اللغة الشعرية زمن الكورونا:
الشاعر
عبد الحي إغبارية أنموذجا بقلم :الباحثة:- إيمان
مصاروة\\ الناصرة
للغة الشعرية معجم
وكيان خاص يميزها عن اللغات الأدبية الأخرى، فهي لغة موحية، تدلل على ذاتها من خلال بنائها المتميز والخاص،يقول
في ذلك الناقد الفرنسي في دراسته البنيوية
وعلم الإشارة، "ترنس هوكز"
أنها (أنها لغة إحساس وشعور ذاتي،
وتؤكد نفسها بصفتها وسيلة أعلى من الرسالة التي تتضمنها ، وتجلب النظر بشكل متميز
إلى نفسها، وتشدد بانتظام على صفاتها اللغوية، وبذلك ما رأت كون الكلمات مجرد
وسائط لنقل الأفكار، وإنما أشياء مطلوبة لذاتها، وكيانات محسوسة مستقلة ذاتياً(1)
وهذا ما يجعلها تحتل
الموقع الأول بين اللغات الأدبية المتعارف عليها، ولأنها تمتاز من فنون القول، وتلك الوظيفة التي
امتلكتها اللغة لا تتحقق إلا من خلال بناء خاص وتتحقق تحديدا
في بنية الشعر، حيث يتم بناء علاقات
جديدة بين الألفاظ والعبارات(بين المسند والمسند إليه)،لا يمكن تحقيقها في الواقع
للحصول على طاقة تعبيرية أكثر، لذا فإن(الانزياح) يعد من أهم آليات تحقيق هذه
الخصوصية للغة الشعرية، وهذا الانزياح عن المعيار اللغوي ينطلق من صميم التجربة
النفسية للمبدع الشاعر، لذا تصبح القصائد التي تهيمن فيها الوظيفة الشعرية، للغة
العاطفة ذاتها، صورة من صورة التجربة، وهو ما ينقل بعد ذلك الاهتمام إليها بوصفها
شخصية مستقلة، وهذا التعبير الذي ينبغي الوقوف عنده، ومعرفة طبيعة تشكليه، يقول
عزالدين إسماعيل:- (ربما كانت مشكلة اللغة من وجهة
النظر الجمالية الصرف أهم ما ينبغي الوقوف عنده، لأن اللغة كائن حي له كيانه وله
شخصيته، وليس أداة تعبيرية جامدة)(2) .
فليس من هم اللغة توصيل الفكر فحسب، فهذه مهام لغة النثر أيضا، بل
مهمتها الأكثر جدوى التأثير على المتلقي، وهذا التأثير لا يتم عن طريق الفكرة التي
تنقلها، بل من خلال كيفية التعبير عنها بلغة الشاعر أو الأديب.
لذا فهي خطت لنفسها طريقاً آخر في تشكيلها،اعتمدت فيه على (الانحراف
عن كل ما هو مألوف،ونجد في علاقات الألفاظ في بنية النثر وتشكيل صيغ حداثية ، مما
جعلها تصبح لغة متخيلة مجازية، قادرة على
أن تقول أي شيء، بل إن المجاز هو جوهر شخصيتها)(3). وهذا ما يجعل اللغة في
بناء الشعر أن (تتجاوز حدود الصور المحسوسة إلى صور المعاني المجردة)(4)
ولأن هذا العمق الذي توغلت إليه لغة الشعر، واختراقها لحواجز الذات، والوصول
إلى أعمق متاهاتها، ومن ثم قدراتها على كشفها والتعبير عنها، عجزت لغة النثر عن
الوصول إلى ذلك لأنها تدور خارج الأشياء، مكتفية بمعانيها من دون ملامستها، وهذا
ما يفقدها حرارة التعبير التي تنعكس أساساً في صور البناء ومن خلاله، وهي بالضبط
كما يصفها ادونيس(لغة انبثاق وإشراق لغة بصيرة وإيحاء)(5).
وتكون قد امتلكت وظيفتها الشعرية الفنية الجمالية وأصبحت(لغة الشعر)،
وهذا بالطبع بوجود الموسيقى، علما أن ما يميز شاعرا عن آخر أسلوب البناء لديه،
فلكل شاعر أسلوبه الخاص الذي يميزه ويفرضه في سياق التجربة الإبداعية التي يكتسبها من تجربته المعيشة، إذ
هي التي تقوم بمنح الدلالات الجديدة للألفاظ لتغادر دلالاتها الوضعية، لأن النص
عبارة عن بناء كامل وتام قائم على شبكة من العلاقات اللغوية بين الألفاظ، ولا يتم
المعنى للألفاظ إلا داخل هذه العلاقات، ومجرد
دخول المفردة للنص الشعري تتجرد من
دلالاتها في الواقع لترتدي دلالات جديدة تنتمي إلى طبيعة التجربة الشعرية لدى
الشاعر نفسه، وانطلاقاً من هذه الرؤية سنحاول دراسة اللغة الشعرية عند الشاعر عبد الحي
إغبارية، حول معجمه الشعري، و مستويات أدائه اللغوي.
المعجم
الشعري :
إن المعجم الشعري للشاعر عبد الحي إغبارية ، يمثل منبع اللغة التي ينتقي منها ما يريد من الألفاظ
والمفردات، ويخلق منها أيضا عالمه الشعري، الذي يعد:- (من مكونات الخطاب الشعري، فالحقل الدلالي هو
قطاع كامل من المادة اللغوية يعبر بها عن مجال معين من الحيز)(6)
فهذه الألفاظ التي ينتقيها الشاعر تصبح ألوانه وريشته اللغوية، إن جاز
التعبير، لرسم لوحته الفنية التي تمثل لنا صورة تجربته الخاصة .
كما أن الشاعر عندما يهندس ويشيد بناءه الشعري لا يعمل فقط على وضع الألفاظ
ورصفها، بل يضعها في سياقات متعددة وملونة قادرة على منحها دلالات جديدة، بعد أن
تخرجها من الدلالات الوضعية للحظة، وتنخرط في حقول دلالية جديدة،( تكشف عن أسلوب
لغوي خاص، يمثل هذه الحقول المعجم الخاص بالشاعر، وهذا الاغتراب عن المعجم لا يعني
خروجها، بل تبقى الألفاظ مرتبطة، وإن كان بروابط ضعيفة، فللغة الشعر الفضل في طريق
الخروج عن المعجم والاتصال به في الوقت نفسه)(7) .
وكل ذلك يكسب الخروجات عن
المعاني المعجمية للألفاظ دلالات جديدة، والتي تنتمي إلى المعجم الشعري الخاص
بالشاعر، والذي من خلاله يعبر عن تجاربه
الخاصة التي مثلتها السياقات الشعرية الموضوعة فيها هذه الألفاظ، ويخلق بذلك لغته
الشعرية الخاصة والمميزة لأسلوبه الشعري، ويبقى السياق الشعري هو المسئول عن منح
الهوية الشعرية الجديدة للألفاظ وتوظيفها
في هذه التجربة، إضافة لإحساس الشاعر في هذه السياقات:- (فالشاعر الحق هو من يتميز
عن سائر الناس بإدراكه لمعاني الألفاظ من قوة، فالكلمة عنده لا تفسر بالعقل وحده، ولكنها
تفسر كذلك بالقلب والخيال، فإذا ما ترددت لفظة في ذهنه كان لها أصوات مدوية في
داخل نفسه)(8). إذن ( فالألفاظ وعاء يصب فيها الشاعر شعوره ليحقق لنا
معاني تكون مرآة تعكس تجربته الخاصة التي تمخضت عن ظروف وتجارب عديدة، وعليه فإن الألفاظ
ليس لها ملجأ تأخذ فيه خصوصيتها وتدخل في التصوير إلا في الشعر،كما إن المعاني الشعرية
التي تحملها اللغة ترتكز على أساس مزدوج من المرجع والدال)(9)
ذلك لأن الشعر هو الذي يقوم باستفزاز
المعاني الدفينة في الألفاظ وإظهارها، فضلاً عن دور الكلمة نفسها، بما تحمله من بعد
جمالي قائم على أساس أصواتها، ومن خلال كل هذه الطاقات التي حققها الشعر للغة، يصبح
المعجم قدور الألفاظ والكلمات.
ويصبح في بناء القصيدة أكثر جدوى وأعمق أثراً،لأنها تصبح صوراً من صور
التجربة نفسها، طاقة تعبيرية كبيرة للمشاعر التي يلج بها العالم الداخلي للذات، فالشاعر:-
(ينقل الكلمات ذات الإيماء الفني)(10)
والشاعر عبد الحي إغبارية ابن المثلث من الشعراء الكبار الذين تميزهم
التجربة الشخصية ومن الذين مروا أيضا بتجارب مختلفة في حياتهم وشهدوا الكثير من
الأحداث، وهذا أدى إلى تنوع معاجمه الشعرية والفنية والأسلوبية واتضحت اللغة
الشعرية لديه مبكرا، ومن خلال الاطلاع على قصيدته الشعرية التي حملت اسم
"كورونا " وتتحدث عن الكورونا هذا الوباء الذي شن حربا على الوجود
الإنساني في العالم، لم يستطع كبح جماح الشعر ورغبة الشعراء بمزيد من التميز
ووصف الحال، ولم يقف أمام شاعرية عبد الحي
إغبارية الفذة حين كتب بألم وفرح وحزن وحكمة وأمل واصفا الحال من خلال لغته الشعرية.
ورصف الألفاظ في محاور دلالية عديدة أما أهمها، هي:-
1-0 ألفاظ الحزن
2-0 ألفاظ الموت
3-0 ألفاظ السياسة والوطنية
4-0 ألفاظ الطبيعة
ألفاظ
الحزن والموت:
لقد شاعت في قصائد الشاعر عبد الحي إغبارية ألفاظ عبرت عن تجاربه القلقة
والحزينة، والتي صورت لنا الحال بكافة
تفاصيله في الأيام والأشهر الأخيرة والتي وصفها باليأس والحزن ومأساة الوضع
بتفاصيله، حتى شكلت معجماً اجتمعت فيه مجموعة من الألفاظ ارتبطت بتلك التجارب خلال
معايشة الشاعر لرصد وترقب آخر الأخبار والأحداث وتطورها نتيجة تردي الوضع محليا
وعالميا مما أربك لغته الشعرية التي بدت أقرب إلى قاموس الحزن والموت معا، ومن هذه
الألفاظ :-
أغَمامةٌ \ ظُلمةٌ \ والَليلُ \ الموتِ \ سهمُ المنيَّةِ \ كأسَ الرَّدى \ مَذبَحَه
\ جُرحٌ \ ذرَّ الوباءِ \ تغتالُ \ تجرحَه \ العذابِ ومُرَّهُ \ أدماهُ الوباءُ \ حَزَّت سكاكينُ \ تدوسُ شيوخَها
\ وتصيبُ \ الموتُ \ شهادةٌ \ منكوبٌ \ جثامينُ \ القديد \ جثثٌ \ جثث \ نواعق \ جنائز \ مقابر \ حزن \ الخ
نقرأ قول الشاعر في قصيدته "كورونا"
ومما جاء في الحزن والموت ويبدأ قصيدته بالتساؤل عن هذه الغمامة ويقول:-
أغَمامةٌ فوقَ المدائِنِ سارِحَه
أم ظُلمةٌ والَليلُ مدَّ جَوانِحَه ؟
.
أم ذا ملاكُ الموتِ أطلقَ جُندَهُ
وخيولُهُم بينَ الخلائِقِ جامِحَه ؟
.
هذي قِسِيُّهُمُ تَطايرَ نَبلُها
وسيوفُهُم فوقَ الرُّؤوسِ مُلوِّحَه
وكذلك نلمس ونقرأ ألفاظ الحزن الدائمة في نص كورونا لشاعرنا عبد الحي إغبارية
ويلاحظ كم الحزن وجلد الذات من خلال
الشعور بالألم والجرح والترقب لما سيكون، ويطلق النصائح من أجل سلامة الجميع ، حيث
نتابع في قصيدته المعلقة ونقرأ له:-
ومَن ارتَضي عنهُ الغُزاةُ أصابَهُ
جُرحٌ واطلقَهُ الملاكُ وسرَّحَه
.
أمَّا مَن اختارَ السَّلامةَ وانزَوى
كَبقيَّةِ العُقلاءِ يلزمُ مَطرحَه
.
نالَ السَّلامة واتَّقى شَرَّ الجُيو
شِ وقد فَشَت بينَ الأنامِ مُسلَّحَه
.
إنَّ الوقايةَ من جنودِ اللهِ في
كلِّ الظُّروفِ منَ الأمورِ الفالِحَه
إن الألفاظ والمعاني التي صيغ
به هذا النص يكشف لنا عن مشاعر وجدانية مليئة بالمرارة والألم والترقب ، وتحققت من
خلال علاقة ذات الشاعر بالعام وبالآخر الذي يعاني من نفس الأجواء والظروف ومن أجل
أخذ الحيطة والحذر من هذا الوباء بعدم السلام
والضم والتقبيل، ويأتي على تفاصيل وكيفية نقل العدوى، مشيرا إلى مصدرها،
عقر دار الشرق، ونتيجة لهذا الشعور ظهرت في لغة النص ألفاظ عبرت عن هذه المعاناة،مثل:-
مشحونةٌ ذرَّ الوباءِ وقد كسا
في ظلِّهِ وجهَ الأديمِ ووشَّحَه
تغتالُ مَن ضمَّ الحبيبَ وقبَّلَه
تغتالُ مَن لاقى الصَّديقَ وصافَحَه
.
حَشَريَّةٌ تأوي إلى الأنفِ الحَسيـ
رِ وتنزَوي في صدرِهِ كي تجرحَه
.
وتَسومُهُ سوءَ العذابِ ومُرَّهُ
وتُذيقُهُ الكأسَ الزُّعافَ الرَّاشِحَه
.
ريحٌ أتَت من عُقرِ دارِ الشَّرقِ واجـ
تاحَت بلادَ الغربِ أيَّةَ جائِحَه
فإحساس الذات بالإرباك والقلق من مواصلة
الحياة بشكلها الطبيعي والتعامل مع الآخرين أفقد الشاعر إحساسه بنشوة الراحة والحب
وتقبل الآخر خوفا من العدوى ، بل أوصى الشاعر بعكس ذلك وكان حكيما بتتبع مخاطر هذا
الوباء، ولتحل محلها صور حزينة ومأساوية واصفة المخاطر والموت والأسى الذي نال من
وجدان الشاعر وأرهقه جدا، ونلاحظ ألفاظ كثيرة وردت مثل:-، ريحٌ أتت \ سوءَ العذابِ
\ تغتالُ من ضمَّ الحبيبَ وقبلهُ \ والسفحُ أدماه ُ \ هزت عواصفها \ الخ فان كل تلك الألفاظ تحدد حجم الخطر
والمعاناة والألم ،وقد عبرت عن ذلك بما جاء.
وللزمن في قصائد عبد الحي إغبارية أثر كبير في استثارة مشاعر الحزن
والأسى لدى الشاعر،ولاسيما الحاضر بمأساته الكبيرة، حيث الوقت الصعب الذي يمر به
العالم أجمع،التي تمثل غياباً للصور الشعرية التي تعبر عن مشاعر الحب والعاطفة
الكبيرة والتحليق مع لغة شعرية محددة تطرق باب الموضوع المستجد في الساحة العالمية،
لذلك نجد صور الموت والحزن والسياسة ممثلة بأسماء دول تملأ فضاءات قصيدته كورونا ونقرأ
قوله في ألفاظ دول تعبر عن سياسة محددة في التعامل مع هذا الوباء حين يقول:-
ألفاظ السياسة والوطنية
ريحٌ أتَت من عُقرِ دارِ الشَّرقِ واجـ
تاحَت بلادَ الغربِ أيَّةَ جائِحَه
.
إيطالِيا شقَّت لها أبوابَها
تركَت نوافذَها لها مُتفتِّحَه
وهذا النص واضح فيه حال أهل بلاده
ا وحال البلاد الأخرى التي تعاني من ظروف ربما أصعب من ظروف الشاعر وأهل دياره
وبلاده منها.
والواضح ان الشاعر يجمع الدول الكبرى في صور فوتوغرافية وإخبارية لما يجري بها من
مصائب وأحزان وعدم مقاومة المرض ويحاول أن يسجل نصه الشعري ليشهد التاريخ على هذه
المرحلة التي أخذ الجانب الصحي منحى الأولوية في الحياة بدل الحروب والاختلافات في
المصالح والحدود والهدم والهجرات الخ من معاناة تمر بها دول عديدة عالميا ودول
أخرى سقطت مع الربيع العربي، يقول الشاعر عبد الحي إغبارية. :-
إسبانِيا ! الحمراءُ دامٍ جُرحُهُ
باتَت بهِ نارُ الفَجيعةِ لافِحَه
.
ألِمانِيا، بْريطانِيا، فْرَنسا غَدَت
قُطعانُ كورونا عَليها سارحَه
.
والعمُّ سامٍ ( في جلالةِ قدرِهِ )
ذاكَ الّذي قَدَّ القَديدَ ولوَّحَه (11)
.
والمشرقُ العربيُّ راضٍ بالّذي
أجراهُ ربُّ العالمينَ ورجَّحَه
.
اَلعالمُ المغرورُ منكوبٌ وقد
أضحَت جثامينُ الألوفِ مسطَّحَه
.
والغربُ يَجثو حاضِنًا صُلبانَهُ
ويُدحرِجُ الشَّرقُ الشَّقيُّ مَسابِحَه
.
اَلكوكبُ الأرضِيُّ حُزنٌ كلُّهُ
سبحانَ مَن جمعَ القلوبَ الجانِحَه
أما موروث الشاعر العام فتمثل بالموروث الأدبي الخاص وهو ملهم الشعراء
ومصدراً مهماً لهم، أما شاعرنا عبد الحي إغبارية فقد أثر في إغناء الحركة الشعرية
بقصيدته لما حوت من تجربة شمولية لم
يشهدها العالم الحديث من قرن على الأقل، وكانت تحمل أفكارا حكيمة من خلال التوصيات
والتسجيلات وكذلك حملت أفكارا ومعانٍ لا تحصى ولا تعد، خاصة أنها تجربة إنسانية
للعالم أجمع،ونادت إلى الفائدة العامة حيث تجاهل الشاعر الأنا وخاض حربا من خلال
حرفه تعدت النطاق الشعري البحت، إلى فائدة شمولية ذات طابع إنساني عام، فكان
حرياً بالشاعر أن لا يتجاهل هذا الكنز الثمين من الخبرات والمعلومات التي وظفها في
سياقاته الشعرية المعاصرة، فيظهر من خلال ذلك أن الشاعر عبد الحي إغبارية يتأثر
إلى حد كبير بهذه المواقف التي يحملها الموروث العام من أحداث متسارعة، وهو أيضاً :-
(بغية الالتفات نحو الماضي الذي ينتسب إليه التراث)(12)
ويحاول الشاعر هنا رسم صورة حزينة
لشعوب العالم لما ألم بها فصور أنها امة منكوبة من خلال الجثث والموتى الخ حتى وصل
بهم الحال إلى هذا المكان من الحزن والدمار خاصة أن الإنسان أولا وأخيرا يجب أن
يحيا حياة طبيعية دون أمراض أو أوبئة تقتله فما كان يخافه الفرد الدمار الشامل من
الأسلحة والحروب أصبح بعيدا والآن يتأتى من وباء صغير لا نراه بالعين المجردة
ويتفشى ليصبح خطرا حقيقيا يهدد العالم .
أضحَت جثامينُ الألوفِ مسطَّحَه \\ جُثثٌ على الأكتافِ تَغدو رائِحَه \\ جُثثٌ إلى دارِ البقاءِ مُروِّحَه\\ جُثثٌ أوَتها النَّارُ تسحقُ عظمَها\\ جُثثٌ تَوارَت
في ثنايا الأضرِحَه\\
ونلاحظ هنا هذا التكرار لكلمة جثث التي
إن دلت على شيء إنما تدل على هول المصيبة التي ألمت بعالمنا الذي أصبح واحدا لا
تفرقه السياسة والحدود ولا تفرقه المصالح والأموال
ألفاظ الطبيعة
لا تخلو قصيدة تقريبا للشاعر عبد الحي إغبارية إلا وكانت حاضرة في
قصائده الطبيعة بجمالها الأخاذ ، لمننا نلاحظ في قصيدته كورونا علاقة الشاعر بالطبيعة من خلال ألوان تدل على هذا الحزن الكبير والإحباط واليأس
مما يحصل في العالم، ولذلك كان موضوع الطبيعة في قصيدته كورونا مختلفا عن قصائده السابقة، وقد
سجل بعض الكلمات التي تدل على علاقته وتصويره لذلك:-
ظُلمةٌ \ والَليلُ \ خيولُهُم \ ريحٌ \
صفراءُ \ الظل \ وجه الأديم \ والسفح \ هزَّت
عواصفُها\ الحمراءُ\ نار \ أزهارَ \
والمشرق\ العيش \ الكوكب الأرضي \ الخ
اَلكوكبُ الأرضِيُّ حُزنٌ كلُّهُ
سبحانَ مَن جمعَ القلوبَ الجانِحَه
.
يا ربِّ ! في طَيَّاتِ درسِكَ حكمةٌ
ومواعِظٌ لذوي العقولِ الرَّاجِحَه
.
ما كان درسُكَ مُبهَمًا كي نَهتَدي
ما عادَ وعظُكَ غامِضًا كي تشرَحَه
ولا بد من وقفة أخيرة مع شاعرنا عبد الحي إغبارية الذي أنهى قصيدته
" كورونا " بوصف كم الحزن الكبير الذي يجتاح الكوكب الأرضي والعظة من
هذا الدرس الذي أراده الله سبحانه وتعالى لإصلاح حال البشر ليهتدوا على الطريق
القويم.
_______________________________
ملاحق ومراجع :-
1 0البنيوية وعلم الإشارة، ترنس هوكز، ترجمة مجيد الماشطة مراجعة ناصر
حلاوي، بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 1986.ص59
2-0الاسس الجمالية في النقد العربي،عرض وتفسير ومقارنة د.عزالدين إسماعيل،مصر،دار
الفكر العربي،ط/3، 1974.ص329
3-0 مفهوم
الشعر،جابر عصفور،دراسة في التراث النقدي، دار التنوير للطباعة،بيروت، ط/2، 1982.ص250
4-0 اللغة الشعرية في الخطاب النقدي العربي تلازم التراث والمعاصرة،
محمد رضا مبارك،دار الشؤون الثقافية العامة ط/1، 1992.ص80\\
5-0 انظر سياسة الشعر،ادونيس
علي احمد سعيد،ط/3،بيروت، 1983.ص82
6-0المجالات الدلالية في القرآن الكريم،رسالة ماجستير/كلية الآداب-
جامعة بغداد،رزين كامل.
7-0انظر:- اللغة الشعرية في الخطاب النقدي العربي، ص84
8-0 فنون الأدب، هـ ب ، تشارلتن، ص17
9-0 0اللغة العليا،النظرية الشعرية، جان كوهن، المجلس الأعلى للثقافة،
المشروع القومي للترجمة، 1995.ص133
10-0الادب وفنونه،عزالدين إسماعيل،القاهرة، 1963.ص32
11 -0 عبد الحي إغبارية 21-4-2020
012-حركية الإبداع دراسة في الأدب العربي الحديث،د.خالدة سعيد،بيروت
دار العودة، ط/2، 1982.ص29
___________________
الباحثة والشاعرة :- إيمان مصاروة\\ الناصرة \\ الجليل
دراسة جادة وعميقة
ردحذف