السبت، 28 أبريل 2018

الأديب سعود الأسدي: فتحتم عليّ باب لا أستطيع اغلاقه








أثناء زيارة أعضاء الصالون الادبي من قرية دير الأسد في بيته:


*زار أعضاء الصالون الأدبي بإشراف الكاتبة ميسون أسدي، الشاعر الكبير سعود الأسدي ابن قرية دير الأسد في بيته القائم في الناصرة والالتقاء معه عن قرب والتعرف على مسيرته وسيرته الأدبية، فهو صاحب القلم المبدع والحس المرهف. ورافق الطلاب المربيتين أميمة أسدي وابتسام أسدي. وكان الطلاب قد قرأوا مجموعات قصصية وشعرية للكاتب سعود الأسدي وانهالوا عليه بوابل من الأسئلة هدفها التعرف عليه عن كثب، وقدم كل واحد منهم أطروحة حول ما قرأ، وقامت الطالبة غزل أسدي بإجراء حوار مع المربي فيصل أسدي وهو اخ الشاعر سعود الأسدي هدف الحوار التعرف على شخصية الكاتب عن طريق اهله.
وقد استقبل الشاعر الكبير سعود أسدي وزوجته وأولادهما واحفادهما أبناء قريته دير الأسد بالفرحة والسعادة وأشار الكاتب لأعضاء الصالون: بانكم فتحتم عليّ باب لن أستطيع اغلاقه، وهو باب الذكريات الجميلة في بلدي، وان زيارتكم لي في بيتي هذا اليوم، لهي أجمل الزيارات التي حدثت معي على مر التاريخ.
افتتحت اللقاء الكاتبة ميسون أسدي وتحدثت عن الصالون الأدبي الذي أسس في قرية دير الأسد في شهر تشرين الأول 2016، بإشراف المكتبة العامة في دير الاسد ومدرسة “عبد العزيز أمّون الابتدائية” وبتوجيهها، والذي يميز أعضاء الصالون الأدبي هو حبهم للقراءة والكتابة والابداع، والأعضاء هم: دانا امون، حسن امون، غزل أسدي، سيرين أسدي، كمال ابو زيد، رونزا صنع الله، سهير عثمان، عدن صفي، آمنة عمر نعمة. باسل اعمر، سعاد سامر طه، سلمى رامي ذباح قاسم عمار صنع الله.
وتحدث الشاعر بعد ان تعرف على اعضاء الصالون واحدا واحدا خاصة وانه يمت بصلة القرابة لكل اعضاء الصالون الادبي وهو يعرف اجداد اباءهم وامهاتهم، وتحدث الشاعر عن الكاتبة ميسون أسدي وهي ابنة صديقه واخوه احمد محمد طه الأسدي وأشار ان يوم ولادة الكاتبة ميسون أسدي وهو كان جار أهلها سال والدها:
-         ماذا رزقت
-         رزقنا ببنت
-         ما اسمها
-         لا اعرف بعد، أجاب الوالد
فقال سأسميها ميسون تيمنا بالشاعرة ميسون بنت بحدل زوجة الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، ووالدة الخليفة الأموي الثاني يزيد بن معاوية، وهي من أقدم الشاعرات العربيات ذوات السمعة الطيبة وقرأ سعود الأسدي بعض من شعر الشاعرة ميسون بنت بحدل
لبيت تخفق الأرواح فيه               أحبُ إليّ من قصر منيف
ولبس عباءة وتقـرّ عيني              أحبُ إليّ من لبس الشفوف
كسيرة فـي كسر بيتـي                أحبُ إليّ من أكـل الرغيـف
وأصوات الريـاح بكـل فـج           أحبُ إليّ من نقـر الدفـوف
وقد غنى الشاعر بعض من اشعاره وتحدث عن ماضيه في قرية دير الأسد وحكى بعض الحكايا لشخصيات ديراوية أمثال جبر طه أبو خليل، وحسين محمد القاسم وعلي الشيخ وغيرهم وتحدث عن الشاعر محمود درويش الذي عاش في دير الأسد نشأته الأولى وهو طفل ومساره في المرحلة الابتدائية ثم تعلم في ثانوية كفر ياسيف وهو ما زال يسكن في دير الأسد مع اخوته احمد وزكي ونصوحي. محمود درويش طبع كتابه الأول عصافير بلا اجنحة وهو ما زال في قرية دير الأسد، يعني أنتج شعره وهو في دير الأسد، لو عاش محمود درويش في بلد ثانية فلن يكتب. دير الأسد حاضنة للشعر والشعراء منذ زمن بعيد.
وقدمت الكاتبة ميسون أسدي رسمة كاريكاتورية للكاتب الأسدي بريشة الفنان المصري سمير عبد الغني الذي عمل على هذه اللوحة لتكون هدية للشاعر بهذه المناسبة. ووجه الشاعر الأسدي التحية للفنان سمير عبد الغني على ما قدم.



الجمعة، 27 أبريل 2018

إبراهيم نصر الله يفوز بـ«بوكر 2018» عن روايته «حرب الكلب الثانية»




صورة لغلاف رواية «حرب الكلب الثانية» ومؤلفها إبراهيم نصر الله (موقع الجائزة العالمية للرواية العربية)

فاز الكاتب  الفلسطسني -  الاردني ،إبراهيم نصر الله بالجائزة العالمية للرواية العربية، المعروفة بـ"بوكر العربية" في دورتها الحادية عشرة عن روايته "حرب الكلب الثانية".
 الرواية الفائزة "تتناول تحوّلات المجتمع والواقع بأسلوب يفيد من العجائبية والغرائبية ورواية الخيال العلمي، مع التركيز على تشوهات المجتمع وبروز النزعة التوحشية التي تفضي إلى المتاجرة بأرواح الناس في غياب القيم الخُلُقية والإنسانية"، مشيرا إلى أن الفائز بالجائزة حصل على مبلغ نقدي قيمته 50,000 دولار أميركي، بالإضافة إلى ترجمة روايته إلى اللغة الإنجليزية.
وتركز الرواية على الشخصية الرئيسيّة وتحولاتها من معارض إلى متطرف فاسد، وتكشف عن نزعة التوحّش التي تسود المجتمعات والنماذج البشرية واستشراء النزعة المادية، فيغدو كل شٓيْءٓ مباحاً.
وبهذا الفوز، تعتبر رواية "حرب الكلب الثانية" أفضل عمل روائي نُشر خلال الإثني عشر شهراً الماضية، وجرى اختيارها من بين 124 رواية مرشحة تمثل 14 بلداً عربياً. 
وتم تكريم الكتّاب الخمسة المرشحين في القائمة القصيرة في الحفل، وهم شهد الراوي وأمير تاج السر ووليد الشرفا وعزيز محمد وديمة ونّوس، وتلقى المرشحون جائزة تبلغ قيمتها عشرة آلاف دولار أميركي.
يذكر أن إبراهيم نصر الله هو ثاني فلسطيني ينال الجائزة، بعد الروائي ربعي المدهون في الدورة التاسعة عام 2016 عن روايته "مصائر كونشرتو الهولوكوست والنكبة".


 ابراهيم نصر الله من مواليد العاصمة الأردنية عمّان العام 1954 من أبوين فلسطينيين  عاش طفولته وشبابه في مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين في عمّان، قبل أن يبدأ حياته العملية من المملكة العربية السعودية.
عاد إلى الأردن ليعمل في الصحافة، ومؤسسة عبد الحميد شومان، وبعدها تفرغ للكتابة بدءاً من عام 2006،  كانت روايته "زمن الخيول البيضاء" ترشحت للقائمة القصيرة لذات الجائزة عام 2009، و"قناديل ملك الجليل" لـ"طويلة" الجائزة العام 2013.



جغرافيا الفقر بقلم : أ.د. محمد الدعمي



إن المرء عندما يعرّف بهذا الجهد الجغرافي العلمي، إنما يرنو إلى التنويه إلى ضرورات توجيه الاهتمام إلى الفقر والفقراء، بهدف الرفع من مستواهم المعيشي كي يكون موازيا، أو أدنى بقليل من مستوى الفئات الاجتماعية الميسورة التي لم تكن لتغدو “غنية” لولا كدح وعمل الفقراء والمتعففين، الأمر الذي يوجه انتباه المختصين بالجغرافيا وبسواها من العلوم الاجتماعية إلى محاولات البحث والتدقيق في أصول ومسببات تواصل الفوارق الطبقية..
لم يعد بالإمكان التطرق إلى الجغرافية السكانية دون الوقوف، ولو لبرهة، على أحد فروعها الجديدة، الذي أطلق عليه عنوانا مثيرا للانتباه، وهو: “جغرافيا الفقر”، بمعنى الدراسة الجغرافية العلمية لبقاع انتشار الفقر المدقع بين السكان، زيادة على الدراسة العلمية للمسببات الجغرافية الطبيعية التي تسببت بانتشار الفقر، مع مشاكله كالجريمة والعنف، في تلك البقاع.
إن المرء عندما يعرّف بهذا الجهد الجغرافي العلمي، إنما يرنو إلى التنويه إلى ضرورات توجيه الاهتمام إلى الفقر والفقراء، بهدف الرفع من مستواهم المعيشي كي يكون موازيا، أو أدنى بقليل من مستوى الفئات الاجتماعية الميسورة التي لم تكن لتغدو “غنية” لولا كدح وعمل الفقراء والمتعففين، الأمر الذي يوجه انتباه المختصين بالجغرافيا وبسواها من العلوم الاجتماعية إلى محاولات البحث والتدقيق في أصول ومسببات تواصل الفوارق الطبقية، خاصة عندما تكون خطيرة على الوجود المدني والسلام المجتمعي؛ وأقصد عندما تخلق الفوارق بالمداخيل والثروات نوعا من “الحقد الطبقي” الذي لا يلبث وأن يتحول إلى “صراع طبقي” مكمنه ومسببه سوء توزيع الثروة، وإهمال الفئات الفقيرة حد التجويع وفقدان أسباب العيش الكريم.
لذا، لا يمكن فهم وإدراك أبعاد “جغرافيا الفقر” برصد وبحث أسباب انتشار الفقر في بقعة جغرافية معينة (أما بسبب ندرة الموارد الطبيعية، أو بسبب قوانين جائرة، أو آليات السوق الحرة العمياء، دون تدخل عادل من قبل الدولة)، من بين سواها من الأسباب والاختلالات، ذلك أن هذا الفرع من الجغرافيا يساعد المخطط الاقتصادي على التركيز على مناطق الفقر، من نواحي استهداف هذه الأسباب وإيجاد الحلول الناجعة لمعالجة الفقر والارتفاع بالفئات الفقيرة إلى مستوى يليق باسم تلك الدولة كي لا يكون الفقر “سبّة” عليها وعلى سمعتها!
إن رصد أسباب الفقر إنما هو المرحلة الأولى على طريق تحديد وسائل علاجه من خلال أدوات علمية مجربة، من نوع الإصلاحات الاقتصادية والإدارية الفاعلة، منها: الارتفاع بمستوى التربية والتعليم والتنشئة الصحيحة، زيادة على العناية بالخدمات العامة، كالخدمات البلدية والصحية التي تساعد على الإقلال من أعباء الإنسان المتعفف أو الأسرة الفقيرة.
أما إذا لم يكن عالمنا العربي قد سمع بــ”جغرافيا الفقر” فإن هذه كارثة، والكارثة الأكبر هي أن تمر هذه المقالة دون ملاحظة كافية من قبل جامعاتنا العربية (بيت العرب) المعنية الأولى بتحديد بقاع وفئات الفقر سكانيا عبر العالم العربي على سبيل العمل على مساعدة الأقاليم الفقيرة للارتقاء بنفسها إلى مستويات أفضل من خلال الشغل والتوزيع العادل للثروات القومية عبر العالم العربي، دون هدرها!

قراءة "بانورامية" لرواية "أيام بورمية" بقلم : مهند النابلسي










*كان "بوبوكين" قاضي الصلح الشعبي لمدينة "كيوكتادا" في بورما، جالسا  في شرفته ...دون أن يرمش، وكصنم كبير من الخزف، حدق "بوبوكين" في أشعة الشمس الشعواء، فقد كان رجلا في عقده الخامس بدينا جدا، فلسنوات طوال لم يستطع أن ينهض عن كرسيه بدون مساعدة، الا اته كان وسيما وحتى جميلا رغم بدانته الرجولية...يعلك "التنبول" باستمرار...وهو يعتقد انه حتى بعد مماته، فسيستمر نجاحه، وفقا للاعتقاد البوذي، فاولئك الذين مارسوا الشر في حياتهم، سوف يتجسدون في حياتهم الاخرى على شكل فئران او ضفادع او بعض الحيوانات الدنيئة. وقد كان "بوبوكين" بوذيا مؤمنا، فكان حريصا على تفادي هذا المصير. (19-23)
*أيام بورمية، هي رواية رائعة، انه هجوم هش، شرس، وتقريبا صاخب على الأنجلو-الهنود...
*أيام بورمية، هي رواية رائعة، انه هجوم هش، شرس، وتقريبا صاخب على الأنجلو-الهنود...ومن الواضح ان المؤلف يحب بورما، ورغم انه يذهب الى ابعاد رائعة في وصف رذائل البورمية. والمناخ المروع، لكنه يحبها، فلا يمكن لشيء ان يخفف صعوبتها عليه...لقد احببت الرواية، واوصي بها الى اي شخص يستمتع بفيض من السخط والعقاب اللاذع والاثارة والسخرية، كما بوصف المشاهد التصويرية الآخاذة المعبرة.
*لم تكن بالقوة اللازمة لنقد الامبريالية، كما كان ينبغي أن تكون، لأنها أقل في انتقاد الامبريالية عن استكشاف الذنب الخاص، والشعور بالوحدة، وفقدان الهوية.
*على الرغم من كل المشاعر العنصرية في الرواية، والتي اعتنقها الانجليز في بورما، والقساوة في طرحها، والنزاعات الشخصية وتمرد الشخصيات على من هم أقل منزلة وقوة، الا ان القارىء سيشعر بهواء الهند العذب وأشعة شمسها البراقة الحامية، وسيشتم رائحتها الزكية-المختلطة بعبير جوز الهند، والكركم والثوم، وسيسير في طبيعتها الخلابة ويحوم بين ثنايا تفاصيلها.
" يا عزيزي الطبيب، كيف يمكنك أن تصدق أننا في هذا البلد لأي غرض آخر غير السرقة؟!


*"ياله من هراء  يا عزيزي الطبيب، نحن نعلم الشباب شرب الويسكي ولعب كرة القدم، وأنا اعترف، ولكن هذا ثمن بخس، انظروا الى مدارسنا-مصانع للموظفين الزهداء. حيث لم نقم بتدريس تجارة يدوية واحدة للهنود. ولن نجرؤ على ذلك. سنخاف من المنافسة في الصناعة. كما أننا سحقنا الصناعات المختلفة. أين النساجين الهنود الان؟ في الأربعيات كانوا يبنون السفن البحرية قي الهند، ويبحرون بها ايضا. والآن لا يمكنهم بناء قارب صيد صالح للابحار. وفي القرن الثامن عشر قام الهنود بصنع البنادق التي كانت تصل الى المعيار الاوروبي. والآن وبعد ان قضينا في الهند مائة وخمسين عاما، لا يمكنك حتى أن تصنع خرطوشة نحاس في القارة بأكملها...سأتحدث عن قضية سيام".(78-79)
*قال فلوري (بطل الرواية الانجليزي): " يا عزيزي الطبيب، كيف يمكنك أن تصدق أننا في هذا البلد لأي غرض آخر غير السرقة؟ انه امر في غاية البساطة. يكمل المسؤول البورماني بينما يمر رجل الأعمال بجيوبه. هل تفترض ان شركتي، على سبيل المثال، كان بامكانها الحصول على عقود الأخشاب لو لم تكن هذه البلاد بأيدي البريطانيين؟ او حتى شركات الأخشاب الاخرى، او شركات النفط، او عمال المناجم والمزارعين والتجار؟ كيف يمكن لتجار الأرز أن يتلاعبوا بالفلاح البائس لو لم تكن الحكومة وراء ذلك؟ فالامبرطورية البريطانية هي مجرد وسيلة لاعطاء الاحتكارات التجارية للانجليز، او بالأحرى لعصابات اليهود والاسكتلنديين".(78)
*هناك دوما شيء منيع في العقل الاوروبي، مؤامرة وراء مؤامرة، مكيدة داخل مكيدة، الى جانب ذلك، البقاء خارج المشاجرات "بين المحليين"، فهذه هي احدى التعاليم العشره: "البوتاساهيب"! (87)
*لقد جعلت نفسي واضحا بالنسبة لك في كل شيء، هل حصلت على صورة الحياة التي نعيشها هنا؟ الأجانب، والعزلة، والكآبة، الأشجار والزهور الأجنبية، والمناظر الطبيعية الأجنبية، والوجوه الأجنبية، كل شيء اجنبي وكأنه من كوكب آخر...ومع ذلك اقول لك أنه يمكن أن يصبح جنة، اذا لم يكن المرء وحيدا!(293)
*طول الوقت كان المطر يهطل، بعد اليوم التالي لعودة "فلوري" الى المخيم، حيث هطل المطر لثمان وثلاثين ساعة متواصلة، وفي بعض الأحيان كان يتباطىء في وتيرة المطر الانجليزي، واحيانا يتدفق مثل الطوفان، فيعتقد المرء أن المحيط قد امتص في السحب...ثم بدأ الطين بالتصدع والتبخر، وبرك العرق من الحرارة الشائكة انتشرت في جميع انحاء جسم المرء، وظهرت اسراب من الخنافس الطائرة من شرانقها بمجرد بدء المطر، ثم عم وباء من المخلوقات القبيحة الصغيرة المعروفة باسم حشرة البق النتنة، التي غزت المنازل بأعداد  لا تصدق، وانتشرت على طاولات الطعام، وجعلت طعام المرء غير نافع للأكل.(419)
"ألم اقل لك شيئا عن الحياة التي نعيشها هنا؟ هذا النوع من الموت الرهيب في الحياة!
*حدقت اليزابيث عبر الممر في وجهه، وقد جعلها اشمئزازها مريضة جسديا...فكرة أنها كانت محبة لهذا المخلوق الرمادي الوجهي، جعل عظامها ترتعد...ولكن الأسوأ من اي شيء،  كان مرأى وجهه المرعب، الذي كان شبحيا، جامدا وكهلا، وقد كرهته الآن من اجل وحمته، لم تكن تعرف حتى هذه اللحظة، كم كان ذلك امر شائن، كم كان أمرا لا يغتفر.(436)
*"ألم اقل لك شيئا عن الحياة التي نعيشها هنا؟ هذا النوع من الموت الرهيب في الحياة! الانحلال، والشعور بالوحدة، والشفقة على النفس...للمرة الأخيرة. تذكري أن من المهم أن تجدي شخصا واحدا في العالم ليحبك..."(441).
*كان هناك ثقب نظيف في قميص فلوري، ليس أكبر من ذلك الذي يصنع بواسطة قلم الرصاص عندما يمر على ورق النشاف. كان من الواضح أنه ميت تماما. وبصعوبة كبيرة تمكن كوسالا (الخادم المخلص الذي ورث اربعمائة روبية من وصية فلوري)، تمكن من سحبه على السرير.(447)
*ومع الموت، تلاشت الوحمة على الفور، بحيث لم تكن أكثر من لطخة رمادية خافتة... "ادفن الكلب على الفور...ولن اكتب على شاهد قبره أنه اتتحر"(448)
*...وبمجرد أن صار ميتا، تم ضمان تدمير الطبيب البورمي صديقه الحميم "فراسواني"، وتم تشويه سمعته وبأنه مجرد وغد، غير جدير بالثقة(450)
*آخر فقرة:
...اما اليزابيث (حبيبته المتمردة التي خذلته) فقد نضجت بسرعة مدهشة، وقد توضحت صلابتها المحتومة بالطريقة التي انتهت لحما ودما. فخدمها يعيشون في حالة رعب منها، على الرغم من انها لا تتحدث البورمية. كما أن لها معرفة مفصلة بالقائمة المدنية، وتقيم حفلات عشاء ساحرة، وتعرف كيف تضع زوجات المسؤولين الثانويين في اماكانهم ... باختصار... انها تملأ بنجاح المركز الذي صممته لها الطبيعة منذ البداية، وهو انها من "البوراميمساهيب"!(455)
مهند النابلسي
*الخص عادة الروايات بهذه الطريقة الموجزة التي تستند لسرد اهم الفقرات والجمل (من وجهة نظري النقدية)، ثم أذهب لتلخيص منهجية واسلوب الكاتب بشكل لافت، وباعتقادي ان هذا ملائم للكثير من القراء المثقفين المستعجلين (في عصر الانترنت الرقمي)  واللذين لا يرغبون ربما بقضاء الساعات الطويلة لقراءة رواية ما، ولكنهم يهتمون بالالمام بالخطوط الرئيسية وتصفح احداثها الجوهرية.
هامش وصفي منقول عن الانترنت:
"أيام بورما" روايته الأولى تفضح بعض أسراره . جورج أورويل شرطياً في بورما ولكن ... ضد الاستعمار 
تفاصيل النشر:
المصدر: الحياة
الكاتب: ندى الأزهري
تاريخ النشر(م): 1/2/2002
تاريخ النشر (هـ): 18/11/1422
منشأ:
رقم العدد: 14198
الباب/ الصفحة: 16
تفضح رواية جورج اورويل الأولى "أيام بورما" أسراراً من حياة هذا الكاتب الانكليزي الكبير صاحب رواية "1984" وتلقي ضوءاً على مواقفه السلبية من الاستعمار. وكان هو عمل شرطياً في مطلع حياته في الهند عندما كانت مستعمرة انكليزية. وصدور الرواية الأولى هذه حديثاً بالفرنسية في باريس فتح باباً جديداً على عالم هذا الروائي الكبير.
صدرت أخيراً في فرنسا الترجمة الفرنسية للرواية الأولى التي كتبها جورج أورويل، الروائي الإنكليزي صاحب الرواية الشهيرة "1984". وكان الكاتب كتب روايته الأولى هذه "أيام بورما" في بداية الثلاثينات، وسرد فيها بعضاً من وقائع الفترة التي قضاها في هذه المستعمرة الإنكليزية، حتى أن الناشر دفعه قبل النشر لتغيير بعض الأسماء الحقيقية التي وردت فيها.
جورج أورويل، واسمه الحقيقي ايريك بلير، ولد في البنغال في الهند عام 1903 لأسرة إنكليزية استوطنت الهند. كان والده موظفاً في هيئة مكافحة الأفيون بينما كانت عائلة والدته تعمل بالتجارة في بورما... قدم إلى إنكلترا مع والدته وأخته في بداية حياته، واستقروا في ايتون. خلال سنوات دراسته في تلك المدينة، تكون لديه شعور بالنفور نحو النظام الطبقي البريطاني، وهو المنتمي إلى عائلة برجوازية فقدت مع الزمن ميزاتها. ففي المدرسة الداخلية الراقية التي كان يتردد إليها، بدأت معاناته، وتولد لديه وللمرة الأولى إحساس باللامساواة والظلم. وخضع فيها ومنذ صغره إلى تهكم واضطهاد زملائه بسبب أصوله العائلية المتواضعة. وفي ما بعد، في سن التاسعة عشرة حين غادر ليعمل في صفوف البوليس الإمبراطوري البريطاني في الهند. وعلى مدى خمس سنوات، هي مدة قيامه بدور الشرطي في بورما، كان عليه أن يمثل وبكل جدارة ممكنة دور الرجل "الأبيض" ليكتشف ما يمثله الاستعمار. وتكونت لديه القناعة "بخواء سيطرة الرجل الأبيض في الشرق".
تجربته تلك التي كانت نقطة انعطاف في حياته، أوحت له بروايته "أيام بورما" التي ضمنها كل مشاعر الكره والعداء نحو النظام الاستعماري، وأظهر فيها جدلية العلاقة بين السيد والعبد. ومن خلال الرواية نجد التأثير الذي تركته حياته في بورما ودوره كرجل بوليس على فكره وحياته في شكل عام، وعلى رواياته اللاحقة، ولاسيما تلك التي تعود إليها شهرته "1984" وهو ما يعطيها أهمية كبيرة.
تدور أحداث "أيام بورما" في مدينة بورمانية صغيرة، يقيم فيها سبعة من الأوروبيين، يعمل معظمهم في شركات لاستثمار أخشاب الغابات. يعانون الملل، ويجدون ملاذهم في الادمان والجنس، و احتقار السكان الأصليين! يركز أورويل عبر الشخصية الرئيسة "فلوري" تاجر الأخشاب، الذي نجد فيه شيئاً من أورويل نفسه، على أثر المجتمع الاستعماري في شخصية أفراده ودوره في القضاء عليها وإذابتها في الجماعة وعلى الوحدة، التي يقاسيها كل من يختلف عن هذه الجماعة والمعاناة لمن ليس بمقدوره التعبير عن حقيقة أفكاره من كراهية ونفور لما يمثله الوجود الإنكليزي في الشرق. شارك فلوري وهو الإنكليزي الذي أحب بورما "هذا البلد المكروه أصبح بلده، مكانه ... كل قطعة من جسده أصبحت الآن جزءاً من الأرض البورمانية" في إهانة صديقه الطبيب الهندي الذي أراد الانضمام إلى نادي الأوربيين المقتصر عليهم. ولكن فلوري كان يرفض دعمه لئلا يثير الخلافات. استجاب للآخرين "كما حصل له مئات المرات خلال حياته" كانت تنقصه تلك الشعلة من الشجاعة التي تجعله يرفض ما يتفق عليه الآخرون. إنه يكره العالم الإنكليزي الذي جاء منه إنما لا يستطيع إنكاره، ولا التعبير عن هذا الكره. ويعتبر العيش في عالم حيث "كل كلمة، كل خاطرة، خاضعة لرقابة ... عالم لا يقبل فيه الكلام الصريح، فيما كل حرية أخرى مقبولة" هو عالم "خانق، مدمر".
وفي أسلوب لا يخلو من التهكم يبين أورويل أساليب عمل الإدارة البريطانية ويهاجم الحضارة الغربية ويدحض، أسطورة الاستعمار "الإنساني" الذي جاء لنجدة أهل البلاد وإنقاذهم من الفقر والجهل عبر الحوار بين فلوري وصديقه الهندي: كيف تستطيع أن تتخيل أننا هنا لشيء آخر إلا لسرقة البشر..؟ "ويظهر سكان البلد إما كمرتشين، أو كمتعلمين جل طموحهم هو التشبه بالمجتمع الاستعماري الحاكم عبر الرغبة المستميتة في الانضمام إلى النادي الذي يتردد عليه الأوربيون". كان الطبيب الهندي يغذي حيال الإنكليز إعجاباً لا حد له، وحتى لو لقي ألف صد من هؤلاء، فلن يزحزحه ذلك عن موقفه. أما الوطنيون فهم لا ينجون أيضاً من نقد أورويل اللاذع. فبعد توقيف رئيس تحرير صحيفة بورمانية ورفض السلطات إطلاق سراحه تقوم حركة احتجاج "معتدلة" أدى موت اثنين من المحتجين إلى "توقفها الفوري". أما في السجن فإن إضراب رئيس التحرير عن الطعام "لم يدم أكثر من ساعات ست".
خضع أورويل، أثناء تأديته لعمله في البوليس البريطاني، لسلسلة من الالتزامات جعلته يشعر بالاشمئزاز، ويبدأ بالتغير. وفي الشارع، كانت الإهانات توجه إليه من بعيد. وفي أحد الأيام، انهال بالضرب بعصاه وبكل قوته على وجه أحد الشبان البورمانيين الصغار، الذين أرادوا إثارته بنظراتهم المتفرسة وطريقة كلامهم الهازئة، فأصابه بالعمى. بقيت آثار تلك الحادثة تطارده لنجدها واردة كما هي في أحداث روايته. كما وردت تجربته تلك في نص له يدعى "إطلاق النار على فيل" وصف فيه كيف دفعته الجموع البورمانية إلى ارتكاب ما جعله يفطن إلى سلوكه الفظيع، إلى الشعب المقهور والمستعمر والذي يشعر نحوه بالكراهية، إلى قوة الالتزام بالوظيفة وكونه سخرة في يد النظام المتسلط. طلب منه إطلاق النار على فيل هائج لإردائه قتيلا. وفعل خوفاً من أن يتهم بالجبن أو بالجنون، وفي كل الأحوال كان هذا دوره، وقد أداه على أكمل وجه.
في بورما، تولدت لدى جورج أورويل مشاعر التحرر، و تملكه الإحساس بفظاعة التسلط. وعرف بأن ما يقوم به لم يكن بالمهنة التي تناسبه. وخلال إجازة له في لندن عام 1928 قدم استقالته وتحول نحو الكتابة. ثم لجأ الى باريس وعاش فيها فترة طويلة حياة غريبة كالمشردين قبل أن يعمل غاسلاً للأواني في مطعم. بعد عودته إلى إنكلترا، عمل مدرساً وصحافياً وكتب روايته الأولى "أيام بورما" عام 1934. شارك أورويل في الحرب الأهلية الإسبانية إلى جانب الجمهوريين وجرح في الحرب عام 1937، وانتابه شعور بالمرارة والإشمئزاز من التوتاليتارية الستالينية. وقضى عليه مرض السل الذي كان أصيب به عام 1950. وفي صراعه مع المرض في سنواته الأخيرة كتب عام 1984 قلب الرقمين الأخيرين ليضع العنوان أشهر رواية له "1984" وهي من قصص الخيال العلمي التي عبر فيها عن القلق الهائل الذي يساور الإنسان الحر في عصرنا الحالي ونجد فيها وصفاً متشائماً لمستقبل مرعب وعالم يسيطر فيه الرقيب أطلق عليـه لقب الأخ الأكبر وقوى الأمن على فكر الفرد. وهي الفكرة نفسها التي نجدها في "أيام بورما"، ويهاجم فيها أورويل ليس فقط الأنظمة السياسية القمعية وإنما عملية تزوير التاريخ التي تمارسها هذه الأنظمة بإعادة كتابتها المستمرة للتاريخ بما يلائم الفترة الزمنية التي تعيشها.


الخميس، 26 أبريل 2018

هل نحيا فردوسا رقميا؟ بقلم : أ.د. محمد الدعمي

محمد الدعمي

”يبدو لي مؤكدا الآن بأن “الفردوس الرقمي” الخداع قد سلب من نشئنا وشبيبتنا عشرات، بل مئات المهارات التي يعتادها الفرد بعد قليل من التدريب والممارسة، وذلك من أجل بقاء الإنسان على نحو أشبه ما يكون بالتمثال أو الصنم، متنقلا من موقع إلكتروني إلى آخر، بلا رقابة ولا توجيه، بلا روادع ولا ضوابط.”
لا يفقه المرء، بدقة، إن كان العالم الغني بخاصة، يحيا اليوم فردوسا رقميا. لذا، أوجه هذا الاستفهام إلى تلك الملايين من البشر المأسورة بسحر “الرقميات” وشبكاتها العنكبوتية الممتدة نحو كل شيء، وأقصد بذلك الأدوات والحقول التي بشر بها الحاسوب عبر الشبكات الرقمية حتى انقلب شكل العالم الآن رأسا على عقب اليوم، مقارنة مع شكله قبل بضعة عقود فقط، أي عندما كنا فتيانا صغارا نقلّب المذياع على كافة الجهات علنا نظفر بالإذاعة التي نبتغي الاستماع إليها من أجل متابعة الأخبار، أو مسابقات أفضل عشرين أغنية!
هو استفهام تنطوي محاولة الإجابة عليه على حقائق ملموسة قد تكمن بين طياتها نهاية غريبة للنوع الآدمي الذي غادر الحركة، وفضّل البقاء لساعات، كسولة وراء منضدة الحاسوب، معتقدا بأن الصندوق الإلكتروني الماثل أمامه إنما هو سر الحياة وعنوان التقدم الفردي والجماعي. بيد أن المرء لا بد أن يقارن بين نفسه على سنوات طفولته عندما كانت معلمته تطلب منه كتابة ثلاث أو أربع كلمات عشرات المرات كي تقوى أصابعه وكي يخط الحرف على نحو مقروء وجميل، وعليه أن يقارن كذلك بين مشاق وعذابات حفظ “جدول الضرب” وبين “حاسبات الجيب” الصغيرة التي لم يعد حملها واستعمالها في اختبارات الرياضيات والهندسة والحساب من المحرمات، كما كانت عليه الحال حتى وقت قصير في مدارسنا وجامعاتنا.
تكمن في هذه المقارنات وأمثالها أخطر الفروقات، خاصة عندما نستذكر كم كنا نبذل جهودا عضلية مضنية كي نفوز بمباراة حينا بكرة القدم ضد الحي المجاور، وكيف كنا نتمرن للفوز، وإن أردنا تمرينا للعقل، نتوجه إلى “مقاهي الشطرنج”، بدلا عن مقاهي الحاسبات. علما أن الأخيرة يمكن أن تجهز النشء والشبيبة بما لا يشتهيه التربويون من “المحرمات” المتاحة للمشاهدة، ولكن دون علم الوالدين أو أي ممن تهمه سلامة الشباب الأخلاقية والاجتماعية.
يبدو لي مؤكدا الآن بأن “الفردوس الرقمي” الخداع قد سلب من نشئنا وشبيبتنا عشرات، بل مئات المهارات التي يعتادها الفرد بعد قليل من التدريب والممارسة، وذلك من أجل بقاء الإنسان على نحو أشبه ما يكون بالتمثال أو الصنم، متنقلا من موقع إلكتروني إلى آخر، بلا رقابة ولا توجيه، بلا روادع ولا ضوابط.
والحق، فإن هذا ما لا تفعله المجتمعات المتقدمة التي أنتجت “الفردوس الرقمي” وسوقته إلينا، إذ إن مؤسساتها التربوية تحث الشباب والشياب على الحركة، درجة أن المرء يخال بأنها مجتمعات تشجع الإنسان أو الجماعات البشرية على الرجوع إلى نوع حديث من “البداوة”، ليس في الصحراء القاحلة، ولا عبر البراري الجرداء، وإنما في أعظم حواضر العالم وأريافه، نظرا لأنها تدرك جيدا أنه في حركة الإنسان تكمن أسرار الصحة والتقدم، بدائل عن الجمود والكسل البدني والكساد الذهني، علما أن الحالات الأخيرة تغزو شبيبة أغلب مجتمعاتنا، ليس بسبب الرغبة التربوية بذلك، وإنما بسبب ما حبانا الله به من موارد مالية مكنت هذه المجتمعات من استيراد وإتاحة الشبكات والأجهزة الرقمية حد الغثيان والهبل، للأسف.
إذا لم يكن المرء يريد أن يفكر، أو أن يبذل جهدا عضليا، فإن عليه أن يتذكر المقولة الشهيرة: “استعمل أعضاءك، أو اخسرها!” Use it, or lose it. وهذا هو “الجحيم الرقمي” بعينه.

الأربعاء، 25 أبريل 2018

كُن ثابتًا إلى أن تُحقّق الهدف، قصة مُلهِمة



ترجمة ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي


كان هناك ذات مرّة شاب أُنيطت به مُهِمّة تسلّق شجرة جوز الهند لقطف ثمارها، عصيرها. لم يتسلّق لمثل هذا الارتفاع قط. وهكذا رافقه أبوه في ذلك اليوم. بدأ الابن يتسلّق والأب ينظر إليه ولم ينبِس ببِتْت شفة. عندما قطع الابن نصف المسافة، لم يقل الأب شيئًا. عندما وصل الابن قمّة الشجرة لم يقل الأب شيئا أيضا.

جنى الشاب الثمر/العصير وأخذ ينزِل، وكان يفكّر في هذه هي تجربتي الأولى، ومع هذا فأبي لا يقول أو يقترح شيئًا، وهكذا شعر بخيبة أمل لحدّ ما. عند وصوله لنصف المسافة نزولًا، بقي الأب لائذًا بالصمت. عندما وصل على بعد خمسةَ عشرَ قدمًا عن الأرض [أي حوالي ٤،٥ م، إذ أن القدم يساوي ٣٠،٤٨سم ويبلغ ارتفاع شجرة جوز الهند أو النارجيل، Cocos nucifera ٢٥-٣٠م.، في القصّة خلل منطقي واضح، ربّما كان المقصود خمسة أقدام، أي حوالي متر ونصف]، فتح الأب فاه وقال: يا بنيّ انتبه! اغتاظ الابن قليلًا عند سماع ذلك. نزل الابن بأمان وسأل والده يا أبي، عندما بدأت أتسلّق لم تقل شيئًا، وعند وصولي القمّة لم تنبس ببنت شفة وعند وصولي رجوعًا إلى منتصف الطريق لم تنطق بكلمة. عندما كنت على وشك وصولي الأرض قلتَ: إنتبه!، لماذا“؟

شرح الأب قائلًا: يا بنيّ، عندما بدأت في التسلّق كنتَ حذرًا.
عند وصولك القمّة كنت حذرًا أيضا لتفادي أي خطأ يؤدّي إلى السقوط.
عندما وصلت منتصف الطريق رجوعًا كنت تتحلّى ببعض التركيز.
ولكن عندما أوشكت على وصول الأرض كنت على حافّة فقدان التركيز، لذلك ذكّرتُك أن انتبه!

المغزى

جلّ الأخطاء تحدُث عندما نكون على وشك الوصول للهدف، عندها نصبح غير مبالين ونفقد التركيز. ينبغي ألّا نقع في ذلك. كن ثابتًا ….حتى تحقيق الهدف.


الجمعة، 20 أبريل 2018

الرّاوي وأثره في العناصر القصصية في قصص سناء الشعلان









 بقلم الباحث: محمّد صالح المشاعلة/ الأردن


أولاً: رؤية الكاتبة للزّمان:
يعدُّ الزّمن عنصراً هاماً من العناصر التي تدخل في تحديد مفهوم القصّة القصيرة والتّمييز بينها وبين أجناس أدبيّة أخرى تقع على حدودها أو تتوازى أو تتقابل معها. وللزمن أثر كبير في الفنون الأدبية أجمعها؛ وذلك لأن الزمن الأدبي زمن إنسانيّ، فهو زمن التجارب والانفعالات زمن الحالة الشعورية التي تلازم المبدع، فهو ليس زمناً موضوعياً أو واقعياً، بل هو زمن ذاتيّ ونسبيّ من قاصّ لآخر[1].
ولعلّ من الواجب العلمي أن نستفسر عن الزمن الذي حدثت فيه الرّواية أو القصة؛ فقد يعود بنا الزّمن في بعض الأعمال الأدبية إلى الوراء؛ رغبة من الكاتب لإبراز العناصر السّردية ذات العلاقة بالمسرود، وأيضاً في إظهار المسرود له. فالزّمن شيء يصعب الإمساك به، ندركه بعقولنا ولكن لا نستطيع إدراكه بحواسنا.
ويعد "القصّ هو أكثر الأنواع الأدبيّة التصاقاً بالزمن"[2]؛ إذ لا يمكن له أن يستغني عن الزمان بحال من الأحوال؛ ذلك أنّ علاقة "القصّة بالزمن علاقة مزدوجة، فالقصّة تصاغ في داخل الزمن، والزمن يصاغفي داخل القصّة"[3]، وخلاصة ذلك أنّه "لا سرد بدون زمن، فمن المتعذر أن نعثر على سرد خال من الزمن، فالزمن هو الذي يوجد في السرد، وليس السرد هو الذي يوجد في الزمن"[4].
ويتمثّل رصد الزمن لقصص شعلان في تحليل مدّة السرد أو الأحداث، ويتم ذلك عن طريق "ضبط العلاقة الزمنيّة التي تربط بين زمن الحكاية التي تقاس بالثواني، والدقائق، والسّاعات، والأيّام، والشّهور، وبين طول النّص القصصيّ، الذي يقاس بالأسطر، والصّفحات، والفقرات، والجمل"[5].
ويغلب على زمن قصص الكاتبة صفة ( تسريع السرد)، ويتم ذلك عن طريق حركة سرديّة تسمى (الخلاصة)، أو المجمل، أو الإيجاز، أيّاً كانت التسميّة فهي تعني السّرد في بضع فقرات، أو بضع صفحات، لعدّة أيام، أو شهور، أو سنوات من الوجود، دون تفاصيل أعمال أو أقوال[6]. 
ونتيجة لهذا يكون زمن القصّة أكبر بكثير من زمن الحكاية، فما يحدث في شهور وسنوات، أُجمل في عدّة سطور. وتمتاز الخلاصة بأنّها حركة زمنيّة تهيمن بصورة أساسيّة على صيغة السّارد العليم، الذي يرى الأحداث من الخارج، مجملاً لنا ما يراه مهمّاً، وهذا موضوع دراستنا الرئيس[7].
إنّ تلخيص السّارد للأحداث وإيجازها يأتي به السارد لتحقيق جملة من المنافع النّصيّة، والغايات السردية التي تخدم النّصّ، ولعل أبرز تلك الوظائف هي المرور السريع على سنوات طوال أو شهور عديدة في بضع أسطر أو فقرات، ولعل أوضح مثل على ذلك قصّة (مقام الحقائق)، في مجموعة شعلان القصصيّة (مقامات الاحتراق)، حيث تختصر الأزمان بجملة واحدة، هكذا:
"ضحّى بنصف عمره؛ ليصل إلى الحقيقة، وأنفق النصف الثاني؛ لينسى تلك الحقيقة"[8].
في هذا السرد القصصيّ القصير، نلاحظ محدودية حجم النص مقارنة بالزمان الذي يتضمنه في طيّاته، إذ استطاع السارد في هذه الأسطر القليلة أنْ يُجمل لنا حياة (رجل) لم تصرّح الكاتبة عن هويته، فالسارد لا يذكر لنا كيف ضيّع النصف الأول من عمره في البحث عن الحقيقة، وكيف أضاع النصف الآخر من عمره لينسى تلك الحقيقة، فحياة هذا الرجل اختُصِرتْ في سطرين، إذ لا يهم الراوي ضياع النّصف الأول من العمر، بل كل ما يهمه حزنه على ضياع النّصف الثاني لينسى تلك الحقيقة.  
ومن النماذج الأخرى التي يمكن أن نمثل بها هنا لتسريع الزّمن في قصّة (عينا خضر) من مجموعتها القصصيّة (الهروب إلى آخر الدنيا):
"في كلّ ليلة تحسّس[9] خضر بطني؛ ليطمئنّ على غرسته، ثمّ يغفو وهو يحلم بطفل يولد في أرض محرّرة، يغفو على الحريّة، ويستيقظ على مداعبة النّفوس العاشقة لأرضه المعطاءة، وعلى صوت مآذن القدس، وأخيراً تفتّق جسدي العاشق عن غرسنا الجميل، كانت كلّ العيون حولي، إلا عينك يا خضر، آه من القهر والموت، كلّ العيون تجتلي طفلك وتقبله، إلا عينيك يا خضر، فهما تستحمّان في غياهب الموت، وتقدمان محجريهما للدود والعفونة، كما قدّمت مكرهاً نورهما لعدو غاصب"[10].
يمر الرّاوي في خبره هذا مروراً سريعاً، مجتازاً بذلك كثيراً من الأحداث التي لم يُردْ لها أن تقع في دائرة الضوء، فنراه يختصر سنوات من حياة (خضر) دون التفصيل فيها؛ لأن ما يريد أن يصل إليه الراوي هو أنّ خضر استشهد، وسرقت عيناه ليهودي يعاني من مشكلة في قرنيّتيه على أيدي الغاصبين، فمرّ على أحداث ولادة الطّفل وموت أبيه مروراً خاطفاً، دون أي شرح لذلك أو توضيح، بل اكتفى الرّاوي بالإشارة إليهما؛ مما أسهم في تسريع الإيقاع السّردي للزمن، من خلال هذا التّكثيف النّصيّ الذي حققته الخلاصة السّرديّة.
في نهاية الأمر نلاحظ أنّ الكاتبة كثيراً ما تعتمد في سردها للزمن على الخلاصة؛ كسارد عليم بالأحداث، يجمل ما رآه أو ما سمعه، فاسحةً المجال للقارئ كي يربط الأحداث ويوصل بينها بخيط السرد، ونستطيع أن نتعرف على ذلك من خلال عبارات التّلخيص التي ذكرها الرّاوي الذي يدّعي العلم بكل أحداث القصّة، ويعرف ما يدور داخل الشخصيّة وماذا تريد، بإشارات سريعة معبّرة.
ثانياً: رؤية الكاتبة للمكان:
يعدّ المكان واحداً من أهم العناصر الرئيسة التي يتكئ عليها القصّ، فهو يشكل مع الزمان بيئة قصصيّة تقع فيها الأحداث وأفعال الشخصيّات، وأيضاً ارتباطه بالحدث؛ كونه الحيّز الذي تدور فيه الأحداث، فالمكان يكتسب أهمّيته بعد أن يحدث فيه شيء ما.
إذاً المكان يمثّل وعاءً للحدث وللشخصيّة، إذ يُظهر مظاهر الحياة التي تعيشها الشخصيّات، كما يحوي الأحداث التي تنمو مسيرتها ضمن إطار محدّد، إذ تتشكّل الأمكنة من خلال الأحداث التي تقوم بها الشخصيّات، وهو على علاقة وطيدة بالشخصيّات، فالبناء المكاني لا يتشكل في النّص إلّا من خلال اختراق الأبطال له[11]، ويعدّ أيضاً ركناً مكمّلاً للشخصيّة، فضلاً عن وظيفته في تفسير الشخصيّة، إذ من خلاله تبرز صفات الشخصيّة وطبائعها ومعالمها الدّاخليّة والخارجيّة عن طريق مواقفها وسلوكها[12].
في هذه المبحث سيحاول الباحث دراسة الأمكنة الواردة في مجموعة شعلان القصصيّة (أرض الحكايا) أنموذجاً، تحت ثنائيّة المكان (الأليف، المعادي)، على وفق ما تمّ رصده من أمكنة داخل هذه المجموعة، لا أقول جميعها بل أكثرها تردداً، وبيان دلالة ذلك.
1-المكان الأليف:
إنّ المصطلح المتعارف عليه للمكان الأليف هو المكان الذي تنسجم معه الشّخصيّة، ذلك المكان الذي تأنس به النّفس وترتاح إليه، من دون أن نلمح للعداوة فيه ملمحاً، "فإذا حدث نوع من الانسجام فإنّ الشّخصيّات تحيا فيه وتعيش في ألفة، وإذا لم يحدث ذلك فستكون الشّخصيّات كارهة للمكان وينشأ نوع من التناقض"[13]. ومن الأمثلة على تلك الأمكنة الأليفة (المساجد، الحدائق، الواحات الجميلة).
ومن هذه الأماكن التي ورد ذكرها في قصّة (مدينة الأحلام) داخل المجموعة القصصيّة (أرض الحكايا):
"كانت المدينة صغيرة ذات أسوار بلّوريّة، وقبّة شفّافة تتراءى السماء والقمر والنّجوم في أعلاها، ولكنّها كانت تتسع للبشر أجمعين كما اتّسعت طوال وجودها السّري لأحلامهم، كان البقاء فيها رائعاً، كانت تشبه مزقة من الفردوس الذي سمعوا عنه طويلاً في كتبهم ومن أنبيائهم"[14].
تمثّل هذه المدينة (مدينة الأحلام)، حلم البطل الذي ما انفك يرسم تلك المدينة في ذهنه. وأخذ السارد يستحضر هذا المكان ويعاينه وهو السارد العليم الذي كشف لنا عن هذه المدينة التي كانت تسكن داخل شخصيّات القصّة وتزيّن أحلامهم، حيث قام بالتّركيز على مدينة الأحلام بوصف أسوارها، وسمائها، وقمرها، ونجومها، ومعجزاتها.
ومن الأمكنة أيضاً التي تشكّل في مجموعتها الألفة والعداء، إزاء الشخصيّة المتطوّرة في هذا المكان (ساحة الأقصى)، في قصّة (في القدس لا تشرق الشّمس):
"كان الجنود يطاردون بعض صبية حيّه، عرفهم جميعاً، كانوا نوارس صغيرة تطاردها الوحوش، أخذ يهتف معهم: (الله أكبر... خيبر... خيبر يا يهود، جيش محمّد سوف يعود)، وأخذ يرشقهم ببعض الحجارة، ووّلى مع الصبية نحو البعيد، اختبأ في إحدى الزقاق مع صديق له من الصّف الخامس اسمه أحمد، كان يصلّي معه الفجر في المسجد الأقصى بحضرة المعلّم رفيق، ولكن كان ذلك في الماضي، قبل أن يرحل معلّمهم الطّيّب دون عودة، وقبل أن يعلو جدار الفصل، فيغلق الدّروب دون المسجد"[15].
تمثّل ساحة الأقصى المبارك مكاناً أليفاً ومعادياً في الوقت نفسه، فهو أليف للصبية والشباب الذين يرجمون الصّهاينة بالحجارة، والتي ارتبطت في نفوسهم روح القتال والجهاد ضدّ المحتل، في حين يكون هذا المكان معادياً للصهاينة الذين تأتيهم الحجارة رشقاً، فمن خلال الرّاوي العليم هنا استطعنا أن نفرّق متى يكون المكان أليفاً أو معادياً للشخصيّات من خلال تصوير الرّاوي لحبّ الأطفال والشباب للوطن ودفاعهم عنه، والمقاومة الشعبية التي تتصدّى للصّهاينة، فيصبح بذلك المكان معادياً بالنسبة إليهم.
2-المكان المعادي:
ويراد به المكان الذي تخافه النّفس؛ لخوفها من سطوة شخص، أو سلطة أو عدو أو أيّ شيء آخر، فيكتسب المكان صفة العداوة ويكون مدعاة للبغض والكراهية. وهو أيضاً الذي يرغم المرء على العيش فيه، ويثير الإحساس بالضيق، والضّجر، والعداء. ومن أشهر الأمكنة التي اتصفت بالعدائيّة (السجون). ولعلّ السجون هي من أكثر الأماكن وأشدّها عداوة للإنسان على مرّ العصور؛ لما تتعرض فيه إنسانيّة الإنسان من ذلٍّ وقهر ومهانة، واستلاب لحرّياتها وأفكارها. ومن الأمثلة على قسوة السّجون في قصّة (البلّورة)، حيث يصف الرّاوي معاناة السجين من المكان بقوله:
"كان غريباً في وطنه، وعدوّاً في سجن وطنه، ضُرب حتى نسي اسمه، وما نسي قضيّته، وخرج يجرّ الخذلان وقدماً عرجاء شبه مشلولة محتجّة بصمت على العذاب الذي وقع في حقّها، وبدأت معاناته مع البلّورة "[16].
 يمثّل المكان هنا ما كان يكابده بطل القصّة من عذاب ومهانة، ودليل ذلك قدمه التي شلّت بسبب العذاب الذي أصابها، فالبطل في القصّة يعاني من سجنين سجن الوطن، والسجن الحديدي المعروف، فقد كان مسجوناً داخل السجن وخارجه، بسبب (البلّورة) كما أوهموه، ولكن البلّورة في حقيقتها تمثّل (الدواسيس) وعناصر المخابرات الذين يراقبونه وينقلون أخباره عن كثب، وفي النهاية يفضّل الانتحار خلاصاً من كلّ هذا الألم والعذاب.
ومن الأمثلة أيضاً على الأمكنة العدائيّة (الصحراء) عند شعلان، وقد تجلّى ذلك في قصّة (قافلة العطش)، حيث اتخذت العطش رمزاً للحرمانوالعطش إلىالحب، يقول الرّاوي:
"كانوا قافلة قد لوّحتها الشّمس، وأضنتها المهمّة، واستفزّها العطش، جاءوا يدثّرون الرّمال وحكاياها التي لا تنتهي بعباءات سوداء تشبه أحقادهم وغضبهم وشكوكهم. العطش إلى الحب أورث الصّحراء طقساً قاسياً من طقوسها الدّامية، أورثها طقس وأد البنات، البعض قال: إنّهم يئدون بناتهم خوفاً من العار، البعض الآخر قال: إنّهم يفعلون ذلك خوفاً من الفقر، لكن الرّمال كانت تعرف أنّها مجبرة على ابتلاع ضحاياها النّاعمة؛ خوفاً من أن ترتوي يوماً، كان مسموحاً للقوافل أن تعطش وتعطش، ولها أن تموت إن أرادت، لكن الويل لمن يرتوي في سِفر العطش الأكبر"[17].
إنّ رؤية الكاتبة للمكان الصحراوي رؤية مأساويّة، فالشخصيّات لا تشعر إزاء الصحراء بالألفة مطلقاً، إنما تشعر إزاءها بالعداء، فقد كشفت الشّخصيات عن إحساسها بالعطش والحرمان في إطار العادات والتقاليد، بينما تطمح إلى الانفتاح والارتواء من الحب، فالصحراء هنا تمثّل الحرمان لكلّ من الذكر والأنثى على وجه الخصوص. تم التّعبير عن ذلك عن طريق الرّاوي الأنثى متقمّصاً هذا الدّور، ولربما كان هذا لسببين: "الأول أنّ الكاتبة تستهدف الرجل السّلطوي، والثاني يتمثّل في الخبرة الحياتيّة المكتسبة للكاتبة بوصفها تمثّل الجانب الأنثوي، فغزلت على منوال الواقع المعيش لا المتخيّل، مما أعطى هاتيك القصص صدقاً فنّياً من نوع خاص"[18]. فمكان الصّحراء في هذه القصّة يمثّل الحرمان والعطش إلى الحبّ، والنّص مليء بالشّواهد التي توضّح مدى رفض الشّخصيّات لهذا المكان المعادي.
ومن الجدير بالذّكر أنّ المكان لا يكتسب صفة (الأليف أو المعادي) نظراً لجمال المكان أو قبحه، فنظرة كلّ شخصيّة للمكان تختلف عن نظرة أخرى غيرها، بل حتى للشخصية ذاتها، فلربّما كانت ترى في إحدى الأمكنة مكاناً أليفاً لها، ثم بمرور الزمن يصبح بالنسبة إليها مكاناً معادياً، وبالعكس، تبعاً لنوعية التّجربة الشّخصيّة من جهة، ولتغير الأحداث الجارية عليها من جهة أخرى. فقد ترتاح الشخصيّة للمكان وتعدّه أليفاً رغم ضيقه وقبحه، في حين قد ترى الشّخصيّة هذا الحيّز مكاناً معادياً، فيما إذا كانت قد تعرضت فيه إلى أذى مهما يكن نوعه.
ثالثاً: الرّاوي والشّخصيّة:
تعدُّ الشّخصيّة من الأركان الأساسيّة التي يرتكز عليها السرد، وليس بإمكانه التّخلي عنها؛ فهي من دعامات العمل القصصيّ[19]، فالشّخصيّة لها أهميّة كبيرة، وتضطلع بموقع متميّز؛ انطلاقاً من كونها"العنصر الوحيد الذي تتقاطع عنده كافة العناصر الشكليّة الأخرى"[20].
وتقوم الشّخصيّة في بعض الأحيان بتولّي "مهام الرّاوي ذاته أو المروي له كذلك"[21]، وفي المقابل يعدّ الرّاوي أيضاً في بعض الأحيان لسان الشخصيّات، والمعرّف بها سواء من الخارج أو من الدّاخل، فالعلاقة بينهما علاقة متبادلة ومكمّلة لكلا الطّرفين. وقد اختلف الباحثون في مفهوم الشّخصيّة وماهيتها، فمنهم من رأى أنّها في القصّة من لحم ودم، ومنهم من رأى أنها شخصيّة ورقيّة، ورأى بعضهم الآخر أنها "ليست سوى مجموعة من الكلمات لا أقل ولا أكثر"[22]. والشّخصيّة على هذا ما هي إلّا كائن يخلقه القاص من خياله، يأتي بتوظيفه تحقيقاً لغايات معيّنة.
ورأى آخرون أنّ الشّخصيّة في الواقع هي صورة طبق الأصل للذين يحيون في المجتمع، مما أهلها لأن تكون صورة دقيقة لحقيقة المجتمع وواقعه[23]، وغالباً ما تكون هذه الشّخصيّات من الواقع أو مقتبسة منه.
تعددت الشّخصيّات الواردة في مجموعات شعلان القصصيّة، "فأكثرها شخصيّات هامشيّة من عامة النّاس. من ذلك بطل القصّة الموسومة (رجل محظوظ جداً)، أو بطل قصّة (اللوحة اليتيمة) وغيرها، فهي تنتقي أبطالها من عامّة النّاس وليس من المثقفين أو من طبقة اجتماعيّة عليا؛ وبذلك تقترب من القارئ، وتختصر المسافة بينها وبين المتلقّي"[24]، بالإضافة إلى شخصيّات أسطوريّة وخياليّة.
اعتمدت الكاتبة في رسم شخصياتها وتقديمها من خلال الرّاوي بـ(الطريقة التّحليليّة): وفي هذه الطّريقة يقدّم الرّاوي شخصيّاته بوسيلة مباشرة، شارحاً عواطفها وأفكارها ونوازعها، من دون غموض أو تردد، "وعرض الشّخصيّات بهذه الطريقة يفيد في مسرحة النّزاع وجعله أكثر تأثيراً"[25].
ومن أمثلة هذه التّقديم المباشر للشخصيّة في مجموعة الكاتبة القصصيّة (الكابوس)، في قصّة (بطل المِكْنِسة) أنموذجاً، حيث قدّم الرّاوي شخصيّته الرئيسة على هذا النّحو:
"لم يكن طالباً متفوّقاً، ولا وسيماً، ولا يمتُّ بأيّ صلة قرابة إلى المدير أو إلى أيّ من المدرّسين، ولكنّه كان الطالب الأشهر في المدرسة الابتدائيّة، بل وفي الحي القديم الذي يسكنه، حتى إنّه لم يكن هناك بيت من البيوت المكدّسة على بعضها كعلب الكرتون المقوّى في مخزن قديم في حيّه وفي الأحياء المجاورة، إلّا ويعرفه أحد من صبيته، أسموه (بطل القطّة)، ثم أسموه بعد ذلك (بطل النّمرة)، بناء على رغبته، وهو من عشّاق الألقاب الرّنّانة "[26].
قامت عمليّة الكشف عن الشّخصيّة بوساطة راوٍ عليم، يرى من الخارج شخصيّة الطالب المشهور في الأحياء القديمة والمدرسة الابتدائيّة، معرباً عن هويّتها ونوازعها نحو الألقاب مثلاً، دون أنْ نلحظ دوراً للشخصيّة للتصريح بذلك. وأيضاً قام بوصف ملامح الشخصيّة الخارجيّة دون تردد أو إذن ومثال ذلك:
"فلم يكن من المناسب بعد أن كبر وأصبح بجسد يسدّ باباً بأكمله، وبعد أن استدارت عضلاته واستطالت عظامه، وخطّ شنبه أن يُدعى (بطل القطّة)، إن لم يكن هناك بدٌّ من لقب"[27].
 عرض الرّاوي هنا ملامح الشّخصيّة عرضاً مباشراً، فكما وصفها في البداية وصفاً داخلياً، شرع بوصفها أيضاً من الخارج، فوصف (الطالب) بالطّول، والضّخامة وبعضلات وعظام قويّة، وشنبه الذي بدأ يخطّ.
هذه الأوصاف سواء أكانت داخل الشّخصيّة أم خارجها استطاع الرّاوي العليم أن يقدمها للقارئ بكلّ سهولة ومن دون أيّ عناء في تحليل الشخصيّات من غير الاعتماد على الحوار الذي يكشف لنا عادة مكنونات الشخصيّة.
ومن شواهد الطريقة التحليليّة أيضاً في وصف الشّخصيّة في قصّة (صداع قلب)، على لسان الرّاوي: "اعتاد على صراخها وفوضاها، حتى أصبح من أشدّ المتبرمين بوجودها، فقد منعته النوم بمشاكلها واحتجاجاتها، وأساءت إلى مظهره كلما جاءه ضيف لزيارته، فوجدها تنبح في الحيّ دون توقّف، تنتصب بجسدها البرونزيّ الجميل، وتتمايل بتشنجات وإيماءات وإشارات فاضحة، ثم تصفّق كفّاً على كف، كما أنّه حال دون أن يسمح له بتصوّر أنّ امرأة غجريّة سيئة السّمعة تتعاطى الاستجداء عملاً تعتاش منه تكون جارة له يوماً ما"[28].
يقدّم الرّاوي للقارئ شخصيتين (الرّجل، والجارة الغجريّة)، الرجل الذي يرفض تصرفات جارته المشبوهة، حيث عرض الرّاوي أوصاف (الجارة) عرضاً مباشراً، وقدّمها بين يدي المتلقي من دون عناء منه، من خلال وصف سلوكيّات (الجارة) سيّئة السّمعة، ونمطيّة الشخصيّات التي ترتاد منزلها كلّ يوم، كل ذلك صدر من راوٍ غير ممثّل بالنّص، ينظر إلى العالم بكلّ ما يخصّ هذه الشخصيّة ويتعلّق بها، وكأنّه عين (الكاميرا) المصوّرة لكل ما تقع عليه عدستها.
وهكذا يعمد الرّاوي العليم إلى فقرات موجزة، يصوّر فيها (الجارة) خيرَ تصوير، واقفاً عند صفاتها التي اشتهرت بها من بذاءة، وفجور، وجمال في نفس الوقت، فالكاتبة تتعامل مع شخصياتها تعاملا ًخاصاً من خلال عرضها بأسلوب أدبي رصين.
ونورد أيضاً أمثلة على (الشّخصيّات الأسطوريّة)، "وهي الشّخصيّة التي ليس لها وجود واقعي"[29]، ومنها شخصيّة (الفزّاعة) في قصّة (الفزّاعة)، حيث يصف الرّاوي إيّاها:
"ملابسه رثّة، قبّعته قديمة، فيها خرق كبير، قدماه خشبيّات[30]، عيناه زرّان مختلفا اللّون، وفمه مخاط على عجل، ولا أذنين له، وقلبه من القشّ، وخصره نحيل، وجسده مصلوب ليل نهار، ولكنّه يحبّها، لا يحبّها فقط؛ لأنّها هي من خاطته، وزرعته في هذا المكان، ولكنّه يحبّها، لأنّها رقيقة ولطيفة، ويعشق صوتها ذا الرّنين العذب كلّما غنّت"[31].
تناول الرّاوي هذه الشخصيّة الأسطوريّة بالوصف، ومن خلال هذا الوصف الدّقيق للشخصيّة، يستنتج القارئ أنّ هذه الفزّاعة ليست فزّاعة فحسب، بل لها مشاعر وأحاسيس وقلب ينبض بالحب لتلك الفتاة التي خاطته. وبمثل هذا النّسيج الخيالي والأسطوري ترسم الكاتبة ملامح هذه الشّخصيّة؛ رغبة في إضفاء مزيدٍ من التشويق وتوسيع أفق المتلقي وربطها بالواقع.    
وقد كان أيضاً من الشّخصيّات التي تطرّقت إليها الكاتبة في مجموعاتها القصصيّة (شخصيّات من عامّة الناس ذات طابع هزلي)، وهي تمثّل الأنموذج الذي لا يكاد يتغيّر وتتبدّل سماته طوال النّص، وليس لها أثر يذكر مهما تغيّرت الظروف المحيطة بها، ويُرى أنّ هذه الشّخصيّة هي التي يتذكّرها القارئ بسهولة، ولا تحتاج من المؤلف إلى إعادة تقديم لكونها لا تتطوّر عمّا كانت عليه[32]. هذه الشّخصيّة صورتها لنا الكاتبة تصويراً فكاهياً ومثال ذلك ما جاء في قصّة (سُهاد)، حيث تصف لنا الطّالبة بعض من الشخصيّات الفكاهيّة الواردة في القصّة، كمعلّمة الرّياضيّات الدّائمة التّوبيخ: "ضاربين صفحاً عن جعجعة معلمة الرياضيّات السّمينة، التي انبرت مهتاجة كديك ينوي التّبرّز تريد أن تلفت انتباهنا إلى السّبورة، لنتابع حلّها لإحدى المسائل التي لم نفكُّ أبداً طلاسم حلّها في يوم من قبل"[33].
وأيضاً في وصف المديرة لطالبات الصّف: "مديرة المدرسة منعتنا مراراً من التّكوّم كدجاج مزرعة على نافذة الصّف خوفاً من أن تسقط إحدانا منه"[34]. وفي وصف الخالة للطالبة: "طفلة مفعوصة لم أخرج من البيضة بعد، على حدّ تعبير خالتي الوحيدة التي تحظى بوافر حبّ واحترام وثقة أمي"[35]. وأخيراً في وصف رئيس البلديّة: "وتهيئة أماكن الاستقبال للضّيوف الرسميين على رأسهم ذلك السّمين ذو الكرش المسترسل كعجين خامر، ويدعى رئيس البلديّة"[36]. وبمثل هذا التقديم لشخصيّة (رئيس البلديّة) يهيئ الرّاوي نفس القارئ لتلقّي أخبار هذه الشّخصيّة وفجورها، وفسادها. 
تحاول الكاتبة من هذا - على لسان الرّاوي - التّصوير الفوتوغرافي رسم صورة كاريكاتيرية في ذهن القارئ، لشخصيّات القصّة (المعلمة، طالبات الصّف، رئيس البلديّة، سُهاد)، واصفاً كلّ شخصيّة بأوصاف خاصّة، مقدّماً إيّاها على وفق ذلك.
رابعاً: الرّاوي والحدث:
يعدُّ الحدث من أشمل العناصر السّرديّة المنطوية على علاقات كثيرة مع الشّخصيّة والزّمان واللغة[37]، وهو من العناصر الأساسيّة الفعّالة التي لا يمكن الاستغناء عنها، ويتمثّل الحدث في أنّه "سلسلة من الوقائع المتّصلة تتّسم بالوحدة الدّالة، وتتلاحق من خلال بداية ووسط ونهاية"[38].
ويقوم القصّ في أساسه على الحدث، فالقصّ عبارة عن مجموعة من الأحداث يسردها لنا الرّاوي، وهي تتناول حادثة واحدة أو حوادث مختلفة، حيث يتفنّن الرّاوي في طرق أحداث القصّة وسردها. وهو الطّريقة التي يسلكها الرّاوي في إيصال الأحداث للمروي له، ويتبع لذلك عدّة طرق، فتارة يسعى إلى عرضها بأسلوب تتابعي منطقي، وتارة أخرى يعرضها بشكل تضميني أو دائري، على وفق ما يراه الرّاوي منسجماً مع النّص والسرد الذي يأخذ على عاتقه سرد الأحداث.
ومن الأنساق التي حاول الباحث رصْدها ضمن مجموعات شعلان القصصيّة:
نسق التتابع:
يقوم هذا النّسق البنائي على أساس "رواية أحداث القصّة جزءاً بعد آخر، دون أن يكون بين هذه الأجزاء شيء من قصّة أخرى"[39]، وفي هذا اللون من الأنساق تتم رواية الأحداث بالتّرتيب، من دون تداخل أحداثها مع قصّة أخرى. وهذا اللون "قد عُرف منذ زمن طويل، وقد هيمن مدّة طويلة على فنّ القصّ بمختلف أجناسه، فقد كانت الأحداث تقدّم للسامع بنفس ترتيب وقوعها أي سردها، وبحسب ترتيبها الزّمني"[40]، فالرّاوي يسعى هنا إلى سرد الأحداث بشكل خيطي متسلسل.
ولعلّ من أبرز خواص الحدث وأهمها هو تأكيد الرّاوي على نقل الحدث والواقعة الإخباريّة نقلاً تتابعياً، من دون حدوث أيّة انحرافات بارزة في بنيته الزّمنيّة[41].  
وقد جاءت أكثر قصص الكاتبة منسابة بشكل تتابعي، قدّمها لنا الرّاوي على وفق هذا النّسق البنائي، وخير مثال على هذا النّسق، كما جاء في قصّة (عام النّمل)، في مجموعة الكاتبة القصصيّة (ناسك الصّومعة)، حيث ينقل لنا الرّاوي الأحداث في فترة زمنيّة منظمّة:
"كلّ ما كان يعني مملكة النّحل هو تقويض ذلك العرش الذّهبي الضخم الذي ركّز تماماً فوق مخازن الغلال والمؤن، فبات يهدد مملكة النّمل بالجوع وهي مقبلة على فصل الشّتاء، حيث لا متّسع لجمع مؤن جديدة أو نقل محتويات المخازن العتيقة المأسورة تحت العرش، وما كانت المملكة لتتخلّى عن مقدّراتها وممتلكاتها، فالتمسّك بالحقوق هو قانون النّمل المقدّس"[42].
في هذه القصّة تحاول مملكة النّمل جاهدة كسب قوتها الذي حرمت منه بسبب ذلك العرش الضخم، الذي حال بينها وبين الوصول للمؤن والمحتويات لنقلها وتخزينها لفصل الشّتاء، ويستمر الرّاوي بنقل الأحداث، وهي تتوالى في الوقوع، وتزداد إثارة حين قررت مملكة النحل إرسال أحد من رسلها، إلى سلطان عرش البشر:
"بعثت مملكة النّمل رسولاً إلى سلطان عرش البشر تسأله أن يغيّر مكان عرشه، فيخلي بين النّمل ومستودعاته، لكنّ السلطان ذا العرش الماسي سخر من ضعف الرّسول والنّملة، وداسه بنعله دون أن يعبأ بدوره المقدّس، فمحقه محقاً"[43].
على إثر هذا التّصرف من سلطان العرش، عزمت مملكة النّمل على أن تسترجع المؤن، وأن تثأر من كبر هذا السلطان، وأن تهدم عرشه المسكون بالتّجبّر وآهات المستعبدين من شعبه، وأطلقت المملكة صفير النّذير الذي لبّى الجميع نداءه:
"كانت المهمة شبه مستحيلة، لكنّ كرامة النّمل المطعونة غدت المحرّك والفتيل لأتون العمل والجهد، في غضون شهور قليلة مزّق النّمل بأفكاكه القويّة بالعزم والعمل والدؤوب، والواهية أمام الصّلب والخشب عرش السلطان، فتهالك العرش، وهوى بسلطانه الجائر الذي قضى صريعاً، وما وجد من شعبه من يرثيه إذ كان مكروهاً لا يناسب جوره رثاء أو ترحّم"[44].
هكذا تنتصر هذه المملكة المتماسكة، على السّلطان الجائر، الذي فرح بسقوطه الجميع، وحققت هذه الطبقة الكادحة المستضعفة ما لم تحققه الشّعوب، التي أعلنت هي الأخرى النّفير بعد عام النّمل، ممثلة (بالرمز) لكل ما يدور في واقعنا من الطّبقيّة والتّسلّط.
ويستمر الرّاوي في نقل الأحداث على وَفْقِ تسلسل منطقيّ، من دون ملاحظة أيّ خلل زمنيّ، بل مضت الأحداث بشكل طبيعي، ونسيج متتابع الحدوث، قصده الرّاوي وهو يسرد لنا ما جرى بين مملكة النّمل وسلطان العرش، ونجد الكاتبة قد قامت بتجريب النهاية المفتوحة أمام تساؤلات عديدة، وبهذا "لا ينغلق الزّمن التّتابعي، وإنّما يظلّ مفتوحاً على احتمالات عدّة يشارك القارئ في صنعها واستكمالها"[45].
نسق التضمين:
يعدُّ هذا النّسق البنائي وسيلة يعتمدها الكاتب لعرض أحداث قصّته للمتلقي، وهذا النّسق "يقوم على أساس نشوء قصص كثيرة في إطار قصّة قصيرة واحدة"[46]، وهو من أقدم الأنساق البنائيّة في الأدب القصصي، حيث تأتي بعض القصص المضمَّنة تنبئ بالنهاية، التي ستجري إليها الأحداث.
ووظيفة الرّاوي هنا، محاولةُملءِ الفراغات داخل العمل السّردي تارةً، والبحث عن التّنويع تارة أخرى[47]؛ خروجاً عن الملل، وعن النظام التقليديّ الذي قد يصيب القارئ عند قراءة أيّ عمل أدبيّ. ولا يشترط في نسق التّضمين تفرّع قصّة أو قصص أخرى عن القصّة الأمّ "فبإمكان راوٍ واحد أن يعقد علاقات بين مقاطع حكائيّة مختلفة"[48].
ومن الشّواهد على نسق التّضمين، ما تورده الكاتبة في قصّتها (المجاعة)، داخل مجموعتها القصصيّة (ناسك الصّومعة)، حيث تجسّد هذه القصّة حياة الرّجل النّحّات، وما تتولد عن حياته من قصص أخرى ضمّنتها الكاتبة داخل القصّة:
"كان نحاتاً موهوباً في زمن الضّنك والفقر، ولكنّه الآن ليس أكثر من حفّار قبور أو حانوتي قاتم يحترف تشييع الموتى، ويتقن إهالة التّراب على الأجساد التي اقتاتها الجوع، ويستثمر الباقي القليل مما لم يمانع الموتى بسلبهم إيّاه في إكمال تمثاله الصّخريّ، الذي قدّه من الصخر منذ زمن، وأضنى ذهنه تفكيراً وتدبّراً في أي الأشكال سينحت منه، وآل قراره إلى أن ينحته على شكل طفل صغير يستجدي المارّة بدموع صخريّة خلّابة، وخمّن أنّه سيجني الكثير من المال من هذا التّمثال الحزين، لكنّ المجاعة المفترسة جعلته يتراجع عن تمثاله الصّبي المستجدي"[49].
عند هذه النّقطة السّردية، يعمد الرّاوي إلى اختيار الموضع الذي يسوق فيه قصّته الثّانية؛ ليُثبت من خلالها، قرار تراجعه عن تمثاله الصّبي المستجدي، والانتقال إلى قصّة أخرى متفرعة عن القصّة الأمّ، وهي قصّة الوالي الظالم، الذي لا يأبه لجوع قومه، الأمر الذي أدّى بهم في النّهاية للجوع:
"فقد داهمت المجاعة المكان على غير غرّة، فقد كان من المتوقع أنّ الأمور ستزداد سوءاً ما دام الوالي يضيق الخناق على المواطنين، ويرهقهم بالضّرائب المضنية، ويشاركهم حتى في سعاداتهم وفي لحظات الجماع اللذيذة، في حين إنّ السلطان يمارس رياضاته المفضّلة مثل ركوب جواري الفتنة، ومطاردة الشُّهب في المجرّات البعيدة. أمّا الشباب من الرعيّة فقد كانوا نذوراً وقرابين لحروب يعزّ أن تحصى لكثرتها تشتعل في بلاد غريبة، ولأسباب لا تعني أمهاتهم، ولاتستفزّ نخوتهم، وإن كانت أسباباً كافية لكي يحتكر التّجّار والمرابون السلع والأغذية، ويقصرونها على أصحاب الدّراهم الذّهبيّة، ويبقى الهواء الموجود المجّانيّ الوحيد ملاذاً للبطون الفارغة"[50].
هكذا عمد الرّاوي إلى تضمين القصّة الأولى (قصة النّحات الموهوب)، قصةً أخرى وهي (قصّة حفّار القبور)؛ إسهاماً منه في زيادة متعة القارئ وتسليته من خلال التّنويع في طريقة عرض الأحداث التي دارت في غير ما مكان.
ومن الجدير بالذّكر أنّ الباحث لم يتطرّق لدراسة الحوار؛ لأن مجموعات الكاتبة القصصيّة كادت تخلو وتفتقر لعنصر الحوار بين الشّخصيّات، فالكاتبة اعتمدت في الأغلب على الرّاوي العليم والمونولوج الداخلي الكاشف للشخصيات بمعزل عن الحوار.




[1] انظر: خفاجي، أحمد رحيم، (2011). المصطلح السّردي في النّقد الأدبي العربي الحديث. عمّان: مؤسسة دار الصّادق الثقافية، ص338.
[2] قاسم، سيزا، (1984). بناء الرواية (دراسة مقارنة لثلاثيّة نجيب محفوظ). الهيأة المصريّة العامة للكتاب، ص26.
[3] حمادة، أحمد عبد اللطيف، (1985). الزمان والمكان في قصّة العهد القديم. مجلة عالم الفكر، مج 16، ع3، 1985، ص65.
[4] بحراوي، حسن، (1990). بنية الشكل الروائي (الفضاء- الزمن- الشخصية). ط1، بيروت: المركز الثقافي العربي، ص117.
[5] المرزوقي، سمير، (1986). مدخل إلى نظريّة القصّة تحليلاً وتطبيقاً. بغداد: دار الشؤون الثقافيّة العامة، ص85.
[6] انظر: جينيت، جيرار، (1997). خطاب الحكاية (بحث في المنهج). (ترجمة:محمّد معتصم وغيره)، ط2، الهيأة العامة للمطابع الأميريّة، ص109.
[7] انظر: ناهضة، ستار، (2003). بنية السرد في القصص الصّوفي (المكونات، والوظائف، والتقنيات). دمشق: اتحاد الكتاب العرب، ص228.
[8] شعلان، سناء، مقامات الاحتراق، ص15.
[9] والصّحيح يتحسّس.
[10] شعلان، سناء، (2006). الهروب إلى آخرالدنيا، قطر: نادي الجسرة الثقافي، ص58.
[11]انظر: بحراوي، حسن، بنية الشكل الروائي(الفضاء، الزمن، الشخصية)، ص29.
[12] انظر: شجاع، مسلم، (2000). البناء الفنّي في الرواية العربيّة في العراق (الوصف وبناء المكان). ط1، بغداد: دار الشؤون الثقافيّة العامة، ص21.
[13] عيسى، فاطمة، (2003). غائب طعمة فرمان روائياً: دراسة فنّيّة. بغداد: دار الشؤون الثقافيّة العامة، ص156.
[14] شعلان، سناء، (2006). مجموعة قصصية بعنوان (أرض الحكايا). قطر: نادي الجسرة الثقافي، ص65.
[15] شعلان، سناء، مقامات الاحتراق، ص45.
[16] شعلان، سناء، أرض الحكايا، ص171.
[17] شعلان، سناء، قافلة العطش، ص13-14.
[18] خضر، غنّام، فضاءات التخييل، ص33.
[19] انظر: جينيت، جيرار، (2000). عودة إلى خطاب الحكاية، (ترجمة: محمد معتصم، سعيد يقطين). ط1، المغرب: المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ص179.
[20]بنية الشّكل الروائي، ص202.
[21] داود، عشتار، (2005). الإشارة الجماليّة في المثل القرآني. دمشق: اتّحاد كتّاب العرب، ص152.
[22]بنية الشّكل الروائي، ص213.
[23] مرتاض، عبد الملك، (1998). في نظرية الرواية (بحث في تقنيات السرد). الكويت: عالم المعرفة، الكويت، ص96.
[24]أرض الحكايا، تقديم للدكتور إبراهيم خليل، ص9.
[25]بورنوف، رولان، (1991). عالم الرواية. (ترجمة : نهاد التكرلي)، بغداد: دار الشؤون الثقافية، ص171.
[26] شعلان، سناء، (2006). مجموعة قصصيّة بعنوان (الكابوس)، الشّارقة: دائرة الثقافة والإعلام، ص51.
[27]الكابوس، ص51.
[28]الكابوس، ص145.
[29]المصطلح السردي في النّقد، ص399.
[30] والأصل خشبيّتان.
[31]قافلة العطش، ص25.
[32] انظر: فورستر، جروس برس، (1994). أركان الرواية. (ترجمة: موسى عاصي)، طرابلس لبنان، ص61.
[33]الكابوس، ص63.
[34]الكابوس، ص62.
[35]الكابوس، ص62.
[36]الكابوس، ص63.
[37] انظر: عبد الله، إبراهيم، (1990). المتخيّل السردي، ط2، بيروت: المركز الثقافي العربي، ص3.
[38] برنس، جيرالد، (2003). المصطلح السردي، (ترجمة: عابد خزندار)، القاهرة: المجلس الأعلى الثقافي، ط1، ص19.
[39]البناء الفنيّ في الرواية العربيّة في العراق، ص13.
[40] جنداري، إبراهيم، (2001). الفضاء الروائي عند جبرا إبراهيم جبرا. بغداد: دار الشؤون الثقافية، ط1، ص73.
[41] انظر: المتخيّل السردي، ص108.
[42] شعلان، سناء، (2006). مجموعة قصصية بعنوان (ناسك الصومعة)، قطر: نادي الجسرة الثقافي، ص81.
[43]ناسك الصومعة، ص82.
[44]ناسك الصّومعة، ص82.
[45] نصراوي، مها، (2004). الزّمن في الرّواية العربيّة. الأردن: دار الفارس، ط1، ص66.
[46]البناء الفنيّ في الرّواية العربيّة في العراق، ص11.
[47] انظر: ويليك، رينيه، وواراين، أوستين، (1981). نظرية الادب. (ترجمة: محيي الدين صبحي)، ط2، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص289.
[48]لحميداني، حميد، (1991). بنية النّص السردي من منظور النّقد الأدبي. ط1، المغرب: الدّار البيضاء الصّادر عن المركز الثقافي العربي،  ص49.
[49]ناسك الصّومعة، ص29-30.
[50]ناسك الصّومعة، ص30-31.