الثلاثاء، 14 أبريل 2020

ما اللغة وما أصولها؟ (2) أ.د. محمد الدعمي





لاذ علماء الألسنية بقوانين التطور في محاولة للإمساك بأصل اللغة وتفسيره على سبيل كنه أسراره، الأمر الذي جعلهم يبدعون “نظر المحاكاة”، أي محاكاة الإنسان القديم لأصوات الطبيعة على سبيل تكوين الجذور الأولى للألفاظ وهي النظرية التي أطلق عليها عنوان: الــBow wow Theory، بمعنى أن الألفاظ الأولى التي نطق بها سكان الكهوف الأوائل، إنما تكونت من محاولة توظيف الإنسان القديم أعضاء التلفظ لاقتدار أصوات تحاكي أصوات الطبيعة، فإذا ما أراد الإنسان القديم أن يقول “نهر” أو “ماء”، أو “أسد” أو “دب”، فإنه يعمد إلى محاكاة الصوت الذي يطلقه الماء أو ذلك الوحش، كي يوصل رسالته إلى رفيقه إنسان العصر الحجري الأول، الأمر الذي جعل العلماء يطلقون وصف نظرية Onomatopoeic، وعلى نحو مشابه لمحاكاة الطفل والديه. وهذا الافتراض، برغم أهميته، لا يمكن أن يفسر كيفية تطور اللغة، ثم كيف تفرعت وتشعبت إلى عشرات اللغات؟ إذ توجد اليوم لغات لا يستعملها سوى عدد صغير من سكان كوكبنا، مثل قبيلة واحدة في الهند، قبيلة قد لا يتجاوز عدد أفرادها البضعة آلاف فقط.
زد على ذلك التعقيد صعوبات تفسير تشعب اللغة المنحدرة من جذر شجرة لغات واحدة إلى لغات شتى، كما هي عليه الحال مع اللغة العربية التي تشترك مع العبرية في أصل واحد، قوامه اللغات السامية العديدة؛ أي تلك اللغات من بنات عم العربية، كاللغات الأكدية والآشورية والكلدانية. وكذا الحال مع شجرة اللغات “الهندية الأوروبية” التي تنحدر منها اللغات “الجرمانية” القديمة والحديثة كالإنجليزية والألمانية وجميع اللغات الرومانسية كالإسبانية والبرتغالية والإيطالية، من بين سواها.
وإذا كانت التقنيات الرقمية الحديثة قد تخطت مطبات الاتصال بواسطة وتمكنت من ليِّها، فإن علينا التذكر دائما بأن اللغة إنما هي وجود معقد للغاية، ويحتاج إلى السنين والعقود والقرون كي يتطور على النحو الذي يؤهله ليكون قناة الوصل بيننا وبين سوانا من البشر عبر المعمورة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق