الأربعاء، 19 أبريل 2017

رُبَّما ذات يوم.. قصة قصيرة ، بقلم : عمرو الرديني


   عرفتُ اسمها قبل أنْ أراها..
كان ذلك منذ أعوام، مع بدء اهتمامي بالمجلاتِ والدوريات الثقافية والأدبية.. لاحظتُ أنَّها مِن مدينتي، وجذبني الاسم، اسمها الأول له نغم خاص يقع على القلبِ قبل الأُذن، أمَّا اسمها الثاني –لقبها- فلعائلة من العائلات المُحترمة بيننا..
   بعد ذلك تخطيتُ عتبة الاسم والمدينة، تابعتُ نصوصها فأعجبتني أيّما إعجاب، أدهشني الأسلوب، وأسَرني السرد.. أصبحتُ أشِيد بنشاطها ومواظبتها على الكتابة والنشر، في وقت كان مراسلة الصحف أمر مرهق، قبل مرحلة البريد الإليكتروني..
   تمنيتُ أنْ أراها، أنْ أقابلها.. لكن كيف يتسنَّى لي ذلك؟ المدينة كبيرة، من أسأله عنها؟ كيف أصل لمكانها؟! لذا اكتفيت برسم صورة لها في خيالي: سيدة أربعينية أو ربما خمسينية، متوسطة الجمال، يجوز أن تكون غير جميلة، مؤكد ترتدي نظارة، متزوجة، قد يكون لها أولاد، الأنسب أنها عانس، ومن الممكن أن تكون موظفة حكومية، تقُوم بتأليف قصصها فوق مكتب المصلحة وباستخدام أوراق المكتب وأقلامه.. صورة عادية، باهتة، رسمتها بخيال يتوق للجمال، لكنه يخشَى أن يُصدم كعادته..
   تمرُّ الأيام، وأنا أطالع بين الحين والآخر قصة جديدة للأديبة المُكافحة.. حتى بدأتْ روح النشاط والسعي تدب في أوصالي أنا الآخر، فقويتْ عزيمتي، وذادت همَّتي، لأبدأ –وإن كان متأخرًا نسبيًّا- في الاشتراك بالفعاليات الثقافية، وحضور الندوات والمؤتمرات الأدبية، ثم مراسلة الصُحف، وملاحقة المسابقات، وكان من ضمن ما حققت هو انضمامي لنادي الأدب كعضوٍ عامل..
   حاولتُ قدر الإمكان الحفاظ على حضور اللقاء الأسبوعي المقام في قصر الثقافة، وجدتُ هناك مواهب جادة، وشباب طموح، وأيضًا أقلام مُبتدئة، و... وجدتها!
   كان مساءً دافئًا رغم الشتاء، وقد أطل القمر بكامل بهائه على الأرض العطشى للضياء، فوجئتُ بها وسط الجالسين، تُزيِّن المكان، وقد خابت كل توقعاتي لهيئتها، أخيرًا لم تصفعني الصدمة، فها هي أمام ناظري شابة، يانعة في أوج شبابها، لا ترتدي نظارة، جميلة، جذابة، رقيقة، أنيقة، والأهم من كل ذلك هو أنها لا ترتدي أي دبلة..
   ها هي كل أسبوع تلقي على مسامعنا قصة مختلفة من قصصها الشائقة، وتلقي بداخلي شعور يزيد يومًا بعد يوم، أجدني رغم تفوقي وحصولي على العديد من الجوائز الهامة، أجلس أمامها مجلس التلميذ من معلمته، مجرد النظر داخل عينيها العسليتين يدفعني لكتابة الشعر والرواية وكافة أشكال التعبير والإفصاح..
   ماهرٌ أنا في الإمساكِ بالقلم، بليد في استخدامِ اللسان.. لذا فإنني حتى الآن لا أقوَى على البوح لها بشيءٍ من مشاعري، ولا بخبرٍ مما كان، وأظل أصبر النفس بأنه..
   رُبَّما حدث ذات يوم!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق