الأربعاء، 31 يوليو 2019

جائزة الدولة لأدب الطفل للدورة الثامنة 2019



ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏


شروط عامة للمشاركة في الجائزة


شروط المترشح

  • أن يكون من الكتاب أو الأدباء القطريين أو العرب المعنيين بأدب الطفل وفنونه.
  • يجوز للجهات العلمية والثقافية ترشيح أسماء لنيل الجائزة.
  • يجوز للكتاب والأدباء والمبدعين ترشيح أنفسهم من خلال لجنة الأمناء مباشرة.
  • يوقع المشارك على نموذج طلب الترشيح.
  • يقدم طلب الترشيح لنيل الجائزة بعمل واحد في مجال واحد من المجالات المعلن عنها عن طريق الموقع الإلكتروني.
  • يرفق بطلب الترشيح لنيل الجائزة ملف إلكتروني للعمل المقدم لنيل الجائزة والسيرة الذاتية للمترشح، متضمنة إسهاماته الأدبية أو الفنية إن وجدت. وكذلك خطاب الترشيح من الجهة المرشحة له إن وجد.

شروط المادة المقدمة

  • أن يتميز العمل المقدم بالأصالة والابتكار، بحيث يضيف جديدا إلى أدب الطفل وفنونه.
  • أن تخاطب الأعمال المقدَّمة للجائزة فئة عمرية من (3) ثلاثة أعوام إلى (18) ثمانية عشر عامًا، أو حسبما هو مبيَّن في كل مجال.
  • ألا يكون العمل قد سبق له الحصول على جائزة محلية أو عربية أو عالمية.
  • ألا يكون العمل قد نشر من قبل عبر وسيط إعلامي مطبوع أو مرئي أو مسموع.
  • ألا يكون العمل المقدَّم رسالة علمية أو بحثّا لنيل درجة علمية.
  • أن يكون حجم الصفحة في العمل المقدم (A4) الكتابة بالخط Traditional Arabic، قياس ( (16 ، على أن ترقم الصفحات حسب تسلسلها. ويستثنى من هذا الحجم العمل المتضمن بعض اللوحات الفنية.
  • الالتزام بالموعد المحدد بتسجيل طلبات الترشيح ، علما بأنه لن ينظر في طلبات الترشيح التي ترد بعد التاريخ المحدد.
  • يحق للفائز التقدم بطلب ترشيح للجائزة مرة أخرى بعد مضي (3) ثلاثة أعوام من حصوله على الجائزة في أي مجال من مجالاتها.
  • لا يحق للمتسابق المشاركة في أكثر من مجال من مجالات الجائزة.
  • لا يحق للمشارك استرجاع المادة التي شارك بها، فأمانة الجائزة غير ملزمة بإعادة الأعمال المشاركة إلى أصحابها.
  • قرارات مجلس الأمناء ولجان التحكيم بشأن نتيجة الجائزة تعد نهائية ولا يحق الاعتراض عليها من المشاركين أو غيرهم قضائياً أو إدارياً.
  • تمتلك أمانة الجائزة حقوق الانتاج والطباعة والنشر والتوزيع لمدة (3) سنوات.

الشروط الخاصة في مجالات الجائزة

الرواية

  • أن تعنى الرواية بأهداف الجائزة.
  • ألا تقل عدد الكلمات عن 7000 (سبعة الاف) كلمة، وألا تزيد عن 20000 (عشرين ألف) كلمة.
  • أن تستثمر الرواية في البناء الفني أدوات الحكي وأساليب القص الفني والنوعي وغيرها من الأساليب الملائمة لثقافة الطفل وفق المرحلة العمرية المحددة.

القصة

  • أن تعنى المجموعة القصصية بأهداف الجائزة.
  • ألا يقل عدد القصص في المجموعة القصصية عن (5) خمس قصص، ولا يزيد عن (10) عشر قصص.
  • ألا يقل عدد صفحات القصة الواحدة عن (3) ثلاث صفحات، وألا تزيد عن (15) خمسة عشر صفحة.
  • أن تراعي القصص مستوى الفئة المستهدفة من حيث الرؤية الفكرية والأدوات التعبيرية بما يتوافق وثقافة الطفل.
  • لا يشترط وجود رسومات إذا كانت الفئة العمرية المستهدفة في القصص تتجاوز عشرة أعوام.

الشعر

  • أن تعنى القصائد الشعرية بأهداف الجائزة.
  • ألا يقل عدد قصائد الديوان عن (15) خمس عشرة قصيدة، ولا يزيد عن (20) عشرين قصيدة. ولا تتجاوز القصيدة الواحدة (15) خمسة عشر بيتاً شعرياً.
  • أن تراعي القصائد الجانب الموسيقي أو الإيقاعي لا سيّما تنوع الأوزان الخفيفة والبسيطة التي تتناسب وثقافة الطفل.
  • أن تراعي القصائد الخيال الفني والصور التعبيرية الهادفة واللغة الإبداعية الراقية، بما يتناسب والمرحلة العمرية للطفل.

النص المسرحي

  • أن يعنى النص المسرحي بأهداف الجائزة.
  • ألا يقل عدد صفحات النص المسرحي عن 30 (ثلاثين) صفحة.
  • أن يتسم النص المسرحي بالسلاسة والوضوح والتشويق الفني.
  • أن تكون لغة النص سلسلة وأفكاره واضحة وتتناسب مع ثقافة الطفل ووعيه.

أغاني الاطفال

  • أن تعنى الأغنية بأهداف الجائزة.
  • ألا تقل الأعمال المقدمة إلى الجائزة عن (3) أغاني، ولا تزيد عن (5) أغاني.
  • مدة الأغنية الواحدة لا تقل عن (3) دقائق، ولا تزيد عن (5) دقائق.
  • يمكن تقديم أوبريت كامل مدته لا تقل عن (20) دقيقة، ولا تزيد عن (30) دقيقة.
  • أن يعنى النص بالجوانب التربوية والتعليمية والأخلاقية والوجدانية المعبرة عن موضوع الأغنية ويتوافق وثقافة الطفل.
  • أن يتصف عنصر اللحن بالتنوع ويكون التوزيع الموسيقي كاملا.
  • ترفق النوتات الموسيقية لكافة الأعمال المقدمة إلى الجائزة.
  • على مقدم العمل الحصول على كل التنازلات المطلوبة من كل الأطراف المشاركة في العمل.

الدراسات الأدبية


  • أن تتراوح الدراسة الأدبية المقدمة ما بين (35000) خمس وثلاثين ألف كلمة، إلى (60000) ستين ألف كلمة، مشفوعة بالمصادر والمراجع.
  • أن يستخدم المنهج العلمي في تحديد المنطلقات النظرية وصياغة الفرضيات وكذلك يحدد طريقة الحصول على البيانات وطرائق تحليلها والأدوات المستخدمة.
  • أن تقدم الدراسة معالجة جديدة في الدراسات المعنية بأدب الطفل.
  • أن تنوع الدراسة في توظيف مصادر المعلومات الورقية والإلكترونية.
  • أن تحتوي الدراسة على نتائج الدراسات السابقة للعمل على تطويرها.
  • أن تحقق نتائج معيارية على المستويين النظري والتطبيقي بما يثري المعرفة العلمية في مجال الدراسات الأدبية الموجهة للطفل.

يبدأ استلام الطلبات من تاريخ 1 مايو 2019 وحتي 20 أكتوبر 2019




السبت، 27 يوليو 2019

الخطاب الحجاجيّ في المجموعة القصصيّة "أكاذيب النّساء"1 للأديبة د. سناء الشعلان بقلم: عباس داخل حسن


الخطاب الحجاجيّ في المجموعة القصصيّة "أكاذيب النّساء"1  للأديبة د. سناء الشعلان                                        بقلم: عباس داخل حسن

عندما شرعتُ أستجيب لدفقتي الشّعوريّة والفكريّة والإبداعيّة في كتابة "أكاذيب النّساء" كانت تسيطر الفكرة عليّ؛ ولذلك سمحتُ لنفسي بأن أستخدم أيّ تجريب يخطر في بالي مادام ذلك سيقودني إلى هدفي الرّئيس، وهو تسجيل وثيقة إدانة لفساد الطّبقات النّخبويّة والمتنفّذة.
                                      د. سنـاء الشـعلان

عن الكذب:
  إنّ التّعريف الشّائع للكذب هو الإخبار عن الشّيء على خلاف ما هو عليه عمداً أو خطأ، والكذب يناقض الصّدق والحقيقة والواقع، ومترادفات الكذب عديدة: الخرص، والبهتان، والإفك، والافتراء، والخداع، والتّدليس، والحنث باليمن، وخلاف الوعد ....الخ
وقد عني الفلاسفة وعلماء الاجتماع والنّفسانيين ورجال اللاهوت والفقهاء بتفسير فعل الكذب  ونبذه وتجريمه؛ لأنّه قول يجافي الحقيقة مع العلم بها، واختلفوا حول السّهو، أو الخطأ، إلاّ إذا أصرّ المخطئ "الكاذب" عليه، وبعضهم ناقش كذب الخرافات من باب الاعتقاد والاقتناع والتّخيل، ولم يعدّوه كذباً؛ لأنّه لا يترك آثاراً على الآخرين، أو صنّفوها من الأكاذيب البيضاء التي أدانها "كانط" بشدة، بينما يقبلها الفيلسوف الإنكليزي "جيرمي بنثام" من باب أنّها غير ضارة.
     إنّ أغلب الأديان تعدّ الكذب ومرادفاته من أسباب الفجور، وقد ذُكر الكذب في القرآن 250 مرة، وإنّ التّاريخ والتّاريخ السّياسيّ يعج ّبالكذب.
    ويقترن الكذب بعدد من الجرائم، مثل: الغشّ، والنّصب، والحنث باليمين ... ، وكلّ هذه الأفعال يحاسب القانون عليها " والكذب يتخّذ طابعاً إنجازيّاً، وذلك؛ لأنّه يتّخذ في الوقت نفسه وعداً بقول الحقيقة وخيانة لذلك الوعد، وقدّم "جاك دريدا" في كتابه "تاريخ الكذب" أطروحات تحليليّة وتمهيدية "تمكّنت من بلورة جينالوجيا تفكيكيّة لمفهوم الكذب، هو التّساؤل حول إمكانيّة تشكيل تاريخ  خاصّ بالكذب من حيث هو كذلك، فهناك صعوبة لا يمكن تخيّلها إذ عزمنا على القيام بمشروع من هذا القبيل، وهي تكمن في ضرورة التّميز بين تاريخ الكذب، بوصفه مفهوماً وتاريخاً في حدّ ذاته، الأمر الذس يحيل إلى عوامل تاريخيّة وثقافيّة، ويساهم في بلورة الممارسات والأساليب والدّوافع التي تتعلّق بالكذب التي تختلف من حضارة لأخرى، بل إنّها تختلف حتى داخل  الحضارة  الواحدة نفسها". 2
عن أكاذيب النّساء
 هي المجموعة القصصيّة الـ 16 للأديبة الشّعلان، وتحتوي على خمسة عشر عنواناً، إلاّ أنّها تناهز 190نص تعالقيّ بين القصّة القصيرة  والقصّة القصيرة جدّاً والومضة  والشّذرة، مستفيدة من البنى الحكائيّة في التّراث العربيّ، وهذا واضح  في أكثر من قصّة من قصص المجموعة ذات الأشكال المتوالدة والمتداخلة القائمة على المفارقة واستدعاء الأشكال في السّرد والحكي التّراثيّ، وتركيز الأحداث والأزمان والأزمات في حدث قلق واحد، واجتهدت القاصّة في استخدام تقنيّة السّرد التّراكميّ "إنّ مثل هذا التّداخل السّرديّ يعني فيما يعنيه، تقسيم الحكاية الواحدة إلى مجموعة من الأحداث المكتفية بذاتها معنى ودلالة، لكنّها لا يمكن أن تعطي المعنى العام للحكاية الأمّ ما لم تتداخل مع بعضها، حيث يتداخل الأوّل والثّاني بالأوّل والثّالث، وهكذا يستمرّ التّداخل حتى تكتمل الحكاية، أي أنّ الحدث يركّب على الحدث الذي قبله، ويدخل في الحدث الذي يليه "3 على سبيل المثال في  قصص: "أكاذيب النّساء" التي أخذت المجموعة عنوان لها، و"أكاذيب العدالة"، و"صهوات الكذب".4
  وقد استخدمت القاصّة أسلوب القصص الفرعيّة، مثال: قصّة "أفراح التّدليس ومصارع الصّادقين" 5، وهذا أسلوب تراثيّ وجوده الأدبيّ  يتجلّى عند  الفيلسوف " عبدالله بن المقفع" في كتاب " كليلة ودمنة"، أو في قصص ألف ليلة وليلة؛ فالأبواب التّسعة لقصّة أفراح التّدليس ومصارع الصّادقين": فيما ورد في باب فضائل اللّصوص الشّرفاء، وفيما ورد في باب فضل الكذب الكبير على الكذب الّصغير، وفيما ورد في باب مصارع الصّادقين ومهالك الورعين، وفيما ورد في باب اختلاف أقدار الصّادقين والكذابين، وفيما ورد في باب التّاريخ لأهل التدليس، وفيما ورد في باب حسن الاغتنام عند أهل الإفك والبهتان، وفيما ورد في باب مُلح أهل النّفاق والرّياء، وفيما ورد في باب أكاذيب الغواني وترّهات الشّطار، وفيما ورد في باب من عشق نساء الخنا وما استطاع أن يعشق غيرهن.
 شكّلت هذه الأبواب المختلفة النّصّ، إلاّ أنّها متّصلة بالموضوع، وانطوت على استحضار مقاصد اللّغة ببعدها التّداولي والسياقي خدمة للخطاب الحجاجيّ بمستوياته المتعدّدة للتّعبير عن  الاعتلال القيميّ وانحطاط السّلوك الإنسانيّ، وكشفت عن الأساليب والممارسات والدّوافع المتعلّقة بفعل الكذب ونتائجه الكارثيّة ثقافيّاً واجتماعيّاً التي تسود علاقة المجتمع من أعلى الهرم الاجتماعيّ والسّياسيّ إلى أسفله.
    كلّ ذلك يتحقّق من خلال دلالات مباشرة ومضمرة داخل هذه النّصوص "الأبواب"، وضمن السّياق الحكائيّ والسّرديّ. ومثلما تكون الدّلالات مباشرة وغير مباشر، فعلاقة تلك النّصوص بنصوص أخرى علاقة ظهور وخفاء حسب "جيرار جينيت"، وهكذا يكون التّناصّ مباشر وغير مباشر. 
 عن ألفة الكذب:
  إنّ قصص هذه المجموعة فضح صارخ لألفة المجتمعات الإنسانيّة على الكذب تحت ذرائع ومبرّرات نفعيّة واستغلاليّة متعدّدة، حتى بات السّاسة والحكام  يكذبون على شعوبهم بالوسائل كلّها لممارسة الحكم، وتقول المفكّرة والفيلسوفة الألمانيّة الشّهيرة "هانا آرنت" (1906-1975م) اللّجوء إلى الكذب في ممارسة السّياسة هو مسّ فاضح بكرامة المواطن وهدم بيّن للعقد الاجتماعيّ بين النّاس: "ذلك السّياسيّ المحنك أتقن الكذب والسّرقة، كما أتقن أن يقوم بهما بحرفيّة مجيدة؛ فهو يفضّل الأناقة والحرفيّة على عمل الهواة، وتجارب المبتدئين، ولذلك عندما يكذب، فهو يقدم الكذب وجبة شهيّة "6 
    والإعلام يزيّف الحقائق ويكذب: "هو يدين بالكثير للوسط الذي جعله يحوّل موهبته في الكذب من هواية ضالّة إلى تخصّص علميّ وموهبة فريد" 7
  والإعلانات تكذب، والبعثات الدّبلوماسيّة لا تتوانى عن استخدام الكذب والدّيماغوجيّة ليل نهار، والأزواج تكذب، والخدم والأسياد يكذبون، وهكذا دواليك حتى أصبحنا في شبكة معقّدة جداً من الأكاذيب.
    وهذا ما يؤكّد نكوصنا الإنسانيّ وتدهور العلاقات الاجتماعيّة والأسريّة "فلو كان للكذب كما هو شأن الحقيقة وجه واحد، لكانت العلاقات بيننا أحسن ممّا عليه، فيكفي أن نحمل على محمل صدق نقيض ما ينطق به الكاذب منا، إلاّ نقيض الحقيقة له مائة ألف وجه، ولا يمكن الإلمام كلياً بالحقل الذي يشغله " 8
       ولكن تبقى الحقيقة ليست مرادفاً للواقع، بل قيمة أكثر إطلاقيّة وتسامياً منه، فلجأت القاصّة إلى عنونة نصوص قصّة "أكاذيب النّساء" 9  الفرعية باستخدام مفردة حقيقة لتعميق دلالة العنوان السّيميائيّة، وإعطائها بعداً فلسفيّاً: أكاذيب العانس/ حقيقة العانس، أكاذيب الخادمة / حقائق الخادمة، أكاذيب الزّوجة / حقائق الزّوجة، أكاذيب الجميلة/ حقائق الجميلة، أكاذيب العروس/ حقائق العروس، أكاذيب الحرّة/ حقائق الحرة ، أكاذيب السّاحرة/ حقائق السّاحرة.
     في هذه الحكايات القائمة على اجتراء نقيضين متضادّين؛ الكذب / الحقيقة، لا يلحق الكذب  فيهاالأذى بالآخرين، بقدر أنّه خداع للذّات "الايحاء الذّاتيّ"؛ لأنّ الحقيقة والواقع شيئان مختلفان، والحقيقة هي قول الصّدق، لكن الحقيقة لا تقبل النّسبيّة كما الصّدق المنتمي إلى الأكسولوجيا "القيم والمثل العليا "، والضّد للكذب المنتمي للرّذيلة والسّقوط.
   ويتجلّى الخطاب الحجاجيّ في الاستهلال الأوّل لهذه المجموعة بوصفه صرخة احتجاج مدويّة ضدّ الكذب والكذابين لتحقيق نمط حجاجيّ بالمخاطبة بواسطة الإهداء: "إهداء كاذب" إليهن عندما يجدن الكذب كي يوارين الألم خلف الصّمت .
إليّ لأنّني أفوقهنّ قدرة على الكذب .
إلى مولانا الكذب الذي يهبنا الهراء كلّما احتجنا إليه في عالم لا يدين إلاّ له ولمريديه من الخرّاصين". 
وفي الصّفحة التّالية صرخة أو إجابة بصيغة سؤال احتجاجيّ. 
  درب : لولا الكذب ما كانوا، وما كان الألم .
إجابة: هذه هي أكاذيبهنّ، فماذا عن أكاذيبكم؟"10.
      وخلصت نصوص هذه المجموعة بخطابها الحجاجيّ وفق رؤية تحريضية /ثوريّة  جديدة للواقع، وكما أكّد "رولان بارت" في إبداعيّة الخطاب "الخطاب ليس تمثيلاً للواقع، بقدر ما هو خلق لهذا الواقع وفق رؤيّة جديدة تجعلك تفكّر فيما لم يفكر فيه أحد، بعبارة أخرى تفكّر فيما حجبته الألفة والعادة عنك"، وهنا نجحت القاصّة "الشعلان" من خلال المسرود من حيث هو حبكة لاستحضار ما نفهم به الواقع الذي حجبته الألفة والعادة عنّا من خلال الموضوع الجماليّ الذي اختارته "لكنّه موضوع مُرّر من خلال رؤية معينة وفق اقتضاءات جنس أدبيّ معين، وتوجيه فنيّ ما، وخلفيّة معرفيّة معيّنة، ومتحكمات محّددة، والمقصود بتحديد الرّؤية من خلال هذه العناصر أن يصير الموضوع مرراً من وجهة نظر أيديولوجيّة."11 
     الملفت للنّظر في هذه المجموعة بوصفها وثيقة سرديّة بتنويعاتها المختلفة إثارة انتباهنا لسيل الكذب الجارف المستحكم في مجتمعاتنا الذي ألفناه دون أن نحتجّ عليه، ويبرّر البعض كذبه للعرف السّائد، وهذا لا يستقيم مع العرف بوصفه مفهموماً نستتر به بقول الكذب وارتكاب الأفعال المشينة والمنحطّة، فمفهوم العرف: هو الأمر الذي اطمأنّت إليه النّفوس، وعرفته، وتحقّق في قراءتها وألفته، مستندة في ذلك إلى استحسان العقل، ولم ينكره أصحاب الذّوق السّليم في الجماعة، وعكس ذلك هو بهتان وتدليس للحقيقة .
    مجتمعنا العربيّ زاخر بالكذب بأنواعه كلّها تحت طائلة الأعراف والعادات دون إخضاعها للعقل والذّوق السّليم، ولا تستقيم أمور العباد أو الجماعة التي تشترط للعرف أن تطمئنّ النّفوس له، ولا يكفي اعتياد الأكثريّة عليه، ليصبح عادة، فهناك نسبة كبيرة من الأعراف الفاسدة نحتكم إليها، ونتمسّك بها، وتتمسّك بنا.
  "عندما اجتمع رجال أسرتها، وقررّوا بكلّ رجولة صداحة، وعدالة صارمة أن يذبحوها؛ لأنّها جرّت العار عليهم برفضها الزّواج بمن اغتصبها، وخسارة امرأة أهون من خسارة رجل في عرف القبيلة" 12
   وما أكثر الجماعات التي تلبس كذبها بالدّين زوراً وبهتاناً، ويمارسون كذبهم باسم "الحقيقة المقدسة"، ويحملون فكراً دينيّاً متخلفاً وأفكاراً قطعيّة، حيث لا مجال للتّفكير وإعمال العقل هم جماعات هشّة، ول قوة لها، ولو تُركت وشأنها، فستأكل نفسها بنفسها؛ لأنّ القضية لديهم ليست قضية خطأ وصواب، وإنّما هي قضية حلال وحرام، ثم تعاظمت إلى إيمان وكفر ثم استباحة دماء، وهي جماعات هزيلة وغشيمة"  13تعطّل التّفكير واللّجوء لمسلّمات ميتافيزقيّة تكهنيّة مليئة بهراء تاريخ زبالة يعجّ بالكذب والأفّاقين، ولا تعطيهم الحقّ؛ لأنّ الحقّ قائم بذاته وفرض آراء خرافيّة لا تمتّ للعقل والتّفكير الإنسانيّ لا من قريب ولا من بعيد ويقول "كانط" فيلسوف السّلام الأبديّ والمثاليّة: "إنّ البشر كلّهم يُولدون بقيمة جوهريّة أساسها أنّهم قادرون على اتّخاذ القرار باستقلال تامّ والكذب يفسد القدرات الأخلاقيّة للإنسان، ويعيق الآخر في السّلوك بعقل وباستقلال، وبالتّالي هو مسّ بالكرامة الإنسانيّة التي نادت الأديان السّماويّة بها.
   تحتج  "أكاذيب النّساء" بقوّة  في العالم المبني على الكذب الذي يمارس من أجل   تغييب الحقيقة، فلا غرابة في أن يشيع الظّلم والعبوديّة بسبب الكذب والكذّابين تحت ذرائع ومسمّيّات شتى وأعراف بالية لم يعد لها معنى أو قيمة في حياتنا المعاصرة، وتسحق الشّرائح المستضعفة، وتستغلّها، والنّساء أوّل هذه الشّرائح المستغلّة، ويحدث كلّ ذلك مرة باسم الدّين وأخرى باسم الأعراف المحكومة بجندريّة قاسية ومميتة.
    إنّ قضية المرأة في مجتمعاتنا العربيّة هي قضيّة معقّدة ومركبة وشائكة، مثل الكذب نفسه، وتشارك المرأة في خذلان نفسها لاستسلامها للكذب، بوصفه طريقاً لدرء مخاطر محيطها، والدّفع بقبولها الكذب بوصفه وسيلة دفاعيّة، وأتت هذه القصص من تجربة اجتماعيّة نعيشها جميعاً بتجليّاتها وآثارها بشكل يوميّ أصبح الكذب متلازمة مرضية أصابت المجتمع ونخبه الفاسدة السّاقطة في الرّذيلة والابتذال، المتوارية خلف الكذب وأقنعته المتعدّدة التي تملكها؛ لتخفي حقيقة واحدة كبرى، وهي أنّها كاذبة ومتهالكة، وساقطة، وتسير بالمجتمع، والحضارة والإفراد نحو الفساد والإفساد والخراب والدّمار، وأصبح العالم الإنسانيّ يبتعد عن الأمن والأمان؛ لأنّ دول تمارس الكذب والاحتيال على دول أخرى.
    استخدمت القاصّة السّخريّة والفنتازيا، كما استخدمت المفارقة والتّقابل والتّضادّ في سبيل استمالة القارئ وإقناعه بالخطاب المرسل  إليه سعياً لتأكيد الحقيقة التي تدافع عنها، ليس من منطلق يوتوبيا أو فلاطونيّة أو مثاليّة، بل تروي قصص من الواقع  وإسقاطاته وتعريته، كما هي الحقيقة عارية، وعلى القارئ أن يستنطق الدّال والمدلول لإقامة الفهم أو المعنى "ولن يأتي ذلك إلاّ بتحديد مرجعيّة خاصّة بمعرفة حقيقة الأشياء، أو الأمور المتحدث عنها، أيّ حقيقة ما وراء الكلام، وهي حقيقة قد تظلّ معلّقة في النّصّ الأدبيّ رغم إصرار علماء اللّسان وعلماء الخطاب على أنّ القيمة المرجعيّة حاسمة في بناء النّصوص قد تبهت، وقد تختفي، لكنّها لا تضمحل، ولا يمكن الاستغناء عنها أبداً" 14
   ولا تغفل هذه القصص  كذب المهمّشين والمستضعفين اضطراراً نتيجة الاستلاب النّفسيّ والوجوديّ والنّساء في مجتمعنا العربيّ تبقى فرائس مستهدفة بشراسة، ولا تختلف كثيراراً في المجتمعات الأخرى التي تدّعي التّحضر.   
     لقد نجحت نصوص هذه المجموعة بجملة الأساليب الحجاجيّة التي اضطلعت بحمل المتلقي "القارئ على الإقناع  بمبرراتها السّرديّة بما عرضته وكسر التّوقعات لسلوك شرائح نخبويّة، كما تسمّي نفسها تقوم بأفعال لا تتطابق، ولا تتوافق مع ما هو متوقّع في أذهاننا، وبضدّها تبنى الأشياء والأفعال والسّلوكيّات في مجتمعات متهاوية ومتورطة بالرّذيلة والفجور تدين للكذب والكاذبين، وهذا جلي من خلال  الخطاب الحكائيّ المبني على البلاغة لتتّسع إلى خصائص جديدة مع نصوص هذه المجموعة  المرتكزة على الخطاب الحجاجيّ، وهو محطّ أنظارنا حصراً في تناول هذه النّصوص القصصيّة والحكائية في المجموعة انطلاقاً من "إنّ الحكي بمعنى الخطاب هو الذي يمكن دراسته أو تحليله تحليلاً نصيّاً، وذلك لسبب بسيط هو أنّ القصّة، أو السّرد لا يمكن أن يوجد إلاّ في علاقة مع الحكي، وكذلك الحكي، أو الخطاب السّرديّ لا يمكن أنّ يتم إلاّ من خلال حكيه للقصّة، وإلاّ فليس سرديّاً، وأنّ الخطاب سرديّ بسبب علاقته بالقصّة التي يحكى وبسبب علاقته بالسّرد الذي يرسله" 15
    ويمكن القول إنّ هذه المجموعة تنحو منحى الكتابات النّثريّة المتخصّصة لنخبة من القراء، وهي بذلك مضنون بها على غير أهلها؛ ولذلك غلب عليها الحجاج والتّدليل والنّقاش؛ لأنّها تنبثق من فكرة الاستدلال والإقناع بغية تسجيل الرّفض والاحتقار للكذب والكذابين.
   والمجموعة تجربة فريدة وخاصّة في توثيق سير الكذابين لاسيما في أوساط النّخب المزورة التي أفسدت الإنسان والمجتمعات، وهي تعرية لهم جميعاً بغية فضحهم وتجريمهم ولعنهم في الذّاكرة والتّاريخ.
   ومن هذا المنطلق تعدّ هذه النّصوص السّرديّة ليست مجموعة قصصيّة تستهدف قطاعات القرّاء جميعها، بل هي تتوجّه نحو النّخب أيّاً كان وضعها أكانت نخب متسلّقة مفروضة على المجتمع، وهي رمز للسّقوط و الانتهازيّة والخواء، أم كانت نخب حقيقيّة تعاين ما يحدث حولها من فجور وكذب، وتلوك القهر، وفي الغالب هي مغلوبة على أمرها وصامتة، وهاربة نحو العزلة والاعتكاف بعيداً عن فساد المفسدين وكذب الكذّابين.     
    من هنا أصبحت هذه النّصوص وثيقة إدانة تاريخيّة وخطاب احتجاج صريح، وأنّ في وسع الخطاب أن يكون أكثر اتّساعاً من النّصّ، لكن النّصّ أكثر بقاء، وأثبت مع الزّمن لم يرتهن للحظة الإرسال .
      كما نجحت القاصّة في استخدام السّخرية والفنتازيا والمفارقة والتّقابل والتّضاد في سبيل استمالة القارئ وإقناعه بالخطاب المرسل إليه سعياً لتأكيد الحقيقة التي تدافع عنها ليس من منطلق يوتوبياويّ أو افلاطونيّ؛ لأنّها تروي قصص من الواقع  وإسقاطاته  وتعريته، كما هي الحقيقة عارية.
     وهي كذلك لا تغفل كذب المهمشين والمستضعفين اضطراراً نتيجة الاستلاب النفسيّ والوجوديّ، والنّساء في مجتمعنا العربيّ تبقى فرائس مستهدفة من القريب والبعيد نتيجةلاختلال العدالة التي أخضعها الذّكور لسلطانهم.
    كتبت القاصّة في مجموعتها "أكاذيب النّساء":" كان الأمر أسهل ممّا تتخيّل، اغتنم فرصة بقائها وحدها في بيتها، واغتصبها بكلّ سهولة وسطوة بعد أن استفرد بها، قاومته بشدّة، لكنّه كان أقوى منها جسديّاً، وبذلك حظي ببكارتها، وثم سلّم نفسه للشّرطة معترفاً بجريمته، ومعلناً أنّه على أتمّ الاستعداد للزّواج بها وفق ما يقرّه القانون من حقّ المغتصب بالزّواج ممن اغتصبها، وكان القانون مفصّل بعناية لخدمة المجرم" 16
     "انتهت المجموعة القصصيّة ، لكن لم ينته الكذب ! كُتبتْ هذه المجموعة ذات صدق " هكذا  ختمت  د. سناء الشعلان مجموعتها أو وثيقة الإدانة للكذب والكذّابين .
وبعد؛
   تنتمي هذه المجموعة القصصيّة إلى القصة المعاصرة التي تقوم على التّجريب على مستوى الشكل و "بتعديلها عن الخطوط المستقيمة، وتركت هذا العالم البسيط لتقيم عوالم أخرى تعتمد على توازي الخطوط وتقاطع الأحداث وتعدد المستويات، حتى تتمكّن من شقّ بطن الواقع والنّفاذ إلى أحشائه بدلاً من الانزلاق على سطحه" متّخذة من التّكثيف الدّراميّ لمعاناة بطلاتها بتبادل الرّمز الضّديّ للكذب وشجرته مقابل الحقيقة والصّدق تارة بالمجاهرة والوضوح، وتارة تعتمد على التّورية للإشارة إلى موضوعات شائكة، مثل انعدام العدالة الاجتماعيّة والقهر والرّضوخ لسلطات متعدّدة، وكذلك الجنسيّة الاجتماعيّة تخضع لفاشية المجتمع الذّكوريّ في مختلف الأنظمة حتى في ظلّ الأنظمة التي تظهر تضامناً مع النّساء، وهي أنظمة نتجت من الصّراع الطّبقيّ عن الأساس واستغلال المرأة، والاتّجار بها بوصفة سلعة اقتصاديّة، وبعض القصص تمثّل إدانة للنّساء الخانعات للقيم والعادات نتيجة الرضا والخنوع والقبول بالاستلاب والعبودية.
   وقد أثارت القاصّة "سناء الشعلان" قضية بالغة الأهميّة من خلال خطاب حجاجيّ مؤكّدة "لا يمكننا الزّعم بأنّ كتابات النساء جميعها تنطلق من منظور مؤنّث، وتحمل قيماً مؤنّثة، بل لا يمكننا الزّعم بأنّ أيّ شيء تكتبه النّساء نسويّاً بطريقة أو بأخرى.
   وعليه يتبع من هذا الخطّ الفكريّ سؤال مثير للفضول:" هل يمكن أن يُقال عن الرّجل الذي يتّفق مع هذا، ويعبّر عنه أنّه نسويّ؟ أعتقد أنّ الإجابة هي نعم، بينما يجب أن نعترف في الوقت نفسه بأنّ الرّجل النّسويّ يعبّر دائماً عن وضع عن المرأة النّسويّة في علاقتها بالعدالة الاجتماعيّة القائمة على أساس النّوع"، وهذا أمر مفروغ منه.
  الإحالات:
 1-  أكاذيب النّساء: سناء الشعلان، مجوعة قصصيّة، دار أمواج للنّشر والتّوزيع، عمان، الأردن، ط1 ،2018 م
2- تاريخ الكذب: جاك دريدا، ترجمة وتقديم رشيد بازي، المركز الثقافيّ العربيّ، بيروت، لبنان، ط1، 2016، ص32-6
3- ألف ليلة وليلة سحر السّرديّة العربيّة: سلمان داود الشّويلي، منشورات اتّحاد الأدباء العرب "الالكتروني"، 2000م، ص42
4- أكاذيب النّساء: ص 17-41-67 القصص المذكورة.
5- نفسه: ص79، قصّة أفراح التّدليس ومصارع الصّادقين.
6- نفسه: ص 105، قصّة كاذبون بمنتهى الصّدق.
7 – نفسه: ص 167.
8-  تاريخ الكذب: جاك دريدا، ص29-30
9- أكاذيب النّساء: ص 17، قصّة أكاذيب النّساء.
10- نفسه: ص5-7
11- القصّة القصيرة ومأزق التّجريب ضرورة جماليّة مكوّنة للأدب: عبد الرّحيم جيران، جريدة القدس العربيّ، 19 ابريل 2015
12- أكاذيب النّساء: ص 41 ، قصّة أكاذيب العدالة.
13- لقاء مع المفكّر المصريّ محمود إسماعيل، أجرته الدّكتورة نجلاء مكاوي، مجلة الاستغراب، الصّادرة عن المركز الإسلاميّ للدّراسات الاستراتيجيّة، بيروت، لبنان، العدد الرابع، 2016
 14- خطاب الحكاية: جيرار جينيت، ترجمة محمد معتصم، مطبعة النّجاح الجديدة، الدّار البيضاء، 1996م، ص38
15- النّصّ الأدبيّ وإشكاليّة القراءة والتّأويل: الدكتور محمد خرماش، الشّبكة العنكبوتية "انترنيت"، رابط: https://www.aljabriabed.net/n67_03kharmach.htm
16 – أكاذيب النّساء: ص44 ، قصّة أكاذيب العدالة.
 
 

 

الأربعاء، 24 يوليو 2019

أكره الأبطال بقلم: ميسون أسدي


قصة قصيرة
أكره الأبطال
بقلم: ميسون أسدي

توجّهت إليّ صديقة قديمة، لم أرها منذ سنوات عديدة، حدّثتني هاتفيًّا، وبعد أن ذكّرتني بنفسها، قالت لي: أنا أتابعك وأعرف أنّك تتعاملين بالأدب وتنشري قصصك في عدّة أماكن...
سكتت للحظة ثم استأنفت: هل بإمكاننا اللقاء والتحدث وجها لوجه؟
بعد أن اتفقنا على اللقاء وأنا مستهجنة طلبها، خاصّة أنها ربطت اللقاء بكوني كاتبة قصص. أخذت أتساءل: ماذا تريد مني؟ هل هناك قصّة معينة مسّتها شخصيًّا دون أن أدري؟
راجعت ذاكرتي الضعيفة، لكنّني لم أتذكر أنها كانت محور إحداها، فهي لم تخطر ببالي أبدًا، ولم تكن بيننا قصصًا مثيرة تستأهل الكتابة، كانت بيننا مجرّد صداقة عابرة.
في النهاية التقينا، وبدون مقدمات، قالت: كتبت خاطرة، وأريدك أن تنشريها لي.
أخرجت من حقيبتها بعض الأوراق وناولتني إيّاها وقالت اقرئيها وسنتكلم فيما بعد.
وهذا ما جاء في أوراقها، المنمقة وبخط جميل:
***
إلى الذين يعرفون قبلة المُحب المشتاق في أرض النساء.
وإلى الذين لا يعرفونها.
إن حكايتي خاصّة جدًّا.
(ل. أ)
***
أعرّفكم قبل كلّ شيء أنّني لست بطلة.
وأنا أكره الأبطال. لأنني أتهرّب من مواجهة الخصوم، ربّما لأنّني جبانة أو وحيدة، ولأنّني ما زلت أبحث عن العناق والحب والفرح.
اليوم سأنتقم.
سأعرّيك وأعرّي نفسي.
ليقفز الذنب من عينيّ ويصبغ خدّي حتى الأذنين.
***
قال لها وقناع الحزن على وجهه:
-         لا أحد يفهمني، لا أحد يقدر الحياة التي أعيشها مع امرأة بليدة لا تعي شيء من الحياة. لا تسألني أين أذهب، ومتى أعود ومن أرافق وما أحبّ وما لا أحبّ. غبيّة زوجتي، ثقافتها لا تتعدّى الا تنظيف البيت والطبخ. أنا مسؤول عن كلّ شيء في البيت من الطعام واللباس والأولاد، وهي حتّى لا تعرف الطريق من باب البيت إلى بقالة الحارة. آخ ثم آخ... من يرانا معًا ومن الوهلة الأولى إلا ويشعر بعدم التكافؤ بيننا. يا رب خلصني من هذا العذاب اليومي، فكل ليلة أضع زجاجة الويسكي أمامي وسط المائدة أدق بها كأسي وأشرب حتى يستخفّني الطرب. وأنام على وجهي طب.
سألته لمياء وقد برقت عينيّها:
-         إذا لِما تزوجتها؟
أجاب مُسبّلا أجفانه ومُتمتمًا بكلمات غير مسموعة:
-         لأنّها من بيت فلان الفلاني وهم عائلة مقتدرة ذات حسب ونسب وهذه كانت مشورة والدي.

اقتربت لمياء منه ومسّدت شعره بأناملها الصغيرة قائلة:
-         شعرت بحزنك في أحشائي، فأنا مثلك أربّي أربعة صغار بعد أن هجرني زوجي ولاذ لأحضان عشيقته وبقيت مع أطفالي مكويّة بنار الشوق لرجل يمد لي الأمل. عرفت بأن القدر لن يتركني، وبعثك إليّ أيّها الغالي.
ثمّ ضحكتْ وقالت:
-         أبهج ما أذكر حين التقيت بك، حيث أحب على التلّة، وفي الوادي، وخلف الشجرة والصخرة والنبعة وهذه الأماكن تشهد حين أمسكت يداي الاثنتين وانهلت بتقبيلهم وقلت لي: "ابقي بجانبي... أحبيني حتى عامي السبعين"... كنت مجذوبة لك، مأخوذة إلى عالم آخر محمولة بين الحسّ والوهم والحقيقة والخيال وبين الصح والخطأ والضحك والبكاء... تفجّرت ينابيع شوقي واغرقتنا معًا. عاودنا الجولة مرّة أخرى وبعد عدة لقاءات من الوصل، بدأت تتأفّف وأنا في أعلى ذروتي سحبت السلّم من تحت قدماي. رجوتك ألا تقطعني وقطعت حبل الوصل بيننا، فلم توفّق بين عدة عشيقات وزوجة. اصطحبتني لقضاء بضع سويعات من السكر لتعود لأهل بيتك، وأنا أنوء بأكداس من الخيبة والانكسار والمرارة... عصرني الحزن، أخذت أروح وأجيء كنمر في قفص. فقدت بضع كيلوغرامات من وزني بعد خيانتك.
كلّ من حولي انتبه لعشقي، تلذذوا بمراقبتي وهم يقفزون حولي كالقرود وأنا غافلة عنهم واتخبّط كناقة عشواء حول نفسي... بت أنا رمز للسخرية بين أصدقاءنا الذين لاحظوا عشقي وشهوتي وركضي لاهثة وراءك ككلب ضائع بلذّة ساديّة. وفضحتني، لمّا أخبرتهم عن جوعي وعن وحدة الليالي وبرد سريري.
هذه كانت أهون الهيّنات.
***
اليوم سأنتقم.
لا تنهوني.
لن استجيب لكم.
تأججت نقمة التلاعب بمشاعري من جديد. ترى نفسك بطلا لنجاحك بالتواصل مع النساء، وترى نصب عينيك أمك كيف ترى ابنها أي ديك هو بين الدجاجات.
البطولة أيها الرعديد! أنا أعرف من أي شيء تتألف. طبعًا الجرأة المخلوطة بالكذب وهو ملح الرجال أمثالك والاستهانة بمشاعر الآخرين والاستهانة بأرواح الناس بما فيها روحك كما تفعل، ولا تنسى المبادئ والمُثُل والدهاء فهي بهار الابطال.
عند اللزوم، أو بمحض الصدفة، لن أخفي عنك يا فارسي المغوار. لقد شمتُّ جدًّا عندما توفّت أم زوجتك. شمتّ بموتها لأنّني أعرف بأن فراقها أحزنك وهي سهرت على رعايتك ورعاية أبناءك وزوجتك.

***
اليومَ سأنتقم.
سأصارحك بحقيقتي الفجة.
في صباح يوم شامس من هذا الشتاء، التقيت بأبنتك، راقبت حركاتها وسكناتها كما راقبوني سابقًا. تلتفت حولها حائرة ومتخبّطة بكراكيشها مثلي. هذا أثلج صدري. رأيت معاناتها كمعانتي فهناك شاب آخر عكّر صفو عيشها. ما زالت صغيرة المسكينة. أساءوا اليها كما أسئت اليّ وها هي في سن الزواج وتطلب الحب ولا يأتي.
شمتّ. ضحكت بخبث. 
***
اليومَ سأنتقم.
بلا عنعنات.
متسللة بين الفتحات ومتمسّحة بالذكريات.
كنت لي زبدة عمري وبلسم روحي. عاشرتك بلهفة ورفع كلفة. هربت اليك لتطفئ ظمأي بصورتك العنترية. ها هو صغيرك يتصل بك وانت معي في سابع سماء. سكرانة بخمرة عجيبة مغمورة بغبطة لم اذقها بحياتي. تتركني جانبًا كحمامة مذعورة وتردّ على مكالمة ابنك. تبرد مشاعري وتُثلج، فوضعت كفي على فمي وتنحنحت عاليًا لأنبّه نفسي واتساءل: أنّه حلم أو هو من رؤى السكر. اترك صغاري لأكون ملكك، وانت تقيّم صغيرك الذي لا يعرف القراءة والكتابة بعد أكثر مني. انبعثت النار من عينيّ وكأنّها نار فوّهة مسدس.
شمتُ كثيرًا بعدما سمعت بأنّ هذا الصغير كبر مختل بجسده وبات جامح يهوى المخدرات. 
***
لن تنفعني الوحوحة.
 ولا فرك الأكف.
 اليومَ سأنتقم.
أرسلت إليك عشرات الرسائل الغرامية وكنت تقرأها على مرأى من زوجتك لتشعرها كم أنت مطلوب من النساء، وتتركني عارية أمامها. ولكنّك لم تحدّثها عن حرماني ومأساتي، فكانت زوجتك وأهلك ومن حولك ينظرون إليّ وكأنّني مومس لا أكثر ويدقّون لي على التنك منادين: جاءت الفاجرة. راحت العاهرة. وأعضعض أصابعي... يا جبل ما يهزك ريح.
***

ولكنّ الحكاية لم تنته.
اليومَ سأنتقم.
جلّ شأنكم.
قضيت معك أيام معدودة، لا تتجاوز أصابع يدك وكانت كشمس لم أرَ في حياتي أشدّ شعاعًا منها ولا أجمل ولا أبهج. أطلقت ساقيّ للريح وحططت في بيتي كما يحط العصفور في عُشه وحيدة بلون كلون المساء شاحبة وصامتة كصمته الكئيب.
على رِسْلِكُم.
اليومَ سأنتقم.
ولا أي وأوأة أو فأفأة أو لفلفة.
سأكون بطلة.
سأكتب عنك.
لكم.
***
بعد أن أنهيت قراءة ما كتبته صديقتي، نظرت إليها وقلت لها: هناك بعض الأخطاء اللغوية وبعض التناقضات، وأمور غير واضحة، لكنّني تفهمت مشاعرك، لذلك سأعمل على نشرها كما هي.
لم تصدّق ما سمعته مني، وكادت تطير من الفرح، وعلى الفور قالت: لا تؤاخذيني، نسيت أن أسألك إذا كنت ستشربين أو تأكلين شيء... هيّا نحتفل بلقائنا......