الأربعاء، 1 أبريل 2015

اخفاق التعليم ، بقلم البروفيسور محمد الدعمي

ان دولاً من نمط الهند قد أدركت إداراتها الحكومية أن أعظم الإستثمارات هي تلك التي تغذي وتدعم عمودي الدولة الناجحة الأساسيين، وهما: (1) التعليم الرفيع؛ و(2) نظام العدالة القضائي الخالي من الفساد. هما استثماران لا يخيبان الظن قط، لأنك ان بنيت نظاماً تعليمياً رفيعاً موازياً لأرقى الأنظمة التعليمية في العالم، ستتمكن من أن تصدر الفائض من خريجي جامعاتك ودراساتك العليا الى خارج البلاد،”
ــــــــــــــــــــــــ
ليس المقصود بالعنوان أعلاه، “إخفاق التعليم”، فشله في إفادة الإنسان، وإنما المقصود في سياق هذا الجدل هو “فشله” في استيعاب الأعداد المتزايدة من النشء والشبيبة الراغبين أو المتطلعين الى التعليم.
لذا لم يكن المفكر الألماني كارل ماركس Karl Marx مخطئاً حينما شخّص الصراع الطبقي محركاً حاسماً في تواريخ المجتمعات عامة، حيث نلاحظ اليوم، في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال لا الحصر تحول التعليم، خاصة العالي منه، الى إحتكار للأغنياء، بمعنى هؤلاء القادرين، مالياً، على تحمل نفقات وأجور إرسال ابنائهم الى الجامعات أو الى الكليات لإكمال دراستهم. أغنى دولة في العالم، أميركا، تبدو الآن غير قادرة على مواصلة “دمقرطة” التعليم كي يكون في متناول الأغلبية من الشبان، على أقل تقدير. وإذا كانت هذه حال الدول الغنية التي تحاول اليوم إستبدال برامجها التعليمية الجامعية بـ”الدورات السريعة” أو بـ”الكورسات المهنية” لضمان بقاء وتواصل عمل مؤسساتها، فكيف إذاً ستكون الحال مع الدول الفقيرة، خاصة وأن هذه المجموعة من الدول تعاني أصلاً من الفوائض السكانية، وهي مشكلة تعجز حكومات أغلبها في حلها بسبب ندرة الموارد وضعف التمويل المناسب.
بيد أن دولاً من نمط الهند قد أدركت إداراتها الحكومية أن أعظم الإستثمارات هي تلك التي تغذي وتدعم عمودي الدولة الناجحة الأساسيين، وهما: (1) التعليم الرفيع؛ و(2) نظام العدالة القضائي الخالي من الفساد. هما استثماران لا يخيبان الظن قط، لأنك ان بنيت نظاماً تعليمياً رفيعاً موازياً لأرقى الأنظمة التعليمية في العالم، ستتمكن من أن تصدر الفائض من خريجي جامعاتك ودراساتك العليا الى خارج البلاد، كما يحدث اليوم في الولايات المتحدة الأميركية حيث يغزو المتخصصون الهنود، من بين سواهم من الأجانب، الشركات والدوائر والوكالات والمستشفيات الأميركية. ناهيك عن ان الإستثمار في نظم تربوية ومعرفية رفيعة يحيل مؤسسات التعليم والتعليم العالي في بلادك الى مراكز جذب واستقطاب للطلبة والدارسين من جميع أرجاء العالم. والحق، فقد أعجبتني الحكومة الأردنية في هذا المضمار، وهي اليوم في طريقها الى تحويل جامعات الأردن الى بؤر استثمار قد توازي الواردات النفطية في البلدان الغنية بالنفط، ودليل ذلك هو أن هذه الجامعات راحت تتكاثر وتتبرعم في أغلب المدن الأردنية الزاهرة، كما أخذ المئات من الطلبة العرب يحطون الرحال بها، بهدف الدراسة والإستنارة والتخصص. هذا الإستثمار الأردني الذكي هو الذي يقف وراء استقطاب ما يمكن استقطابه من كوادر علمية رفيعة متخصصة من كافة دول الجوار، أساتذة، على سبيل تعزيز وتعميق مسيرة التعليم العالي.
وتجدر الإشارة في هذا السياق الى ان الكلام عن دول الفوائض السكانية ودول الإنخفاض السكاني، هي الأخرى ستعزل الى طبقتين: الدول الغنية والدول الفقيرة. الدول في الصنف الأول ستتمكن من الإنفاق على التعليم والتربية والعناية بهما؛ بينما ستأتي اللحظة التاريخية يوماً تفشل فيه الدول في الصنف الثاني على إدامة أنظمتها التعليمية، الأمر الذي سيوسع من الفجوة الحضارية والثقافية بين الصنفين من الدول على سبيل عزلهما الى أغنياء وفقراء: الأغنياء “سيعطفون” على الفقراء ببضعة بعثات دراسية، بينما سيبقى الفقراء باحثين عن “عصا سحرية” تعيد الحياة لنظمهم التعليمية على سبيل إيجاد موطيء قدم لهم في مسيرة التقدم الكونية.
لاريب في أن خلاصة مثل هذا الجدل تصب في أن دولنا الغنية بالنفط تمتلك اليوم فرصاً تاريخية نادرة للإستثمار في الأنظمة التعليمية، مركزة على النوعية لا الكمية؛ على تغذية الموارد المستدامة لا الموارد المهدورة والناضبة، كي لا نباشر قراءة كتبنا المدرسية إلاّ عنوة أو بتهديد “العصا لمن عصى” في المراحل الأولى من حياتنا، لأن عقول شبابنا النهمة لإستيعاب اكبر كم من المعارف والعلوم سرعان ما تتبلور، متجسدة في المهندسين والأطباء، المحاسبين، والضباط الخريجين والزراعيين، من بين سواهم من الذين يرتكن اليهم تقدم أوطاننا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق