مالثوس بقلم : أ.د. محمد الدعمي
عندما هبَّ عشرات الكتَّاب والنقَّاد لمهاجمة نظرية توماس مالثوس Malthus (1766-1834) “السوداء” في السكان، لم يخطر على بال أحد بأن هذه النظرية إنما تصدق ولكن عبر تتالي العقود والقرون، خصوصا وأن بريطانيا حقبة إعلان هذه النظرية كانت تحيا ذروة عصرها الكولونيالي الذهبي، زد على ذلك ما جاءت به الثورة الصناعية من آفاق واعدة من الرفاه والوفرة. ولم تزل العديد من الأقلام تستذكر مالثوس بوصفه “رجلا سوداويا” يخلو من التطلع إلى وجود بشري عام يحيا بسعادة.
تتلخص نظرية مالثوس “السكانية”، في فقرتين أساسيتين، هما: (1) أن أعداد السكان تتضاعف على نحو “متوالية هندسية”؛ و(2) بينما يتضاعف إنتاج الغذاء عبر العالم على نحو “متوالية عددية”. ويصب ذلك في نبوءته بأن سكان الأرض سيتزايدون بسرعة فائقة، لا يمكن لوتيرتها التوافق مع تزايد إنتاج الغذاء الذي تجود به الأرض. لن يلبي الغذاء في المستقبل حاجة السكان المتضاعفة. ويؤدي عدم التوازي والتوافق بين وتيرتي الزيادة السكانية والغذائية إلى آلام مبرحة تتوعد البشرية جمعاء، بدليل حدوث هجرات سكانية مهولة من أقاليم “علب السردين” المزدحمة باتجاه الأقاليم السكانية الأقاليم الأدنى كثافة سكانية، والأكثر وفرة الموارد الغذائية، بوصفها آلية لتحقيق التوازن بين مختلف دول وأقاليم العالم. وها نحن نشهد بأعيننا كيف يغزو الهنود القادمون من شبه القارة الهندية التي تنوء بأعباء الفوائض السكانية الفظيعة باتجاه، أميركا الشمالية من اجل لقمة العيش أو نحو أوربا لتحقيق الثروات الأسطورية في بلاد خير معطاء بحاجة إلى الموارد البشرية العاملة. وتنطبق ذات الحال على الصين، إذ تجد الصينيين في كل مكان عبر قارات الأرض، بحثًا عن الغذاء والوجود الاقتصادي الأكثر رفاهًا!واستكمالًا لمعطيات نظرية مالثوس أعلاه، فانه يتنبأ، بل ويتوقع زيادة في الحروب وآثارها التدميرية على البشرية، كآلية من خلال إنقاص أعداد السكان بنيرانها الحروب الفتاكة. كما وأنه يتوقع حدوث الكوارث الطبيعية عندما يفقد كوكبنا القدرة على تحمل أعداد السكان المتزايدة، الأمر الذي يؤدي إلى تضاعف حصول الكوارث الطبيعية على أنواعها، من البراكين إلى الهزات الأرضية والانزلاقات و”التسونوميات”، وجميعها تؤدي إلى إزهاق أرواح العشرات، بل وأكثر من البشر، الأمر الذي يقود كذلك إلى إنقاص أعدادهم. بل إن “زمن الكورونا” الذي نحياه الآن ونشهد آثاره القاتلة عبر قارات العالم وهي تتلاحق تترى، إنما هو لدليل آخر على أن هذا الرجل (مالثوس) لم يكن مجرد رجل سادي وسوداوي يكره البشرية، بل هو كان رجل يتمتع بالرؤية العلمية الواضحة، الرؤية ليست فقط تحت أقدامه وحواليها، وإنما “الرؤية” المستقبلية الأبعد التي تفسر “عدالة السماء”، حسب معاييرهم هناك، إذ يحصد فيروس كورونا اليوم مئات الأفراد من سكان البلدان المزدحمة كالصين والهند والباكستان، ومن القارات التي تنوء بأعباء سكانها، كأوروبا، ناهيك عن المدن المكتظة، حيث يبتلى مواطنوها بهذا الفيروس غير الرحيم، كنيويورك ولوس أنجلوس، من بين سواهما!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق