدية الحديثة التي ارتبطت بنظرية التلقي التي اتخذت من القارئ محوراً رئيساً في دراسة النص الأدبي والدراسات النقدية الحديثة، فاختلفت النظرة القديمة التي تتخذ من القارئ مستهلكاً للنص، وسادت بفعل هذه النظرية مفاهيم جديدة تتخذ من القارئ منتجاً للنص أو متفاعلاً مع النص وانهاء سلطة النص على القارئ وأصبح للقارئ سلطة على النص أيضاً، إذ يعمل القارئ على الدخول إلى عمق النص وفك شفرته وبفعل هذه الرؤية " ظهرت بعض المسميات منها: المفاجأة والتوقع والانتظار الخائب أو المحيط، والانحراف، والصدمة والفجوة والفراغ والتوتر ومسافة التوتر وأفق التوقع، وكل هذه العناصر ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمشاركة القارئ في استخراج خبايا النص والوقوف عند المدهش والمثير فيه، ولذلك لم يعد دوره مقتصراً على ملامسة سطح النص وإنما غدا دوره كامناً في الكشف عن أعماق النص بشكل  يجد تفاعلاً خلاقاً بين النص والقارئ"(1)، وظهرت تسميات عديدة لمصطلح أفق التوقع منها ((الأفق الأدبي))(2)، و((أفق الانتظار))(3)، وغيرها من المصطلحات.
ومفهوم أفق التوقع "لا يتعامل مع جزيئات في النص الأدبي فقط، وإنما قد يشتمل النص كله فيما إذا كان منسجماً مع أفق توقع القارئ أم لا"(4)، من هنا نستطيع القول بأن العمل الأدبي يضع القارئ أمام اختبار تجربته الجمالية، إذ قد يتطابق أفق توقع القارئ مع النص الأدبي فيحصل انسجام، وربما لا يكون هناك أي تطابق أو انسجام، وعدم التطابق هذا يسمى عند ياوس بالمسافة الجمالية.
قامت معظم قصص سناء الشعلان القصيرة على هذه التقنية وتمركزت بشكل واضح وجلي لتجعل القارئ يعيش لحظة الإدهاش الحقيقية عندما تفاجئه الشعلان بانعطافة على مستوى الأحداث فتكسر أفق التوقع عنده وتجعل من الأحداث تسير بشكل مغاير عمّا كانت عليه، وكسر أفق التوقع يرتبط بالحالة الشعورية للمتلقي من طرف وبالقصة أو فكرة النص من طرف آخر، وأحياناً يخرج عنصر المفاجأة ليشير أو يفتح التأويلات أمام المتلقي، أو يعطي لحظة  تنوير، وهذه اللحظة تكون مرتبطة أيضاً بطرفين أحدهما المتلقي والآخر القصة أو الفكر
والبحث سوف يتعامل مع  الوظيفة الجمالية لكسر أفق التوقع  في نصوص سناء الشعلان القصصية وما يطرأ على المكان والشخصية من قيم جمالية، تغير في المستويات البنائية والقيم الجمالية.
بناء المكان:
تعني الوظيفة الجمالية ما يطرأ على المكان من تغيرات تتسبب في إعادة تشكيله من جديد، إذ يتشكل لنا في بدايات القصة مكاناً معيناً يستمر هذا المكان مهيمناً بشكل أساس حتى اللحظة التي يحدث فيها كسر أفق التوقع، إذ نلحظ إن المكان يتغير ويعاد تشكيله بطريقة جديدة مغايرة عمّا كان عليه فهذه الإعادة في التشكيل تحدث إضافة جمالية في العمل القصصي ففي قصة (دعوة للحب والحياة) ترسم لنا القاصة مكاناً بائساً رتيباً قديماً.
((منامة النوم خاصته ما تزال معلقة على المشجب حيث اعتاد أن يعلقها في كل ليلة، بضعاً من شعرات رأسه الذي كان يربيه ليسترسل حتى ظهره لا تزال عالقة في مشطه بعد آخره مرّة مشط بها قبل أن يسقط شعره الذي أحبّه وهو يستسلم بانكسار للعلاج الكيميائي والنووي الذي تعرض له طويلاً))(5).
من خلال هذا الوصف لمحتويات المكان نتعرف على المكان وهو البيت الذي كان يسكنه الزوج الذي توفى بسبب تعرضه لمرض خبيث، وهذا الوصف يجعلنا نشعر بأن آثار الزوج ما زالت باقية كما تركها في بيته دون أن تحاول زوجته تغييرها ظناً منها بأنها تحافظ على حبها له.
فالمكان يعكس لنا الحالة المأساوية المتردية الذي وصلت إليها هذه الزوجة، وهي تقف خلف ركام الذكريات، فكل شيء في البيت يحمل ذكرى لأيام مضت، وما إن تغيرت مسار الأحداث بعد كسر أفق التوقع الذي حصل في القصة والمتمثل بلقائها بالصحفي والذي أعطاها درساً في الحياة وجعلها تغيّر من تعاطيها للأمور التي حولها. وبعد عودتها من لقاء ذلك الصحفي شعرت بأنها بحاجة إلى تغيير ما يحيط بها من أشياء.
((كذلك هي في حاجة لتغيير أثاث المنزل الكسير الغارق في الحزن الذي طالعت صورته منعكسة في المرآة...))(6)، وبذلك أعادت لنا القاصة تشكيل المكان على وفق رؤية جمالية فشعور بطلة القصة بالمكان أصبح مختلفاً، ولهذا أرادت تغييره وهذا التغيير في المكان لم يكن ليحصل لولا اللحظة الحاسمة التي بنيت عليها القصة المتمثلة بنقطة التحول في النص بطريقة مفاجئة كسرت بها أفق التوقع عند المتلقي.
وبعد تغيّر المكان أصبح حجم التأويل أكبر حتى أصبح المكان ذا شكل معين وتأسيس خاص، ويأتي هذا الوصف الدقيق للمكان معبّرا وموضحاً لما آلت إليه الزوجة بعد أن هجم المرض على زوجها ولم يتركه حتى غادر الحياة. فالمكان أصبح معلوماً للمتلقي.
واتصف المكان بالجمود والاستقرار والثبات وكل هذه الأشياء تجعل من الحياة معطلة، فانعكست رتابة الحياة على الشخصية فلم يسُده إلا الحزن والانغلاق، والمتلقي للنص يسلط زاوية نظره لقضية واحدة وهي نهاية البطلة المأساوية بعد أن أحاطها المكان من كل الجهات، إحاطة مؤلمة باعثة للقلق.
وتستمر هذه الأحداث بشكل سلس ومعتدل حتى يشعر القارئ إنه أمام حادثة مأساوية قد تصل لها بطلة القصة، فتوقع القارئ جاء من جملة الأشياء التي تشكلت في النص، لكن القاصة عملت على إحداث مفاجأة في النص من خلال ما تحدثه من انعطافة تثير لدى القارئ عنصر اللامتوقع فيحدث كسر في أفق توقعه.
((.... سمعت أنك محتجة على مقالتي الأخيرة! شعرت بان كلماته قد ألجمتها، وتلعثمت وهي تقول: أنا عندي بعض الاحتجاج؟"
ابتسم وقال: احتجاج على المقالة أم على دعوة للحب والحياة؟
قالت بمرارة: احتاج على الموت، وعلى الدعوة لنسيان من أحببنا، والاستمرار في الحياة، وكأن شيئاً لم يكن"
صمت الصحفي المسجى في فراشه، ثم ابتسم بمرارة، وقال لها: أشعر بالحر، هل يمكنك أن تساعديني بإزاحة هذا الغطاء عن جسدي؟" لم تكن تتوقع أن ينحرف الحديث إلى طلب خدمة غريبة كهذه، لكنها وجدت نفسها ملزمة بالاستجابة لطلبه، أزاحت الغطاء دون مبالاة، فبرز جسد الصحفي، جذع صغير منكمش بلا أطراف بل برأس يتوسطه  فم لا تفارقه ابتسامة سلام وجزعت مما رأت، وأفلتت منها صرخة لم تستطع أن تكتمها، جحظت عيناها، وقالت كمن يطارد كابوساً: مستحيل.....ماهذا؟
اتسعت ابتسامة الصحفي، وقال وفي عينيه حنان يكفي لينبت يدين، وليحتوي خوفها وحزنها وإشفاقها: كنت في رحلة شهر العسل مع المرأة التي اخترتها دون نساء الأرض، تعرضت لحادث رهيب، فقدت أطرافي فيه، أصبحت عالةً عليها وعلى حبنا، لم أعد قادراً على إسعاد أي امرأة، بتُّ في حاجة فقط إلى ممرضة، فطلقتها، ووهبتها شطر ما أملك، تمنيت لها السعادة من كل قلبي، وارتحت عندما وجدتها مع غيري...ومع ذلك ما أزال أدعو إلى الحب والحياة، ألست جديراً بحمل لواء هذه الدعوة؟))(7).
بعد هذه المفاجأة التي حصلت على مستوى الأحداث، نلحظ أن هناك أشياءً قد تغيرت في رسم المكان وبنائه، فإعادة تشكيل المكان جاءت بعد عملية كسر أفق المتوقع، فاللامتوقع هنا أسهم في إحداث الدهشة والمفاجأة لدى القارئ وجعله يتأمل النص جيداً ويقارن بين دلالات المكان السابقة واللاحقة، إذن من الملاحظ أن القارئ لم ينتبه للمكان المرسوم في أول القصة كونه من الأمكنة المتوقعة فكل ما يحيط بالمكان من بؤس وحزن أمر متوقع لدى القارئ، لكن أن يتحول المكان بلحظة واحدة إلى الفرح والسعادة هذا ما لم يتوقعه القارئ فأثار عنده تصادماً ((مع تركيب أو عبارة أو فكرة أو وزن أو فضاء نصي لا يتطابق مع معرفته الأولية))(8).
بناء الشخصية:
كما هو معلوم أنّ الشخصيات في العمل الإبداعي تتنوع وتتعدد على وفق منطلقات فكرية وجمالية يقوم عليها النص، وفي قصص سناء الشعلان  تتنوع الشخصيات فهناك شخصيات ذات مرجعيات مختلفة واقعية ومتخيلة،واخرى ذات أبعاد أسطورية ورمزية اجتماعية وتتكون هذه الشخصيات من خلال الأحداث التي تحيط بها.
ففي قصة ((دعوة للحب والحياة)) نلاحظ أن الشعلان قامت ببناء الشخصيات في هذه القصة بناءً تراتبياً فالشخصية تكون ذات صبغة محددة ثم تجعلها تتفاعل مع الأحداث وتتغيّر بحسب مقتضيات الأحداث، لكن الشعلان جعلت التغيّر يكون عن طريق كسر أفق التوقع، إذ ان القاصة تقوم ببناء الشخصية القصصية مرة أخرى وبشكل مغايرة حتى تأخذ هذه التقنية (كسر أفق التوقع) بعداً جمالياً فالبناء يكون مصحوباً بالأفكار والمواقف التي تتبناها الشخصيات وكيفية التحول الذي يحدث في سلوك الشخصية.
وبناء الشخصية يتغير بسبب حدوث اللامتوقع على مستوى الأحداث التي تسهم في إعادة بناء الشخصية، فالمسافة الجمالية التي تتركها القاصة في بناء القصة تجعل المتلقي يركز على أشياء متوقعة لكنها لا تسهم في تغيير بناء الشخصية، ثم تُفاجيء المتلقي (القارئ) بحدث لا متوقع يعيد ترتيب وبناء الشخصية بشكل جديد ومتفاعل مع الأحداث الجديدة التي طرأت على القصة (الأحداث).
تعيد الشعلان بناء الشخصية البطلة في قصة (دعوة للحب والحياة) بشكل جمالي، وهذه الإعادة حصلت بعد لحظة كسر أفق التوقع التي طرأت على أحداث القصة، فبعد أن كانت امرأة غارقة في حزنها ووفائها لزوجها المتوفى تصبح بلحظة واحدة امرأة عاشقة تحب الحياة، فهذا الاختلاف في توجهات الشخصية جاءت بفعل عامل اللامتوقع الذي أعطى بدوره أبعاداً جديدة وقابلة للتغيير والتأويل، فالمتلقي كان متوقعاً نهاية مأساوية لهذه البطلة ولكنه يفاجأ بحدوث أشياء غير متوقعة، فالبناء الجديد للشخصية جاء بطريقة جمالية، فالبطلة أصبحت متفائلة بمستقبل مشرق وبحب جديد قادر على إعطائها السعادة فالبناء أصبح شكلاً ومضموناً عن ناحية الشكل.
((ووصلتْ إلى البيت متأخرة ومتعبة، لم تمارس طقوس دخول المنزل التي اعتادتها مع زوجها الراحل، لأنها أيقنت أنّه رحل دون عودة، وقد آن أوان توديعه، وقدّرت أنها في حاجة إلى تغيير تسريحة شعرها، وتغيير لونه))(9).
فإذا تفحصنا ما جاء في هذا المقطع نجده يحمل دلالات وإشارات على تغيير نمط هذه الشخصية، فدخولها إلى البيت تغيّر، ثم كلمة (أيقنت) وما تحمله من وثوقية لليقين الذي أصبحت عليه وكأنها كانت في شك وهذا يدل أيضاً على التغيّر الحاصل في بناء الشخصية، ويختتم النص في (تغيير تسريحة شعرها، وتغيير لونه) وهذا التغيير في الشكل انعكس على المضمون فبدأت تتصرف على وفق الرؤية الجديدة التي حدثت بفعل اللامتوقع الذي أحدث مفاجأة على مستوى الأحداث، وبناء الشخصية الجديد اكتسب صفة جمالية، لأنه أعاد تشكيل النص تشكيلاً جوهرياً حمل في طياته أبعاداً تفسيرية وتأويلية ذات معانٍ عميقة فالحب هو العيش بسعادة، والوفاء هو الكرامة والنبل، والحياة أكبر مما يتعرض له الإنسان، أمّا على مستوى المضمون فنلحظه من خلال تصرفات الشخصية وأفعالها ((فتحت دليل الهاتف، وأدارت قرص الهاتف، وانتظرت لحظات، ثم جاء صوت مديرها الوسيم الأسمر، قالت له: ((أنا لن أحضر غداً إلى العمل)).
قال باهتمام: ((خير إن شاء الله)).
قالت بابتسامة ودلال: ((أحتاج بعض الوقت كي أهيأ نفسي لحفل الزفاف)).
قال بوجوم: ((زواج من؟))
قالت بمشاكسة وضحكة رنانة: ((حفل زفافنا.....))(10).
فأفعال الشخصية تغيرت وأصبحت مؤمنة بحياة جديدة بعد أن كانت تعيش خلف ركام من الذكريات القاسية تحت عنوان كبير اسمه وفاء ؟! لكن ما حصل من حدث غير متوقع على مستوى القصة أسهم في بناء القصة بناءً جديداً على المستويين الشكلي والمضموني الأمر الذي حقق غاية جمالية أحدثها التفاعل الحاصل ما بين النص والقارئ؛ لأن في هذه القصة العلاقة كانت موجهة من طرفين.
 وفي قصة ((لحظة عشق)) نلتقي بطل القصة الرجل الملحد الذي لا يؤمن إلا بالأشياء المحسوسة وكان يسخر من مسألة الحب ولا يؤمن به حتى أصدر كتاباً في الإلحاد مقدمته عبارة ((أين هما الله والحب))(11)، فبقي هذا الرجل ضمن هذه التوجهات حتى زحف المرض إلى قرنيتي عينيه، واستمر بنهجه في الإلحاد وعدم الإيمان لا بالله ولا بالحب، وبعد أن أصبحت حياته مظلمة أحس بحاجة إلى اللجوء إلى قوة عظيمة اسمها الله، ثم جاء موعد العملية عندما تبرعت فتاة بقرنيتي عينيها لحساب المستشفى الذي يرقد فيه قبل انتحارها وأجرى العملية وعادت النور إلى عينيه، ثم قرر زيارة أهل الفتاة التي انتحرت وما أن دخل غرفتها
 ((شعر بروح غريبة تستحوذ على إرادته وحواسه وهو يجلس في غرفة الشابة المنتحرة، كانت غرفة هادئة، يغلب اللون الوردي على محتوياتها، جلس على كرسيّ مكتبتها، كانت رسالة انتحارها ما تزال على المكتب، جلست والدتها المكسورة بأحزانها على طرف سريرها المرتّب إلى جانب طاقة الزهور التي جاءت مع الضيف الملحد قالت الأم كاسفة دامعة: ((كانت رقيقة كبسمة، كلها حياة وحب وتفاؤل، كانت مصدر سعادتي واعتزازي لا أعرف لم انتحرت، كنت أنتظر منها الكثير من السعادة والعطاء))(12).
فالمتفحص لهذا المقطع من القصة يجد أنّ هناك أشياء تجعل المتلقي يقف عندها مثل (لها شعوره بالروح الغريبة التي استحوذت على المكان) ثم ما تخلل المقطع من عبارات أخرى تشير إلى روح الشابة المنتحرة الشفافة مثل اللون الوردي، والغرفة الهادئة، وهذا دليل على أناقة الشابة ورومانسيتها، وعلى الرغم من ذلك فجميع هذه العناصر تجعل هناك مسافات جمالية وفجوات أرادتها القاصة أن تكون بهذا الشكل، ثم كلمة (الضيف الملحد) معنى هذا أن الشخص حتى بعد شفائه من مرضهِ لا زال على حاله وعلى إلحاده، فالقارئ يكون أمام تساؤلات كثيرة ما علاقة الشابة بالقصة وبناء الشخصية طالما ما زال الرجل على الإلحاد ؟!
((استغرقت الأم في انتحابها، انتقل حكيم من مكانه إلى جانبها على السرير، وأخذ يكفكف دموعها، وتسمّر مكانه، كانت عيناه مسلطتين على صورة فوتوغرافية إلى جانب سرير المنتحرة، تناول الصورة بيدين متعرقتين مرتعشتين، وقال: ((من هذه السّمراء؟)).
أجابت الأم وهي تضمد بمنديلها الورقي سيل مخاطها المختلط بالدموع: هذه هبة... ابنتي المنتحرة)) لقد كانت هي، نعم، كانت هي السمراء ذاتها لا تفارق صورتها عينيه..))(13).
بدأت بعد ذلك تتشكل أسئلة أخرى لدى المتلقي وتكثر عنده الأشياء المتوقعة إذ هناك تطابق ما بين ما ذهب إليه وبين أحداث القصة ولم يحصل شيء غير متوقع لأن حكيم بعد أن خرج من المستشفى أصبحت صورة هذه الفتاة لا تفارق نظره وهذا الحدث منطقي بالنسبة للقارئ ولا يدل على أشياء غير متوقعة، وحتى زيارته إلى أهلها كانت من الأشياء المتوقعة، فاستمرار السرد بهذه الطريقة بدأ يعمق السؤال الوحيد الذي أصبح يلح على القارئ ما الغاية من عماه وشفاه؟ وماذا قدم للقصة ولسير الأحداث طالما هو باق على إلحاده، لاسيما ونحن نعرف بأن أول ما طرحته لنا الشعلان من قضايا هذه القصة مسألة الإلحاد وعدم الاعتراف بالحب ؟!.

الأحد، 30 يوليو 2017

بيت تبنيه ولا تسكن فيه

بيت تبنيه ولا تسكن فيه
ترجمة ب. حسيب شحادة

جامعة هلسنكي



في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة بالعبرية، رواها صبري بن إسماعيل السراوي الدنفي (١٨٩٨-١٩٩٤) بالعربية على مسامع بنياميم راضي صدقة (١٩٤٤-) الذي بدوره نقلها إلى العبرية ونقّحها ونشرها في الدورية السامرية أ. ب. - أخبار السامرة، العددين ١٢٢٦-١٢٢٧، ١٥ كانون ثان  ٢٠١٧، ص. ٦٥ -٦٧.

هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها: إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني.

بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين بالدراسات السامرية، في شتّى دول العالم. هذه الدورية، ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة الشقيقين، بنياميم (الأمينويفت (حسني)،  نجْلي المرحوم راضي صدقة الصباحي (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).


حياة صعبة في يافا

إجلس لأحكي لك عن أحد الأحداث التي حصلت في حياة هذه الطائفة، في أربعينات القرن العشرين. في تلك السنوات، وقبلها وبعدها، سكن عشرات من أبناء الطائفة في يافا القديمة، في الأساس من أجل الرزق والعيش بكرامة. ونحن، بنو عائلة السراوي أيضًا، سكنّا في يافا بجانب مستشفى دونولو. اشتغلنا في النجارة والخياطة، وأكلنا بعرق جبيننا. إذا كنّا نتقاضى قرشًا واحدا في اليوم، أو خمسة في الأسبوع، فرحنا وكأنّ رحمة الله حلّت بنا. أمّا إذا ما وفّقنا في توفير ليرة واحدة كاملة ”مدحوشة“ جيّدًا في زاوية الجارور، أو في مكان مخفيّ على جسمنا، كنا أسعد الناس في المدينة. إنّي لا أبالغ، لا سمح الله، هكذا كان وضعنا في تلك السنين. ليس كما هو الوضع الآن، حيث في جيب كل واحد منّا محفظة (جزدان) مليئة بالشواقل، والواحد يأكل ويشرب كيفما يودّ. آنذاك، قمنا بأعمال شاقّة جدًّا، مقابل كل قرش حصلنا عليه، شكرنا الله مرّتين يوميًّا على خيراته ولطفه إزاءنا. 

أقمنا علاقات صداقة وطيدة مع الكثيرين من عرب يافا القديمة.  برز فيهم شخص اسمه أبو يوسف البري، عرفه الكبير والصغير، بسبب قيامه بأعمال نذلة، حالته كانت بعيدة كل البعد عن حالتنا.


أبو يوسف البخيل الطمّيع

أبو يوسف كان ثريًّا كبيرًا، مئات وآلاف العملات الورقية كانت منضّدة في جوارير خزائن منزله. تلك العملات كانت مكتظة في الجارور، بحيث يصعُب إغلاقه بيد واحدة، ولا بدّ من اليد الثانية. كلّ هذا المال، جمعه أبو يوسف من إدارة  بيوت دعارة (كراخانات) عديدة، كان يتسلّم أُجرة شهرية منها، وأبو يوسف عُرف ببخله الشديد وبطمعه. سكنّا عشرين سنة كاملة في يافا، ورأينا كيف كان هذا الرجل الشرّير، أبو يوسف البري،  يجمع رأس المال. وسُرعان ما اشترى البيتين اللذين كان قد استأجرهما بأجرة شهرية، وحوّلهما لفندقين معروفين بسمعتهما السيئة. اغتنى الرجل كثيرًا، إلى أن أتاه ذات يوم شيوخ يافا وطلبوا منه التوقّف عن إدارة بيوت الدعارة، وترك طريق السوء، إذ عليه أن يعلم أنّ هناك دنيا وآخرة، وهذا هو الوقت المناسب للعودة إلى خالقه بكل قلبه ونفسه، من أجل حياته. ها قد كدّس ثروة كبيرة لحدّ يسمح له بإيقاف أعماله السيّئة، وإكمال باقي سني حياته بشكل محترم، كشيخ عزيز في المجتمع.

أبو يوسف البري سمع أقوالهم، ولم يكتف بالضحك والسخرية منهم بسبب سخافاتهم التي أسمعوه إياها، على حدّ قوله، بل أسرع وأخرج بِطاقة من جيبه وكتب عليها: أنا أبو يوسف البري بُنْدوق ابن بُنْدوق. دسّ البطاقة بين أكوام العملات الورقية، على مرأى أعين شيوخ المدينة المفعمة بالدهشة والغضب، وبعد ذلك أضاف قائلًا: ها هي بطاقة الورق التي كتبت عليها ما كتبت مدحوشة بين عملات الورق التي لا تُحصى، وكما أنّ عين الإنسان لا تستطيع العثور عليها بينها، كذلك لا يتمكّن أحد أن يدرك أنّني أبو يوسف البري كما أنا، وعليه فأنا لن أتغيّر. حزِن شيوخ المدينة جدًّا عند سماعهم هذه الأقوال. خرجوا من بيت البري قانطين خجولين، ومنذ ذلك الحين تركوه يفعل ما يشاء.


القصر الأفخم في يافا

عزم أبو يوسف البري ذات يوم على تشييد قصر له ولأبناء بيته، ليسكنوا فيه، كي يعلم الجميع مدى ثرائه. ليس هذا فحسب بل خرج  وأعلن عند بوّابات المدينة ولدى كلّ من ينوي السماع، أنّه لم يُبن مثل هذا القصر الفخم قيد الإنشاء. استأجر البري خيرة مهندسي تل أبيب الذين عملوا بكدّ شهورًا كثيرة في تصميم بناء القصر. عندما وُضع حجر الزاوية في القصر المزمع إنشاؤه، ذبح البري أغنامًا وكباشًا وأثبت لأهل مدينته أنه يستطيع أحيانًا أن يكون كريما.

استغرق تشييد القصر سنتين، وبرز قصر فخم في قلب يافا، مبني كله من الرخام وفيه منحوتات راقية ومعقّدة. وحول القصر حديقة خضراء، بستان فاكهة من كل الأصناف، تماثيل ونوافير كلّلت مسارات الحديقة، وأُثبتت مقاعد خشبية وأخرى رخامية بين أشجار النخيل الباسقة.

مرّت سنتان، فأعلن أبو يوسف أنّّه في خلال شهر من صيف ١٩٤٧ سيدخل هو وأسرتُه القصر الجديد، ووعد بأنّ ذلك سيكون مقرونًا باحتفال تدشين فاخر، وسيدعو آلاف أصدقائه ومعارفه. كما وذكر أنّ كلّ ما ادّخره من مال طيلةَ حياته قد استثمره في بناء القصر، ولم يبق في جيبه سوى بضع مئات من الليرات فقط. لا، لا تشفَق عليه، بضع مئات من الليرات وحتّى بدون القصر، أبقته بين أثرياء المدينة.


مصير ”بُنْدوق ابن بُنْدوق“

ولكن ما خفي آونتها عن عين الإنسان، لم يخف عن عين الله. وبالضبط في نفس الأسبوع الذي نوى أبو يوسف البري الدخول إلى قصره، اندلعت المناوشات الشديدة بين يهود يافا وعربها. مواطنون كثيرون في يافا، حزموا أمتعتهم القليلة وبدأوا بالهروب بشكل جماعي من المدينة خوفًا من اليهود، الذين قصدوا احتلال يافا. خافوا بأنّ كل ما هدّدوا بالقيام به باليهود، سيكون من نصيبهم، ولذلك هبّوا وغادروا بيوتهم وفرّوا، منهم إلى شرقي الأردن ومنهم إلى نابلس أو بقية مدن شمال الضفة الغربية.

أُصيب أبو يوسف البري بفزع  شديد. كلّ الأمتعة التي أراد نقلها إلى القصر، كانت محمّلة على الحمير فساقها في اتّجاه نابلس. عندما مرّ بجوار القصر، انفجر بالبكاء وارتجف كل جسمه: آه دعوني أدخل لبضع دقائق فقط، لفتح القصر بالمفتاح الجديد، لمس جدرانه ولو مرّة واحدة. أبناؤه وزوجته رفضوا ذلك، حثّوه في الإسراع والهرب لئلا يصفّيهم اليهود القادمون لاحتلال المدينة. لم ينقطع بكاؤه الذي هزّ كلّ جسمه. عندها علِم البري أنّ هذا هو أجر من لم يستمع لنصيحة الشيوخ، ولم يهجر طريق الشرّ في إدارة بيوت الدعارة الممنوعة بأمر دينه. حقًّا، كان بُنْدوق ابن بُنْدوق!


وقد صدق ما جاء في التوراة ”ويبني بيتًا فلا يُقيم فيه“ [سفر التثنية ٢٨: ٣٠]

السبت، 29 يوليو 2017

'صدر حديثا : أنا أحب الشمس وأبي لم يمت!! للأديبة ميسون أسدي




الكاتبة ميسون  أسدي 


*صدر عن "أ. دار الهدى" بإدارة عبد الفتاح زحالقة، قصتين جديدتين للأطفال، للكاتبة ميسون أسدي، وذلك سيرا على الطريق التي تنتهجها دار النشر، وهي نشر خيرة الكتب التي تحتوي مضامين هادفة وموجهة للطفل بأساليب شيقة وجذابة، إن كان عن طريق اللغة المحكية أو عن طريق الرسومات المميزة، وهذا أيضا ما يميز الكاتبة أسدي، التي أتحفت مكتبة الطفل بمجموعة متنوعة ومتميزة.
عنوان الكتاب الأول هو "أبي لم يمت"، والذي يتناول بحساسية وشفافية ردة فعل الأطفال عندما يموت لهم شخص عزيز عليهم، وقد شددت الكاتبة على عدم إخفاء الخبر وتمريره بشكل لائق، وتطرقت لنقد القصص النمطية التي تقول بأن الأشرار هم فقط الذين يموتون، فالأخيار يموتون أيضًا.. والكتاب مخصص للأجيال المبكرة.

الكتاب الثاني بعنوان "نحن نحب الشمس"، وفيه تتناول الكاتبة أسدي، أهمية الشمس للكائنات الحية على الكرة الأرضية، ومعلومات أخرى عن الوقاية من اشعّة الشمس، بطريقة شيقة ومحببة، خاصّة للأطفال الصغار جدًّا.. وقد قام بوضع الرسومات للكتابين الفنانة الفلسطينية وفاء عبّود التي تقطن في كندا والتي عملت على عدّة كتب لنفس الكاتبة.