”.. انك إن حاولت تأمل لغة الإشارات والرموز في حياتك، فلا بد من أن تنبهر بسبب اعتمادنا الكبير عليها، بدائل للغة أو تيسيرا للاتصال، ابتداء من إشارات المرور التي تملأ الشوارع العامة، وليس انتهاءً بعلامات وتعابير وجوه الناس الذين نتعامل يوميا معهم، على نحو رتيب: فإذا ما شئت احتساء قدح من الشاي، لا تحتاج لسوى محاكاة عملية تحريك الملعقة في القدح، بمعنى هل لديكم شاي جاهز؟”
بقيت أراقبه من بعيد، ولكن بدقة، إذ توقف في الشارع تحت شباك شقتها، ثم أطلق صافرة من فمه. ما هي إلا ثوان حتى أطلت هي من الشباك فرحة بمقدمه، وردا على إشارته. لم يكتفِ هو بذلك، فخشية ملاحظة المارة اتصاله بها، عمد هو اعتماد الى لغة الإشارات والعلامات: رفع مفرقه الأيمن عاليا بعض الشيء، وأمسك بكفه الأيسر بالمرفق. أجابت هي بهزة رأس كناية عن “نعم، استمر”، وإذ حرك هو كفه الأيسر من مفرقه الأيمن، أطلق أصابع كفه الأيمن باشارة الرقم 5. أجابت هي من أعاليها بحركة رأس كناية عن الموافقة، مؤشرة بحركة Bye Bye.
حاولت أن أفك شفرة ما جرى بين الشاب أعلاه وعشيقته، فسألت أحد سكان تلك المدينة، إذ فسر ما جرى، كما يلي: عندما أمسك الشاب بكفه الأيسر مفرق ذراعه الأيسر، فهمت البنت منه مكان موعدهما، أي بعد مفرق الشارع، وعندما أشر هو بأصابعه الخمسة مفتوحة، أدركت هي بأنه قد حدد وقت الموعد الساعة وهو الخامسة مساء! وإذ أدهشني هذا التفسير الطريف لأسلوب تحديد موعد غرامي بين شاب وشابة، فإني ما لبثت وأن تساءلت في دخيلتي: أليست هذه لغة؟ فإذا كانت اللغة هي وسيلة اتصال وتواصل بين البشر، فإن لغة العلامات والإشارات التي وظفها العاشقان أعلاه إنما هي لغة حقه، لأنها، وببساطة حققت المرجو من اللغة، وهو الاتصال Communication، ولو بالعلامات والإشارات من بعيد. وإذا كانت هذه الحادثة الطريفة قد فتحت عيني على أهمية ودور الإشارات، أدوات تواصل في حياتنا، فإنها ذكرتني بأساليب اتصال اعتمدتها اقوام بدائية منذ أقدم العصور، كما كان يفعل “الهنود الحمر” من سكان أميركا الأصليين على سبيل الاتصال عبر مسافات طويلة تبلغ الأميال، قبل عصر الكهرباء والراديو والهواتف. اعتمد هؤلاء الدخان المتصاعد نحو السماء من نار كانت قد أطفئت من أجل دخانها المتصاعد عموديا، إذ يعمد الهندي الأحمر إلى تغطية بقايا النار بقطعة قماش سميكة كي يفتحها ويغطيها من آن لآخر، حتى يراها قومه ترتفع من بعيد، ثم ليفهموا معنى حلقات الدخان المتصاعد صوب الغيوم، إذ قد تكون تحذيرا من عدو يهاجم ديارهم، أو من عواصف رعدية قادمة، وهكذا.
وقد عرفت قبيلة بدائية في مجاهل إفريقيا اعتمدت على الطبول للاتصال بين أفرادها عبر أبعاد طويلة، إذ يُسمع قرع الطبول، ثم يجري تفسيره من قبل أفراد القبيلة، حسب النغمة، من أجل فك رموز التطبيل.
والحق، فإنك إن حاولت تأمل لغة الإشارات والرموز في حياتك، فلا بد من أن تنبهر بسبب اعتمادنا الكبير عليها، بدائل للغة أو تيسيرا للاتصال، ابتداء من إشارات المرور التي تملأ الشوارع العامة، وليس انتهاءً بعلامات وتعابير وجوه الناس الذين نتعامل يوميا معهم، على نحو رتيب: فإذا ما شئت احتساء قدح من الشاي، لا تحتاج لسوى محاكاة عملية تحريك الملعقة في القدح، بمعنى هل لديكم شاي جاهز؟ وتنطبق ذات الحال عليك عندما تستخدم إشارة الطعام، بطبيعة الحال، زد على ذلك إشارة تأشير أو لمس الرسغ، بمعنى ما هو الوقت، وهكذا. حاول أن تستذكر العلامات والإشارات اليومية التي تستعملها أو يستعملها الآخرون لنقل معنى محدد، ولكن دون الحاجة لاستخدام اللغة والصوتيات، مثل إشارة “أريد أن أنام”، أو أريد أن أغتسل، وهكذا كثير.
حاولت أن أفك شفرة ما جرى بين الشاب أعلاه وعشيقته، فسألت أحد سكان تلك المدينة، إذ فسر ما جرى، كما يلي: عندما أمسك الشاب بكفه الأيسر مفرق ذراعه الأيسر، فهمت البنت منه مكان موعدهما، أي بعد مفرق الشارع، وعندما أشر هو بأصابعه الخمسة مفتوحة، أدركت هي بأنه قد حدد وقت الموعد الساعة وهو الخامسة مساء! وإذ أدهشني هذا التفسير الطريف لأسلوب تحديد موعد غرامي بين شاب وشابة، فإني ما لبثت وأن تساءلت في دخيلتي: أليست هذه لغة؟ فإذا كانت اللغة هي وسيلة اتصال وتواصل بين البشر، فإن لغة العلامات والإشارات التي وظفها العاشقان أعلاه إنما هي لغة حقه، لأنها، وببساطة حققت المرجو من اللغة، وهو الاتصال Communication، ولو بالعلامات والإشارات من بعيد. وإذا كانت هذه الحادثة الطريفة قد فتحت عيني على أهمية ودور الإشارات، أدوات تواصل في حياتنا، فإنها ذكرتني بأساليب اتصال اعتمدتها اقوام بدائية منذ أقدم العصور، كما كان يفعل “الهنود الحمر” من سكان أميركا الأصليين على سبيل الاتصال عبر مسافات طويلة تبلغ الأميال، قبل عصر الكهرباء والراديو والهواتف. اعتمد هؤلاء الدخان المتصاعد نحو السماء من نار كانت قد أطفئت من أجل دخانها المتصاعد عموديا، إذ يعمد الهندي الأحمر إلى تغطية بقايا النار بقطعة قماش سميكة كي يفتحها ويغطيها من آن لآخر، حتى يراها قومه ترتفع من بعيد، ثم ليفهموا معنى حلقات الدخان المتصاعد صوب الغيوم، إذ قد تكون تحذيرا من عدو يهاجم ديارهم، أو من عواصف رعدية قادمة، وهكذا.
وقد عرفت قبيلة بدائية في مجاهل إفريقيا اعتمدت على الطبول للاتصال بين أفرادها عبر أبعاد طويلة، إذ يُسمع قرع الطبول، ثم يجري تفسيره من قبل أفراد القبيلة، حسب النغمة، من أجل فك رموز التطبيل.
والحق، فإنك إن حاولت تأمل لغة الإشارات والرموز في حياتك، فلا بد من أن تنبهر بسبب اعتمادنا الكبير عليها، بدائل للغة أو تيسيرا للاتصال، ابتداء من إشارات المرور التي تملأ الشوارع العامة، وليس انتهاءً بعلامات وتعابير وجوه الناس الذين نتعامل يوميا معهم، على نحو رتيب: فإذا ما شئت احتساء قدح من الشاي، لا تحتاج لسوى محاكاة عملية تحريك الملعقة في القدح، بمعنى هل لديكم شاي جاهز؟ وتنطبق ذات الحال عليك عندما تستخدم إشارة الطعام، بطبيعة الحال، زد على ذلك إشارة تأشير أو لمس الرسغ، بمعنى ما هو الوقت، وهكذا. حاول أن تستذكر العلامات والإشارات اليومية التي تستعملها أو يستعملها الآخرون لنقل معنى محدد، ولكن دون الحاجة لاستخدام اللغة والصوتيات، مثل إشارة “أريد أن أنام”، أو أريد أن أغتسل، وهكذا كثير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق