الثلاثاء، 24 مايو 2022

تجلّيات من الإبداع وصلاة من العشق فوق بواسق السحاب

 

تجلّيات من الإبداع وصلاة من العشق

فوق بواسق السحاب

 

علم الدين بدرية

 




قراءة نقديّة لديوان (ما يرسم الغيم) للأديب الشّاعر وهيب نديم وهبة.

مدخل :

يقع الكتاب في 135 صفحة من الحجم المتوسط. إصدار الكاتب والشاعر سهيل عيساوي. يحتوي الدّيوان على ثمانٍ وعشرين قصيدة نثريّة وفي الختام موجز الإصدارات الناجزة للشاعر وهيب وهبة والجوائز التي فاز بها.

 

يُعتبر عنوان النّص الأدبي مدخلًا لغويًّا واستشراقًا فكريًّا للمتلقّي يحملُ ومضاتٍ دلاليّةٍ تُنير مداخل المحتوى وتتجلّى من خلالها فحوى وآفاق النّص لتُتيحَ للقارئ التخيّل والإبحار في المضمون وفقَ منظوره الثقافيّ ومشاربه الأدبيّة وأبعاده التّحليليّة ويأتي عنوان الكتاب (ما يرسم الغيم) ليُجيبَ عن تساؤلاتٍ واستطلاعاتٍ أوليّة وفق رؤيّة شموليّة تتعدّى حدود الزمكان والنظريات الفزيائيّة، تتعدد فيها الاستعارة والمجاز لكي تُبقي حيّزًا يتّسع لتصوّر القارئ في آفاقه التّحليليّة واستيعابة لجماليات الشّكل والمضمون في أُطرها الإبداعيّة والإشراقيّة،

 

إذا كان العنوانُ عتبةً مهمةً على مشارف النّص ودرجة أوليّة للولوج إلى أعماق النّتاج الأدبيّ، فإن مطالع القصائد هي المفاتيح السّحريّة لأصفاد النّص، لها جاذبيتها وإثارتها واستهلالها على المتلقّي في قراءته للعمل الأدبي، وإذا طالعنا بدايات القصائد في ديوان (ما يرسم الغيم) سنجدها قد جاءت بعد مقاطع أدبيّة وأقوال مأثورة مقتبسة لصوفيين وفلاسفة وشعراء، يستهلّها الشّاعر باستفتاح لصحيح البخاري ويُنهيها في مطلع قصيدة "خيال الورد" بمقطع لمُحيي الدين بن عربي، بحيث تتفاعل قصائدة مُتناغمة متمّمة ما سبقها من أقوالٍ لكبار الأُدباء والفلاسفة والصوفيين أمثال ابن الرّومي والحسن البصري والسهروردي وجبران خليل جبران والمهاتما غاندي وسقراط وغيرهم.

 

ها هو ذا شاعرُنا الوهيب يسيرُ على درب الأوائل يُجاور خُطواتهم كما جاور خُطوات الرسول من قبل في ديوانه (خُطوات فوق جسد الصحراء) يُكمل ما بدأوا به، يرسم بألوانه وأسلوبه المبتكر لوحاتٍ إبداعيّة وصور حياتيّة ترقى إلى قممٍ وإطلالات جديدة  في الأدب العربي.

 

لقد برعَ شاعرُنا في توظيف المطالع مستحوذًا على فكر وشغف المتلقي في تنوعٍ راقٍ من الدلالات والصور التي تُشكّل مجموعة منسجمة من اللّوحات الإبداعيّة بريشة فنان قدير استطاع ترويض الكلمة وصياغتها في إطار حداثي مميّز.

 

تحليل :

الشّاعر وهيب وهبة في استخدامه لأقوال مأثورة في الرّوح والصوفيّة والعشق والسّياسة والحياة ومُناجاة الخالق، وفي تطويعه للّغة بمفرداتها ودلالاتها العميقة في استفاضة ابداعيّة يسمو بها فوق آلام البشر وهمومهم وأعباء الحياة ومآسيها، استطاع أن يصعد إلى السماء ويُجاري البحر ويغوص في العواطف والأشواق، ويتوسّل الفرح والإشراق في عالم مليء بالشّر والآلام، الفواجع والظلم والظلام، يستشرقُ بكلماته عالمًا يُشرق بالنّور والفنّ والحياة، بصدق التّعبير والتّحليق في أجواءٍ من الخيال مع مظاهر الوجود ومع الطّبيعة وما وراء الطّبيعة في مادّته الفكريّه ولغته الشعريّة المتميّزة ليُصبح هذا الدّيوان لوحةً تختزل كلّ جمال في حروف وكلمات ومناجاة لا تنقطع، للخير والأنسانيّة والعواطف البشريّة.

 

جاء في القصيدة الأولى "استفتاح" بعد صلاة صحيح البخاري:

مَاذَا سَتَخْسَرُ السَّمَاءُ...؟

لَوْ يَضْحَكُ هَذَا الْقَلْبُ مَرَّةً؟

أَيَتَغَيَّرُ فَصْلُ الصَّيْفِ شِتَاءً؟

نُكْتَةٌ كُبْرَى هَذَا الْعَالَمُ ... فَلِمَاذَا الشَّقَاءُ  

أنه استلهام ودعاء يأتي في تساؤلاتٍ رمزيّةٍ يُعبّر فيها عن أُمنياتٍ واقعيّة تتداخل في علاقة إنسانيّة شاملة عبر نصٍ شعريٍّ مجازيٍّ يتحدّث عن قضيّة مباشرة لاسترجاع فرحٍ طفوليٍّ يُنهي مأساة هذا العالم.

 

في القصيدة الثّانيّة "سفر الرّوح" يتمازج النّص مع كلماتٍ لجلال الدّين الرّومي في مطلع القصيدة فيرسم شاعرُنا لوحةً في العشق الإلهي:

وَيَأْتِي الرَّعْدُ...

يَرْسُمُ شَعْرَكِ خُيُولًا

تَدُقُّ حَوَافِرُ الْخَيْلِ ذَاكِرَتِي

تَزْرَعُ شَجَرَةَ الْحَيَاةِ فِي عُرُوقِي

فَكَيْفَ لَا تُسَافِرُ الرُّوحُ وَتَمْنَحكِ مَفَاتِيْحَ الْحَيَاةِ

... وَرَائِحَةُ عَبِيْرِكِ وَرَبِيْعِكِ تُقِيْمُ الدُّنْيَا والْآخِرَةَ

وَتُعْلِنُ السَّمَاءُ المْطَرَ.

تأتي القصيدة الثّالثة "مرسمها والبحر" لتشكّل امتدادًا متواصلًا في المعنى والمضمون للقصائد السّابقة وقد تصدّرتها أبياتٌ لشهاب الدّين السّهروردي، يتلظّى من نار العشق، فيستدرك شاعرُنا مُكملًا:

أَخَذَتْنِي إِلَى مَرْسَمِهَا الْبَحْرِ

كُنْتُ اللَّوْنَ وَكَانَتِ الرِّيْشَة الَّتِي ذَبَحَتْنِي مِنَ الْعِشْقِ...

 

استعارة ورؤيّة مجازيّة مُفعمة بالمفردات الدلاليّة والرّمزيّة تَنسجم في آيةٍ شعريّة حديثة، تمتزجُ فيها عناصرُ الطّبيعة مع إلهامات الرّوح لتُشكّل واقعًا لغويًّا يَتعامل فيه الظاهرُ والباطنُ  في انسيابٍ إبداعيّ وبُنيّة جماليّة.

 

من الصّعب اختزال ديوان بهذا الحجم المعنويّ والكيفيّ في مقال نقديّ قصير ويحتاج إلى بحثٍ طويلٍ مما يدعوني للإنتقال إلى القصيدة الخامسة عشر والتي تحملُ نفس النّهج الصّوفيّ ومُقاربات جلال الدّين الرّومي وشمس التّبريزي وليس من الصّدفة اِختيار عنوانها "الصّمت والسّراب" بمطلع للرّومي يقول: الصّمت لغة الله وما عداه هو ترجمة سيئة، فيكمل شاعرنا وهيب وهبة:

أَعْمَقُ مِنْ سُكُونِ الْحَرْفِ فَوْقَ الْوَرَقِ...

سُكُونُ الْفَجْرِ بَيْنَ أَصَابِعِي...

وفي مقطع آخر من القصيدة:

أَشْكُرُ السَّمَاء وَالْمَلاكَ الْقَادِمَ مِنْ الْغَيْبِ

وَالضَّبَابِ...

وَأَعْرِفُ أَنْتِ لَسْتِ هُنَا...

وَأَنَا سَرَابٌ فِي سَرَابٍ، يَمْحُوَنِي الْوُجُودُ

وَيُخَلِّدُنِي عِشْقُكِ فِي كَلِمَاتٍ

 

ينجحُ الشّاعرُ هنا بالمزج بين الشّكل والجوهر، بين الصّمت والسّماء والضّباب والعشق وبين الموت والخلود!

 

في استطلاع للقصائد الأخري نرى تعلّق الشاعر بوطنه وحبه له، جذوره راسخة في عمق الأرض ورأسه يعانق السّحاب، في قصيدة "دير المحرقة الكرمليّ" تنتفض مشاعره الكرمليّة تتسرب عائمة في فضاء المعنى فتبوح الرّوح:

كَانَتْ نَوَافِذُ دَيْرِ الْمُحْرَقَةِ مَفْتُوحَةً...

عَلَى خَيَالِ الْمَرْجِ الأَخْضَرِ...

أَمَامِ بَهَاءِ الأَيْقُونَةِ السِّحْريّةِ...

كُنَّا الْحُلْمَ...

وَكَانَتْ الْمُحْرَقَةُ مِنْ جِهَّةِ الْقَلْبِ...

تَفْتَحُ لِلْفُقَرَاءِ أَبْوَابِهَا

وَيَسْكُنُ الضِّيَاءُ رٌوحَهَا الْمُعَتَّقَةِ

بِذِكْرِ الله.

 

في قصيدة جفرا ينطقُ الحنين ويتألق التُراث وترسمُ الأناملُ المقيّدةُ أجملَ الكلمات...

جَفْرَا

يَا جَمْرَةَ الْعِشْقِ الْمُذَابِ كَالشَّمْعِ...

يَا إِشْرَاقَةِ صَبَاحِي فِي اِبْتِهَالاتِ الضِّيَاءِ

جَفْرَا صَبَاحُكِ وَرْدٌ

وَعَكَّا امْرَأَةٌ تَخْرُجُ بِقَمِيْصِ الْبَحْرِ

إِلى شَوَاطِئِ حَيْفَا

وَالنَّوَارِسُ الْعَائِدَةُ مِنَ الْبَرْدِ وَالْغُرْبَةِ

تَقْرَأُ الرَّمْلَ... وَرَائِحَةَ الْبَحْرِ

وَتَسْكُنُ جَسَدَكِ الْوَطَنَ!

تَكْتُبُ جَفْرَا

بِعُيُونِ الْبُرْتُقَالِ وَالْحَنِيْنِ

 

هذا هو شاعرُنا مغتربٌ يبحثُ عن وطنٍ، يثورُ متمرّدًا على أعنّة اللّغة ليبحثَ عن قطرة ماءٍ تروي نارَ غُربته فتعيد له حدود الارتواء، يتغنى بلوعة واشتياق وحنين إلى الماضي إلى الوطن، يعود بفكره إلى الجذور إلى عكا وحيفا، ينفي الاغتراب عن الأرض والإنسان ليصبحَ منقّبًا وباحثًا عن وجه الحقّ، عن نور الحقيقة بين الواقع والحلم.

 

وانتقي قصيدة "صلاة في حضرة الدم" لأنهي عرضي الموجز في تحليل هذا الديوان...

عندما تكون كلمات المهاتما غاندي متصدّرة مطلع القصيدة يكون السلام والإنسانيّة واللا عنف والمحبّة عنوانًا لكلّ الأنام، في نبذه العنف والقتل والآثام، فيستنجد الشّاعرُ وهيب نديم وهبة:

يَا رَبُّ...

أَخْمِدْ لَهِيْبَ نِيْرَانِ الْحِقْدِ الْهَمَجِيَّةِ

اِسْكُبْ طِيْبَ مَحَبَّتِكَ فِي خَلجَاتِ الرُّوحِ

يَصْرخُ بِحُرْقَةٍ وَأَلَمٍ:

زَرْعُكَ نَحْنُ... زَرْعُكَ نَحْنُ...

يَقْلَعُنَا الْغَرِيْبُ وَيَقْتُلُنَا الْقَرِيْبُ وَالصَّدِيْقُ

إنّه اغتراب وصلاة ورجاء، يعيشه الشّاعرُ الباحثُ عن الحريّة والكرامة والإنسانيّة ليصوغها في إبداعه الأدبي ويعكس نتاجه شعرًا  ونقوشًا إثرائيّة في وعي القارئ المجهول ووجدانه.

 

نهاية:

نحن أمام عمل إبداعي ضخم، يحمل في معظم قصائد المجموعة، تعبيرًا عميقًا وعباراتٍ عميقة ثريّة يالمعاني والدلالات والمفارقات، يتبنى رسالة وقضيّة يريدُ الشاعرُ أن يوصلها إلى القارئ المجهول إلى العالم إلى ذاته ووجوده مستخدمًا ملكة التّكوين ليصوّر لوحاتٍ إبداعيّة بخياله الخصب وتوظيفه للّغة بجمالياتها ومُفرداتها استطاع بها أن يُنتج أشكالًا مُفردةً تتجسدُ فيها أفكارٌ كليّة أو تجريديّة لنجد أنفسنا أمام عملٍ ونتاجٍ راقٍ في صوره الأدبيّة، الثقافيّة والرّوحيّة التي تحمل نوعيّة متطوّرة، مختلفة ومتميّزة وهي قمّة أخرى من القمم الإبداعيّة التي وصل إليها الأديب والشّاعر وهيب نديم وهبة. نرصد بها تداخل العوالم وتمازج الألوان وبروز عناصر التفاؤل وتألق الأمل الأخضر كسبيل للخروج من الظلم والظلام، الى عالم المحبّة والسّلام، لقد وفّق الشّاعر بشكل باهر بأسلوبه البليغ وسلاسته في التّعبير، في تبليغ رسالته الإنسانيّة وإشهارها.

للشّاعر الفاضل أتمنى المزيد من التّقدم والعطاء الراقي والمميّز في الأدب وللقارئ الكريم أتمنى أن تكون له قراءة ممتعة.

الخميس، 5 مايو 2022

قراءة في قصة "حصان الملك " للأديبة الدكتورة ميساء الصح ، بقلم سهيل عيساوي



 

 

قصة  حصان  الملك

قصة  حصان  الملك ، تأليف الدكتورة  ميساء الصح ، رسوم الاء مرتيني ،   اصدار  أ. دار  الهدى ، 2021 ،  تتحدث  القصة  عن مملكة بعيدة ، يحكمها ملك شاب ، كل همه تحقيق  العدالة ، ونشر الفضيلة ، كان الوزراء ينقلون له صورة إيجابية  مغلوطة، مفادها المملكة خالية من الكذب ، استغرب  الملك ، حتى ألقي القبض يوما على رجل يبيع الذهب المغشوش على أنه ذهب  أصلي ، حيث انجذبت  للذهب قطع المغناطيس ، غضب الملك غضبا  شديدا  ، وأراد سجن الصائغ لمدة عشرة سنوات ، وطلب من الصائغ أن يطلب ما يريد  قبل  أن ينفذ به الحكم ،فطلب المتهم  حضور زوجته، التي  طلبت بدورها من  الملك العفو عن زوجها ، لأن لديهم أطفالا  صغارا من يطعمهم؟ ، فعرضت على الملك أن تهديه  هدية ، عبارة عن جرة  ، بإمكانها إعادة حصان الملك  الهارب ، من خلال قول جملة ،بشرط  أن يكون القائل صادقا  لم يكذب منذ  تولي  الملك العرش ، والا تكسر الجرة ، نادى الوزير ، لكن الوزير  اعترف  بأنه كذب  على الملك ، فلم يكن يقضي جل وقته  بين  الرعية ، وكذلك الوزير  الثاني ، والخادم ، والفارس ، كلهم  تراجعوا ، فطلبت من الملك ان ينفخ في  الجرة ، لكنه  اعترف  أنه كذب على زوجته ، عندما  تناول  الطعام ، رغم أنه  لم يكم  يرغب  به ، عندها طلبت المرأة العفو عن زوجها ، لأنه من الصعب تغيير الشعب دون غرس البذور . عفا الملك عن الرجل وأخذ يبحث عن طريقة أفضل لمعالجة  الكذب والظواهر المتفشية  في المملكة

 

رسالة  الكاتبة  :

الصدق   قيمة  عليا ، بدون الصدق لا يمكن أن تنهض الأمم  والممالك

 

دور الزوجة التي   حاولت ونجحت في  انقاذ   زوجها من غياهب  السجون

 

حبل  الكذب قصير، سرعان ما انكشف  زيف ادعاءات الوزراء الذين ادعوا   أن المملكة خالية  من الكذب .

 القيادة  في  القصة :

اتضح ان  الملك نفسه  أحيانا  يكذب على زوجته أكاذيب بيضاء محاولة لإرضائها ، وفاقد الشيء  لا يعطيه ، من المهم جدا أن يكون الملك نموذجا قياديا صادقا ، من جهة أخرى  الملك يسعى الى نشر العدل والصدق والقيم في مملكته ، لكن الوزراء الذين  أوكل اليهم تنفيذ  هذه  القيم على أرض الواقع كانوا منقطعين عن الرعية ، ونقلوا صورة مغايرة للملك ، لذا على الملك  اختيار الحلقة المحيطة به بعناية ، من فسدت بطانته كالغاص بالماء .نوايا  الملك كانت صادقة ، لكن الطريق الى جهنم مرصوفة بالنوايا الحسنة ، جيد انه أصغى للرجل وزوجته ، ولم يعاقب الوزراء بل اقتنع بأن التربية والمراقبة هي مفتاح النجاح وليس العقاب والترهيب . أشارت  القصة الى دور  المرأة القيادية  التي بادرت الى انقاذ زوجها  من السجن والعقاب ، الى كشف الكذب المتفشي في  المملكة بعيدا عن  عيون الملك الناعسة ، كشفت هشاشة  نظام حكم الملك ورجاله الذين يخفون عنه  الحقائق، وان كانت هي  بنفسها اعتمدت  أيضا  على حيلة كاذبة ، لو كانت استندت على الصدق  في محاربة الكذب لكان  أفضل  .                                                          


 

 

 

 

 

 

 

الثلاثاء، 3 مايو 2022

المخرج الفلسطيني علي أسدي حارس الفنار في عكا

 






المخرج الفلسطيني علي أسدي

حارس الفنار في عكا

 تقرير: ميسون أسدي

 

علي زاكي اسدي مواليد (29 مايو 1982)، هو ممثل وكاتب سيناريو، مخرج ومنتج سينمائي فلسطيني من مدينة عكا القديمة، صاحب شركة "الفنار" للإنتاج السينمائي، درس فن الاخراج السينمائي وتخرّج عام 2018 وحاز على العديد من شهادات التفوّق من الكلية الأكاديمية "منشار" في تل أبيب. عمل على العديد من الأفلام القصيرة والطويلة منها الروائية والوثائقية، وهي سلسلة من الأفلام التي عالج بها عبر عدسته عدّة قضايا في مجتمعنا العربيّ.

يسكن علي أسدي وعائلته قرب "خان العمدان" و"خان الشونة" في عكا القديمة. شاب متواضع، طموح متفائل يحب الحياة. في جعبته كنز من تجارب غنية بالتجارب الاجتماعية والشخصية التي تواجه شبابنا، ويقول علي: عكا بلدي فيها سحر خاص والساكن بها متشرب من حجارتها ومائها، عكا صامدة في وجه الزمن وما زال العكّيون يركبون البحر. ورائحة سوقها وبهاراتها تنعش الروح.

مشواري مع السينما

يقول علي: اول ما نبعت فكرة السينما في رأسي، فكّرت في نفسي أولا، إذا كان هناك إمكانية لإصلاح المجتمع عن طريق السينما، طرح مواضيع اجتماعية، أو إمكانية أن أصبح أنسانًا مشهورًا ولي أعمال خاصة بي...

ويضيف: لديّ خلفية فنية قبل أن أصل إلى السينما، فأنا جئت من عالم المسرح. أول مرّة وقفت بها على خشبة المسرح كان عمري 16 سنة، وكان ذلك في مسرحية بمناسبة عيد الأم، وبعدها سافرت إلى مصر وواصلت العمل مع بعض الفنانين العكيين في الاسكتشات المسرحية ومن ثمّ انتقلت لمدة عامين للسكن في مدينة إيلات وأخيرًا عدت إلى عكا لأزاول مهنتي التي اعشقها وهي الفن.

الفن في الجينات

لدينا في مدخل السوق في عكا دكان صغير، ويزورنا العديد من اهل القرى وخاصة من قرية البعنة، ووالدتي أصلها من هناك، وأنا كثير الشبه بأخوالي، وقد اخبرني أحد الرجال صدفة، بأنّ موضوع الإخراج والسينما هو وراثي عندنا في العائلة وبأن المخرج المرحوم وفيق حسيان، هو عم أمي الذي توفي في 28/5/1977 في نفس يوم زفافها، ووفيق حسيان توفي في سنته الأخيرة من الدراسة، حيث درس الإخراج في ألمانيا الشرقية، آنذاك، وسمعت قصة حزينة حول وفيق حسيان، فقيل لي بأنّه زرع شجرة سرو أمام بيتهم، وفجأة جفّت هذه الشجرة وذبلت وماتت قبل ثلاث أيام من موته..

778 الفيلم الأخير

يقول علي أسدي عن فيلمه الروائي الذي سيرى النور قريبًا: هذا أو فيلم روائي طويل لي، وهو فيلم فلسطيني مستقل، غير ممول من أي جهة كانت.

خلال عملي في هذا الفيلم مع ممثلين كبار منذ عام 2017 من دون ميزانية، شعرت مثل الشاب الذي داهمته الشيخوخة قبل أوانها. شعرت بالإرهاق والتعب، وكأنّ قلبي سيتوقف عن النبض، بسبب ما رأيت من جهات حاولت تكسير همتي.

 

ويضيف: قبل عملي على الفيلم كنت أعيش في عالمي البسيط بهدوء في غرفتي الصغيرة في ساحة عرفة. أعمل على الأفلام القصيرة وبالي هادئ، ولكن عند شروعي بهذا الفيلم الطويل والاحتكاك بكل أنواع الناس، صُدمت لأن هناك من حاول تخريب عملي في الفيلم. كانت هناك الاعيب ودسائس وهذا أثقل كاهلي، لأنّه فيلم روائي طويل، مرهق وبحاجة لدعم مادي وعليك التوجه لراعٍ رسمي لدعم المشروع. عمل مضنٍ مع الممثلين والديكور والملابس والمكياج وأماكن التصوير وغيرها.

عن تلك المتاعب، يقول أسدي: يجسد الفيلم أحداث فتره زمنية قديمة، فكان من الصعب الحصول على الأدوات القديمة من ملابس وسيارات وأثاث وغيره، لأوفر مصداقية لتلك الفترة. اشكر من اعماقي كل من دعمني في هذا المشوار، فهناك من تعب وتركني وأنا اشد على اياديهم فردًا فردا، وهناك من راقب العمل وعمل على تدميره، لذلك شعرت بأنّني شخت خلال هذه الفترة. انهيت تصوير الفيلم في نهاية عام 2019، وتركت الفيلم لفترة وجيزة وفي هذه الفترة تعرفت على زوجتي وأخذت استعدّ للزواج برفيقة دربي "رنين حمادة" وهذا الأمر شحنني بقوة. فعندما عدّت للفيلم رأيته بمنظار آخر، فأضفت له عدة مشاهد جديدة.

لماذا قصة خلية فوزي النمر:

تدور أحداث الفيلم حول مجموعة فدائية من مدينة عكا، تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، تدعى "مجموعة عكا 778"، كما رواها أفراد هذه المجموعة، وهم: فوزي النمر، عبد حزبوز، رامز خليفة، فتح الله السقا، محمد غريفات، يوسف أبو الخير.

بيتنا في عكا هو بيت جدتي وكانت العائلة تتجمّع عندنا، حين كنت ولدًا صغيرًا. عمتي أخت ابي متزوجة من الراحل الأسير المحرّر رامز خليفة، وكنت دائمًا، أسأل عمتي عن زوجها، فتحكي لي قصته وكأنّها قصة "ألف ليلة وليلة" وما زالت قصته بالنسبة لي كأسطورة عالقة في ذهني. اجريت بحث عن الفيلم عام 2017 من خلال كتاب توفيق فياض، وخلال البحث كنت على تواصل مع توفيق فياض واحتفظت بكل الرسائل التي كانت بيني وبيه فهذه ذكرى جميلة بالنسبة لي. عرض عليّ توفيق فياض بيع نسخ كتبه للمساعدة في تمويل الفيلم. كما تعمقت في كتاب رامز خليفة، فكتابه يشرح بتوسع تواجدهم داخل أروقة المحكمة، وأعطاني رامز خليفة الكتاب وطلب مني ألا أعطيه لأحد خوفا على عائلته، فقسم منهم يعيش في الأردن والآخر في البلاد، وخشي ان لا يسمحوا له بالدخول إلى البلاد، وخلال اللقاء معه طلب مني ألا أصوره ولا أسجله بل اكتب بقلمي وعلى دفتري ما يمليه عليّ.

يحكي الفيلم عن السنوات بين 1965 و1970 ولكنّني أدخلت مشاهد لشاب يجد كتابًا حول 778 ويطّلع على أحداثه ويعود بنا إلى الوراء، "فلاش باك".

العمل مع المتطوعين

يقول علي أسدي بفخر: الممثلون الذين لعبوا أدوار أفراد الخلية هم: بيان عنتير، ميسرة مصري، إسماعيل قدورة، حسن طه، إبراهيم قدورة، وعلي علي. كما عمل معي فنانون آخرون أذكر منهم: محمود أبو جازي، أسامة مصري، لطف نويصر، ميلاد مطر، محمود مرّة، رشا جهشان، ميس ناطور، قدر هريني، عنات حديد، إبراهيم ساق الله، صبحي حصري، ريبيكا تلحمي، عادل أبو ريا، عبير عثمان، نور مغربي، أمجد بدر، اسكندر حلوة، فؤاد عايد، روني هلون، قاسم مصري، خالد ماير، مروان مرّة، والراحل الفنان طارق قبطي وآخرين...

 

ويضيف: التجأت لعدّة ممثلين للعمل معي تطوّعًا ومنهم من هو عملاق في عالم الفن وأنا ما زلت أعدّ مخرجًا مبتدئا، لي بعض الأعمال القديمة، فساعدني بذلك الفنان أسامة مصري الذي توجه لفنانين ليست لي علاقة معهم ومنهم على سبيل المثال الفنان الكبير يوسف أبو وردة، وجنده للعمل معنا، كما قام الفنان ميسرة مصري بالوقوف إلى جانبي خلال عدة أيام ودعمني بالعمل.

الفيلم "778" من تصوير غسان قشاش ابن الفنان وليد قشاش، الذي رافق مشروع الفيلم حتّى نهايته. شارك في الفيلم المرحوم الفنان إبراهيم قدورة، بدور عضو الخلية يوسف أبو الخير، ومن سخرية القدر ان جميع أعضاء الخلية "778" رحلوا ما عدا يوسف أبو الخير، والفنان الذي قام بدوره هو الذي توفي.

وعن مرحلة العمل على الفيلم يقول أسدي: حاليًّا، أنا في مرحلة المونتاج النهائية، وآمل أن أنهي مونتاجه في شهر آب من هذا العام، وسأعمل جاهدًا ليشارك في مهرجانات عالمية مثل كان وتورنتو والبندقية وغيرها.

الأفلام التي أخرجها

فيلم "أحجّ اليك يا عكا"، "حارة مشمعة"، "حكاي مالا نهاي"، "المولودة"، "أنا عربيّ"، "الليلة الأخيرة"، "حذاء السعادة"، "صورة محطمة"، "الهروب"، "اقفز لي"، "حياة مثل الأسماك"، "اصطدام مواجه"... ويضيف: في ادراج طاولتي فيلم آخر كتبت له السيناريو وهو "حارس الفنار"، سأعمل على السيناريو من جديد.

 نقطة ضعفي هي امي

عندي إرادة قويّة وما اخطط له أنفذه. عشت 14 عامًا ابحث عن نفسي وأنا هائم على وجهي مثل الكثير من أمثالي، تركت الماضي بتجاربه وبدأت حياتي من جديد. كنت اقضم أظافري بأسناني نرفزة وأدخّن بهوس، لكنني منذ ثلاث سنوات لم أدخن سيجارة واحدة. أحب مساعدة الغير بلا حدود ولكن من يؤذيني لا أتركه بحاله. جدّي أبو أبي أسمه علي مصطفى أسدي، وهو من دار الشيخ علي من قرية دير الأسد وكان فنانا يعزف على الارغول والمجوز، وحدثتني جدّتي بأنّه الوحيد الذي كان يدخل بين النساء ويعزف لهن في الأفراح. أبو جدي جاء من قرية دير الأسد إلى قرية شعب، حيث ولد جدي، أما جدّتي فهي من حيفا من عائلة زيتون وسكنوا مدينة عكا.

نقطة ضعفي ووجع قلبي في حياتي هي أمّي التي طحنت الملح بأكواعها وكافحت من أجلنا أنا واخوتي الاثنين، ولها تأثير كبير وايجابي على حياتي وأضعف أمامها، حبا لها.