الثلاثاء، 14 أبريل 2020

للعزلة فضائلها بقلم : أ.د. محمد الدعمي



من الأخطاء الشائعة بين الناس هذه الأيام، وعبر العالم أجمعين، هو الوقوع في خيال مفاده أن المرء واقع تحت “الإقامة الإجبارية” بسبب ما جرته “جائحة كورونا” على العالم، وهو التفسير المشوه والمربك للدعوة العالمية العامة للتباعد الاجتماعي وللعزلة الاختيارية داخل بيت المرء أو منزل الأسرة على سبيل تجنب الاختلال بالمصابين بالفيروس القاتل Covid-19 ومن أجل لجم جماحه. والحق، فإن البقاء الاختياري داخل البيت يعني أشياء مفيدة أخرى جمة قد لا تخطر على بال المرء، إذ إنه يساعد على ممارسة رياضة المشي داخل أزقة الحي الذي يحيا فيه الإنسان، الأمر الذي سيساعد على تنشيط الدورة الدموية وعلى تعزيز الحيوية والنشاط عامة، زد على ذلك ما يلي:

(1) العناية بالحديقة المنزلية، إذ إن التركيز على ما هو داخل منزلك يمكن أن يفتح للمرء آفاقا واسعة، خصوصا بقدر تعلق الأمر باستثمار الحديقة المنزلية، دليل ذلك جهود الكثيرين لتحويل حدائق الزهور في منازلهم إلى “حدائق منتجة”، أي حدائق لزراعة النباتات الغذائية “العضوية” organic التي نبتاعها من الأسواق بأسعار مضاعفة، إذ تخرج ربة البيت إلى هذه الحديقة إن كانت بحاجة لحبة طماطم أو حبة فلفل حار أو أخضر، ناهيك عما تجهزه الحديقة المنتجة من خضار أخرى ومن فرص للعمل داخل البيت، دون التعرض لمخاطر الاختلاط بالمصابين بالفيروس المنتشرين في التجمعات السكانية الكثيفة. كما أنها فرصة نادرة (قد لا تحدث سوى مرة بالعمر) للعودة إلى الجذور إذا كان انحدار المرء الطبقي “فلَّاحي”، إذ سيعتني بالسقاية والبذر والقطف، ناهيك عن استنشاق الهواء الطلق الصافي، غير الملوث الذي يخنق الشوارع بأبخرته ودخانه.
(2) لا ريب في أن المكوث في المنزل لبضعة أيام يفتح للمرء آفاقا جيدة وجديدة كي يلوذ بالكتاب للقراءة واستكمال النواقص في ثقافته. زد على ذلك أهمية أن يؤسس “مكتبة منزلية” ليس له شخصيا فقط، ولكن كذلك لأبنائه وبقية أفراد أسرته من الذين سينمون في دار فيها مكتبة، أي “بيت علم”، ذلك أنه حتى لمشهد كعوب الكتب المصفوفة على رفوف المكتبة تمنح الطفل آثارا إيجابية، إذ إنها انطباع إيجابي في صلته بالمطبوع واحترامه. هذا موضوع مهم، قد لا يعيه المرء نظرا لعدم الاكتراث بالكتاب وبالقراءة بسبب “الأمية المقنعة” المنتشرة عبر عالمنا العربي بكثافة لبالغ الأسف.
(3) الهاتف والمهاتفات: فإذا لم تكن تملك الأسرة توصيلا بشبكة “الإنترنت” للإفادة مما تتيحه هذه الشبكة من وسائل اتصال وقنوات تواصل اجتماعي، يبقى الهاتف هو الملاذ الأخير للتواصل مع الجيران والأصدقاء والأقارب وعلى نحو آمن وأمين، أي خالٍ من أي احتمال للتعرض للإصابة بفيروس أو جرثومة: عقّم هاتفك بمادة معقمة، ثم تهاتف ما شئت ومع من شئت، وفي ذلك الكثير من الإيجابيات التي تهزم الضجر ومرور الزمن البطيء وتقلل من مخاطر الإصابة بالاكتئاب، وهو احتمال قائم بين الناس في مثل هذه الأيام الصعبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق