الخميس، 28 يوليو 2011

نظام الاسد على كف عفريت

من كان يظن ان ربيع الشعوب سوف يطال عرين الاسد !!! النظام الممانع , الذي وقف في وجه مطامع الامبريالية في العالم العربي وضد الشرق الاوسط الجديد , ودعم المقاومة اللبنانية , لكن هبة الشعب العربي لا ولن تستثني احدا , لان القضية ليست مع الغرب او ضد الغرب , صحيح ان موقع النظام من القضية يؤثر او ياخر الموضوع , لكن الجوهر هو ماذا يشعر الشعب السوري وماهي تطلعاته , للاسف استعمال القبضة الحديدية والامنية والامعان في قمع المظاهرات السلمية والاعتقالات العشوائية والتعذيب ومحاصرة المدن وعزلها وقطع الخدمات من ماء وكهرباء وانترنت من قطاع واسع من الشعب السوري , هذه الاعمال من قبل النظام اضافة الى التعتيم الاعلامي وهيمنة الاعلام الحكومي لكلها امور تزيد الطين بلة اضافة الى الاصلاحات التي يطرحها النظام البعثي جاءت متاخرة ولا تلائم متطلبات الشعب السوري الثائر , والادعاء ان هنالك عصابات مسلحة يثير الشفقة ,

الحقيقة ان الامال كانت عريضة على النظام السوري وخاصة ان الرئيس ما زال شابا وله اطلاع وسع على الحريات ونظم الحكم في الغرب , وتولى الحكم بعدد وفاة ابيه ولم يقرن بعد , وقادر على فهم شعبه وعلى تلبية تطلعاته المشروعة والبسيطة والمعقولة , لكن القسوة والانكار وسقوط ما يقارب 1500 قتيل حتى الان , والاف المعتقلين والجرحى والنازحين , لا يبشر بخير للوطن السوري الجريح , والسؤال الصعب لماذا لا ينحني بشار للشعب السوري ؟؟؟ هنالك عدة اعتبارات , حوفه ان يطاله ما طال مبارك في مصر من سجن وملاحقة ومحاكمة ومصادرة املاك واذلال , وزين العابدين في تونس من هروب وملاحقة قضائية ومصادرة املاك ونشر فضائح , ومرض وشماتة , ومن جهة اخرى شاهد تشبه القذافي وعلي عبدالله صالح بالكرسي , كذلك الزمرة المحيطة بالاسد من جنرالات وارباب المال يدفعونه لقمع الثورة , خوفا على مصالحهم الضيقة , والامر الطائفي هو ابن الطائفة العلوية وهي اقلية في سورية تشكل عشر السكان لكنها تستحوذ على المال والعسكر والقرار , خوفه ان لا يستكفي الشعب السوري برحيله بل ملاحقة الطائفة العلوية وتقليم اظافرها , وربما لا تعود الطائفة الى سدة الحكم مرة اخرى , وايمانه ان يجب ان يظل لرصيده الوطني وانه لا يشبه القذافي و وصالح وبن علي ومبارك , ولماذا كل هذا الصمت العربي والعالمي رغم ما حصدته الثورة حتى اليوم , صمت العرب مفهوم اما انظمة مشغولة بثورتها مثل مصر وتونس وليبيا والبحرين واليمن واما انظمة تحاول اسكات شعوبها باصلاح هنا وهناك مثل الاردن والمغرب والجزائر وانظمة على فتيل مشتعل مثل لبنان وانظمة تخشى انتقال العدوة , كذلك الشعوب العربية تحفظ لسوريا مواقفها من قضايا اقليمية , وصمت الغرب وضعف تحركاته , سوريا دولة ليست نفطية, والحوف من زحف الثورة الى دول حليفة للغرب اهمها السعودية , والخوف من انتشار الفوضى الامنية في كل من العراق ولبنان في حال سقوط النظام , والنظام في دمشق لم يشكل خطرا مباشرا على اسرائيل , في حال استبداله بنظام سني لا يعرف الاتجاه الحقيقي ومن الصعب التكهن بصورة سوريا صحيح قد تتدهور العلاقات مع ايران وحزب الله لكن ليس الامر حتما لصالح اسرائيل في المنظور البعيد , وكذلك تعثر المرحلة الانتقالية في كل مصر وتونس وعدم الحسم في اليمن الامر لا يشجع الغرب على مساندة ربيع الشعوب العربية اضافة للخوف من المجهول وصعود الحركات الاسلامية الى سدة الحكم

في سوريا هنالك اكثر من سيناريو للحل , من الممكن نجاح الحل الامني ومقتل عشرات الالاف من السوريين , نجاح الثورة وبثمن كبير ورحيل النظام والحزب , وحل وسط استبدال الاسد بشخص اخر من الطائفة العلوية واجراء اصلاحات محدودة

في كل الحالات سوريا بعد الثورة ليست سوريا قبلها

الأحد، 17 يوليو 2011

قراءة في كتاب " اليسار المصري والصراع العربي الاسرائيلي 1947-1978



قراءة في كتاب " اليسار المصري والصراع العربي الاسرائيلي 1947-1978
للكاتب الدكتور يوسي اميتاي

بقلم : سهيل ابراهيم عيساوي
صدر الكتاب عن دار ابن لقمان في مصر , ترجمة عمرو زكريا وعبد الحميد عثمان ومراجعة الصحفي حسين سراج , يقع الكتاب في 472 صفحة من الحجم الكبير . التبادل الثقافي وعملية الترجمة من اللغات الاجنبية الى العربية مهمة مقدسة من شانها ان تثري المكتبة العربية وتطلع القارئ العربي على وجهات نظر مختلفة ومتقدمة وابحار ممتع وسريع في تجربة الشعوب الاخرى , من المهم اخذ دور النشر العربية في مصر والاردن ولبنان على عاتقها ترجمة قدر وافر من كتابات المفكرين والادباء والسياسيين الاسرائليين, لمعرفة كيف يفكر الاسرائيلي والنظرة الى العالم العربي والاستقادة من التجربة ومضمون هذه الكتابات , اما بالنسبة للكتب المفكرين اليساريين الاسرائليين من ادباء ومؤرخين وسياسيين , فواجب اخلاقي ومهني ترجمة اعمالهم الى القارئ العربي لدعم قضايانا واعطاء افكارهم نوع من الشرعية والمرجعية , وما تقوم به بعض دور النشر المصرية في هذا المضمار يستحق الثناء والتقدير .
الكاتب الدكتور يوسي اميتاي , محاضر بارز في جامعة بن غوريون في مدينة بئر السبع في قسم دراسات الشرق الوسط ,صدر له عدة كتب حول قضايا الصراع العربي الاسرائيلي وحقوق الاقلية العربية في اسرائيل منها : الصحافة تحت الاحتلال الصحافة الفلسطينية 1968-1977 ,اخوة الشعوب في الامتحان , وشغل اميتاي في السابق منصب مدير المركز الاكاديمي الاسرائيلي في القاهرة .
قدم الكتاب الاديب نبيل خالد رئيس تحرير كتب ابن لقمان , والذي يؤيد حركة الترجمة من العبرية الى العربية , ويعيب على من يقف حجر عثرة امام الفكرة , والامر لا يعني بالضرورة تطبيع مع اسرائيل انما تنوير , تماما كما كان طه حسين والعقاد , يهاجمان الاحتلال الانجليزي لمصر وفي نفس الوقت يدعوان الى ترجمة اعمال شكسبير وتشارلز ديكنز الى العربية . وقناة الجزيرة تستضيف ساسة ومحللين اسرائليين والامر لا ينقص من مهنيتها .
اما الكاتب يوسي اميتاي في مقدمته للقارئ المصري , يشرح ما لفت انتباهه ودفعه للبحث في الموضوع , الفجوة والتناقض بين موقف معظم اليساريين المصريين الذين ايدوا تقسيم فلسطين الى دولتين عربية واخرى يهودية , اما حزب التجمع تصدى عام 1978 لاتفاقية السلام كامب ديفد بين مصر واسرائيل , الكاتب بين تعاطفه مع حركة اليسار المصرية كحركة تاريخية وابدى رغبة حقيقية في رصدها , واطلاعه الواسع على افكار سياسة ورجال ومبادئ وافكار الاحزاب المصرية المختلفة , واجرى العديد من اللقاءات مع شخصيات حزبية يسارية والصداقات الشخصية مع عدد كبير من الرموز الصحفية والحزبية والفكرية المصرية ,ومتابعة الحركة الصحفية في مصر,والشؤون الحزبية وكل ما يتعلق بالقضايا العربية والاسرائلية والفلسطينية , صدر هذا الكتاب في البداية في اللغة العبرية وهو ثمرة رسالة دكتوراه للكاتب اميتاي , والنسخة العبرية اهداها لصديقة الراحل الجنرال متتياهو بيلد والذي اصبح احد ابرز الباحثين في قضايا الادب العربي ورجل يسار بارز , اما النسخة العربية يهديها الى ذكرى صديقه الراحل محمد سيد احمد , ويامل الكاتب ان يكون الكتاب مساهمة للحوار بين اليساريين وانصار السلام المصريين والاسرائليين , ويرى في السلام المصري الاسرائيلي خيارا استراتيجيا للطرفين .
يرصد الباحث نشوء الجماعات اليسارية المنظمة والتي تقسم الى 5 مراحل
1- المرحلة الاولى 1920 - 1925 اول ظهور للحركة الشيوعية المصرية وكانت خارج القانون .
2- المرحلة الثانية - 1940 – 1952 اليسار في ظل الحكم الملكي
- المرحلة الثالثة 1952-1965 الجماعات اليسارية في ظل الحكم الناصري
المرحلة الرابعة , 1965 – 1976 دون وجود تنظيم خاص بهم
المرحلة الخامسة 1976 تشكيل اليسار المصري كجسم كمظم
في عام 1953 عامل النظام المصري الجديد الحركات الشيوعية بقسوة مفرطة تماما كما الحركات الاسلامية , تم اخراج كافة الاحزاب المصرية خارج القانون , وخالد محيي الدين اليساري الوحيد الذي بقي ضمن مجلس قيادة الثورة , وسرعان ماتم اقالته واجلائه الى اوروبا ,لكونه مقربا من محمد نجيب والذي خسر في صراعه مع عبد الناصر , لكن بسبب مواقف عبد الناصر من القومية العربية والعدوان الثلاثي على مصر وتقرب ناصر من الاتحاد السوفييتي ,وتاميم قناة السويس , توقفت الاحزاب الشيوعية عن نعته " الفاشي الامريكي " وقامت الاحزاب الشيوعية بحل نفسها بغية العمل تحت راية ناصر والاندماج في الحياة السياية 1964 ,وهو بدوره افرج عن معظم معتقليهم , مع اعتلاء السادات سدة الحكم وفي ظل الرغبة للقضاء واضعاف الناصريين , ساند رجال اليسار المصري السادات وهو بدوره دعم تقوية مراكزهم في المواقع الاعلامية والنقابية والسياسية , لحاجته لقاعدة شعبية , وبعد حرب عام 1973 تعززت مكانة السادات فرغب في التقرب الى الولايات المتحدة ودعم سياسة الانفتاح الاقتصادي و التعددية الحزبية وان لم يفعل خطوات عملية لترجمة الامر لواقع , ويتطرق الكاتب الى دور اليهود في صياغة الفكر اليساري واقامة الحركات اليسارية ,ويعتقد الكاتب بان اليسار المصري لم ينصف اليهود حقهم في بناء الحركة الوطنية واليسارية , اذ اعتبرهم البعض من الاقليات الاوروبية التي عاشت في مصر في القرن التاسع عشر ,مع العلم ان اليهود عاشوا في مصر قبل خراب الهيكل الاول ودون انقطاع , وقدر عددهم عام 1947 حوالي 65000 نسمة وبعض المصادر ذهبت الى 80000 , وكان لليهود في مصر نشاط اقتصادي واسع في مجل البورصة والاستيراد والتصدير والصناعة وتطوير الزراعة , وكيان منظم ومراكز تعليمية خاصة , وساهم اليهود في ولادة الحركة الشيوعية المصرية , ربما لحماية الهوية اليهودية قبل تحرير طبقة العمال , ولاسيما في ظل الحرب العالمية الثانية واقتراب الجيوش النازية من مصر , وعن قرار التقسيم يرصد الكاتب , النقاشات والتصريحات والمناشير التي صدرت عن الحركات اليسارية والماركسية والشيوعية التي ايدت قرار التقسيم ,ليس فقط بتاثير من موفق الاتحاد السوفييتي انما نتيجة قرارات ونقاشات داخلية , المكتب السياسي لحدتو ناقش واصدر البيانات واتي تضمنت اهم النقاط وان كانت معظم الاجتمات سرية ودون تدوين , "قرار التقسيم هو افضل الحلول السيئة " لان الصهيونية والرجعية العربية تضافروا لتعكير الاجواء والتقسيم هو الطريق لمحاربة الاستعمار ,ان فلسطين ضمت امتين لكل منها الحق في تقرير المصير, فكان ارتباك وتباين وغموض في كثير من كتابات ومواقف اليساريين , كتب محي الدين " ان القرار بتقسيم فلسطين وموافقة الشيوعيين على هذا القرار كان موجودا , وتقسيم فلسطين مساسا بحقوق الشعب الفلسطيني " اما صحيفة صوت البروليتاريا الناطقة باسم التنظيم الشيوعي المصري وهي جماعة متشددة يتزعمها الزوجين اليهوديين اوديت حزان وسيدلي سولومون " ان الحرب التي بدات بتاريخ 15 ايار 1948 ليست حربا على اساس عرقي فحسب لكنها تمثل الشرور التالية ,الامبريالية البريطانية التي خططت لهذه الحرب مدة طويلة لحماية مكانتها في الشرق الاوسط , والحرب تخدم البرجوازية العربية ,وتصد القوة الصاعدة للبروليتاريا العربية , وهذه الحرب احدى مصادر النيران التي استغلتها الرجعية العالمية لاقامة مخازن اسلحة في مناطق معينة من اجل الاستعداد لمهاجمة الاتحاد السوفييتي " وكان رد الحكومة والشعب قاسيا على مواقف الحزب الشيوعي اذا تم الزج بالعديد منهم في السجون واخراج الاحزاب خارج القانون وفق قوانين الطوارئ ,الكاتب لا يستعرض اليسار المصري كجسم منظم من ناحية ايديولويجية وتنظيمية بل احزاب متناحرة ومتنافرة ومتناثرة , بعد حرب عام 1973 قام اليسار المصري بعملية مراجعة ودراسة للموقف منها فرص التسوية السلمية ومكانة اسرائيل في المنظومة العالمية , يشير الكاتب الى ان اليسار المصري المنظم مع الوقت اخذ يتشدد في موقفه اتجاه اسرائيل واتفاقية السلام ,فحزب التجمع عارض اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل بدعوة ان الاتفاق يضر بمصالح مصر الاقتصادية والسياسية ,وسوف يعزلها عن العالم العربي ويقف حاجزا نفسيا بين مصر وشقيقاتها ,وسوف يخلق رواسب عدائية في مصر اتجاه العرب والفلسطينيين .
يوسي اميتاي نجح في سبر اغوار اليسار المصري وفي مراجعة الفترات الحالكة لليسار المصري وفي مواجه اصعب المعظلات على الاطلاق الصراع العربي الاسرائيلي , ومتابعة ادق التفاصيل مواقف الاحزاب والقيادات والحكومات , وهذه العملية ليست بالسهلة في ظل عدم انطواء احزاب اليسار المصرية تحت مظلة واحدة والتباين في المواقف , راجع وعايش الكاتب هذه القضايا عن كثب من خلال اطلاعه الواسع وشغفه الكبير وتعاطفه من التيارات اليسارية وعلاقاته مع اعلام السياسة والاعلام المصري وعمله الثقافي في القاهرة ,وحدسه التاريخي وقدرته على تحليل وقراءة الاحداث , الكتاب جدير بالقراءة والدراسة الاكاديمية , ولمن تهمه قضية السلام والاطلاع على الحركات السياسية المصرية , وفي ظل الثورة المصرية والاطاحة بنظام حسني مبارك وتفكيك حزبه وصعود نجم الاحزاب اليسارية والاسلامية في ظل الحقبة الجديدة وتغيير الدستور , لمعرفة مواقف هذه الاحزاب من القضايا المصيرية للشعب المصري والامة العربية مثل اتفاقية السلام المصرية والاسرائيلية , والصراع العربي الاسرائيلي والقضية الفلسطينية , من المهم العودة الى جذور وموارد ورموز هذه الاحزاب , وهذه الكتاب مفتاح جيد لولوج هذه لقضايا لمحاولة فهم ما يجري اليوم على الساحة المصرية , ولان ما يحدث في جمهورية مصر يؤثر حتما على العالم العربي وربما الاسلامي , لان مصر اكبر الدول العربية من حيث عدد السكان , وصاحبة اعرق الحضارات , وصاحبة اقدم تجربة سياسية في العالم العربي , ولها علاقتها مع الولايات المتحدة واسرائيل , واي تسوية بين اسرائيل والفلسطينين في المستقبل لا يمكن ان تمر دون مباركة مصر وتدخلها الايجابي , ولمصر علاقتها مع دول شمال افريقيا ودول الخليج والاردن .