الثلاثاء، 28 أبريل 2015

وظيفة الثقافة الآن بقلم أ.د. محمد الدعمي



” إن ما أحاول أن اضعه على كاهل الثقافة ليس بالعبء اليسير تدبره، لأن الثقافة في سياق حالنا المخيف الذي تمتطيه آلهة الكراهية والضغائن إنما يتطلب الكثير من الجهد المستنير المرتكن الى ثوابت معرفية رفيعة تمنح المثقف مبررات النزول من علياء برجه العالي الى الجمهور الذي لم يزل يحسن الظن به وبوظيفته حتى اللحظة.”
ـــــــــــــــــــــــــ
إذا ما استحال الدين المسيس مصدراً سبباً للعصبيات الطائفية هذه الأيام؛ ومن ثم دافعاً للصراعات، حد الحروب وسفك الدماء. لِمَ، إذاً، لا نحاول عبر عالمنا العربي الإسلامي، نصف الممزق ونصف المنهار، أن نجد ما يمكن الإرتكان اليه لمعالجة أمراض مجتمعاتنا ومسببات نكوصها وتخلفها.
لاريب في أن هناك من سيزعم بأننا ينبغي أن نلجأ الى الفلسفة، الأخلاقية خاصة، ما دام الدين قد حيدت وظيفته السلمية البناءة من قبل العصبيات المسيسة المذكورة أعلاه التي منحت مجتمعاتنا ما لا تقوى على تفسيره وصده بقوة، وأقصد الشبكات الإرهابية، على تنوعاتها وتباين أهدافها وأدواتها.
إذاً، يتاح أمامنا، في العالمين العربي والإسلامي، درس الفلسفة الأخلاقي، ذلك الدرس المقطر بدقة من خبرات أجيال وأجيال العقول الجبارة، من سقراط حتى تشومسكي، ومن أرسطو حتى الإمام الغزالي، في حدود ثقافتنا المحلية. بيد أن السؤال الأكثر أهمية، بعد اتخاذ الفلسفة أداةً للإصلاح، يتلخص فيما إذا كان هناك من الشبيبة والنشء من يمكن أن يرتجع الى كتب الفلسفة العملاقة التي كساها غبار الزمن منذ عقود دون أن تمس، وكأنها مواد مكهربة أو مسرطنة، للأسف. هل هناك من شبابنا من يستطيع أن يطلب كتابا فلسفيا من أمين مكتبة جامعته، دون أن يفلت من تندر اصحابه به وبتطلعاته، غير التقليدية: فهو حال شاذة، لأنه يفضل أن يقضي ساعات طوالا مع كتاب يسجل ما قاله أو كتبه القدماء الراقدون تحت التراب الان، أقول يفضل ذلك على أن يقضي ما يساويه من الأطوال الزمنية مع الثقافة العربية الشائعة اليوم؛ أي ثقافة أرتال الراقصين والراقصات المهتزين خلف مطربة تنشد للحب (اللاعذري) أو تنشد: “أخبارك إيه حبيبي؟” ولكي تقتنع بما اذهب إليه، صديقي القاريء، تصفح الزوايا الثقافية في آنيتنا الإعلامية التي لا تنكر تحولها الى أدوات دعاية تخدم مموليها، بلا مسؤولية في أحيان كثيرة.
إنه لمن نافلة القول في سياق بحثنا عن دواء لداء مجتمعاتنا، أن نتشبث بالثقافة الحقة، بمعنى الثقافة الإصلاحية المنبعثة من دواخل مهاداتنا الإجتماعية على سبيل إنارة الحاضر واستشراف المستقبل بشيء من الأمل.
إن الثقافات العربية/الإسلامية تقف اللحظة على مفترق طرق: فهي أما أن تبقى مشلولة، بلا حول ولا قوة، كي تحال الى رفوف المتاحف والمكتبات الجامعة لغبار الزمن؛ وإما أن تتفعل للاضطلاع بدور إجتماعي ذي بال.
إن ما أحاول أن اضعه على كاهل الثقافة ليس بالعبء اليسير تدبره، لأن الثقافة في سياق حالنا المخيف الذي تمتطيه آلهة الكراهية والضغائن إنما يتطلب الكثير من الجهد المستنير المرتكن الى ثوابت معرفية رفيعة تمنح المثقف مبررات النزول من علياء برجه العالي الى الجمهور الذي لم يزل يحسن الظن به وبوظيفته حتى اللحظة.
إن المهمة المجتمعية هي بدرجة من الأهمية والخطورة، ان مثقفنا لا يمكن أن يضطلع بها بمفرده. إن قرن الثقافة بالإصلاح إنما يتطلب جهداً فرقياً، وليس فردياً. المهمة المتشبثة بثقافة فاعلة ينبغي أن تبدأ من تطوير نخبة ثقافية Cultural Elite من النمط الذي لا تغمض له عين إلا بعد أن يضخ للجمهور شيئاً من تنوره ودرسه الأخلاقي. ولأن تطوير نخبة ثقافية لا يمكن أن يتحقق على نحو تلقائي فضفاض، تضطر الحكومات الراشدة الى خلق البيئة الموائمة لثقافة إصلاحية ذات دور عملي. لست أقصد الدور اللامجدي الصادر من مجمعات إعلامية دعائية، ولا من مراكز علمية لا تحسن سوى عقد المؤتمرات وإقامة الولائم على شرف الحضور، وإنما أقصد المساعدة على تكوين “مركز دماغي” Brain Center، عارف ومؤهل لمباشرة أحوال مجتمعاتنا رصداً وتحليلاً وعلاج. مثل هذه النخبة الثقافية ينبغي أن تعتصر تراث الثقافة العالمية، دون أدنى تلويث شوفيني، على سبيل إستخراج خلاصات تمنح عالمنا العربي الإسلامي موطيء قدم في مسيرة التقدم والبناء الكونيين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق