الاثنين، 28 أغسطس 2017

توبة.

...كاظم ابراهيم مواسي
______
لا شيءَ أحملُ في يدي
غيمٌ يمرُّ على غَدي
عمري على زمنٍ مضى
نحو الخشوعِ بمعبدي
صلّيتُ أشكرُ خالقي
وأتوبُ ..يصفو موردي
العفوُ يا ربّي إذا
طمعَ الفؤادُ بسؤددي
يكفي ضميري مسكنٌ
فيه القناعةُ سيّدي
أنتَ الكريمُ وحسبُنا
أنّا بهدْيكَ نقتدي
فاغفرْ لأفقرِ عابدٍ
زلّاتَهُ في المسجدِ
28.8.2017


هشام غصيب : المفكر الاردني المهموم بالتقدم والديموقراطية والجدل العلمي في البلدان الشرقية. بقلم : انغير بوبكر


يعتبر هشام غصيب من المفكرين الشرقيين  الذين احتفظوا بماركسيتهم  الاصيلة ، بل يستعينون بمناهجها وتحليلاتها ،  رغم الهزات التاريخية العنيفة التي عرفها الفكر الماركسي كونيا، بفعل تغيرات سياسية واقتصادية كبرى عرفها العالم ،  احتفظ هشام غصيب برؤية ماركسية نقدية في تناوله لعدد كبير من القضايا الثقافية والسياسية والفكرية  ، وساهم في احياء مفاهيم ماركسية في التداول المفاهيمي والسياسي في حقبة تاريخية اعتقد فيها "الجميع" بان الماركسية كنظرية وكطموح تكوين مجتمع بديل ، خال من الاستبداد والعسف والظلم ، مبني على العدل والتوزيع العادل للثروات ،انتهى كحلم جميل وباتت الليبرالية والعولمة المتوحشة  عنوان الحقبة الجديدة ،  واصبح الانسان الليبرالي هو الانسان الاخير كما بشر ذلك فرانسيس فوكوياما وصمويل هنتغتون في تصوريهما لمابعد انهيار المنظومة الاشتراكية. لكن حلم  المبشرين الجدد بنهاية العالم وسيادة الليبرالية المتوحشة كقدر حتمي ، لحسن الحظ  نقضه و  نغصه مفكرون ماركسيون جدد من امثال هشام غصيب الذي قاده حلمه الجميل الى الاهتمام  بقضية تطوير الوعي الجماهيري  وتثوير الوعي العلمي لدى الطبقات الكادحة المتضررة من علاقات الانتاج القائمة .
تعرفت على بعض شذرات المفكر والفيلسوف والفيزيائي* هشام غصيب  انطلاقا من كتابين وهما ضمن سلسلة كبيرة من الكتب العلمية والفلسفية التي انتجها واثرى بها المكتبة العربية  ،  الكتاب الاول الذي اطلعت عليه هو ،  هل هناك عقل عربي ؟ قراءة نقدية لمشروع محمد عابد الجابري ، والثاني جدل الوعي العلمي  : اشكالات الانتاج الاجتماعي للمعرفة . ففي الكتاب المخصص لنقد مشروع محمد عابد الجابري، استثمر الدكتور هشام غصيب العدة المنهجية والابستيمولوجية المعرفية البنيوية الماركسية  في نقد منهجيات واستنتاجات محمد عابد الجابري ، وبروح علمية يطبعها تواضع العلماء  يعترف الدكتور هشام غصيب بالقوة التحليلية والجدالية للراحل  الدكتور عابد الجابري ،  لم يمنعه تواضعه واعترافه باسهام الجابري في تفكيك اشكاليات التراث الاسلامي  ، في انتقاد اطروحاته وتفكيكها وتبيان مثاليتها وتهافت بعض المناهج التحليلية المتبعة من طرفه .يقول الدكتور هشام غصيب في نقده للجابري ما يلي : "ان الجابري يبدي من البراعة في فن الجدال ومن الاصالة في ابتكار المفهومات  واستعمالها في دراسة  تراثنا ما يجعل من الصعب حقا على القارئ مقاومة اغراء الوقوع تحت تأثيره وسحره  .فهو يلهب الوجدان والخيال بسحر فكره بما يدفع القارئ الى تبني  لغته وادوات نقده من دون ادراك حقيقي  لجوهر هذه اللغة وتلك الادوات. ومن ذلك تنبع اهميته وخطورته في آن....فهو ابرع المفكرين المثاليين في الوطن العربي اليوم  واكثرهم خطورة ايضا لقدرته  على النفاذ الى عقل القارئ وايقاعه بين شباكه السحرية المثالية ، مهما كان هذا القارئ محصنا بالفكر  العلمي المادي."1.
سأحاول باختصار مخل وغير تام تبيان بعض  اوجه التناقض الفكري والنظري الموجود بين الجابري وهشام غصيب ، في ثلاث نقاط :
1-    تظاهر الجابري  بالمادية  على مستوى الاسئلة والتساؤلات والمعضلات والالتزام بالمثالية على مستوى  الاجابات والحلول -2- وقد بين الدكتور غصيب ذلك بجلاء في هذه الفقرة الهامة التي تؤكد اصرار الجابري على أن بالامكان خلق مشروع نهضوي بعقل  ناهض ، بدون مراعاة البنيات الاجتماعية الطبقية الحاملة للمشروع النهضوي  ، اي ان الجابري حسب غصيب يسقط في نوع من الهيغلية وفصل تعسفي بين الفكرة وحاملها الاجتماعي الضروري لها ، ووصف اسئلته بانها تحمل نوع من  الذنب الايديولوجي  الذي لا يغتفر  ، لنرى ماذا يقول غصيب :" فالنهضة ، في نظر  من طرح السؤال المذنب ، ليست مسألة مادية اجتماعية معقدة تنطوي على تناحرات حادة بين طبقات  وفئات تسخر لتحقيق  اغراضها كل ما في حوزتها من اسلحة  وادوات (اقتصادية وسياسية وعسكرية وثقافية  ومعرفية واجتماعية عامة). انها ليست حضارة جديدة تبزغ شمسها على انقاض  حضارة قديمة تحتضر.وهي ليست مسألة نضالية تقودها حركة تحرر تاريخي ، وانما هي مسألة فكرية  في جوهرها : نهضة تبنى بعقل...كأن عملية النقد العقلي مشروع فكري محض  يتم بمعزل عن المجتمع  ونزاعاته المريرة." -3-
2-    عرقية الجابري :يتهم المفكر غصيب الجابري بانه يمارس تمييزا عرقيا ، حيث ان الجابري يقيم تفاضلا لا تاريخي ولا علمي بين عقول مناطق جغرافية واثنية  على حساب مناطق جغرافية اخرى فيفضل العقل اليوناني الاوروبي على حساب العقول الهندية والصينية مثلا في تقسيم يذكرنا ببعض تصنيفات بعض  المستشرقين( برنارد لويس مثلا)  الذين ادعوا افضلية بيولوجية وعقلية للجنس الابيض على حساب الاجناس الاخرى ، يقول الدكتور هشام غصيب في هذه النقطة ما يلي :هكذا بهذه السهولة والرعونة الفكرية ، يعزز الجابري تحيزا عرقيا اوروبي المنبع والجذور ، طالما جلدنا به الغربيون .اذ ان الغربيين لا يفتأون يروجون  الفكرة العرقية بأنهم  هم وحدهم  القادرون على الابداع النظري .اما الشعوب الاخرى فهم اما نقلة (العرب) واما مقلدون (اليابانيون) .بل ان هذا الادعاء ورد جليا صريحا  في كتاب هتلر "كفاحي" ."-4-
3-    انتقائية الجابري وتغطيته الادعاء الايديولوجي بمبرر ابستيمولوجي : يقول هشام غصيب توضيحا لهذه النقطة: " فالجابري  يحاول ان يوهم نفسه  وقراءه انه مدرك تمام الادراك للاساس المادي  الاجتماعي للفكر ، لكنه معني بالتحليل  الابستيمولوجي ، ومن ثم فهو ليس ملزما بالتطرق الى هذا الاساس  الذي ينتمي الى حقول معرفية اخرى ، وكأن التحليل الايبستيمولوجي فعل روحي مستقل عن حركة المجتمع والتاريخ ، وكأن الفكر جزيرة معزولة  تؤثر عليها  المؤثرات  المادية الاجتماعية  من الخارج فقط .وهو تبرير  ينطوي على تصور خاطئ للعلاقة بين القاعدة المادية الاجتماعية وبين الفكر .-5- .  الفرق المنهجي بين المفكرين عابد الجابري وهشام غصيب هو اساسا ان هذا الاخير استعان بالمنهج الديالكتيكي في تحليل العلاقة بين الفكر والواقع على شاكلة ووفق طريقة مهدي عامل في التحليل وانتقاد المساهمات الفكرية للباحثين والمفكرين الذين اشتغلوا بالفكر التنظيري( يمكن هناك الاستشهاد بكتاب مهدي عامل ازمة البرجوازيات العربية ام ازمة الحضارة العربية ؟)   ، فيما حاول الجابري التخلص من اسار التحليل المادي الجدلي والانفتاح على بعض الاجتهادات الفكرية والنظرية الاوروبية وخاصة منهجية ميشيل فوكو وجاك دريدا ، التي اعتبرت من طرف الماركسيين الجدد مثالية جديدة لكن باسئلة مادية موضوعية.
لننتقل بعجالة كبيرة الى الكتاب الثاني للمفكر هشام غصيب ، جدل الوعي العلمي  : اشكالات الانتاج الاجتماعي للمعرفة ، حيث يبسط المفكر  فكره بوضوح شديد  حريص على منهجية علمية رصينة، مهووس بفكرة التقدم الحضاري وتجاوز  التخلف  ، فالكتاب خريطة طريق من اجل الخروج من شرنقة التخلف والتبعية للغرب في جميع مستواياتها ، الكتاب يحمل التزاما واضحا نحو  تطوير الوعي الجماهيري ليقوم بادواره التنويرية المصيرية لتحقيق الثورة الاجتماعية والثقافية والفكرية التي من شان تحقيقها ان تجعلنا نحيا حياة كريمة في ظل انظمة اقتصادية وسياسية عادلة ومستنيرة. المفكر هشام غصيب استعان بعدة منهجية واليات مفاهيمية جديدة مثل مفهوم الاستغراب وقل للدقة مهمة الاستغراب كآلية نظرية وعملية للحاق الحضاري بالغرب عبر استكناه واستنطاق تراثه وفكره ومحاولة الاستفادة من خبراته وتجاربه وعلومه بدون السقوط في شركه واستيلابه ، يقول المفكر هشام غصيب في تقديمه لمفهوم الاستغراب** :فالاستغراب هو سبيلنا لامتلاك الادوات المعرفية والنقدية اللازمة  لتحرير  نظرتنا الى الامور من اسار التحيز الغربي ، ومن ثم  للانفتاح على ماضينا وعلى الحضارات العالمية المتنوعة وفهمها وتفهمها .... والشرط الاساسي للتحرر من هذه الهيمنة هو معرفة الخصم معرفة دقيقة على جميع الصعد.ولكن بالنظر  الى رقي الخصم وارتقائه  وتقدمه ، فليس في مقدورنا معرفته او فهمه الا بمعاناة تراثه الحديث  وباستعمال ادوات معرفية ونقدية مستمدة من ذاته."-6-  ترى ماذا يقترح علينا هشام غصيب كخارطة طريق للتقدم والازدهار الحضاري ؟ يقول هشام جوابا على هذا السؤال :" لم نعان نهضة ثقافية على غرار النهضة الاوروبية  ولم نعان ثورة علمية ولا ثورة فلسفية ولا اصلاحا دينيا جماهيريا ولا ثورة زراعية ولا ثورة صناعية ولا ثورات اجتماعية سياسية في اتجاه بناء الدولة الحديثة.وعليه ، فان هذه المهمات (الثورات) مازالت تنتظر من يحققها من قوى اجتماعية  صاعدة.." -7-
المفكر الماركسي هشام غصيب في سبيل بحثه عن اسباب تخلفنا ومسؤولية الاخر اي المستعمر الاوروبي والغربي عموما في ادامته ، يتهم بشكل واضح وجلي الاستعمار الامبريالي في عرقلة جهود  شعوبنا من اجل بناء مقومات الدولة الحديثة ، عبر تشجيع  بل وخلق تنظيمات وتعبيرات ماضوية تيسر للاستعمار فرص البقاء ناهبا لاوطاننا ، متواطئا من اجل استدامة تبعيتنا له كما يحمل المسؤولية كذلك للحملات الاستشراقية التي مهدت لاحتلال اوطاننا وتزوير تاريخنا وتشويه صورنا امام العالم  ، يقول توضيحا لهذه الفكرة الهامة :" فكوننا الطرف المسحوق في شبكة الهيمنة التي تسود جزءا كبيرا من عالم اليوم يفرض  علينا  ان نتخطى ذاتنا الى رحاب حضارة الطرف المهيمن ، وان ندك قلاع هيمنته باستعمال الاسلحة التي  صنعها هو عينه وأخضعنا بها ، وفي مقدمتها الفكر العلمي.لهذا السبب ، يلجأ  الطرف المهيمن  الى اعاقة هذه العملية بصرف نظرنا  بعيدا عن جوهره وادوات منعته بدفعه اما باتجاه الماضي ، وذلك بتعزيز الفئات المحافظة في مجتمعنا ، وإما في اتجاه الصورة الايديولوجية الوهمية  بصدد ذاته....ولهذا يلجأ الطرف الغربي المهيمن الى تيسير السبل امام عملية اعادة انتاج  البنى الاجتماعية وانماط الانتاج القديمة في مجتمعنا.فهو يسعى الى اعاقة عملية التحديث الشامل ....فالوظيفة الاساسية  للاستشراق هي التزوير التاريخي ، وخلق  صورة ملتوية مشوهة للشرق تنسجم ونية الغرب في استعباد الشرق واستغلاله ونهبه ، وذلك من اجل تسخيرها في قهر الشرقي وتحطيم انسانيته وتحويله من ثم الى ظل ، مجرد ظل للصورة المشوهة." -8- .
 المفكر هشام غصيب طاقة فكرية وفلسفية ابداعية هائلة سخر كل امكاناته من اجل رفع الوعي الجماهيري بمتطلبات المرحلة الدقيقة  المتميزة التي  تعيشها شعوبنا ، لذلك نراه مدافع شرس عن التزام المثقفين والمفكرين بقضايا شعوبهم ، فهو ضد نظرية الفن من اجل الفن او الادب من اجل التذوق والجمال فقط ، بل هو مهووس الى حد كبير بقضايا الديموقراطية والتقدم  لذلك نراه يعيب على بعض المثقفين والمفكرين نخبويتهم وتعاليهم على  الفئات الكادحة وهمومها ، يرى الدكتور هشام ان فرصتنا للحاق الحضاري بالآخر المتطور ممكن ومنظور ولكن  لابد ان نقتفي اثره ومناهجه بدون الذوبان فيه اي لابد من القيام بمهمات ثورية كبيرة تبدأ  من الاصلاح ديني  والقضاء على ما يسميه المفكر  باللاعقل المقدس  وثورة ثقافية وصناعية ممهده للثورة الاجتماعية السياسية الشاملة ، في ترابط جدلي بين الفكر والواقع ، اي ان ايجاد الحامل الاجتماعي للثورة الاجتماعية والسياسية ضروري للقيام بالمهمات الديموقراطية والثورية  على صعيدي النظرية والممارسة..
المراجع :
  • *هشام غصيب حصل على درجة الدكتوراة في الفيزياء النظرية من جامعة ليـــــدز ( بريطانيا) عام 1976.

1-هشام غصيب : هل هناك عقل عربي ؟ قراءة نقدية لمشروع محمد عابد الجابري ، دار التنويرالعلمي للنشر والتوزيع طبعة اولى ص 12
2- هشام غصيب : هل هناك عقل عربي ؟ قراءة نقدية لمشروع محمد عابد الجابري ، دار التنويرالعلمي للنشر والتوزيع طبعة اولى ص 15
4-      هشام غصيب : هل هناك عقل عربي ؟ قراءة نقدية لمشروع محمد عابد الجابري ، دار التنويرالعلمي للنشر والتوزيع طبعة اولى ص21
5-      هشام غصيب : هل هناك عقل عربي ؟ قراءة نقدية لمشروع محمد عابد الجابري ، دار التنويرالعلمي للنشر والتوزيع طبعة اولى ص48
** مفهوم الاستغراب استعمله كذلك المفكر المصري الكبير حسن حنفي وعنون به مشروعه الفكري مقدمة في علم الاستغراب ، لكن الاسبقية الاستعمالاتية للمفهوم هي للمفكر الاردني هشام غصيب.
6-هشام غصيب : جدل الوعي العلمي ، الطبعة الاولى 1992 ص 80-81
7- هشام غصيب : جدل الوعي العلمي ، الطبعة الاولى 1992 ص 94
8- هشام غصيب : جدل الوعي العلمي ، الطبعة الاولى 1992 ص 101
انغير بوبكر ounghirboubaker2012@gmail.com




محنة المسلمين مع الإرهاب الإسلامي بأوروبا بقلم : انغير بوبكر


تؤدي الجاليات المسلمة باوروبا  الثمن غاليا عند كل عملية ارهابية تستهدف بلدا اوروبيا ، فإذا كان الارهاب الاسلامي يستهدف اساسا وبشكل مدان ولا اخلاقي ارهاب الغير وفي عقر داره  ، فان نتائجه المباشرة هي الاضرار ايما ضرر بالمصالح المباشرة للجاليات المسلمة في اوروبا   ، حيث تزداد علاقات الريبة والتوجس بين المسلمين باوروبا وباقي الاديان الاخرى . وتتزايد النزوعات العنصرية لدى االشعوب  الاوروبية  مما يؤثر على حياة المسلمين عمليا وحياتيا.
تجتاح اوروبا منذ عقود من الزمن موجات من الاسلاموفوبيا ، بقيادة سياسيين معروفين ومثقفين مبشرين بالكراهية والعداء لكل ماهو اسلامي خدمة  لاجندات شخصية ومؤسسية مختلفة ، وللاسف الشديد تغذي العمليات الارهابية التي تستهدف الأوروبيين هذه الاجندات الخفية وتعطيها شرعيات الوجود والتكاثر والانتشار، فتسهل مهمتمها في  سياسة تخويف الشباب الاوروبي  من الاسلام والمسلمين   والاخطر من ذلك ان احزاب يمينية متطرفة مغمورة  واحزاب يسارية متفككة  تستطيع استغلال هذه الاحداث من اجل استقطاب الناخبيين الأوروبيين المرعوبين من الزحف الاسلامي المزعوم على القارة العجوز.
امام وضع ازدياد  شعور الكراهية والعنصرية ضد المسلمين ، يعاني المسلمين من التمييز في اوساط العمل  بل كثير من المسلمين لم تجدد السلطات الاوروبية عقود عملهم بسبب اسمائهم الغير اوروبية  او بسبب التزامهم الديني، كما اكد ذلك الاتحاد الوطني للنقابات المستقلة  بفرنسا في اكثر من تقرير من احداث سنة  2001 الى يومنا هذا ، والذي اكد انه منذ  الحادي  عشر من شتنبر  الى يومنا هذا ، تم الطلب  من العديد  من الشركات المتخصصة  في توفير  موظفي الامن  والاستقبال  او النظافة في  المؤسسات  الخاصة والحكومية ان تغير  التركيبة العرقية لفرق العمل التي توفرها، ومن الجهات التي طلب منها تغيير التركيبة العرقية  مطارات اوروبا وبعض الشركات التي تنتج اجهزة امنية متطورة ، لذلك يحرم المسلمون من العمل  والعيش الكريم بسبب ممارسات ارهابية من قوى اسلامية متطرفة لا علاقة لهم بها  .بعض المنابر الاعلامية الاوروبية كذلك لم تقصر في تشويه صورة المسلمين و اللجوء الى التعميم المخل  بالشروط العلمية  عند اي عملية ارهابية ، حيث يتم الخلط بين المسلمين والإسلاميين المتطرفين  ، وهذه الوسائل الاعلامية ، التي تتلقى معظمها اموالها  من جهات معادية للمسلمين توفر لها اموال الاشهار ،  تروج لصورة الاسلامي الارهابي بالفطرة، مما يضر بالمسلمين اكثر عند اي عملية ارهابية ومثال  المجلات والدوريات ، التي تتعاطى مثل هذه الحملات المغرضة بسبق اصرار وترصد ، جرائد يمينية مثل : لوبوان ولونوفيل اوبسيرفاتور ولوباريزيان وليكسبريس وماريان  ... الاخطر من هذا وذاك ان  الاسلاموفوبيا  اصبحت اداة انتخابية  في الحقل السياسي الفرنسي، واصبح اليمين الفرنسي واليسار الفرنسي يتسابقان في اتخاذ السياسات والاجراءات الاحترازية والتمييزية  ضد المسلمين واقتراح قوانين مجحفة ضد الجاليات المسلمة  ، فالحزب الاشتراكي الفرنسي اليوم والذي يجتاز فترة سياسية صعبة من حيث انهيار شعبية الرئيس   فرانسو هولاند بسبب سياساته الاجتماعية الفاشلة وتماهيه مع سياسة اليمين في ميادين العمل وسياسته الخارجية التابعة كليا للادارة الامريكية  يحاول جاهدا استغلال هجمات باريس ونيس من اجل الضغط على المسلمين وربح شرعية جديدة من ناخبي اليمين ويسار الوسط في الانتخابات التشريعية في السنة المقبلة .
 انهيار شعبية الرئيس الفرنسي دفعت  خبير فرنسي مختص في الشؤون السياسية الفرنسية REMI LEFEBVRE الى توصيف وضع الحزب الاشتراكي الفرنسي بالتدمير الذاتي L’autodestruction du parti socialiste ، في مقاله المهم بجريدة لوموند ديبلوماتيك عدد يوليوز 2016 ، الحزب الاشتراكي وقيادييه في مواجهة تراجعهم السياسي الواضح يلجؤون الى الاضرار بصورة المسلمين من اجل منافسة اليمين الفرنسي في ذلك ،بغية ترميم صورة حزبهم امام الفرنسيين  المصدومين  من الارهاب الاسلامي المتواتر والذي ضرب مواقع عدة في فرنسا واوروبا. لكن لحسن الحظ المسلمين والجاليات الاخرى المضطهدة والمقموعة ، ان ثمة نخبة فرنسية واوروبية ماتزال صامدة في الدفاع عن مبادئ الجمهورية الفرنسية باخلاص وتجرد ، فقد نشأت نخبة اوروبية -واقتصر في هذا المجال على ذكر بعض  الفرنسين- الذين يعارضون اي عنصرية وتمييز ضد المسلمين وغيرهم وأدوا الثمن غاليا من اجل ذلك ، مثل ,serge halimi ,Dominique Vidalو jacob cohenوalain soralوalain gresh    واللائحة طويلة جدا من المفكرين المتنورين الذين يدعون الى التفكير العقلاني النقدي في التناول الاعلامي للظواهر الاجتماعية والسياسية التي تعرفها اوروبا، بدون التهافت في  الصاق التهم بالجاليات الاسلامية وبدون مجاملتها كذلك.لكن هذه النخبة السياسية والاعلامية المدافعة عن التعايش السلمي بين جميع المكونات الدينية في اوروبا تعاني من التهميش والاقصاء الاعلامي والسياسي ، في وقت تفتح فيه وسائل الاعلام امام النخب المعادية للتعايش والمفضلة للصراع الحضاري والديني، خدمة لاجندات من الصعب ضبطها دائما ، نذكر على سبيل المثال نخبة من المفكرين والاعلاميين الفرنسيين الذين فتحت لهم ابواب الاعلام على مصراعيه ، ويساهمون بشكل كبير في تشكيل الراي العام الفرنسي والاوروبي عموما : jean daniel , alain finkielkraut,jean francois revel,jacques julliard, bernard henri levy ; michel houellebecq ;واللائحة طويلة من المفكريين والاعلاميين والكتاب الذين "يناضلون"  من اجل القضاء على التواجد الاسلامي بأوروبا، حفاظا ،على الهوية العلمانية الصافية لاوروبا ،ويستثمرون في تخويف الأوروبيين من الجاليات المسلمة وخطرها على مستقبل اوروبا.
هذا التناقض الكبير بين فتح الباب والمال امام نخبة معادية للتعايش السلمي بين الجاليات وبين الشعوب الاوروبية ونخبة اخرى مناهضة للعنصرية والممارسات التمييزية  ، دفع عدد كبير من المثقفين الفرنسيين الى دق جرس الانذار من انهيار الثقافة الملتزمة بحقوق الانسان  بفرنسا ، وانتشار الثقافة المزيفة كما افاض  في سرد ذلك بحجج مختلفة ، السياسي الفرنسي  باسكال بونيفاس في كتابه القيم :
Les intellectuels faussaires : Le triomphe médiatique des experts en mensonge

انغير بوبكر
باحث في العلاقات الدولية
المنسق الوطني للعصبة الامازيغية لحقوق الانسان
Ounghirboubaker2012@gmail.com



هل سبق للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ان كان مقاوما ضد الاستعمار الفرنسي ؟؟ بقلم انغير بوبكر



قراءة كتاب BOUTEFLIKA une imposture ALGERIENNE  يدفع بك بعيدا في بعض خبايا واسرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ، اهمية الكتاب تكمن ابتداءا في انه كتاب بقلم مواطن جزائري له الجرأة ان يقول ما قاله في الكتاب عن رئيس في السلطة وليس بعدها اي انه ليس من طينة الكتاب الذين تتفتق لهم قريحة الكتابة التاريخية عن الشخصيات السياسية فقط عندما يغادر هؤلاء السلاطين السلطة وذلك خوفا من بطشهم تارة  او تزلفا منهم  احيانا اخرى وهم في السلطة ، الكتاب الذي احببت ان اشارك بعض مضامينه معكم  يبحث في اركيولوجية الحياة السياسية الجزائرية وكيف وصل الرئيس الحالي  عبد العزيز بوتفليقة الى سدة الحكم  في سنة 1999 وكيف انتخبه الجنرالات لحكم الشعب الجزائري الذي خرج لتوه من حرب ظالمة قتلت من شعبه اكثر من 150000 قتيل بعد الانقلاب العسكري  الذي قام به العسكر ضد نتائج الانتخابات الجزائرية سنة 1992 والتي اعطت فوزا ساحقا لجبهة الانقاد الجزائرية الاسلامية  الا ان التيار الاستئصالي داخل الجزائر قام باقالة الرئيس الشادلي بن جديد لانه رفض تزوير الانتخابات التشريعية وقام الجنرالات بفتح السجون والمقابر لكل شباب الجزائر لمدة عشر سنوات جرت من خلالها عدة احداث منها اغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف بقاعة الثقافة بعنابة يوم 29 يونيو 1992 ولا تزال قضية اغتياله لم يتم كشف تفاصيلها كاملة  ماعدا ان المسمى المعروفي المتهم بالعملية لم يكن سوى تمويه لحجب الفاعلين الرئيسيين  خاصة وان الرصاصات التي اخترقت جسده النحيف جاءت من جميع النواحي  وجوانب القاعة ، ويبقى اعتراف الجنرال الجزائري خالد نزار مبطنا عندما سئل من طرف احد الصحافيين الجزائريين عن مقتل بوضياف قال بأن الحقيقة ستعرفونها في المستقبل وهذا يعني ان قضية بومعرافي ليست صحيحة ، على كل حال الشعب الجزائري مقتنع بأن بوضياف قتل على يد  الذين جلبوه من المغرب كما صرح بعد ذلك رئيس وزرائه انذاك سيدي احمد غزالي   لانه لم يكن كما توقعوا رئيسا مطيعا ودمويا وهذه شروط جنرالات الجزائر لقبول اي حاكم في الجزائر ، فلماذا اختار جنرلات الجزائر استقدام بوتفليقة لحكم الجزائر في سنة 1999 ؟ وكيف حكم بوتفليقة الجزائر ؟  وقبل ذلك كله من يكون بوتفليقة ؟ هذه بعض الاسئلة التي تطرق لها الكتاب باستفاضة ولا ادعي انني اتقاسم واتفق مع  جميع مواقفه ولكن يبقى الكتاب مهما في فتح النقاش  السياسي في مرحلة تاريخية عميقة ومؤلمة  من التاريخ الجزائري.
احمد بوتفليقة التلمساني الذي غادر الجزائر مبكرا ليستقر بمدينة وجدة المغربية هو اب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من زوجته الثانية الغزلاوي منصورية حيث ان الاب تزوجها بالاضافة الى زوجة ثانية تسمى بلقايد ربيعة  ولد عبد العزيز بوتفليقة يوم 2مارس 1937 بوجدة المغربية وله ثلاث اخوات من الزوجة الاولى للاب  وهم  يامنة وعائشة وفاطمة اما اخوته الاشقاء هم عبد الغني  ومصطفى  ولطيفة  وعبد الرحيم وسعيد وكلهم من مواليد مدينة وجدة. اكثر اخوة  عبد العزيز بوتفليقة شهرة هو سعيد بوتفليقة لانه حسب العديد من العارفين بخبايا الامر بالجزائر  من الشخصيات القوية والمؤثرة في الحياة السياسية والاقتصادية الجزائرية ويملك نفوذا كبيرا في دواليب الاعلام الجزائري
ارتبط عبد العزيز بوتفليقة كثيرا بوالدته  واصبح يستشيرها في جميع الامور بما فيها الامور السياسية وذلك ربما راجع للفراغ الذي تركه الغياب المستمر للوالد عن البيت لذلك يقول الكاتب صفحة 107 " tous ceux qui l’ont côtoyé attestent que Bouteflika prend systématiquement l’avis de sa mère avant  de s’engager dans les grandes décision »
وتنتشر اشاعة كبيرة في اوساط الشعب الجزائري وعموم الناس المهتمين بالجزائر على ان الرئيس عبد العزيز بوتفيلقة عازب  وهذه اشاعة غير صحيحة حيث ان بوتفليقة متزوج منذ غشت 1990 من المسماة امال تريكي بنت الديبلوماسي الجزائري السابق في مصر يحيا التريكي وهي مقيمة بالعاصمة الفرنسية باريس في اقامة امارتية اهداها الامير الراحل ال نهيان للرئيس الجزائري بوتفليقة وهي على مقربة من الشانزيليزي ، وعن المستوى الدراسي لعبد العزيز بوتفليقة ورد في الكتاب  صفحة 210 : Bouteflika  n’a pas terminé ses études secondaire ,et de n’a voir jamais son bac ni entamé  d’étude  universitaire ……… sa dernière année d’étude , Abdelaziz  Bouteflika l’ a faite sans la terminer  en classe de terminale en 1956 au lycée abdelmoumene a Oujda « 
 الكتاب يتحدث كذلك  عن جوانب شخصية  مختلفة من تاريخ عبد العزيز بوتفليقة  ولكن ما يسترعي الانتباه مقطع من الكتاب يتحدث فيه الكاتب محمد بنشيكو عن اعتقاد عبد العزيز بوتفليقة بالزوايا والطلاسم  رغم ان بوتفليقة معروف  بعلاقاته الوطيدة بهواري بومدين  والذي يؤمن بالاشتراكية والفكر العلمي  حتى قيل بأن هواري بومدين  هو الاب الروحي  لعبد العزيز بوتفليقة  حتى انه يظهر ان من اسباب انقلاب بومدين على بن بلة في 1965 كان  رغبة الرئيس الاسبق بن بلة  اقصاء عبد العزيز بوتفليقة من وزارة الخارجية الكتاب صفحة  209  يعطينا بعض المعلومات التي توضح امكانية اعتقاد بوتفيلقة بالخوارق والاساطير: sophie baudet , dite Zakia originaire  de Boufarik , tient  un cabinet a paris .elle est l’une des voyantes attirées  du président algérien ….un jour de 1995qu’on était a Ghardaïa , il m’a dérouté en demandant qu’on lui ramène un  marabout local célèbre du nom d’Oueni , se rappelle Dehbi .il l’a reçu devant moi  et formulé une exigence déconcertante « écris –moi un Harz qui fasse plier ma bien aimée . 
الكتاب يخصص فصلا كاملا للتشكيك في انتماء عبد العزيز بوتفليقة للثوار الجزائريين الذين حققوا بدمائهم وتضحياتهم استقلال الجزائر ويصف ادعاء بوتفليقة الانتماء الى جيش التحرير الوطني بانه خرافة واسطرة للتاريخ الحقيقي الجزائري يقول الكاتب موضحا ذلك صفحة 62 :Bouteflika a_t_il  écrit d’inoubliables  pages de  gloire ? …..la polémique était planté : le maquisard  Bouteflika ,alias  commandent si Abdelkader , a-t-il vraiment exister ? autrement dit , Bouteflika  est un  faux moujahid ?
عبد العزيز بوتفليقة اختاره الجيش لقيادة البلاد لاعتبارات كثيرة اهمها احتياج قيادات الجيش في نهاية التسعينات لشخصية ذات وزن دولي يمكن ان تفك الحصار الدولي على جنرالات الجيش الذي تلطخت سمعتهم وارتبطت بالقتل والفساد ، فكان عبد العزيز بوتفليقة الاختيار الاقل ضررا بالنسبة للجيش فولائه للجيش وللخارج تابث وحصري  وعدائه للإسلاميين لا غبار عليه وتلك الميزة التي على أساسها اختار الجيش عبد العزيز بوتفليقة  لكن الجيش سرعان ما ندم عن اختياره هذا   لذلك يقول الكاتب صفحة 42على لسان الجنرال خالد نزار "que pouvions –nous  connaitre de Bouteflika ,nous qui avions passé le plus  clair de  notre temps  dans le sud , dans des commandement opérationnels ? Nous  n’étions guidés que par un seul but : voir  notre malheureux pays venir  a bout de la crise  qui était  en train  de le terrasser  et Bouteflika semblait avoir les capacités techniques  pour cette mission .c’est au moment ou Bouteflika tombe le masque qu’il se découvre et que nous le découvrons «
الكتاب جدير بالقراءة فهو يتحدث فضلا عن ذلك عن  إشاعات الفساد المالي لدى الرئيس عندما قام بتحويلات مالية عبر السفارات الجزائرية بالخارج عندما كان وزيرا للخارجية وكيف عفا عنه الشادلي بنجديد من التهم الذي لحقت به وكيف غدر به في النهاية  ولم ينسى له اعتلائه سدة الرئاسة في سنة 1979  والتي يعتقد عبد العزيز بوتفليقة انه وريثها الشرعي من صديقة واباه الروحي  الهواري بومدين ، الكتاب يسلط الضوء كذلك على العداوة الثابثة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة مع الامازيغ في منطقة القبايل وكيف قمعهم بوحشية سنة 2001 خلال انتفاضتهم التاريخية  كما يتحدث الكتاب عن العداوة التي يكنها عبد العزيز بوتفايقة للمغرب ولوحدته الترابية وهو الذي ولد وترعرع في احضان المغرب ، الكتاب لا يخلو من بعض ذاتيات الكاتب  خصوصا وان صاحبه عانى من  الملاحقة والسجن في عهد بوتفليقة  لكن حقائق مهمة يحتويها الكتاب وتغري بقراءته مرات متعددة.

انغير بوبكر
باحث في العلاقات الدولية




عبد الرحمن بدوي : عميد الفلاسفة المعاصرين وموسوعي متبحر في العلم والترجمة . بقلم : انغير بوبكر


في شهر فبراير من سنة 2002 فقدت الساحة الفلسفية العالمية ، هرما من اهرامات الفلسفة المعاصرة ، فيلسوف استثنائي ليس فقط  من حيث عدد انتاجاته العلمية وترجماته  المتعددة التي تجاوزت  120 كتابا ، ولكن كذلك لتجربته الفسلفية الغنية التي دامت عقود  من الزمن حيث ولد عبد الرحمن بدوي سنة 1917  ، جاب من خلالها تدريسا وبحثا عددا كبيرا من جامعات العالم من مصر ولبنان وليبيا الى طهران مرورا بسويسرا والمانيا وباريس والولايات المتحدة الامريكية والهند والكويت ... ، والتقى برجالات الفكر العالمي بمختلف الاوطان ، مستشرقين ومستغربين ، فاستحق بذلك ان نسميه عميد الفلاسفة المعاصرين. في سنة 2000 اصدرت المؤسسة العربية للدرسات والنشر كتاب من جزأين  يحمل عنوان "سيرة حياتي" للدكتور عبد الرحمن بدوي ، ويقع الكتاب في حوالي 800 صفحة متوسطة الحجم بدأه الكاتب  بالجملة التالية :"بالصدفة اتيت الى هذا العالم ، وبالصدفة ساغادر هذا العالم !" . ولد الفيلسوف عبد الرحمان بدوي في قرية صغيرة في مصر تدعى  شرباص  مركز فارسكور مديرية الدقهلية (ثم محافظة دمياط ابتداء من سنة 1957)  ، وتقع على النيل عند الكيلو 196 فهو اذا ينتمي لاسرة زراعية وله ارتباط بالارض وشؤون الزراعة منذ سنوات طفولته ،  لنرى ما يقوله الفيلسوف بدوي عن مولده :"( وكان مولدي في حوالي الساعة الثانية من صباح الرابع من فبراير سنة 1917 .وكنت الثامن  من اخوتي واخواتي لامي ، والخامس عشر بين ابناء  والدي ، وسيصبح  المجموع  واحدا وعشرين ولدا .احد عشر من  البنين وعشرا من البنات .وكان ذلك تعويضا  هائلا عما جرى لجدي ، فانه لم ينجب غير ولد واحد  هو والدي.)" ص 15 اهتم عبد الرحمن بدوي منذ المرحلة الابتدائية بالتحصيل الدراسي والاهتمام المضني بالدراسة والتحصيل العلمي ، يقول عبد الرحمن بدوي عن تعليمه الابتدائي ما يلي : " لقد كنا نحسن النحو  والصرف ونقرأ النصوص الادبية –من شعر ونثر- في كتاب عنوانه : "مجموعة من النظم والنثر  للحفظ والتسميع "  في السنتين الثانية والثالثة ، ونقرأ ونحفظ نصوصا من كتاب : "ادبيات اللغة العربية " لحفنى ناصف واخرين ، وبذلك استطعنا حفظ وفهم روائع من القصائد والخطب والرسائل التي تعد من غرر  الادب العربي.لقد استظهرنا قصائد  للمتنبي وصفي الدين الحلي وابي العتاهية وصالح بن عبد القدوس  وغيرهم ، كما استظهرنا خطبا  رفيعة المستوى لعلي بن ابي طالب وزياد بن ابيه  والحجاج وواصل بن عطاء ، فضلا عن رسائل  لعبد الحميد  الكاتب ، والجاحظ .وان انس لا أنسى مجيء مدرس جديد في منتصف  العام حديث التخرج من دار العلوم ، وان أول درس شرحه لنا وألزمنا بحفظه هو وصف ابن المقفع لمن سماه "اخا" وبدأه بقوله : "كان لي اخ ".... فأين هذه النصوص الرائعة  الجزلة من النصوص الغثة التافهة التي يقرأها تلاميذ المدارس اليوم في مصر ، ليس فقط في المدارس الابتدائية ، بل  في الاعدادية  ، بل في الثانوية ، بل وفي الجامعية؟ !.")ص   وحصل الفيلسوف المصري عبد الرحمن بدوي  على شهادة اتمام الدراسة الابتدائية من مدرسة فارسكور الابتدائية في مايو 1929 ( وكان ترتيبه 354  من مجموع الحاصلين  على الشهادة الابتدائية في القطر المصري وكان عددهم حوالي  مائة الف. انتقل بعد ذلك الى  المدرسة السعيدية الثانوية  في الجيزة على الشاطئ  الايسر من النيل امام القاهرة ، وكانت تلك الثانوية تعد في ذلك الوقت أرقى المدارس الثانوية في القاهرة ، لذلك  يؤمها أبناء الطبقة الراقية والطبقة الحاكمة ويلجها بعض الفقراء ذي الميزات الممتازة وكان من بينهم المفكر بدوي الذي التحق بالقسم الداخلي للثانوية و بالصدفة التقى بمدرس جغرافيا كان قادما من انجلترا يقيم هو كذلك بالقسم الداخلي وساعده ذلك على الاستفادة من مكتبته القيمة   . يقول عبد الرحمن بدوي عن هذه المرحلة العمرية الهامة : " اقام في الداخلية مدرس جغرافيا كان قادما لتوه من بعثة بانجلترة ، واسمه حسن جوهره .كان مدرسا جادا ، واسع الاطلاع ، وقد صقلت ذهنه إقامته في انجلترة ، وكان يؤثر العلم والتحصيل ، ولهذا  كان يؤثر الطلاب المجتهدين  ويرعاهم  رعاية خاصة .ولإيثاره للعلم والتحصيل انشأ في قاعة صغيرة بالطابق الثاني  من البلوك الذي يسكن فيه الطلاب  الداخليون  مكتبة صغيرة ، ولكنها ثمينة لانها كانت تحتوي  على عدد من امهات  كتب الادب العربي ، واخص بالذكر منها : كتاب نفح الطيب للمقري، وشرح سقط الزند لابي العلاء المعري ، والحماسة  لابي تمام والمنتخبات الشعرية التي اختارها سامر البارودي .وقد أقبلت على  قراءة هذه الكتب –رغم صعوبة ألفاظها وعباراتها بالنسبة لي  في تلك السن المبكرة وانا  في الثالثة عشرة من عمري .... وفي الوقت نفسه-وانا في سن الربعة عشرة –بدأت اقرأ الشعر الانجليزي في نصه الانجليزي .وتصادف ان اشتريت من  مكتبة عتيقة صغيرة في شارع محمد علي  وكنت قد بدأت  في التردد على دار الكتب المصرية –ثلاثة كتب انجليزية .. ومن ملتون Milton انتقلت الى الرومنتيك الانجليز  فبدأت بشلي Shelley واستظهرت قصيدة : الريح الغربية ....لكن ليس معنى هذا انني لم اطلع على  الادب الفرنسي ، بل  بالعكس كنت قد قرات  كتاب محمد حسين هيكل : جان جاك روسو : حياته من كتبه ، كما قرات  ما ترجمه  حافظ ابراهيم  من قصة البؤساء  لفكتور هوجو ... اما الادب الالماني  فكان اول اتصال عميق به في السنة التالية ، سنة 1932 وانا في الخامسة عشرة من عمري .") ص 34-36 بعد اتمام الدراسة الثانوية  حصل بدوي على البكالوريا –شهادة الثانوية العامةالان- قسم ادبي في يونيو 1934 وكان ترتيبه  الثاني على جميع طلاب القسم الادبي بمصر . في مرحلة الدراسات الجامعية ذات التخصص الفلسفي  –وكان ابوه يفضل  ان يتخصص ابنه عبد الرحمن في الحقوق لانه تخصص يخرج الوزراء والديبلوماسيين وعلية القوم لكن للقدر والصدفة دورها في الاختيار  -   تتلمذ عبد الرحمان بدوي على يد مفكرين مشهورين ومرموقين امثال  لالاند ( لقد كان تتلمذي على لالاند نعمة لا استطيع  ابدا نسيانها ، ولا وفاءها حقها من الشكر وعرفان الجميل) ص 64  و الكساندر  كويريه Koyré وقال عن هذا الاخير :(كذلك كان  لكويريه علي فضل عظيم ، لانه كان  يجمع بين النزعة الميتافيزيقية  والنزعة العلمية ، وكان يهتم بالتيارات الصوفية .. وثم ميزة  اخرى لكويريه  افدت منها كثيرا وهي معرفته  الجيدة  باللغة  الالمانية وبالفلسفة الالمانية ) ص 64-65  و مصطفى عبد الرازق الذي أثنى على خصاله الكثيرة حيث قال في حقه :"لقد كان النبل كله ، والمروءة كلها. كان  دائما هادئ  الطبع ، باسم الوجه ، لا يكاد يغضب ، وان غضب لم يعبر عن غضبه لا بحمرة وجهه وصمت كظيم : كان اية في الحلم والوقار.." ص 61  وطه حسين الملقب بعميد الادب العربي و صاحب الكتابات الروائية والادبية المميزة والمثيرة للنقاش والفضول العلمي ، ككتابه المثير للجدل والذي ادى الى طرده من الجامعة بعنوان  في الشعر الجاهلي، تم   تنقيحه واخراجه بعنوان جديد ،في الادب الجاهلي  ورائعته "الايام"  وغيرها من الابداعات التي ماتزال تلهم الادباء والمفكرين في عصرنا الراهن يقول عبد الرحمن بدوي عن طه حسين ما يلي : " (واذا كنت قد حضرت  كل ما تيسر  لي حضوره من محاضرات  الدكتور طه حسين ، فانما كان ذلك  لاعجابي المفرط  به وبصوته وهو يحاضر .وكنت قد سمعته  يحاضر محاضرة عامة لاول مرة في حياتي في  شتاء 1933-1934 لما القى محاضرة عامة  في جمعية الشبان المسيحيين عن الشاعر الفرنسي العظيم  بول فاليري Paul Valery فاخذ بلبي وسحرني بجمال صوته وعذوبة نبراته وروعة ادائه اللفظي...) لكن الدكتور عبد الرحمن بدوي صب جام غضبه على الشيخ محمد عبده واصفا اياه بنعوت كثيرة واتهامات خطيرة تتراوح بين عمالته للانجليز وللقنصل البريطاني تحديدا كرومر من جهة  و تواضع معرفته وعلمه من جهة اخرى  رغم شهرة محمد عبده التي وصلت الى اصقاع الارض ، لنرى ماذا يقول فيلسوفنا عن محمد عبده  ص 51:" لكن هذا هو ما فعله  الشيخ محمد عبده ، مفتي الديار المصرية ، و "المصلح الديني" المزعوم !  فقد انعقدت بينه وبين لورد كرومر علاقة حميمة-ان صح ان توصف بالحميمة علاقة التابع بالمتبوع ، والذليل بالجبار ، والمطيع الخاضع بالآمر المسكبر .بل كان محمد عبده هو نفسه  يتفاخر ويتباهى  بهذه العلاقة  الوثيقة بينهما ، وبينه وبين سلطة الاحتلال ...وقد استغل كرومر علاقته  هذه بمحمد عبده  فجعله يكتب مقالات ضد محمد علي ، راس الاسرة العلوية ، بمناسبة مرور  مائة عام على توليه حكم مصر ، وذلك في سنة 1905 ..اي اصلاح ديني قام به ؟ لم يستطيعوا ان يذكروا الا تفاهات شكلية ، مثل  تحليل لبس القبعة –وكأن هذا  امر خطير  جدا به يكون المرء "مصلحا دينيا" كبيرا !"  حصل عبد الرحمن بدوي في ماي 1938 على  الليسانس  الممتازة في الاداب من قسم الفلسفة بكلية الاداب بالجامعة المصرية (جامعة القاهرة الان)، وكان ترتيبه الاول ليس فقط على قسم الفلسفة ، بل على كل اوائل الاقسام الاخرى في الكلية وعين معيدا بالجامعة بتشجيع من الشيخ مصطفى عبد الرازق والعميد طه حسين .سياسيا انتمى المفكر بدوي في بداياته السياسية  الى  حركة مصر الفتاة ثم الى الحزب الوطني ردحا من الزمن  واشتغل معهم فكريا في اعداد مقالات وارضيات فكرية في مواجهة خصومهم في الداخل والخارج ، وكتب مقالا هجائيا ضد عباس محمود العقاد  بعنوان : "العقاد جهول يريد ان يعلم الناس ما لايعلم" بل مارس بدوي ورفاقه العنف المادي على العقاد لثنيه عن مواجهة  حركة مصر الفتاة ، لكن بطش السلطات السياسية ضد الحركة والملاحقات البوليسية  دفعت عبد الرحمن بدوي الى الابتعاد عن السياسة نهائيا والتفرغ للبحث العلمي وكان اول انتاج فكري  للدكتور بدوي هو  كتاب "نيتشه" الذي ظهر سنة 1939  وكان هدفه من الاصدار  هو تقديم خلاصة الفكر الاوروبي  الى القارئ العربي  واحداث ثورة روحية في الفكر العربي على حد قوله في سيرته ، وقد طبع الكتاب الاول خمس مرات ولقي نجاحا كبيرا في مصر وخارجها، ثم تلا الكتاب  الاول ، كتاب ثاني  عنونه الكاتب ب "التراث  اليوناني في  الحضارة الاسلامية"  ويحتوي على  جملة من الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع  والتي كتبها عن  كبار المستشرقين ، وناقش بدوي رسالة الماجستير سنة 1941 وكان من اعضاء المناقشة كل من  الشيخ مصطفى  عبد الرازق وطه حسين وابرهيم مدكور كما ناقش اطروحته للدكتوراة سنة 1944  بحضور نفس اللجنة وزيادة باول كراوس  وكان عنوان موضوع الدكتوراة هو  الزمان الوجودي  والتي نشرت فيما بعد في كتاب تحت عنوان خلاصة مذهبنا الوجودي . ، ثم بدأ بدوي مشوار التدريس بجامعة القاهرة  في العام 1939-1940 ثم انتقل بعد ذلك الى  لبنان مابين 1947 -1948 ثم انتقل الى جامعة  عين شمس  ثم انتقل مستشارا ثقافيا ورئيسا للبعثة العلمية المصرية بسويسرا سنة 1956  وخلال هذه المراحلة عايش  بدوي الاحداث السياسية التي تموج بها مصر والمنطقة من الانقلاب العسكري الذي قاده الضباط الاحرار  سنة 1952  ومشاركة عبد الرحمن بدوي في اشغال لجنة اعداد دستور جديد سنة 1953 ضمن 50 عضوا تم اختيارهم من الخبراء والسياسيين  و العدوان الثلاثي على مصر وعدم اكتراث السفراء المصريين بالاحداث السياسية وانغماسهم في اللهو والملذات .. كما عرفت هذه المرحلة الوحدة التعسفية بين مصر وسوريا وسرعة انفكاكها لانها بنيت على الاوهام لا على الحقائق والمشاريع الملموسة.
السيرة الذاتية لعبد الرحمان بدوي طويلة ومتشعبة وغنية باحداثها ومواقفها ولكي لا نظلم الرجل حقه ، اقول بكل مسؤولية  ان هذه القراءة لسيرته الذاتية لا تدعي الاحاطة بجميع مراحل حياته ومواقفه وسفرياته ومحاضراته المتعددة ولكن سأحاول فقط ان ابين بعض المواقف والافكار واهم الشخصيات التي  عاشرها الرجل وذكرها سلبا وايجابا ويبقى الحكم بطبيعة الحال للقارئ النبيه.
1-    موقف عبد الرحمن بدوي من النازية ومن المحرقة اليهودية :(اما حملات النازية على  اليهود  فكانت جزءا من حملات النازية على من كانوا خصوم النازية في الفترة  السابقة  على توليها الحكم في 30 يناير 1933 .فكانت اذن عملا سياسيا محضا لا تفرق فيه بين يهودي وغير يهودي ...ان النازية انما كانت تجسيدا  لشكوى الشعب الالماني  من تغلغل نفوذ اليهود  في المانيا  بعد الحرب  العالمية الاولى : في السياسة والاقتصاد  والفنون  ، وغيرها من مرافق الحياة ، واستغلال اليهود للمصاعب الهائلة التي حلت بالمانيا غداة هزيمتها، وسيطرتهم على مقاليد الحكم ومفاتيح الاقتصاد ووسائل الدعاية والاعلام...فبأي حق ، وفي اي شرع يجوز  ان يتحكم نصف مليون يهودي  في اكثر من ستين  مليونا من الالمان ؟ !) ص 88
2-    موقف عبد الرحمان بدوي من انقلاب عبد الناصر سنة 1952:(وقد جاء عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة في دستورهم الاستبدادي الزائف  الذي اصدروه في يناير 1956 فصادروا كل  هذه الحقوق والحريات مصادرة تامة ، واحلوا مكانها القيود التي نسفت حقوق المصريين وحرياتهم.. باسم مصلحة الشعب جر البلاد الى حربين مدمرتين  (حملة السويس سنة 1956 وحرب الايام الستة في يونيو 1967 ) بسبب حماقته  وخرقة تصرفاته واندفاعه الاهوج دون تبصر فقتل الالاف من الجنود ومن المدنيين ودمرت مرافق عديدة وبددت على  الاسلحة اموال لا تحصى –فهل  قتل الاف المصريين في هاتين الحربين  كان ل"مصلحة الشعب"  وهل ضياع  كل هذه المرافق والعتاد  والاموال  قدم  "مصلحة الشعب" ) ص 338-351.
3-  موقف عبد الرحمان بدوي من بعض الشخصيات الفكرية المصرية كمحمود امين العالم وغالي شكري وتوفيق الحكيم و زكي نجيب محمود وصدقي الدجاني  وميشيل فوكو وسارتر وآخرين   صادمة وقاسية جدا بالنظر الى اسهاماتهم الفكرية والادبية المؤسسة للوعي الفكري لاجيال باكملها ولكن يبقى ذلك موقفه الخاص به والذي يستدعي المزيد من التدقيق والتمحيص للخروج بالحقائق الضرورية لتنوير الوعي الجماهيري .
تتطرق  سيرة عبد الرحمان بدوي الى  احداث سياسية جسام حملت تغيرات في المشهد السياسي والفكري في عالمنا المعاصر  كحركة الطلاب بباريس 1968 والثورة الخمينية   بايران سنة 1979 و بزوغ تيارات فكرية يسارية ويمينية متطرفة ، كما تتناول سيرة بدوي تحقيبا ثقافيا مهما وغنيا حيث انه يخصص لكل بلد زاره حيزا تاريخيا مهما  ،يتطرق الى تاريخه و ومفكريه وفعالياته الثقافية ومآثره العمرانية والتراثية، لذلك تبقى سيرة حياة الفيلسوف عبد الرحمن بدوي منهاجا ضروريا لكل من اراد الاطلاع على تاريخ  الافكار الفلسفية باوروبا والعالم.
قدم عبد الرحمان بدوي اسهام حقيقي للمكتبة الفلسفية والادبية العربية لذلك استحق ان نسميه بعميد الفلاسفة المعاصرين وموسوعة حقيقية في التحقيب التاريخي والعمراني للافكار الثقافية والاتجاهات السياسية السائدة في اوروبا والعالم اجمع.

انغير بوبكر

المنسق الوطني للعصبة الامازيغية لحقوق الانسان –المغرب 
باحث في قضايا حقوق الانسان  والديموقراطية والتعدد الثقافي .     
Ounghirboubaker2012@gmail.com

ملاحظة :
جميع الاحالات المذكورة بالمقال  تتعلق بكتاب سيرة حياتي ج1: الدكتور عبد الرحمن بدوي الطبعة العربية الاولى 2000  المؤسسة العربية للدراسات والنشر.



الامازيغ المغاربة: الى اين ؟ بقلم : انغير بوبكر


ظن  الامازيغ المغاربة وانا منهم بطبيعة الحال ،ان الاعتراف الدستوري بالامازيغية كلغة رسمية في الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 ، بداية  تعبير عن ارادة سياسية عليا بضرورة انصاف الامازيغ المغاربة  واعادة الاعتراف بلغتهم  وثقافاتهم وحضارتهم ، لما تعرضت له من اقصاء وتهميش منذ عقود متتالية ومتراكمة  ، ولكن الحقيقة شيء آخر تماما.
 الامازيغ المغاربة مازالوا ضحية التهميش والاقصاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي من طرف الدولة المغربية  ، وبطبيعة الحال ليس الامازيغ المغاربة فقط من عانى من التهميش والاقصاء  ، فالفقراء من العرب المغاربة كذلك اضطهدوا وهمشوا وسلبت ثرواتهم وهذا موضوع اخر مستقل واوردناه في هذا السياق حتى لا يفهم اننا ندافع عن الامازيغ فقط من منطلق عرقي او اثني .
المؤرخ الامازيغي المرحوم علي صدقي ازايكو عبر بوضوح وبرهان   عن الاقصاء التاريخي للامازيغ  في مغرب ما بعد الاستقلال  في استجواب  نشره الدكتور  مصطفى عنترة  في كتابه  الامازيغية واسئلة المغرب الراهن الطبعة الاولى ابريل 2006 صفحة 15 عندما قال " ان الطبقة السياسية التي تولت مقاليد الامر في مغرب مابعد الاستقلال  وتوفرت على كل الوسائل للتحكم في الرأي العام  المغربي ، وتوجيهه الوجهة التي  تخدم مشروعها  المجتمعي ، لم تكن تعترف  بالطابع الامازيغي للمغرب ، بل ذهبت الى ابعد من ذلك ، اذ رفضت  حتى الوجود الفعلي  للامازيغ ككيان مميز تاريخيا ولغويا وثقافيا ، ولكي ترسخ ذلك في اذهان المغاربة ، عمدت الى مجال التعليم وعبثت ببرامجه كما أرادت ، وبذلك أبعدت  أجيالا من  المغاربة عن هويتها الحقيقية ، ونزعت من قلوبها حبها الطبيعي  لوطنها  وتربة اجدادها"
لكن السؤال المحير الذي يطرح نفسه لماذا يظل  الامازيغ المغاربة مقصيين سياسيا وثقافيا رغم وزنهم الاقتصادي والديموغرافي الكبير  بالمغرب ؟
  لماذا تستمر الدولة واحزابها في  سياسة الرهان على الوقت لاستنزاف المطالب الامازيغية واحتواء مطالب الامازيغ في الحرية والكرامة والعيش الكريم ؟
 ولكن قبل هذا السؤال وذاك ماذا يريد الامازيغ المغاربة بالضبط  ؟
 هل قضية الامازيغ قضية لغة مهددة بالانقراض ، يجب إحيائها  فقط كما يحاول  القانون التنظيمي لتفعيل رسمية الامازيغية  والدستور المغربي الجديد في فصله الخامس  حصر ذلك ؟
  ام ان الامازيغ المغاربة لهم طموح سياسي واقتصادي واجتماعي يتمثل في الوجود الفعلي للامازيغ ككيان مميز تاريخيا ولغويا وثقافيا، كما يطمح ذلك الاستاذ الراحل صدقي ازايكو؟
 وهل الرهان على الارادة السياسية للدولة المغربية  ولاحزابها  للاعتراف بالامازيغ ككيان سياسي وثقافي ولغوي ببلادنا ، رهان سليم في ظل موازين قوى يغيب فيه المعبر السياسي عن المطالب الامازيغية كمطالب خاصة بشعب كامل الاوصاف والعناصر والمكونات حسب تعريفات القانون الدولي للشعوب .؟
 واخيرا هل الامازيغ المغاربة محرومين من السياسة لانهم يرفضون الخوض فيها  ام لان السياسة المغربية الموروثة عن الاستعمار الفرنسي ترفضهم، وللدقة نقول ترفض، ان تدخل عنصر يشكك في بنيانها المبني على تزوير التاريخ واسطرة بعض الاسماء وخلق احزاب لغايات محددة وواضحة لاستكمال المسلسل الاستعماري  وفرض الامر الواقع  على كل عناصر المجتمع المغربي ،الامازيغي الهوية والتاريخ والاصل ؟
في محاولة الاجابة عن هذه الاسئلة المؤرقة ، ابدأ بالقول بان الذي يحدد هوية الانسان هو الارض التي عاش فيها اجداده واباؤه  ، فالانسان غير مخير في هويته وانتمائه، ولو توسل الى نكران ذلك بكل الوسائل  التضليلية الممكنة، فالهوية المتطورة المغتناة بالتجارب الانسانية ليست جامدة او واحدية الجانب ،كما هو مكرس في البرامج التعليمية المغربية الحالية والخطابات السياسية للغالبية العظمى من السياسيين المغاربة ، الذين يعرفون الهوية المغربية باقصاء البعد الهوياتي الاصلي اي الامازيغي . بل هي انفتاح على كل الفكر الانساني وعلى منجزات العلم والتكنولوجيا  ، هي كذلك  انتماء للغة وتاريخ الارض،  فالهوية متنوعة في روافدها وتكوينها لكنها تعرف الارض ولغة الانسان عليها. لذلك اجدني متفقا مع صديقي الاستاذ محمد بودهان في قوله المنشور بكتابه القيم  في الهوية الامازيغية للمغرب ص 101  " فنحن ، كمغاربة ، ملك اذن للامازيغية  وليست ملكا لنا  نفعل بها ما يحلو لنا  مثل التنازل عنها  او التنكر لها.وهذه قاعدة تنطبق على الشعوب  والبلدان ، وليست مقصورة  على المغرب والمغاربة .فالمواطن الفرنسي مثلا ملك للهوية الفرنسية  التي جعلت انتماءه فرنسيا ، وحتى لو كان ذا اصول أجنبية مثل الرئيس ساركوزي الذي اصبح ملكا لهذه الهوية  الفرنسية بمجرد  ما هاجر آباؤه من هنغاريا ، موطنهم الاصلي ،......ويجدر التذكير ان الاستعمار  هو الذي يعتبر  هويات الشعوب  المستعمرة  وأراضيهم  التي استولى عليها ملكا له يتصرف فيها بفرض هويته الأجنبية  عليها لتبرير  استعماره واحتلاله."
هوية بلدنا التي سماه الاستعمار الفرنسي المغرب، هوية امازيغية بالاستناد الى التاريخ والجغرافيا والانثربولوجيا ، وهناك شبه اجماع علمي على ان شمال افريقيا كانت أرضا امازيغية الثقافة واللغة باختلاف انظمة الحكم التي تعاقبت على المنطقة وبتنوع الانتسابات الدينية ، لذلك كانت اللهجات  الامازيغية هي  المتداولة شفويا وتواصليا في المنطقة الشمال افريقية وهذه حقيقة تاريخية لا غبار عليها، وكان الامازيغ وثنيون ثم يهود,  فمسلمين ... ، لذلك نجد عدد لاباس به من اليهود المنحدرين من شمال افريقيا  المعروفين"بالسفارديم" من اليهود الامازيغ، الذين التحقوا فيما بعد الى اسبانيا او البرتغال او النازحين الى اسرائيل في اطار حركة التسفير المعروفة من طرف المنظمة الصهيونية العالمية قبيل انشاء دولة اسرائيل وبعدها. اذا كانت الكتابات التاريخية والابحاث الانثربولوجية والعلم الاركيولوجي ينصفنا  كأمازيغ  ، ويعتبرنا سكان المغرب الاقدمون ، فاين كان منعرج هزيمتنا ؟ متى فقدنا البوصلة التاريخية والثقافية واصبحنا اليوم طلاب حقوق ثقافية بسيطة  ، بعدما كنا امس اصحاب دول وحضارات ؟
هناك شبه اجماع لدى الباحثين والمناضلين الامازيغ على ان الاستعمار الفرنسي لبلادنا هو المسبب الرئيسي في مأساتنا الثقافية والحضارية اليوم ، فلنقرأ ما قاله المؤرخ علي صدقي ازايكو عن  مسؤولية المستعمر فيما وصلت اليه ثقافتنا ولغتنا في نفس المرجع المذكور اعلاه :"ان فرنسا لا تحب الامازيغ  ولا توثرهم بالمعاملة  الحسنة ،بل تريد ان تسيطر عليهم بكل الوسائل وظهير 16 ماي 1930 من هذه الوسائل ،لان الظهائر من هذا النوع  كان يصدرها الملوك المغاربة  قرونا قبل دخول فرنسا الى بلادنا غير ان فرنسا لم تتمكن البتة من السيطرة  عليهم  لان المقاومة المسلحة  في المدن المغربية  للوجود الفرنسي نظمت وانجزت  من قبلهم بمشاركة مغاربة  اخرين من طينتهم ، اما "الاذكياء" من "الوطنيين" فقد زينوا كراسيهم الوثيرة في حديقة  المغرب المستقل  بالمقالات  والتصريحات  الاذاعية  من الخارج  والاتصالات المثمرة  مع مخططي  الاستعمار الجديد."
المرحوم صدقي ازايكوا كان واضحا في تحميل مسؤولية التآمر على لغتنا وثقافتنا الامازيغية للاستعمار ووكلائه المحليين  وفي نفس الاتجاه سار الاستاذ محمد بودهان ولو بوضوح اكبر عندما اورد في كتابه السالف الذكر"لان ما حدث في سنة 1912 لم يكن مجرد احتلال للمغرب وفرض للحماية الفرنسية عليه ، بل كان بداية لميلاد –نعم ميلاد بمعناه التكويني- دولة جديدة  بهذا القطر ، وهي الدولة العربية الجديدة التي خلقتها فرنسا خلقا وانشأتها انشاء، وتثمثل مظاهر هذا الخلق والانشاء لهذه الدولة العربية الجديدة في العناصر التالية :
1-اطلاق اسم جديد على هذه المنطقة التي اقامت بها فرنسا  دولتها العربية الجديدة، وهو الاسم العربي "المغرب" بعد ان كانت تسمى في السابق "مراكش"
2-اعطاء هذا البلد هوية  جديدة هي الهوية العربية بعد ان كانت هويته قبل ذلك امازيغية وكان العرب انفسهم  يسمون هذا الجزء من شمال افريقيا بلاد "البربر"
3-تحويل  عاصمة الدولة من فاس الى الرباط كعاصمة جديدة للدولة العربية الجديدة.
4-تنصيب "ملك" على راس الدولة العربية الجديدة ، بعد ان كان حاكمها يسمى قبل ذلك" بالسلطان" مع وظائف وسلطات محدودة  تختلف عن  صلاحيات و سلطات الملك الموسعة  للدولة العربية الجديدة.
5-وضع علم وطني لهذه الدولة العربية الجديدة بنجمة خماسية ، بعد ان كان هذا العلم في السابق  يحمل نجمة سداسية  كما هو معروف.
6-خلق نشيد وطني خاص بالدولة العربية الجديدة.
7-العمل على التعريب السياسي للمغرب  والحاقه بمجموعة  الدول العربية بالمشرق ." انتهى كلام الاستاذ محمد بودهان .
تهميش ايمازيغن اذا، بدأ مع الاستعمار الفرنسي لبلادنا واستمر" الاستقلاليون " المغاربة بعد الاستقلال السياسي على نفس النهج الاستعماري في اقصاء الامازيغية وسلب اراضي القبائل  الامازيغية بالقوة دائما وبالحيلة والدين والايديولوجية مرات ومرات.
لكن دعونا من التاريخ الاستعماري الذي ازاحنا من الساحة الثقافية بالمغرب بمساعدة وكلائه المحليين ، هذا الامر بات معروفا ومكرورا ، ولنرجع الى اسئلتنا علنا نتلمس طريقا لمعالجتها او الاسهام النظري فيها .
الاقصاء السياسي للشعب الامازيغي كان مبرمجا له من طرف النخبة الاستعمارية و تحالف النخبة المدينية المغربية المتعلمة على ايدي المستعمرين ، فكان الانحدار السياسي للامازيغ كشعب منذ المؤامرة الاستعمارية للقضاء على جيش التحرير المغربي في الشمال والجنوب  ، انذاك انفرط عقد الامازيغ واصبحوا منزوعي السلاح والقوة التفاوضية في مستقبل المغرب ، القضاء على جيش التحرير بالجنوب والشمال  المغربيين، كان البداية الاولى لتغيير مسار الاحداث السياسية بالمغرب ، وانهزام المقاومين الاصليين للاستعمار الفرنسي  والاسباني  وانتصار المفاوضين "الوطنيين " المتعلمين، اصحاب العرائض والمذكرات السلمية في مواجهة الاستعمار الاجنبي لبلادنا. في هذه الظروف السياسية التاريخية فقدنا البوصلة الامازيغية واستغلت امية شعبنا في خلق اساطير مؤسسة للاستقلال الوطني المغربي، وخلد في الافاق  زعماء "استقلاليون" استفادوا من الاستعمار والاستقلال معا في مفارقة عجيبة غريبة ، كرست الاستثناء المغربي في كل شئ. وعلى عكس الوقائع التاريخية الحقيقية، اتهم الامازيغ بالعمالة مع الاستعمار الاجنبي ، واتخذ هذا التحريف الاعمى للتاريخ ذريعة لتهميشهم من المستفيدين الجدد من الاستقلال .لذلك حذر بعض  المؤرخين الاجانب ، المهتمين بالتاريخ المغربي من بعض الافكار الخاطئة التي تنظر لعمالة الامازيغ مع الاستعمار الاجنبي، من هؤلاء المؤرخين نذكر MICHAEL PEYRON  الذي اوضح في مقال له منشور بمجلة الثقافة الامازيغية   منشورات ircam ندوة فاس 28-29-ماي 2009 ص 23 مايلي :"il convient ,egalement  , de se méfier de certaines spécieuses constructions mentales postcoloniales ou l’on mélange aisément les genres. D’accuser le protectorat d’avoir  passagèrement caresser l’espoir de créer un « BERBISTAN »….en vérité Berque lui même (1962-p240) avait nier que c’était l’intention des autorités coloniales. »
الاقصاء السياسي للامازيغ كان بفعل قرار سياسي ، مع سبق الاصرار والترصد من قبل الماسكين الجدد بالسلطة المغربية ، فانتهجوا اسلوب التعريب ضد البشر ، في سعي حثيث للقضاء على اللهجات المحلية وتحريف التاريخ لبناء قاعدة سوسيو ثقافية جديدة، ناكرة لذاتها وجاهلة لاصولها وفروعها . ولكن هل نجح الاستعمار وأذياله المحلليين في خطتهم لابادة الشعب الامازيغي في المغرب الجديد ؟ الجواب نعم ولا . نعم المعمرون الجدد واحزابهم ومؤسساتهم استطاعوا تكريس تفاضلية لغوية بالمغرب وخلق اجيال معربة ومفرنسة محتقرة لذاتها الامازيغية ، بل الاصح جاهلة بها ، فرض على الطفل الامازيغي المحظوظ، طبعا الانتقال الى المدن الكبرى للعمل بعد تفقير وتهميش مناطقه القروية  وفرض عليه فرضا ان يتعلم اللغة العربية والفرنسية وان يصبح لديه الاصل الترابي والمكاني القروي  مزارا سنويا فقط ، واصبحت الامازيغية لديه  حنينا يسمعها بين الحين والاخر في البيت من الأبويين الذين يحتفظان باللغة ويقصران استخدامها في البيت فقط خشية السخرية وسماع نعوت  ونكت  عن "الشلوح "التي كانت تعج بها الثقافة الشعبية المغربية المستهزئة بالامازيغي البدوي دائما. ومن حسن حظ الامازيغ ان تهميش الدولة المغربية للمناطق الامازيغية في الشمال والجنوب والوسط والاهتمام فقط بالوسط المديني الحضري "باعتباره صاحب القلاقل والصراع السياسي" ساهم في نمو الهجرة القروية الى الخارج، فتمكن الامازيغ الجنوبيين من العمل والانتقال الى فرنسا و سافر الشماليين الى هولندا والامازيغ  الوسطيين ، فيما بعد الى ايطاليا ، افواج الهجرة الامازيغية الى الخارج ،هربها الحظ من التعريب القسري واستطاعت ان تعطي للامازيغ نفسا اقتصاديا وسياسيا جديدا متجددا ، حافظ على تواجدنا ككيان وكثقافة ، فلولا امازيغ القرى بالمغرب الاميين وامازيغ الخارج المنعتقين من التعريب ، لتحقق اماتة اللهجات الامازيغية ، ولما اصبح للامازيغية اليوم اي ذكر حتى في الاثار .
الامازيغ المغاربة فطنوا بعد نضال ثقافي وجمعوي مديد، على ان النضال السياسي هو المخلص الوحيد للامازيغ من تبعيتهم الثقافية وخلاصهم النهائي من التهميش والاقصاء، لانهم استنتجوا ببساطة ان الوصول الى السلطة والثروة هو مخرجهم الابدي من النسيان والتهميش  ، فبادروا الى تاسيس اول حزب سياسي امازيغي يحمل الامازيغية كهم استراتيجي ، و يسعى الى مراجعة التاريخ المغربي مراجعة حقيقية في اتجاه تحرير العقل الامازيغي من الدونية والاستيلاب المستمر الى حد الان،  ولكن بطبيعة الحال  هذا المسعى سيواجه بالرفض والتعنت والاقصاء، لان من شأن تاسيس حزب امازيغي ان يبعثر  اوراق اللعب السياسي  المتوارثة من الفترة الاستعمارية ، هذا اللعب الذي يبنى ويتطور على انقاض الحقيقة  والتاريخ ، ويتأبد بنفي العناصر الثقافية والسياسية ذات الفضل في استقلال بلدنا الذي بات يسمى المغرب الاقصى ، انشاء حزب سياسي امازيغي معناه ادخال عنصر اصلي على عناصر طارئة تشكل منها الحقل السياسي المغربي ، فايمازيغن يريدون فهما وسطيا للدين ، بل يريدون اديانا متجاورة ومتسامحة فيما بينها ،اللعبة السياسية المتوارثة عن الاستعمار تقول بدين اسلامي سني ووحيد ، ايمازيغن يريدون مغربا منفصلا عن المشرق ومنفتحا اكثر على افريقيا واوروبا ، فيما مغربنا الجديد ساهم في الحروب العربية الاسرائيلية وفي حروب اليمن والخليج ، فما دخلنا في حروب لا نفع لنا بها ولا طاقة لنا على تحملها، الامازيغ المغاربة يريدون اقتصادا مبنيا على التضامن والتآزر ،حتى لا اقول اقتصاد اشتراكي ، فيما المغرب الجديد سلب اراضينا وثرواتنا لفائدة قلة قليلة منتفعة بدون اوجه حق . دخول ايمازيغن الى السياسة كان سيعني بداية تكوين مغرب جديد ، في ديبلوماسيته واقتصاده و توجهه الحضاري ، لكن موازين القوى الحالية الناتجة عن القمع  والتعريب وازدراء الذات الامازيغية نتج عنه انفصال النخب الامازيغية عن محيطها الاقتصادي والاجتماعي ، فالامازيغ المغاربة يوجدون في اعلى مراتب القرار السياسي والاقتصادي اليوم ببلادنا ، لكنهم مسلوبو الارادة ومستلبو الثقافة ويفضلون المنفعة الاقتصادية الذاتية والوضع السياسي الشخصي  المميز، على النضال من اجل هويتهم وحضارتهم الممتدة في التاريخ ، المحاولة السياسية الامازيغية الاولى افشلت، بتظافر عوامل ذاتية تهم الفاعل الامازيغي وحدود فهمه للتعقيدات السياسية ببلادنا  وعوامل موضوعية مؤثرة تتعلق برفض السياسة المغربية تغيير الخريطة السياسية المغربية ،والابقاء على الجمل راكدا. ولكن الى متى سيبقى الجمل راكدا مادام الثقل يزداد عليه والحرارة تحيط به من كل الجوانب؟
على الامازيغ التفكير في تغيير موازين القوى السياسية على صعيد  المجتمع السياسي ولدى عموم الشعب المغربي  ، اي ان الامازيغ يجب عليهم القيام بخطوات استعجالية قبل ان ينجح المسعى السياسي  الحزبي وان يؤدي وظائفه التحررية ، لا انتخاب نخبة سياسية امازيغية التي ستلعب دور الكومبارس في النسيج السياسي المغربي او دور المواجه للإسلاميين والتيار المحافظ  بايعاز من هذا الطرف او ذاك ،بدون افق استراتيجي للتحرر الامازيغي ، الامثلة على الخيانات السياسية باسماء وعناوين سياسية امازيغية  مختلفة كثيرة ، ولداعي للخوض فيها في هذا المقال .  لذلك اقترح برنامجا استعجاليا للنهوض بالوعي الامازيغي يجمع بين السياسي والثقافي والتربوي :
1-الضغط على الدولة المغربية لتعميم تدريس الامازيغية وفي جميع الاسلاك التعليمية ، لان تعميم تدريس الامازيغيةو ربطها بالتشغيل والمستقبل المهني للمغاربة سيجعلهم  ولو بشكل برغماتي في البداية يقبلون على الامازيغية تعلما وكتابة وتواصلا  وهذا سيغير في غضون سنوات قليلة المشهد الثقافي ببلادنا.
2-العمل على نشر كتابات تاريخية مبسطة للاجيال المقبلة مبنية على الحقائق التاريخية لبلادنا ، لان قراءة التاريخ ومعرفة بعض تفاصيله  بوابة اساسية للاعتزاز بالذات وتحرير العقل الجمعي من الصور الذهنية الخاطئة عن الامازيغ  ومن شان ذلك محو اثار التعريب التي طمست هويتنا وثقافتنا .
3-التمسك بالبورجوازية الامازيغية كحليف اساسي لنشر الامازيغية والتمسك بها عبر تشجيع الفن الامازيغي والثقافة الامازيغية بشكل عام . الدعوة اليوم الى اقصاء رجال الاعمال الامازيغ من الصراع الثقافي بداعي فسادهم او تقاعسهم اوو.... يعني تدعيم جبهة المعارضين للثقافة الامازيغية بشكل مجاني ومباشر ،  بعض الراسماليين الامازيغ جبناء، هذا صحيح الى حد كبير  ولكن الاستثمار في اولادهم   اعلاميا وتعليميا سيجبرهم على الانخراط في جهود تطوير الثقافة الامازيغية ، خصوصا اذاما اقنعنا المؤسسة الملكية والغرب بمشروعية مطالبنا الثقافية والسياسية لان هذان العنصرين هما مرجعية البورجوازية المغربية حاليا. .
4-هذه القضايا العملية لن تتحق اليوم الا بنسج تحالف قوي مبني على الثقة وعلى معادلة رابح رابح  بين الفاعل الرئيسي في الحقل السياسي المغربي اقصد المؤسسة الملكية والتنظيمات السياسية الامازيغية . الملكية اليوم محتاجة الى تحالف الحداثيين والديموقراطيين في مواجهة الرجعيين والنكوصيين المهددين لشرعيتها ولموجبات  وجودها ، فالصراع بين الاسلاميين والملكية اليوم بالمغرب صراع وجود لا صراع صلاحيات  ، والامازيغ في حاجة الى ملكية حداثية تقود المغرب اتجاه الحضارة الانسانية ولا ترجع بنا عقودا الى الزمن الغابر ، من يقنع من ؟ وكيف يقنع الامازيغ الملكية  ، موضوع يحتاج الى تفصيل والى ضمانات من الجانبين ؟ المهم في نظري المتواضع الامازيغ اليوم ، في حاجة الى من يأخذ بيدهم ومن سينتشلهم من الانتظارية والموت البطيئ ، اذا كان الاسلاميون امامنا والملكية وراءنا ما لنا سوى ان نختار الاصلح لنا ولقضيتنا ،واظن ان الملكية بالمغرب افضل لنا من الرهان على تيارات اسلامية ، تبني مجدها على الحفاظ على الاساطير المؤسسة لدولتنا "العربية الجديدة"  ولعقلنا السياسي المتحجر.  
5- العمل من اجل اقناع الغرب ونخبه المؤثرة بثقافتنا وحضارتنا ومشروعنا الحضاري المنسجم مع الحضارة الانسانية ، وبطبيعة الحال اقناع الغرب لا يتم بالاخلاق فقط بل بلغة المصالح واستعمال اللغات الاجنبية والاستثمار فيها  وفي التكنولوجيات التواصلية الجديدة  ، جاليتنا ونخبنا الامازيغية المتنورة مطلوب منها ،تطوير علاقتنا بشركائنا من السياسيين والحقوقيين والمفكرين الغربيين على وجه الخصوص ، لان نضج عملنا داخليا بتحالف رصين مع المؤسسة الملكية والحداثيين المغاربة واقناع الغرب خارجيا سيمكن ثقافتنا ولغتنا وتاريخنا من البزوغ بشكل جديد في عالم  يبحث عن اصطفافات جديدة على اساس حوار  الثقافات والهويات بعدما فشلت التكتلات السياسية المبنية على المصالح الاقتصادية الضيقة وادى منطقها  الى حروب ثقافية وعسكرية ، تخفي  في عمقها اشكالات ثقافية ودينية مولدة للانفجارات والحروب بين الامم  .
6- تجديد الخطاب الامازيغي وبلورة خطاب امازيغي جديد يبني علىتجميع الامازيغ  وفق مقاربة الحد الادنى ولا يبحث عن نقاط الخلاف الكثيرة ، فالخطاب الامازيغي اليوم يحتاج الى نخب متنورة تفهم  ان الصراع لا يحسم بين ليلة وضحاها وان ثمة تحالفات تكتيكية واخرى استراتيجية ، هناك تناقض ثانوي واخر رئيسي باللغة الماوية وهناك تفاوت التطور بين الفاعليين الامازيغ بلغة الماركسي مهدي عامل ، الامازيغ اليوم بحاجة الى الوحدة الثقافية وتغليب المشترك وتاجيل المختلف عليه ، الاستقطابات داخل التيار الامازيغي اليوم معطلة لمطالب الامازيغ ، الامازيغية بحاجة الى امازيغي المخزن وامازيغي الثورة على حد سواء، كل سيؤدي وظيفته بتكامل مع الأخر ، المتربصون بالامازيغية اليوم يراهنون على التشتت اللهجي الامازيغي وعلى الاختلافات المناطقية والنزوعات الانقسامية ، لذلك الخطاب العلمي الامازيغي المبني على التاريخ والانثربولوجيا واللسانيات والعلوم الانسانية يجب توصيله لعموم الناس بالحوار ثم الحوار فالاقناع . الخطاب الامازيغي لابد ان يفكك اساطيره المؤسسة ويبني مجدا حقيقيا لا بد ان يبتعد عن الشعارتية ويبدأ العمل المتدرج باستغلال المتاح والسعي لربح المساحات والمسافات وتثمين جميع المبادرات الامازيغية من اي كان في اتجاه التصنيف والترتيب ومرحلة القطائع الكبرى ، علينا ان نستفيذ من دروس خفوة اليسار وتهافت خطابه ، الجملة الثورية كما يقول لينين لا تبني  وطنا ثوريا ولا تحصن قضية عادلة من الذبول..

 انغير بوبكر

رئيس العصبة الامازيغية لحقوق الانسان
باحث في العلاقات الدولية
0661093037