الجمعة، 26 فبراير 2021

العراب براندو - بقلم : مهند النابلسي/كاتب وناقد وباحث سينمائي

 







*بعد مضي حوالي نصف قرن على اطلاقها: تحفة "العراب" تكشف خفاياها ثانية وتعيد تجسيد سحرها الكلاسيكي الفريد:

 *"قدم له عرضا لن يرفضه" مقولة العراب الشهيرة!

*خمسة أخطاء كبيرة لم يلتفت اليها احد في تحفة "العراب" السينمائية/1972...

* وسبعة حقائق جعلت الفيلم واقعيا شيقا ونموذجا للتلقائية والارتجال الداعم للسيناريو...

*القصة كاملة باختصار:

*تبدأ القصة في حفل زفاف كوني كورليوني في مدينة نيويورك عام 1945، كوني كورليوني هي ابنة فيتو كورليوني، سوف تتزوج من كارلو ريتسي. يبدأ المشهد الإفتتاحي بتعريف شخصيات العائلة. يستمع دون عائلة كورليوني "فيتو" إلى طلبات العائلة والآخرين. مايكل كورليوني هو ابنه الأصغر، كان أحد أفراد المشاة البحرية خلال الحرب العالمية الثانية، يقدم مايكل إلى عائلته في حفل الاستقبال صديقته كاي آدامز. جوني فونتان، مغني مشهور ، يطلب مساعدة فيتو في الحصول على دور في الفيلم؛ يرسل فيتو مستشاره توم هاغن إلى لوس أنجلوس لإقناع رئيس الاستوديو جاك وولتز بإعطاء جوني الدور. يرفض وولتز الأمر، حتى يستيقظ في الفراش فيجد رأس حصان مقطوع بجانبه على السرير (تحقيقا لمقولة العراب الشهيرة: قدم له عرضا لن يرفضه!).

*قبل فترة وجيزة من عيد الميلاد، يطلب تاجر المخدرات سولوزو من فيتو الاستثمار في أعماله الخاصة بالمخدرات وحمايته من خلال علاقاته السياسية، يخشى فيتو من التورط في تجارة جديدة خطيرة تهدد بتنفير نفوذه السياسي وهيبته ونفوذه الممتد. ثم يرسل فيتو منفذه لوكا براسي للتجسس عليهم. يُقتَل لوكا براسي في أول لقاء له مع برونو تاتاليا وسولوزو من خلال كسر عنقه (وقد كان مجرد ارساله لهناك وحيدا خطأ كبير وقع فيه العراب لسؤ التقدير). وفي وقت لاحق، يقوم سولوزو باختطاف المستشار هاجين وقتل فيتو في الشارع بخمس رصاصات. ومع اكتشاف  "التركي/سولوزو" أثناء المقابلة مع الدون لميل "سوني"/الابن الأكبر/  لمناقشة وتقبل العرض للمشاركة في الصفقة الجديدة، يضغط سولوزو على هاجين لإقناع سوني بقبول صفقة سولوزو، ثم يطلق سراحه. تتلقى الأسرة سمكًا ملفوفًا في سترة واقية من الرصاص، مما يشير إلى أن لوكا "ينام مع الأسماك". ثم نجا فيتو باعجوبة، وأحبط مايكل في المستشفى محاولة قتل أخرى لوالده. كسر فك مايكل من قبل نقيب فاسد متواطىء في شرطة نيويورك. سوني ينتقم بضربة على ابن تاتاجليا. يخطط مايكل لقتل سولوزو ومكلوسكي معا؛ متظاهرًا برغبة في تسوية الخلاف، مكلوسكي، هو الحارس الشخصي لسولوزو، يلتقى بهم مايكل في مطعم في ذا برونكس، حيث قُتِل كلا الرجلين بعد أن استعاد مسدسًا أخفاه بيتر كليمينزا خلف سيفون المرحاض

*على الرغم من القمع من قبل السلطات، اندلعت الحرب بين العائلات الخمس وزادت مخاوف فيتو على عائلته. فيهرب مايكل إلى صقلية ويتم حماية فريدو من قبل مو جرين في لاس فيغاس. يهاجم سوني كارلو في الشارع لسوء معاملته مع كوني ويهدد بقتله إذا تكرر ذلك. عندما يحدث ذلك مرة اخرى بقصد، يسرع سوني إلى منزلهم لضربه ولكن يتم نصبه في كمين في كشك على الطريق السريع ويُقتَل بعنف من قبل رجال العصابات الذين يستخدمون الرشاشات. أثناء وجود مايكل في صقلية، يلتقي مايكل بأبولونيا ويتزوجها، لكن انفجار سيارة مفخخة كان يقصده يودي بحياتها.

*وقد دمره موت ابنه سوني وأدرك أن تاتاجليا تحت سيطرة بارزيني، وهو الدون المهيمن الآن، يحاول فيتو إنهاء الخلاف باسلوب دبلوماسي مهادن. حيث أكد للعائلات الخمس أنه سيسحب معارضته لأعمال الهيروين الخاصة بهم ويتخلى عن الثأر عن قتل سوني. حتى يضمن سلامة ابنه الأصغر مايكل الذي يعود إلى المنزل لدخول أعمال العائلة والزواج من كاي، وقد وعدها بأن العمل سيكون مشروعًا في غضون خمس سنوات. أنجبت كاي طفلين بحلول أوائل الخمسينيات من القرن الماضي. مع اقتراب والده من نهاية حياته ولكون فريدو الابن الوسط ضعيفًا جدًا وغير مهتم بشؤون العائلة (ونسونجي ضعيف الشخصية)، يتولى مايكل قيادة الأسرة بطبيعة الحال. ثم يصر هاجن على الانتقال إلى لاس فيجاس والتخلي عن دوره كمستشار ومحامي لـ فيتو؛ فيوافق فيتو على أنه لا ينبغي أن يكون لهاغن "دور فيما سيحدث" في المشاكل القادمة مع العائلات المتنافسة. عندما يسافر مايكل إلى لاس فيجاس لشراء حصة جرين في كازينوهات العائلة، فإنه يشعر بالفزع عندما يرى أن فريدو أكثر ولاءً لـ جرين منه، وحيث يصر جرين على الاحتفاظ بملكية الكازينوهات وعدم بيعها لعائلة كوروليوني متحديا مايكل بجراة،...من هنا فقد فكر مايكل جديا بتصفيته لاحقا مع زعماء العصابات أثناء حفل التعميد في آخر الشريط، مما جعله مجرما جامحا لا يرحم ويميل للانتقام والاستقواء!

*في عام 1955، أُصيب فيتو بنوبة قلبية قاتلة. في الجنازة، طلب تيسيو من مايكل أن يجتمع مع بارزيني، مما يشير إلى الخيانة التي حذرها فيتو مسبقًا. تم تحديد الاجتماع في نفس يوم معمودية طفل كوني. بينما يقف مايكل عند المذبح باعتباره عراب الطفل، يقتل رجال كورليوني القتلة الآخرين من زعماء العصابات المنافسين وأعوانهم بضراوة وجراة سافرة هكذا  في مدينة نيويورك وصولا الى تصفية جرين في لاس فيجاس، خيانة تيسيو تؤدي إلى إعدامه، ثم استخرج مايكل اعتراف كارلو بتواطؤه في تدبير جريمة قتل سوني لصالح بارزيني؛ كليمينزا يكسر عنق كارلو حتى الموت داخل سيارة. تتهم كوني مايكل بالقتل، وتخبر كاي بأن مايكل أمر بتنفيذ جميع عمليات القتل المتوازية والمتتابعة. تشعر كاي بالارتياح/ربما تظاهرا/ عندما ينكر مايكل ذلك، لكنها تراقب وصول باقي أقطاب العصابة لتوقير زوجها "مايكل" مثل دون كورليوني كزعيم جديد للعصابة ويغلقون الباب عليها.

نتيجة بحث الصور عن فيلم العراب

*خمسة أخطاء "كبيرة" في العراب لم يتنبه لها احد!

*يرسل فيتو مساعده الجسور "لوكا براسي" للتجسس عليهم. يُقتَل لوكا براسي في أول لقاء له مع برونو تاتاليا وسولوزو من خلال كسر عنقه: فكيف يرسل كبير معاونيه الجسور الفريد لوحده هكذا الى لقاء هذه العصابة الاجرامية في عقر دارهم وهو يعرف مدى اجرامهم وبدون خطة واضحة لحمايته؟...حيث تم كسر عنقه وخنقه بضراوة وفجأة قبل ان يبادر حتى بالتفاوض معهم ..ثم أرسلوا  للعائلة "سمكا ملفوفا" كاشارة مافيوزية "عتيقة" معهودة وكدليل للتخويف!

** جوني فونتان، مغني مشهور (وقد سبق وساعده فيتو في بداية حياته المهنية) ، يطلب الآن مساعدة فيتو في الحصول على دور محوري في الفيلم الهوليودي القادم؛  فيرسل فيتو مستشاره توم هاغن بالطائرة إلى "لوس أنجلوس" لإقناع رئيس الاستوديو جاك وولتز بإعطاء جوني الدور. يرفض وولتز الأمر باصرار موضحا الأسباب المنطقية لرفضه، حتى يستيقظ فجأة في الفراش فيجد رأس حصان مقطوع بجانبه على السرير: ونشاهد قبل ذلك كيف يرفض وولتز باصرار اعطاء الدور لجوني فونتان، فيستاء هاجن المستشار فورا ويغادر لاخبار الدون فيتو، فكيف يتمكن هاجن ورجاله اللذين لم نراهم  ابدا من الاقدام بضراوة على قطع رأس الحصان الأسود الجميل المحبوب... ووضعه داخل فراش وولتز هكذا ببساطة "دون حس او خبر" داخل غرفة الأخير في قصره "المحروس جيدا" دون تقديم اية مؤشرات عملية وخطة سرية مقنعة؟!

*** يلتقى بهم مايكل في مطعم في ذا برونكس/ في مشهد سينمائي شيق ويعد مدرسة متكاملة/، حيث قُتِل كلا الرجلين بعد أن استعاد مسدسًا أخفاه بيتر كليمينزا داخل الحمام هناك: فكيف يقوم مفتتش الشرطة الفاسد (النبيه) بتفتيش مايكل مرتين احداهما داخل السيارة المتوجهة للمطعم والثانية قبيل ذهابه للحمام /حتى أن الضابط استغرب من قيامه بهذا العمل ثانية بلا معنى/ ، ولا يخطر بباله ان يفتشه مرة ثالثة بعد ذهابه للحمام لجلب المسدي المندس هناك...ثم أنه بعد ان رجع من الحمام نظر اليهما نظرة "شريرة مشبوهة" قبل ان ينضم للجلوس بهدؤ وترقب ويقوم عاجلا باطلاق النار عليهما؟!

**** نجا فيتو، وأحبط مايكل في المستشفى محاولة قتل أخرى لوالده: فطريقة تخويف رجال "تاتاليا وسولوزو" المتربصين للدون لقتله ... واللذين قدموا لمدخل المستشفى للاجهار عليه مرة نهائية، لم تكن مقنعة ابدا مع وجود "مايكل والخباز الزائر الخائف المرتجف" عند المدخل، وقد حاولا هكذا ببساطة ايهام هؤلاء القتلة المتمرسين/الجسورين القادمين بسياراتهم بأنهم سيواجهون مقاومة ضارية قبل التمكن من دخول المستشفى!

***** تتهم كوني (شقيقتة) مايكل بالقتل، وتخبر كاي أن مايكل أمر بتنفيذ جميع عمليات القتل بما فيها قتل زوجها الخائن. ثم تشعر كاي بالارتياح فورا عندما ينكر مايكل ذلك (وكأنها تكابر وتخدع نفسها)، لكنها تراقب وصول باقي افراد العصابة لتوقير زوجها مثل "دون كورليوني" ويغلقون الباب عليها: لكن لا تبدو كاي ساذجة ابدا  لكي تصدق ادعاء مايكل ببرائته من كافة عمليات الاغتيال المتتابعة التي امر بها (وقد وصل به الأمر لقتل شقيقه الأوسط المتبقي بحجة خيانة العائلة والقاء جثته في البحيرة وهذا ما كنا سنشاهده في الجزء الثالث من الفيلم وحتى والده ربما كان سيرفض الاقدام على ذلك!)، علما بأن كوني ومنذ البداية كانت قد اطلعت بما فيه الكفاية على المسار الاجرامي للعائلة وصولا لتغول دور زوجها مايكل، فكيف تشعر بالارتياح بعد انكار زوجها الكاذب الظاهري؟!

*ملخص نقدي:

*يقول كوبولا في مقابلة لاحقة: "كنت كأنني العراب، كنت أطرد كل من كان يعمل ضدي". وقد كان بطل الفيلم مارلون براندو قد هدد أيضا بترك الفيلم إذا تركه كوبولا!

*تلقى فيلم العراب إشادة من النقاد ويعتبر أحد أعظم الأفلام وأكثرها تأثيرًا على الإطلاق، لا سيما في نوع العصابات. فعلى مجمّع المراجعة لروتن توميتوز، حصل الفيلم على نسبة موافقة بلغت 98٪ بناءً على 100 مراجعة، بمتوسط تقييم 9.32 / 10. يقرأ إجماع نقاد الموقع أنه "أحد أعظم نجاحات هوليوود النقدية والتجارية، العراب حصد كل شيء بشكل صحيح؛ لم يتجاوز الفيلم التوقعات فحسب، بل وضع معايير جديدة للسينما الأمريكية. منح ميتاكريتيك، والذي يستخدم المتوسط المرجح، الفيلم درجة 100 من 100 بناءً على 15 ناقدًا، مما يشير إلى "الإشادة العالمية".

*أشاد روجر إيبرت من شيكاغو سن تايمز بجهود كوبولا لمتابعة قصة الرواية التي تحمل نفس الاسم، واختيار انتاج الفيلم في نفس وقت الرواية تقريبا، كما نوه بقدرة الفيلم على "استيعاب" المشاهد (بلا ملل) خلال فترة عرضه التي تبلغ ثلاث ساعات/ للمفارقة فتحفة الايرلندي/2019 لسكورسيزي تستغرق ايضا حوالي الثلاث ساعات وتعج بالمواقف والانعطافات الاجرامية اللافتة/ ... بينما كان إيبرت إيجابيًا بشكل أساسي، فقد انتقد أداء براندو (ولم يكن محقا في اعتقادي)، قائلاً إن حركاته تفتقر إلى "الدقة" وكان صوته "صاخبًا متذبذبا" (بل أنه كان كاريزميا ودقيقا بمنهجية الأداء الفريدة التي أصبحت فيما بعد نموذجا سينمائيا استعراضيا لشخصية زعيم المافيا)... وقد  أعطى جين سيسكل من صحيفة شيكاغو تريبيون الفيلم أربعة من أصل أربعة نجوم، وعلق قائلاً إنه "جيد جدًا". ويعتقد أندرو ساريس من ذا فيليج فويس أن براندو أدى شخصية فيتو كورليوني جيدًا وأن شخصيته سيطرت على كل مشهد ظهر فيه (حتى وهو كان جريحا طريح الفراش)، لكنه شعر أن بوزو وكوبولا ركزا بشكل كبير على شخصية "مايكل كورليوني" من ناحية الانتقام خصوصا وطريقة تغير شخصيته من "جامعي رصين منعزل الى زعيم مافيوزي طاغية وقاسي وربما حتى سادي"، بالإضافة إلى ذلك، صرح ساريس أن "ريتشارد كاستيلانو وروبرت دوفال وجيمس كان" كانوا جيدين في أدوارهم وربما تفوقوا بلا استثناء بطريقة تقمصهم المدهشة . وكذلك باعتقادي كافة شخصيات الفيلم فقد ابدعت وقدمت افضل ما عندها  بتكامل وببراعة فائقة ودون تبجح!

*وصف مختصر في أربع فقرات دالة:

*الأب الروحي يفيض بالحياة ، غني بكل المشاعر العظيمة والعصائر الحيوية للوجود ، بما في ذلك الدم والحب الرومانسي و(الجنسي الخفي أيضا) ثم الحنين للعائلة والاخلاص والخيانة ورد الجميل، ...كما قد أطلق نماذج جديدة شيقة للقتل والاغتيال!

* تفكيك قاتم وجميل للحلم الأمريكي/الاسطوري بكل قبحه وفساده ، موجه برؤية ومستوى ونعمة لا يضاهىها الا قلة معدودة من قبل أو منذ ذلك الحين...في السينما الأمريكية...وصولا لتحفة سكورسيزي "الايرلندي"/2019 التي لم تضاهيه "عظمة وتأثيرا وانطباعا واخراجا" بالرغم من واقعيتها الصادمة المخيفة والاسطورية، وتماثل أساليب القتل والعنف والعلاقات والتي ركزت أكثر على التداعيات والبعد السياسي والنقابي، والغريب أن الايرلندي تفنن باظهار حالات القتل الشارعي غيلة وغدرا وبسرعة فائقة .

* بلا شك ، أحد أفضل الأفلام في كل العصور منذ بداية السينما. بقدر ما يذهب هذا النوع الدرامي للجريمة / العصابات ، فإنه يبدأ وينتهي بهذه التحفة الفنية الجميلة الممتعة "الجذابة" التي من الصعب تكرارها... ولا يمكن نسيان نغمتها الموسيقية المحفورة في ذاكرة كل من شاهد الشريط بشغف على مر العقود الخمسة المنصرمة التي عجز الموسيقيون الاخرين عن تقليدها!

* سواء من مشهد الزفاف الافتتاحي النجومي الاحتفالي المتكامل إلى الخاتمة الحلوة والمرة المتوقعة ، يعتبر The Godfather فيلمًا رائدًا (في تاريخ السينما) ومصنوعًا ببراعة/انسيابية قل مثيلها ويتعامل مع موضوعات القوة والنفوذ والاجرام بمنهجية "غير مسبوقة" وبطريقة تلقائية غير مفتعلة!

*وسبعة حقائق جعلت الفيلم واقعيا شيقا ونموذجا للتلقائية والارتجال المدروس الداعم للسيناريو:

*عشاء الأسرة ساعد الجميع في الحصول على الشخصية المطلوبة الدرامية:

حيث عقد كوبولا جلسات بروفة ارتجالية تألفت ببساطة من الممثلين الرئيسيين الذين يجلسون بتلقائية وقد تقمصوا شخصيات الفيلم لتناول وجبة عائلية. لم يتمكن الممثلون من كسر نمط الشخصية التي تقمصوها ، والذي رأى كوبولا أنها وسيلة للممثلين لتأسيس الأدوار العائلية التي شوهدت في الفيلم النهائي.

*كوبولا ترك حفل الزفاف ينطلق وأطلق النار عليه "بأسلوب غوريلا" المعهود (سينمائيا).

لإضافة إحساس بالواقع إلى مشهد الزفاف (ولأنه لم يكن أمامه سوى يومين لتصويره) ، قام كوبولا بجعل فريق التمثيل يؤدي الأدوار بحرية وارتجال في الخلفية. ثم قام بتصوير مقتطفات محددة من بين الأحداث...للسيطرة على فحوى السيناريو وتفاصيل المشاهد. وبدت مشاهد الرقص والغناء في غاية الجمال والانسجام والايقاع الطلياني التراثي الجذاب.

*استغل كوبولا بعض الأخطاء:.

كان "ليني مونتانا"، الذي لعب دور (القاتل المافيوزي الجامح) لوكا براسي (والذي قتل في بداية الشريط) ، مصارعًا محترفًا قبل أن يصبح ممثلاً. لقد كان متوترًا جدًا أثناء توصيل نص الولاء لأسطورة مثل براندو أثناء المشهد في حضورالأب الروحي لدرجة أنه لم يقدم أي لقطة جيدة أثناء التصوير ليوم كامل. لأنه لم يكن لديه الوقت لإعادة تصوير المشهد ، أضاف كوبولا مشهدًا جديدًا للوكا براسي وهو يتدرب (مرتعبا) على سطوره قبل رؤية الأب الروحي ليجعل مشاهد مونتانا السيئة تبدو وكأن براسي كان متوترا ببساطة للتحدث إلى الأب الروحي (نظرا لهيبته الطاغية)!

*كانت قطة العراب ضالة:.

خلال جولاته اليومية إلى المجموعة ، غالبًا ما كان كوبولا يرى قطة ضالة ، وفي يوم تصوير المشهد الاستهلالي لفيتو، أخذ كوبولا القطة وأخبر براندو أن يرتجل معها. أحبت القطة براندو لدرجة أنها ظلت جالسًة في حضنه طوال اليوم!

*باتشينو كان  ممثلا واقعيا منغمسا بالدور والموقف:

فلقد تم بالفعل إغلاق فكه بالأسلاك في الجزء الأول من التصوير بعد أن تعرضت شخصيته ووجهه الى لكمات قوية في الوجه من قبل مفتش الشرطة المرتشي الفاسد...ويقال أن مشهد الاغتيال الشهير في المطعم صور استباقا لاقناع لجنة الانتاج لقبول باتشينو للدور !

*كان رأس الحصان الأسود المقطوع حقيقيًا:

لم يكن رأس الحصان الذي وضع في سرير منتج الفيلم خدعة. فقد حصل الإنتاج على رأس حصان حقيقي من شركة طعام كلاب محلية.

كان من المفترض في الأصل أن يكون هناك استراحة:*

كان الفيلم الذي تبلغ مدته 175 دقيقة طويل وفقًا لمعايير هوليوود ، وكان سيتم تضمين فترة استراحة بعد مشهد إطلاق النار في المطعم ضد Solozzo / McCluskey - ولكن تم إلغاء الفكرة لأن صانعي الفيلم اعتقدوا أنها ستفسد الزخم وتخرج الجمهور من الفيلم.

*وهناك حقيقة ثامنة لم أذكرها تتعلق بمحورية مشاهد "الاستهلال والنهاية" الدالة على براعة السيناريو المتكامل والمعبر عن الفحوى.

*أخير فخلاصة رأي الناقد كاتب المقالة هو: أنه فيلم مذهل/اسطوري. وفي كل مرة جديدة أراه يتحسن ويجذبك أكثر للمشاهدة والتمعن. سواء من اتجاهه الخالي من العيوب السينمائية السردية ، إلى درجاته  الشيقة الاستثنائية الاخاذة ، وصولا إلى نصه (القريب) الذي لا تشوبه شائبة والذي يحفل بالدراما العميقة "المصائرية" ذات البعد الانساني العاطفي "الرقيق والعنيف" في آن واحد والتي يصعب تقليدها مرة ثانية ، لا يساورني شك في أن فيلم "العراب" هو أحد أفضل الأفلام على الإطلاق.

*لكن في الخلاصة فانه بالرغم من عظمة هذا الفيلم المتكاملة الا أن مخرجه وكاتب السيناريو قد ارتكبا خمسة أخطاء كبيرة لافتة (كما ورد أعلاه وربما بقصد) لم ينتبه لوجودها أحد من الكتاب والنقاد العالميين/ حيث تسجل لي براعة كشف هذه الأخطاء كناقد عربي متعمق وفريد وقوي الملاحظة/ راجيا المحافظة على الملكية الفكرية والاشارة لها!

مهند النابلسي/كاتب وناقد وباحث سينمائي/



 

كل الحلول بيد الزعيم - شعر بن يونس ماجن

"كل الحلول بيد الزعيم           

                                                                                            

من رحم الشوارع العربية البائسة

يخرج شعب مسربل بهزائم خانقة

الليل عندهم رتيب الخطوات

حتى الغراب يدخل في حداد كبير

ويرتدي أعلاما سوداء منكسة

 

شعب مل من الحروب الدونكشوطية

والصراعات الطائفية

وحفلات مصارعة الثيران

على مدرجات جامعة الدول العربية

 

شعب صار كرصاصة فارغة

مرمية في الشوارع الخلفية

في مواسم الزبالة السياسية

ومن فرط البلاغات العسكرية

والتهديدات النسفية

يدخل مرحلة الكوما المزمنة

ويندب حظه لكواكب المجموعة الشمسية

 

شعب يركض تحت شمس النهار

ثم يعتذر للظل عن  حصاره لفيئه

ويسأله الظل عن السر الكامن

 الذي جعل زعيمه المناضل

يحقق الانتصارات تلو الانتصارات

في جميع حروبه الوهمية

مع "اسرائيل"  العاتية

منذ "الجاهلية" حتى عصر الكورونا الوبائية

 

كل الحلول بيد الزعيم                    

حين يضع وراء اذنه قلم الليزر                

وقبل ان يجف الحبر البنفسجي                      

يتحول الشعب في حلقه         

الى  شوكة مستحيلة البلع

ما عاد يستطيع التواصل

الا وراء الميكروفونات البلاستيكية

وامام سخرية الملايين

 يتهجى في كتاب "الامير"

يقرأ ويمحص ويرتعش ويتطير فزعا

كأنه تناول التخدير بالابر الصينية

 

     

 

 

الأحد، 21 فبراير 2021

]صدر حديثا للشاعر بن يونس ماجن ديوان شعر باللغة الانجليزية

عن منشورات ألوان عربية في السويد صدر ديوان جديد باللغة الانكليزية للشاعر المغربي المقيم في لندن بن يونس ماجن، وهو عبارة عن قصيدة طويلة استحوذت على صفحات الكتاب البالغة 64 صفحة. وقد قدمت للكتاب الدكتورة باربرا كيللي من جامعة ويستمنستر- لندن، ومما كتبت: " هذا التأمل الشعري الممتد حول طبيعة المنفى والمعاناة مكرس لعائلة الشاعر في باريس ولندن ومكناس ووجده. إن استحضار صور تشتت المهاجرين في مختلف الأصقاع والمدن البعيدة يصنع أيضًا نقشًا مناسبًا لموضوعات العزلة والضياع والتذكر. هذه القصيدة هي أغنية المنفى المغربي، لكنها أيضًا أغنية كل المنفيين والمهاجرين، " أيتام '' العالم الذين تنفتح عليهم القصيدة من خلال الحنين إلى طفولة ووطن يسوده الشعر في تشكيل مشاعر ورغبة عارمة لفهم الذات والعالم، والبحث عن هوية بين اللغات والثقافات التي تتكرر هنا بقوة عاطفية. هذه الرغبات والأشواق هي أيضاً لنوع من المعرفة لا يخص المهاجر فحسب، بل لكل من عرف ألم التهجير والاقتلاع. في هذا التوحد، يسمع الكثيرون أغنية بن يونس ماجن كتجربة انسانية تُحكى للأخرين". والشاعر بن يونس يعتبر من أهم الشعراء المغتربين الذين يحسبون على الجهة الشرقية في المغرب الأقصى، بدأ النشر منذ أواخر ستينيات القرن الماضي وله العديد من الدواوين المطبوعة والقصائد المنشورة في العديد من الصحف والمجلات العربية بالإضافة على الشبكات الاليكترونية العربية والأجنبية.

أدب الطفل المحلي" الأديب سهيل عيساوي أنموذجًا" للأديبة ايمان مصاروة

ابهجني صباح اليوم خبر صدور دراستي وضمن سلسلة دراسات في الأدب الفلسطيني المعاصر " وجاءت الدراسة النقدية الموسومة ب " أدب الطفل المحلي" الأديب سهيل عيساوي أنموذجًا" والصادرة عن دار" سهيل عيساوي للطباعة والنشر. ومما جاء في الإهداء "إلى الطفولة " الطفولةُ في أعيُنِ الحالِمينَ تقولُ أحاديثَ مُعشبَةً بالزنابقِ لا تنسَ أن السنينَ التي انصرمتْ لا تَخونُ طفولَتَها للبدايةِ نَكْهَتُها الخالدهْ رشْفةُ الأمنياتِ من النبْعِ حتى الطريقِ الطويلِ تُحرِّكُ أشواقَنا الهامدهْ وجاء في المقدمة أيضًا وفي دراستي لهذا الصنف الإبداعي والأدبي وهي الدراسة الأولى لي في موضوع "أدب الأطفال" هذا الجنس الأدبي المتجدد والذي يحمل الكثير لوجدان وروح وعقل ونفس وحياة الطفل، قد تناولتُ الأعمال القصصية للكاتب والمربي سهيل عيساوي، والذي كتب نتاجا كبيرا يخص الطفل في مجتمعنا المحلي والعربي، وأضاف مادة غزيرة ومتنوعة في مجال القصة القصيرة المتخصصة، مما دفعني إلى الكتابة في "أدب الطفل" في محاولة مني الإسهام في خدمة الدراسات النقدية المختصة، والتي أكسبت طفل اليوم في زمن العولمة المفاهيم الصحيحة للعلوم الإنسانية والعلاقات الاجتماعية، والعادات والتقاليد، والدين، والتاريخ، والتراث، والالتزام بالقوانين، والانتماء إلى اللغة التي جعلت من الكتاب والفكرة، مادة هامة لضبط نظرته للحياة بشكلها الفضفاض، وفي هذا العنوان " أدب الطفل المحلي"، الكاتب سهيل عيساوي أنموذجًا " بحثت وقدمت للقراء والمهتمين، " دراسةً وصفيةً تحليليةً فنيةً وتربويةً "، مع العلم أنني اتبعت الدراسة التطبيقية، وتناولتُ ما كتبه الكاتب عيساوي، من قصص عن الطفل وخصائصه وتعليمه وتربيته وعن واقع الطفل الذي يعيشه الآن، ولم أقم باستباق وقائع الدراسة، التي سارت على خطة البحث وعناصره بهدف الوصول إلى استنتاجات يتم توضيحها مع التوصيات في خلاصة البحث ونتائجه. ومن وقائع قصصهِ . وجاء في النهايةِ، تقديم الكاتب سهيل عيساوي الإجابات حول تساؤلاتنا عن "أدب الطفل المحلي" في الوسط العربي وفنونه في مجال القصة القصيرة للطفل، واسهامه في رؤيا وحياة جيدة للطفل، بحسب المعايير والتقنيات التي تناولناها في شرح وتفصيل أهم ما ميزه ليكون "أنموذجًا " لهذه الدراسة؟ خاصة أن أدبه قد حمل رسالة للمسؤولين من أجل زديادة الاهتمام بعالم الطفولة؟ ووضع خطط ممنهجة حديثة توافق ظرفه الآني؟. وضم الكتاب عدة عناوين منها أدب الطفل، وشكلية الكتاب، رؤى وأساليب تربوية لمستقبل القصة القصيرة وتلقينها، وأهمية قصة الطفل في التربية، وأثر التعليم المحلي على كتابة قصص الأطفال، وتاريخ أدب الطفل، ثم الفصل الأول وجاء فيه الشخصية في قصص الأديب عيساوي، والفصل الثاني تناول الحدث في قصصه، أما الفصل الثالث فتطرق للمكان والفصل الرابع تناول اللغة والفكرة. ثم خرجت الكاتبة بمجموعة توصيات، ورصدت والمراجع والملاحق والسيرة الذاتية للأديب عيساوي، والكاتبة إيمان مصاروة ثم الفهرست. وقام بتصميم الغلاف ومونتاج الدراسة النقدية الواقعة في 240 صفحة من الحجم الكبير في طبعتها الأولى شركة نسق للطباعة والتصميم - نابلس شكري الكبير والخاص لكل من مدني بمراجع علمية ودراسات أدبية مختصة في أدب الطفل وكلي امتنان لهذا العطاء الذي لولاه لما خرجت الدراسة بهذه الفنية والجودة العالية. .......... ........ إيمان مصاروة الناصرة \\ الجليل

الثلاثاء، 16 فبراير 2021

الأسد الذي فارق الحياة مبتسما والنهايات المدهشة بقلم : السيد شليل - مصر

******* من العنوان "عتبة النص" نستطيع أن نقول بأننا أمام نص للأطفال ، يحمل عدة مفارقات ، ما بين القوة والدهشة والمرح . هذا الخليط الذي لا يتوفر ، إلا في كتابات الذين يملكون ناصية الإبداع المختلف ، وعلى الرغم من طول العنوان ، إلا أنه كان مناسبًا لأحداث النص ، وحقق المفرقات الثلاث التي كتبها الكاتب: سهيل عيساوي ، بضمير الراوي العليم حتى يجد لنفسه ملاذًا آمنًا ، ليقص علينا ما دار داخل الغابة من أحداث ، ربما شارك فيها ، وكان شاهدًا على حدوثها. ورغم أن بداية القصة كانت عادية ، حيث وصف الغابة الجميلة الهادئة ، والنهر المتدفق وانصياع الحيوانات لأوامر الأسد ، وحالة اللبؤة عندما حزنت على زوجها وبكت ، وحاولت جاهدة أن تصيد له ، غزالة صغيرة ليأكلها وبعد فشله نام. وبعد أن تأكد للجميع مرض الأسد ، تنازعوا على مكانه وبدأ كل مرشح يعرض برنامجه ، الانتخابي ويجمع حاشيته ، ويوضح إمكانياته من القوة ، والجمال لتحقيق السعادة والاستقرار للغابة ، التي تبدل حالها وتحولت من غابة جميلة هادئة ، كلها خيرات لضوضاء ونزاعات مستمرة وزار بعض الحيوانات عرين الأسد ، وطلبوا منه أن يحدد منهم من يكون خليفة له ، لينصاعوا لأوامره ولكن الأسد كان ذكيًا ، وهنا الاختلاف الذي حول النص إلى اتجاه آخر يحمل الحكمة والدهشة والمتعة. قال لهم الأسد وهو يتكأ على اللبؤة ، وينظر لأشباله وكأنه يودعهم ، ويحاول أن يؤمنهم من مكر الحيوانات ودهاء المتربصين به ،والصراعات التي حتما ستحدث بعد رحيله: تركت لكم غابة واسعة غنية ، و جميلة وألفة فيما بينكم فلا تفرطوا فيها" ثم كانت رسالة الثانية عن التسامح وهو يشير لأشباله بجملة تعجبية "لو كنتم تعلمون" وكأنه يريد أن يقول لهم آه لو كنتم تعلمون مدى حبي ، واشتياقي لكم فأنا راحل عنكم لا محال. وراح يغط في سبات عميق حتى غاب عن الوعي. خرجت الحيوانات ، وبدأت المكائد ، والاختلافات تزداد حتى تفرقوا ، وأصبحت الغابة مخيفة ، فقيرة ضيقة إلا على الأسد المرض ، وزوجته وأشباله ، وأشرقت شمس يوم جديد ومازالت اللبؤة تذرف الدموع ، بعد أن فارق الأسد الحياة مبتسمًا. وعبرت ريشة الفنانة : رنا حتاملة ، برسومها الجميلة وألوانها المبهجة ، منذ بداية من الغلاف الذي جسد صورة أسد يغط في سبات عميق ، ولكن ملامحه هادئة جدًا ، وكأنه يحلم ، حتى الصفحة الثانية التي رسمت فيها أقدام ومخالب الأسد ، في كل المساحة البيضاء ، وكأنها يقول أن للأسد بصمته الثابتة ، على كل شبر في الغابة ، وتوالت اللوحات الفنية الجميلة ، التي نجحت في تجسيد الحيوانات والنزاعات بشكل حقق للنص متعة أكثر ، وجاءت النهاية مكتوبة على مخالب الأسد ، الذي لم يفارق الحياة إلا وهو مبتسم. جاء الكتاب في ثمانية وثلاثون صفحة ، من المتعة ما بين المكتوب والمرسوم ، وصدر عن دار الهدى ، للناشر المثقف أ. دار الهدى - عبد الملك زحالقة كتاب أدعوكم لقراءته فهو يستحق

إستعراض لقصَّة ( عفيف يُحبُّ الرَّغيف ) للأطفال - للأديب الأستاذ سهيل عيساوي - ( بقلم : الدكتور : حاتم جوعيه - المغار -)

-
مقدّمة : تقعُ هذه القصَّةُ في 24 صفحة من الحجم المتوسط ، تأليف الأديب القدير الأستاذ سهيل إبراهيم عيساوي ، رسومات الكتاب بريشة الفنانة التشكيليَّة فيتا تنئيل ، حقوق الطبع محفوظة للمؤلف . مدخل : تتحدَّثُ هذه القصَّةُ عن طفلٍ شقيٍّ يُحِبُّ المغامرات وطرحَ الإستفسارات ( كما يصفهُ الكاتبُ) اسمه عفيف وعمره 4 سنوات . وحدثَ أن دخلَ هذا الطفلُ المطبخَ فوجدَ أمَّهُ مشغولةً في تحضير العجينِ فسألها : ماذا تصنعين ؟؟ .... فأجابتهُ : إنّها تعجنُ العجينَ ثمَّ ستخبزهُ وتصنعُ منهُ رغيفَ خبز..فاستغربَ الطفلُ كثيرا من كلامها وكيف سيتحوَّلُ العجينُ إلى خبزٍ وكأنَّ هذا عملٌ سحريٌّ... وبالطبع إنَّ كلَّ طفلٍ صغير سيستغربُ ويتعجَّبُ عندما يرى لأولِ مرةٍ كيف يتحوَّلُ العجينُ إلى أرغفة خبزشهيّةٍ بعد أن يوضع في الفرن وينضج .هذا وصاح الطفلُ عفيف بلهفةٍ وبصوتٍ مرتفع : كيف يحدثُ هذا يا أمِّي . فأجابتهُ أمُهُ شارحةً لهُ بالتفصيل كلَّ هذه العملية والمعادلة ( منذ زراعة حبات القمح حتى عجن الدقيق وخبزه وخروجه من الفرن خبزا شهيًّا )) : إنَّ الفلاحَ يبذرُ حبَّات القمح في الأرض في بدايةِ فصل الشتاء وبعد أن يهطلَ المطرُ تنمُو هذه الحباتُ وتعلو وترتفعُ ويصبحُ عليها سنابل جميلة..وفي بدايةِ فصل الصيف تنضجُ السنابل ويحصدُ الفلاحُ هذه السنابل التي في لونِ الذهب بواسطة الحاصدة الكبيرة ( وذكرت الأمُّ الحاصدة ولم تقل المنجل أوغيره من أدواتِ الحصادِ اليدويّةِ البدائيَّة التي كانت تستعمل قبل عقود من الزمن .. لأنَّ في يومنا هذه يُحصَدُ القمحُ وغيره من الحبوب بواسطةِ الحاصدة الحديثة والعملاقة . وأما قديما..بل قبل أكثر من 50 سنة كان قسمٌ كبير من الفلاحين في مجتمعنا يحصدون القمحَ بالأيدي وبواسطة المنجل وغيره)) . ثم يطحنُ القمحُ ويصبحُ دقيقا ، وبعد ذلك يعجنُ ويُخبزُ في الفرن ليصلَ بعد ذلك إلى الأيدي والناس أرغفة خبز شهيَّة ولذيذة الطعم تسدُّ الجوع وتغني المائدة . وكما يصنعُ من دقيقِ القمح (القمح المطحون) كلَّ أنواع الكعك والحلويات. ... وبعد ان أنهت الأمُّ كلامَها فرحَ عفيفٌ كثيرا وبدأ ينتظرُ خروجَ رغيف الخبز من الفرن بفارغ الصَّبر . وبعد أن نضجَ الرغيفُ قالت لهُ أمُّهُ : تفضَّل يا عفيف الرغيفُ السَّاخنُ يضحكُ لكَ ... وربما قد استلهمَ واستمدَّ الكاتبُ الأستاذ سهيل هذه العبارة البلاعيَّة ( الرغيف يضحكُ لك ) من هذه الجملة والمثل الشعبي الدارج ( فلان لا يضحكُ للرغيفِ السَّاخن )... لأنَّ رغيفَ الخبز عندما يخرجُ مباشرة من الفرن يكونُ منظرُهُ جميلا ويفرحُ ويبهجُ القلب ويثيرُ الشهيَّة، وخاصة لكل شخص جائع .. وأما الإنسان اللئيم والحقود والعابس فلا شيىء يفرحهُ ويجعلُ الإبتسامة ترتسمُ على وجههِ ، وحتى رغيف الخبز الجميل والشهي والفاتح للشهيَّة ( لأن رغيف الخبز الساخن والجميل وهو خارج من الفرن يجعلُ كل شخص يفرح ويبتسم ، وخاصة إذا كان جائعا . وقبل عقود وقرونٍ كان الكثيرُ من المجتمعات والشُّعوب تُعاني من القلة والفقر ، وبمجرد رؤية رغيف الخبز وهو خارج من الفرن أو التنور سيثيرُ السعادةَ والسرورَ والشهيَّة لكلِّ إنسانٍ وشخصٍ فقيرٍ بائسٍ جائعٍ ومعدته فارغة . هذا وأكل الطفلُ عفيف كسرة من الرغيف ( ولم يقل الكاتبُ لقمة أو قطعةً للإشارة إلى الكمية القليلة ) وشعرَ بحلاوةٍ في لسانهِ . والجديرُ بالذكر انه يوجدُ في الخبز نسبةٌ وكميَّة معيَّنة من السكر ، وعندما يتأخرُ الطفلُ أو أيُّ شخصٍ قليلا في عمليةِ مضغِ لقمةِ الخبز يصبحُ طعمُ الخبز حلوا في الفم ..وهذه الظاهرةُ يعرفها الأطفالُ جيدا من خلال التجربةِ والممارسة ..فالأطفال الصغار يُحبُّون الحلويات والسكاكر كثيرا وكل شيىء فيه مذاق وطعم الحلاوة ، ولهذا عندما يتناولون قطعة الخبز يتأخرون قليلا في عمليةِ المضغ مع التجربة ليصبحَ طعمُها أكثرَ حلاوة ويستمتعون أكثر في المذاق والطعم . وبعد ان شعرَ وأحسَّ عفيف بحلاوةٍ تحت لسانهِ عندما تناولَ بعض الكسرات من الرغيف قفز من مكانه قائلا بحماس : ( أريدُ أن أزرعَ القمح بنفسي في حديقة بيتنا ولكي أراقبَ يوميا عن قرب حبَّات القمح وهي تنمو وتكبر ، حتى تصبحَ سنابلَ تحملُ حبَّات القمح السمينة التي في لون الذهب ، وبعد ذلك سنطحنها ثمَّ نخبزها في فرننا وسنوزِّع الخبزَ الشهيَّ واللذيذ والطازج على الجيران والاقارب والأصدقاء والأصحاب. وسنطعم ُالعصافيرَ أيضا ) ( صفحة 16) . يُشيرُ الكاتبُ على لسنان بطل القصة ِ إلى مَحَبَّةِ الحيوانات والإهتمام بها والشفقة عليها ، وأن الطيور تأكل فتات الخبز) . فابتسمت الأمُّ وهزَّت رأسَها مؤيِّدةً وفرحة من فكرةِ عفيف الجميلة والبريئة . وفي الحال أحضرت لهُ حفنة كبيرة من القمح من الجرَّة القديمة ( ذكر الكاتبُ الجرَّة القديمة ولم يذكر إسم وعاء آخر يستعملُ اليوم ، مثل : المرطبان ،الصندوق ، التنكة ، الدلو ..إلخ ) ..وربما ليذكِّرَ الطفلَ وكلَّ الاطفال الصغار اليوم بالتراث والأدوات والأواني التي كانت تستعملُ عندنا وفي مجتمعنا قبل عشرات السنين، والتي كانت تخزن فيها المواد الغذائية كالقمح والحبوب وغيرها.. وأما اليوم فلا تستعملُ الجرار الفخارية والأباريق والخوابي الفخاريَّة إلا نادرا . هذا ثمّ هرولَ عفيف وأمُّهُ ومعهما المعول ( ويسمَّى المنكوش بالعاميّة والرفش باللغة الفصحى ) .. وكلمة معول مفهومة للطفل ولكلِّ شخص .. وبذرَ عفيف حبَّات القمح القليلة في شقوق الأرض وقلبهُ وأساريرُهُ ووجدانه مترعة ومملوءة بالسعادة والغبطة والفرح . ومن شدّةِ التعب بعد ذلك نام عفيفٌ من دون غطاء ( كما يصف الكاتبُ حالته بعد أن أنهى عمله من زراعةِ حبات القمح ) ، وكان يحلمُ بسنابل القمح تتمابلُ وتتحرَّكُ مع الريح والشمس تحرسُ الحقلَ والعصافير في انتظار موعد موسم الحصاد ، ورغيف الخبز يبسمُ لهُ ويقول : تفضَّل يا عفيف ) . وتنتهي القصةُ هنا هذه النهاية الرومانسيّة الشاعريّة المفتوحة والجميلة والسعيدة حيث استعملَ الكاتبُ هنا جملا شاعرية وعبارات بلاغيَّة مُنمَّقة . تحليلُ القصّة :هذه القصَّةُ مثل جميع القصص التي كتبها الاستاذ سهيل عيساوي للاطفال تمتازُ وتتحلى باللغةِ الأدبية الجميلة والمنمقة والسهلة والممتعة والسلسة ، وفيها الكثيرُ من التعابير البلاغيَّة والصور الشعريّة الخلابة والمبهرة للجميع وحتى للطفل الصَّغير. والجديرُ بالذكر ان قصص سهيل عيساوي للأطفال تختلفُ عن بعضها من ناحية المواضيع حيث كل قصَّة يكتبها تتحدثُ عن موضوع يختلفُ كليًّا عن القصَّةِ التي قبلها .. وكان لي الشرفُ في كتابةِ أكثر من 13 دراسة لقصص صدرت له للأطفال بالإضافةِ إلى دراساتٍ لكتبٍ أخرى له في مجال التاريخ والأدب ..ولم يكن عندي أيُّ تكرار وإعادة واجترار في النصوص النقدية والإستعراض، لأنّهُ في كلِّ قصةٍ جديدة يجدِّدُ ويبتكرُ ويتخذُ موضوعًا جديدا وينتهجُ منحى مختلفا ويولجُ عالما آخر يُبهرُ فيه القرَّاء وَمُحِبِّي الأدب ، مع المحافظة والإتزام في نفس الوقت على المستوى الفني والجمالي العالي والراقي ، والمحافظة على اللغة الأدبيَّة الجميلة والمنمَّقة والسلسة والإنسياب والتسلسل الجميل في المعاني والمشاهد الدراميَّة في مجرى القصة..فكلُّ مشهدٍ ومقطع دراميٍّ عنده عبارةٌ عن لوحةٍ جميلةٍ خلابةٍ تحوي في داخلها وطياتها العديدَ من العناصر والأهداف والأبعاد: الجمالية والمعنويَّة والموضوعيه والفكرية والتعليميِّة . إذا نظرنا من الناحيةِ الخارجيّة والشكليّةِ للقصّة فهذه القصَّة مزيج بين السرد والحوار (ديالوج ) ..بيد أنَّ عنصرالسرد هو الغالب والمهيمن فيها . يستهلُّ الكاتبُ القصَّة بالتعريف على بطل القصَّة ( الطفل عفيف ) وبأسلوب سردي وأنه طفل يحبُّ ويريد المغامرت ويكثر من الإستفسارات ... وبعدها ينتقل وبشكل مباشر وسريع إلى مشهد جديد عندما يكون الطفلُ عفيف في الطبخ ، يحدثُ ويجري حوارٌ جميلٌ طريفٌ بين الطفل وأمِّهِ ويطرح عليها عدة أسئلة هامة وتجيبهُ عليها ،بدورِها، بمحبَّة ورحابة صدر. والأسئلة عن كيفيَّة صناعة الخبز .. وكيف العجين يتحولُ إلى حبز ..إلخ.. ...ولقد ذُكرِ هذا في بداية استعراض أحداث القصّة . ولهذه القصَّة أهداف وأبعاد عديد ة وهامَّة، وفيها تكتملُ الجوانبُ والأسس المطلوبة وتتجلى الرسالةُ المثلى للطفل.. والتي من المفروض أن تكون موجودة في كل عمل وفي كل قصّةٍ تكتبُ للأطفال. هذه القصَّة يشوبُها عنصرُالتشويق، وهي ممتعة وترفيهيَّة ومسليَّة للأطفال وحتى للكبار.. وتدخلُ للجميع السَّعادةَ والغبطة والسرور..عدا انها قصَّة مُسَليّة وَمُرفّهة من الدرجة الأولى(وهذه من أولى المهام والأسس التي يجبُ أن تكون موجودة في كل قصة تكتبُ للأطفال..ومن واجب كلِّ كاتب وأديب للأطفال أن يتقيدَ ويلتزم بها قبل كل شيء..أي بالجانب الترفيهي والمسلي وأن يعمل على تسليةِ وترفيهِ الطفل وأسعادهِ وإدخال الغبطة والفرح والبهجة ثم الإرتياح والإطمئنان إلى قلبه ونفسيَّتِهِ ووجدانه) يوجدُ فيها جوانب وأهداف وأبعاد أخرى هامة . نجدُ في هذه القصَّة الجانب التعليمي حيث تعلم الطفلَ دروسا في الطبيعة وكيفية زراعة القمح ..وكيف ينمو القمحُ ويكبر ويحملُ السنابل ،وبعدها في فصل الصيف يُحصدُ ويُجمعُ ويخزنُ القمح ثم يطحنُ ويتحول إلى طحين ودقيق. وبعدها يعجن ثم يوضع في التنور أو الأفران ويتتحوَّلُ إلى أرغفة خبز شهية يحبُّها الجميع . ويصنع من القمح أيضا الكعكك والحلويات . وهذه المعلوماتُ البسيطةُ والمعروفة للكبار قد لا يعرفها معظمُ الأطفالِ الصغارالذين دون سن الخامسة...وحتى بعض الأطفال الذين فوق سن ال8 سنوات .. و قد يستغربُ أيُّ طفل صغير لأول مرة عندما عندما يرى أمَّهُ او أيَّ شخص يخبزُ كيف يضعُ العجين الأبيض في الفرن فيتحول مباشرة إلى خبز جميل وشهي للاكل..وكأنَّ هذاعملٌ سحري وغيرعادي وطبيعي . وَتُعَلّمُ هذه القصَّةُ الأطفالَ حُبَّ العمل والكفاح وحب الأرض والفلاحة والزراعة . فالأرضُ هي الهويّةُ والإنتماءُ والبقاء والكرامة والإباء ..أي أن هذه القصة فيها الجانبُ الوطني والإنساني . ويذكرُ الكاتبُ في القصَّة بعضَ الأدواتِ المنزليَّة الشعبيَّة التي كانت تستعمل عندنا وفي مجتمعنا قبل عشرات السنين كالجرَّة الفخارية والتي كانت أمُّ الطفل عفيف تضعُ فيها حبوبَ القمح .. الجانب التراثي والشعبي والفلكلوري المهدد على مرِّ الزمن بالتلاشي والإنقراض .. وفي هذه القصةِ القليل من العنصر والجانب الفانتازي الخيالي الذي يضيفُ لكلِّ قصَّةٍ سواء للاطفال أو للكبار جماليّةً ورونقا خاصًّا وإشعاعا ووهجا مميزا يمنحُ القصَّة التألقَ والتميُّز ويرفعها من حيِّز ومجالِ الكلام والسرد العادي إلى مصاف وسماء الروعة والإبداع ..ويبدو هذا الجانب في نهايةِ وخاتمة القصَّة وبشكل سردي على لسان الكاتب ، وذلك عندما كان الطفلُ عفيف يحلمُ بعد أن نامَ من دون غطاء ومن دون تهليل لتعبهِ بعد أن أنهى عمله ومهمَّتهُ بزراعة القمح في الحديقة .. فاستعملَ الكاتبُ في هذا المشهد وهذه اللوحةِ جُملا رومانسيَّة شاعريّة ، وفيها الفحوى والخلاصة وهدف الرسالة التي يريدها الكاتبُ . يتحدثُ الكاتبُ عن الزراعة والنمو والنضوج والحصاد ( دورة الطبيعة.. قدوم فصل الشتاء وحراثة الارض وبذر حبوب القمح وَنُموّها وترعرها ونضوجها وقطفها وحصادها وطحنها ثم تحضير العجين ، وبعد ذلك عملية وضع العجين في الأفران ليتحوَّلَ ويصبحَ أرعفة خبر وغذاء وطعاما شهيًّا . هذه القصةُ قصيرةٌ في مساحتها الجغرافيّة ، لكنها عريضة وواسعة في أهدافها وأبعادها الجماليّةِ والإنسانيّة والأدبيّة والتعليميَّة. ومن أهدافها الهامة انها تُدخلُ إلى الطفلِ روحَ المثابرة والديناميكية والنشاط وحُبَّ العمل وحبَّ وعشق الأرض والوطن والإعتناء والإهتمام بالأرض وزراعتها ولكي لا تبقى مهملةً ومقفرةً لا تعطي ولا تنتجُ ثمارا وغلالا. ويظهرُ في القصَّة الجانبُ الإجتماعي والإنساني والمشاعرُ الرقيقة والجيَّاشة والعواطف السامية ليس فقط بين الأنسان وأخيه الإنسان بل أيضا للحيوانا ت والمخلوقات الأخرى ، وذلك عندما يتحدثُ الكاتبُ على لسان الطفل عفيف...وأنه بعد أن ينضج القمحُ ويُحصد ويدرس ثم يطحن ويصبح دقيقا سوف يعجنهُ ويخبزه..وسيهدي ويطعم أرغفة الخبز للأقارب والجيران والأصدقاء..وحتى للطيور ..( تظهر هنا مَحبَّةُ الحيوانات والشفقة عليها من قبل الاطفال أيضا ) . ويظهرُ في القصَّة بوضوح عاطفةُ الأمومة القويّة ومحبةُ الأم لأطفالها والتضحية لأجلهم ... وكيف أنَّ الأمَّ تعاملُ طفلهَا الصغير بمنتهى الحنان والرِّقَّةِ والإحترام ..وتعملُ على تقويةِ شخصيته منذ بدايتهِ ونشأته الأولى وبإدخالٍ الثقة إلى نفسيتهِ،وانه إنسان له شخصيتهُ ولهُ رأيهُ الصحيح وفكرهُ المنطقي والثاقب ، وبالأمكان أن يُستشار في كل أمرٍ وموضوع مهما كان وأن يُعتمدَ عليه..ويظهر هذا جليًّا عندما تصنعُ وتحضرُ الأمُّ رغيفَ الخبز الشهيّ وتقدمه لطفلها وحبيبها .وتقول له : تفضل يا عفيف .. وهذه العبارة وهذا المشهد يجعلُ كلَّ طفل يشعر عندما يقرأ أو يستمع للقصَّة أن جميع الامهات يحبون أطفالهنَّ ويحترمونهم وَهُنَّ حريصات جدا على مشاعر أطفالهن وراحتهم وسعادهم ..وعلى تأمين وتوفير كل شيىء لهم وإعطائهم كلما يحتاجونهُ، وخاصة الطعام..وأيضا تلبية طلباتهم ورغباتهم وطموحاتهم في اللعب أو في أي مجال ونشاط وطموح يصبون إليه .ومثال على ذالك : عندما أراد الطفلُ عفيف أن يزرعَ حبات القمح في حديقة منزله لكي تنمو وتكبرهذه الحبات ويصبح عليها سنابل وتنضج وبعدها سيحصدها ثم تطحن وتعجن ثم يخبزها ويصنع منها أرغفة خبز ..فاستجابت أمُّهُ لطلبهِ برحبابة صدر ونفذت له كلَّ ما يريد .. فالأهلُ وخاصة الأم هي دائما تحبُّ أن تلبي طلبات ورغابات أطفالها .ويهمُّهَا جدا إسعادهم . هذه القصَّةُ قصيرة من ناحية المسافة الجغرافية - كمعظم القصص التي تُكتبُ للأطفال - مع أن هذا لا يعيبُهَا . وكان بإمكان الكاتب أن يتوسعَ أكثر ويدخل شخصيات أخرى هامة ومحورية في القصة مثل : شخصيَّة الأب الذي لم يكن له أيُّ ذكر ووجودٍ في القصّة. وأن يدخلَ أسماء وشخصيات بعض الإخوة للطفل عفيف ..أو بعض الأصدقاء والجيران فتصبح القصة أطول وأشمل ، وربما تكون مُمتعةً أكثر للطفل . ونجد أن العنصرَ الفنتازي الخيالي فيها ضعيفا وَهَشًّا أيضا . الخاتمة : هذه القصةُ جميلةٌ وشائقةٌ وترفيهيّةٌ من الدرجةِ الاولى ومُشعَّة بأبعادِها الجماليَّةِ وناجحة في جميع المقاييس والمفاهيم الأدبيَّة والذوقيَّة والنقديَّة..وهي تدعو إلى تقويةِ النسيج الإجتماعي وتوطيدِ وتعميقِ الوشائج والعلاقات بين أفراد المجتمع ، وتمنحُ وتعطي الطفلَ الراحة النفسيَّة والثقة والطمأنينة والبهجة والسرور، وتدخلهُ أجواءً جميلة ساحرة..أجواء الطبيعة والوداعة والحب والجمال ، وتفرحهُ وتسليه وتملأ قلبَهُ وروحَهُ بالغبطةِ والبهجةِ والسرور .. وتعلمهُ أيضا دروسا في كيفية زراعةِ حبوب القمح ثم نموها ونضجها...إلخ .... وتُعَزِّزُ وتقوي فيه المحبَّة والشعورَ والإنتماءَ للأرض والوطن . وتستحقُّ هذه القصَّةُ وبكلِّ جدارةٍ أن تكون في جميع المكتبات وأن تحظى باهتمام الأدباءِ والنقاد الكبار ويكتبوا عنها المقالات والدراسة العميقة والمطولة .. وأن تُترجمَ إلى لغاتٍ عالميةٍ وتدخل ضمن المناهج الدراسيَّة في مجالِ أدب الأطفال في المدارس والمعاهد .

الأحد، 14 فبراير 2021

دراسات في أدب الاطفال المحلي للكاتب سهيل عيساوي. بقلم الدكتورة روز اليوسف شعبان

دراسات في أدب الاطفال المحلي للكاتب سهيل عيساوي. هي دراسة مثيرة في قصص الأطفال في بلادنا، صدرت بدعم من مجلس الثقافة والفنون في مفعال هبايس، 2015. وقد تناولت العديد من القصص لأدبائنا المحليّين منهم: سليم نفاع، ليلى عودة، ميسون أسدي، جودت عيد، منار سلامة، نادر أبو تامر، عليا أبو شميس، لبنى صفدي، رافع يحيى، وفاء عياشي بقاعي، ميسون حنا، سهيل عيساوي، فاطمة ذباب، زهير دعيم، سهير شحادة،، حمد سعيد، مينا حمود، عواطف أبو حية، مريم حمد، شيراز عثامنة خيري، حياة أبو شمس، عايدة خطيب، محمد علي فقرا، إلهام تابري دويري، مصطفى مرار، نيفين عثامنة، زهور عثامنة، إدمون شحادة، ليلى حجة، كلارا سروجي، وهيب وهبي، نايف خوري، ميساء فقيه، حنان جبيلي عابد، نزهة أبو غوش، هديل ناشف، أحمد سليمان. تطرق الكاتب سهيل عيساوي في دراسته الى المواضيع التي يطرقها الكُتّاب في أدب الأطفال، وتأثير هذه المواضيع على سلوكيات الأطفال وحياتهم. كما تطرّق إلى إظهار دور الشخصيات التي وُظّفت في قصص الأطفال، ومدى نجاحها في إحداث التغيير أو التأثير على الأطفال. من الشخصيات التي تكررت كثيرا في قصص الأطفال: 1. شخصية المرأة، والتي لا زال دورها ثانويّا، وسلبيا في بعض الأحيان بدلًا من إظهار إبداع المرأة ودورها الرائد في المجتمع.(ص14-15). 2. صورة الجد في القصص يرى استاذ سهيل أن دور الجد في قصص الأطفال يقتصر على تصويره كمصدر للمعلومات عن التراث والماضي، وكحضن دافىء للأحفاد وناصحًا لهم. علما أن غالبية الكتاب يهمشون دور الجد ولا يعطونه اسمًا. ص(28-29). 3. الإعاقة وتقبّل الآخر في أدب الأطفال هناك اهتمام بالموضوع لكنه غير كافٍ ولا يفي بالمطلوب.(36-37). 4. صورة الثعلب والذئب في أدب الأطفال بعض الكتاب حاولوا كسر القالب المتعارف عليه من تصوير الثعلب والذئب كحيوانين يتميزان بالدهاء والخبث والخداع، الى صورة مغايرة تمثلهما بالذكاء والوداعة.(45-46). 5. التحرش الجنسي في أدب الأطفال هناك شحّ في قصص الأطفال المحلية التي تعالج موضوع التحرش الجنسي ضد الأطفال. هناك حاجة ماسّة لكتابة قصص تعالج الموضوع وفق حجم الظاهرة وخطورتها.(55-56). 6. الخيال العلمي يدعو الكاتب سهيل عيساوي إلى تكثيف الكتابة في مجال الخيال العلمي، فالمحاولات للكتابة في هذا المجال شحيحة.(66-67). 7. صورة المعلم في أدب الأطفال في القصص التي تناولها استاذ سهيل في دراسته، نجد أنها نزعت قدسية المعلم وأشارت إلى انحدار مكانته في المجتمع، فلم يعد هو مصدر المعلومات ولم يتربع أعلى المراتب العلمية كما كان قبل عشرات السنين، بل حمّلت بعض القصص المعلمَ وزرَ كل الجرائم التربوية. في حين صورّت بعض القصص المعلمَ بصورة مثالية، فهو القدوة لطلابه، قريب منهم ومن أحلامهم، يحركه الضمير والايمان برسالته،وهو يثابر ويخلص في عمله ص 75-76( قصة يارا ترسم حلما، قصة عاصي وغفران). بعض القصص صورت المعلم بأنه مصدر المعرفة يلقّن الطلاب ولا يشركهم.(76-77). 8. البحث عن النهاية السعيدة في أدب الأطفال المحلي يشير الاستاذ سهيل في دراسته، أن القصص الموجهة لجيل الطفولة المبكرة، عادةً تكون نهايتها سعيدة، ربما لزيادة ثقة الطفل بنفسه وبالحياة وبالمحيط القريب، أما القصة المعدّة لجيل أكبر، من الممكن أن تتعدد النهايات فيها، فقد تكون حزينة، مفتوحة، سعيدة، وقد يجيز الكاتب لنفسه الخروج عما هو متوقع منه.(ص 101). كما يتعرض الكاتب سهيل عيساوي إلى بعض القصص التي تثير قضية عزوف الأولاد عن المطالعة بهدف تشجيعهم وإعادة شغفهم اليها، منها : قصة حروف تبكي على الرفوف تأليف هديل يوسف ناشف، قصة من هو صديق راني السري، تأليف جودت عيد، هيثم يعود إلى الكتاب، وقصة الكتاب المسحور، تأليف سليم نفاع، وقصة صديقي الكتاب تأليف الدكتور أحمد سليمان. يوصي الكاتب سهيل عيساوي بضرورة الإكثار من كتابة قصص الأطفال التي تتناول محبّة الكتاب وأهميته للطفل والمجتمع. كما يوصي بتبادل الناس الكتاب كهدية في المناسبات والأعياد وإقامة عيد للكتاب أو يوم للكتاب أسوةً بيوم المرأة وعيد الحب وما إلى ذلك، ليشمل هذا اليوم أمسيات ثقافية ومعارض للكتاب ومسرحيات حول المطالعة وتوزيع مجاني في الطرقات والشوارع لآلاف الكتب.(ص 115). وقد استعرض الأستاذ سهيل أهم المشاريع لتشجيع القراءة في مدارسنا ، مبيّنا إيجابياتها ومعطيا اقتراحات لتحسينها من هذه المشاريع: مشروع مسيرة الكتاب، من قبل وزارة المعارف، مشروع كتاب في كل بيت والذي يركزه دكتور بشارة مرجية، ومركز أدب الأطفال في الناصرة، مشروع مكتبة الفانوس، التي تركّزُهُ المفتشة فاطمة أبو أحمد لطلاب الروضات والبساتين والصفوف الأولى والثانية، ومشروع القارئ الصغير الذي بادر اليه مفتش المعارف دكتور هاني كريدين في منطقة تفتيشه. في ختام دراسته يتطرق الكاتب سهيل عيساوي إلى عوامل تعثّر أدب الطفل في العالم العربي، وإلى اعتبار الكتابة في أدب الأطفال رسالة وأمانة، ويطرح الكاتب عدّة أسئلة: ما مدى الالتزام بحمل الأمانة على أكمل وجه؟ هل يلتزم الكتاب بالحد الأدنى بمقاييس كتابة قصص الأطفال؟ من حيث الأسلوب والمضمون واللغة وملاءمة القصة لجيل الأطفال؟ وهل تحمل القصة في طياتها رسالة إنسانية أو تطرح قضية شائكة أو ملحّة؟ وهل تستحق القصة الخروج إلى النور وأن يتناولها أطفالنا؟ ويلقي الكاتب مسؤولية كبيرة على النقاد في تذوّق الكتاب ودراسته بصورة موضوعية. لهذه الدراسة أهميّة خاصة في أدب الأطفال، كونها تشمل عددًا كبيرًا جدا من القصص وتتطرق إلى المواضيع التي عالجتها، والمواضيع التي يتوجب على الأدباء الكتابة فيها أكثر، مثل موضوع الاعتداءات الجنسية على الأطفال، وموضوع الطلاق، وموضوع الإعاقة وتقبّل الآخر، وموضوع الخيال العلمي. وتبيّن هذه الدراسة أهم القيم التي تسعى القصص المتداولة فيها، إلى تذويتها في نفوس الأطفال، والسلوكيات السلبية التي تأمل أن يتخلّص منها أطفالنا، كما تُبرز الدراسة مواطن الجمال في القصص، وتسدي بعض النصائح التي من شأنها أن تجذب الطفل أكثر لقراءة الكتاب، لنصل في نهاية المطاف إلى غايتنا المنشودة، فنجعل الكتاب رفيقًا دائمًا لنا كبارًا وصغارًا، ننهل من ينابيعه، فيثرينا أدبًا وعلمًا ولغةً وذكاءً وخيالًا وإبداعًا. بوركت الكاتب والاستاذ سهيل عيساوي على هذه الدراسة الغنيّة الشاملة في أدب الأطفال. تمنياتي لك بدوام الإبداع وحمل هذه الرسالة بكل أمانة ومحبّة. روز اليوسف شعبان 14/2/2021