الأربعاء، 11 أبريل 2018

هاشم محاميد ، بقلم الدكتور صلاح محاميد

                                                                هلشم   محاميد
                                               

                                           الدكتور  صلاح محاميد             

الفصل رقم 27 من كتاب " إسلامي، يوميات حربية لشاعر فلسطيني يعيش في إيطاليا" الصادر بالإيطالية عام 2002 والعربية في البيضاء- المغرب عام 2008 وفي الدمام السعودية عام 2014.

 




يعيش المستر بيبي والذي من معلم صار رئيس بلديه ثم برلماني شيوعي ثم رئيس  حزب ديني ثم عضو لجنه في البرلمان الإسرائيلي

التاسع نوفمبر2001

يتصعب على الإستمرار في كتابة هذه اليوميات أكتوبر الماضي , حين بدأت, كنت قد قررت أن أخصص لكتابي هذا شهراً للعرض على القارئ بعض المفاهيم الحيويه حول الإسلام, وطرح ملاحظاتي حول ما تعرضه وسائل الإعلام.
قرأت , هذا المساء, بعض المقاطع المكتوبه في البدايه وأمتلكني الإنطباع بعدم جدوى جهدي هذا حيث أن أمور الحرب تتطور بشكل سريع وطردي وأفكار شهر مضى صارت دون معنى ولأن الحرب أصبحت واقعاً وتُقرر من قبل قمم حربيه وسياسيه وملاحظات الشارع, الشعريه والثقافيه غير مُعتبره.
غير أنه كنت قد حدّدت تاريخاً لإنهاء يومياتي وأومن بأن الكلمه-النقاش يجب أن يحسما في أي خلاف, وأن سفينة الثقافه والمعرفه المُتبادله تجّرني خلفها. نقول لدينا "من يركب البحر لا يخشى الغرق". أستمر بالكتابه بغير إراده, لأنه بإرادتي أو بعدمها سفينة الحرب مستمره كذلك ستمخر سفينة الثقافه.  
    وصلتني اليوم صحيفة "نداء الوحده" لسان حال جبهة الوحده الوطنيه والمتمثله في البرلمان الإسرائيلي بأربع أعضاء من بين مائه وعشرين عضو برئاسة أحد أقربائي النائب هاشم محاميد, والذي كنا نسميه , أنا وزملائي صغاراً , مستر بيبي.
خصص المُلحق الثقافي نصف صفحة لسربيتي " شظايا الروح" . لقد نشر رئيس التحرير الأستاذ أسامه الدكتور , غلاف الديوان ونقد حول العمل الشعري , نتاج مقابله هاتفيه. يُنكى رئيس التحرير بلقب الدكتور لأن أبيه عام 1948 كان من بين القلائل الذين تخرجوا في الثانويه وكان ينوي إستمرار دراسته الجامعيه في لبنان في كلية الطب, وبسبب الحرب لم يستطع تحقيق حلمه وعانى حينها من مشكلة إحباط. ومنذها يقوم الأهالي , من أجل مؤازرته نفسياً, بتسميته الدكتور.
تهتم الصحف العربيه بألأشعار وتخصص لها مساحات جيده وخاصةً ثلك المنشوره بلغات أجنبيه.
لقد أخبرت هذا صديقتي ميلينا ميلاني مديرة منشورات الزيتونه حيث صدر الديوان. يُسعدها كثيراً بأن أخبارنا الأدبيه تُنشر في الخارج وخاصةً لدينا في ألأرض المقدسه.
يُظهر نفس السعاده فنانون كثار. أشعر بروحهم الفرحه وبسعادتهم حينما يشاهدون صُورهم منشوره في صحفنا ومُحاطه بكتابه عربيه.
"ماذا مكتوب في النص؟ ترجمْ لي فضلك" يسرعون بطلبهم مني. يشعرون بإرياح عميق حينما يُنشروا في صحفنا وبسعاده تختلف عن تلك التي تظهر عليهم حينما أكتب عنهم بألإيطاليه. يريد الفنانون أن يكونوا عالميين , وحينما ينشروا بالعربيه فأنهم يشعروا بأنهم تخّطوا حواجز وصراعات أزليه.
تقوم الكاتبه ميلينا ميلاني بتعريفي على أصدقائها الفنانين خلال اللقاءات الفنيه في كورتينا بالشاعر, وتضيف بعدها بأني أكتب مقالات لصحف عربيه وهذا دائماً يُغري الفنان.
القريب هاشم محاميد , عندما كنت صغيراً, كان يعلم في مدرسة حارتنا اللغه الإنجليزيه. كان المعلم الوحيد في المدرسه والذي يحمل إسم العائله محاميد.
في بلدتنا أربع حارات وحتى سنوات الستين كان في كل حاره مدرسه وطاقم مدرسة حارتنا كانوا يأتون من الحارات الأخرى ومن البلدات المجاوره.
المحاميد يملكون خصال الأحرار المتمردين ولم يهتموا بأن يكونوا موظفي دوله وأجيرين لاسرائيل. في بداية الستينات كانت قد أنتقلت مدرسة الجبارين الى جوار مدرسة حارتنا , وهكذا فان طلاب الجبارين والطاقم المدرسي كان يفترض عليهم أن يمروا بشوارع حيِّنا كل يوم .
في تلك السنه أجتمع جاهة الحارتين وأتفقوا أن يضغطوا على الممثل الحكومي لإدخال هاشم في الطاقم الدراسي دون أن يتنازل عن مبادئه وبشرط أن يختار تعليم الماده التي تعجبه. أختار هاشم تعليم اللغه الانجليزيه وهذا يتوافق مع روح المحاميد: يحب التجديد, يملك إراده حره , مُنفتح على المعرفه, مُبحر في الفكر والعصرنه ولا يخشى التحديث والمغامره, حيث أنه كان قد قام بضَجّه إعلاميه في بداية الستينات حينما تزوج من فتاة دانماركيه والتي تعرّف عليها خلال دراسته الجامعيه. كان من بين أوائل المسلمين في بلادنا والذي يكسر طوقاً بتزوجه مسيحيه أوروبيه.
في المدرسه كان هاشم يمتاز عن باقي المُدرسين , لم يحافظ أبداً على عصا في حقيبته لمعاقبة الطلاب, لم يكن عصبياً, لم يكن تكرارياً خلال دروسه. كان يُبدع نقاشات يشارك بها كل طلاب الصف. كان يجعل دروسه شيقه وجميله. أعتاد أن يدعو الطلاب المتفوقين, وكنت بينهم, الى بيته خلال العطله ألأسبوعيه ليناقشهم وكان يتصرف كصديق لطلابه, وهكذا كنا قد سميناه بيننا , تحبباً, مستر بيبي.
مرةً, وصّانا الإستاذ التحضير في البيت , كيف قول الساعه بألإنجليزيه وقد نفذْتُ طلبه. في الدرس اللاحق كان قد أخرج من حقيبته ساعةً خشبيه مع عقارب قابلةً للتحريك. قسّم الصف الى أربع فِرق وأقام مبارزة بينها. كان يُثبت العقارب على ىساعه معينه, يُمهل االفرقه دقيقةً للتشاور حول الإجابه, خلالها يجتمع الطلاب فيما بينهم كما يحدث في لعبة البيسبول. بعد إنتهاء دقيقة التشاور يعلن الاستاذ بحزم :"ستوب" ومن الفرقه كان يبحث عن الطالب الأقل فطنةً وشطاره ويدعوه للإجابه. كان يستعمل هذه الطريقه لحث المُجتهدين على مؤازرة الضعفاء. في فرقتي كان هناك طالبين مغفلين وكان ألأستاذ يدعوهم دائماً للإجابه وأحياناً كثيره أخطأوا وعرّضوا فرقتنا للخساره.
في آخر دور في المبارزه, ثبّتَ الأستاذ عقارب الساعه على الثانيع عشره الاّ ربع , وكنت متؤكداً أنه من المستحيل تعليم الطلاب الضعفاء الإجابه , ولهذا عندما أجتمعنا للإستشاره, قلت للمجموعه:" عندما يقول ألإستاذ ـستوب ـ, إرفعوا كلكم أياديكم وليطالب كل منكم بإلحاح علىالإجابه". وفعلاً , بعد أن أعلن الإستاذ ستوب رفع جميع أعضاء فرقتنا كلا أياديهم , صارخين" أنا, أنا, أنا" أما أنا فقد طأطأت رأسي مختفياً وراء الزميل الذي يجلس أمامي وسحسلت جسمي عن الكرسي.
تفاجأ الأستاذ من صراخ الطلاب وإستعدادهم, ومن رؤيته لغابة الأيادي المرفوعه, وبعد أن دقق النظر في الفرقه كان قد أكتشفني مختبأً خلف زميلي, وبصوت جهوري ومنتصر أشار لي وقال:" أنت , أجب على السؤال!" وبسرعة البرق أجبت بدقه, أما الإستاذ فقد أعقب ضاحكاً:" لقد خدعتني , لكن فرقتكم هي الفائزه".
في نهاية السبعينيات كان هاشم محاميد قد رُشح من قبل الحزب الشيوعي لرئاسة البلديه ونجح. في الثمانينات صار برلمانياً مندوباً عن الحزب الشيوعي. خلال الدوره ألاخيره , كان قد أقنع جزءاً كبيراً من المتدينين والذين لم يكونوا يشاركوا في النشاط البرلماني , لخوض المعركه الإنتخابيه,وحالياً يترأس أكبر حزب عربي مُمثل في الكنيست. بفضل إنفتاحه , تضاعف تمثيل العرب في البرلمان الإسرائيلي, ويكون العربي الوحيد , الذي لا يتمشى مع السياسه الإسرائيليه , عضواً في اللجنه البرلمانيه للخارج والأمن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق