السبت، 22 أبريل 2017

ما سر إقحام الإسلام في الصراعات الدينية؟ بقلم أ.د. محمد الدعمي




1
لكن ما الذي تبقى من ذلك الفصل الآن، بعد أن قررت الولايات المتحدة، قائدة العالم الحر (حسبما يقال) بأن عدوها الرئيس لم يعد الشيوعية، بل هو الحركات الراديكالية الإسلامية، بمعنى القاعدة وداعش وما لفّ لفهما من شبكات إرهاب دينية. بل والأغرب هو أنها (أي أميركا) تصطف اليوم في ذات المعسكر مع (روسيا) ضد هذه الحركات..
حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي، لم تكن الأديان والعصبيات الطائفية ترد في سياق أية مناقشة سياسية وأية صراعات سياسية أو دولية. لذا، فإن للمرء أن يلاحظ كيف تدحرج العالم إلى غياهب هذا النوع من الصراعات مذاك وبسرعة فائقة، على نحو غامض يجعل المرء يتساءل: ما الذي حدث؟ وما هي القوى والعقول التي تقف وراء هذا النوع من أنماط الصراع بين الإنسان وأخيه الإنسان، بناءً على ما ولد عليه الأول من دين توارثًا، وما اعتنقه الثاني من تقليد روحي قسرًا، لأنه لم يحظ باختياره، أو بانتقائه من بين المتاح في عالمنا العاصف من هذه التقاليد العتيقة للغاية؟
ويذكر الختيارية، من فئة الأعمار 50 + فما فوق، بأن أغلب شعوب العالم كانت تعتقد بأنها قد طوت طوى فصل الأديان من تاريخها. بل هي كانت تخص العصر الوسيط بنظرة دونية بسبب هيمنة النعرات الطائفية والضغائن الدينية على حروب وصراعات ذلك “العصر المظلم”، كالحروب الصليبية وحروب التطهير الديني، كما حدث في شبه جزيرة إيبريا إثر القضاء على ما كان يسمى في الأدبيات الغربية بـ”إسبانيا المسلمة” Muslim Spain.
وإذا كانت العصور التالية قد شهدت تواليًا واضح المعالم من التطورات كالثورات الكبرى، (الفرنسية والصناعية والتنويرية من بين سواها)، فإن أذكى العقول التي كانت منهمكة بمراقبة ومتابعة تطورات عالمنا ولم يخطر على بالها بأن العالم سوف يعيد فتح فصل الحروب الطائفية والدينية بعد قرون، وعلى نحو غامض لا يعرف أحد حقيقة القوة أو الإرادة التي تقف وراء هذا النمط من الصراعات ولماذا هي الآن الظاهرة الأهم: أن العالم، حتى عقود قليلة خلت، كان يعتقد بأن جميع الصراعات التي كانت تعصف به آنذاك قد تخصّرت واختزلت بالصراعات الاقتصادية، بين الكتلتين الرأسمالية والاشتراكية، وبين الفكرين الرأسمالي الحر والاشتراكي الشيوعي. ولكن ما الذي تبقى من ذلك الفصل الآن، بعد أن قررت الولايات المتحدة، قائدة العالم الحر (حسبما يقال) بأن عدوها الرئيس لم يعد الشيوعية، بل هو الحركات الراديكالية الإسلامية، بمعنى القاعدة وداعش وما لفّ لفهما من شبكات إرهاب دينية. بل والأغرب هو أنها (أي أميركا) تصطف اليوم في ذات المعسكر مع (روسيا) ضد هذه الحركات: فلم يعد الكلام عن العالم الرأسمالي مضادًّا للعالم الاشتراكي واردًا ولا مقبولًا حسب درجات حرارة أجواء هذه السنوات. حتى الصين الشيوعية احتضنت الرأسمالية، ولا تمانع قط من الاصطفاف مع روسيا وأميركا على نفس الجبهة في ميدان الحروب الطائفية والدينية. وبذلك تم تحميل الإسلام مسؤولية هذا النوع من الصراعات، زيفًا وظلمًا.
إن أية نظرة شمولية لأحوال العالم اليوم لا يمكن أن تخفق في ملاحظة ما جاء في أعلاه من يقظة غريبة وغير محسوبة للعصبيات الدينية، زد على ذلك الشكوك المحققة التالية في ثمة قوة أو قوى خفية تعمل خلف الأحداث المرئية على نشرات الأنباء في سبيل صب الزيت على نار هذا النمط من الحروب والصراعات: فما هي هذه القوى؟ ولماذا العمل على تحميل الإسلام مسؤولية هذه الصراعات التي قد يكون جوهرها اقتصاديًّا، لا دينيًّا قط؟ هي أسئلة تستحق المباشرة والحل الآن قبل أن تبتلع الصراعات والحروب الدينية الدموية المريعة المزيد من الضحايا من وقودها الذي يزداد قوةً وتأثيرًا معتمدًا تعاظم الجهل وانتشار الأمية من أجل وضع الأقنعة الإسلامية لتمرير الصراعات الاقتصادية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق