الأربعاء، 23 يناير 2019

جروح التلميذ صادقة ترجمة بروفيسور حسيب شحادة جامعة هلسنكي





في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة بالعبرية، رواها فخري بن شاكر بن خليل مفرج المفرجي الحولوني (رفائيل بن يششكر بن أبراهام مرحيب همرحيبي، ١٩٣١- ٢٠٠٢) بالعبرية على بنياميم صدقة (١٩٤٤-)، الذي أعدّها، نقّحها، ونشرها في  الدورية السامرية أ. ب. - أخبار السامرة، في العددين ١٢٤٠-١٢٤١، ٥ حزيران ٢٠١٧، ص. ٨٩-٩١. هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها: إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية والبرتغالية) بالخطّ اللاتيني.
 بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون (١٦٠ بيتًا تقريبا)، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين بالدراسات السامرية، في شتّى أقطار العالم. هذه الدورية، ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن الشقيقين، بنياميم (الأمين)  ويفت (حسني)،  نجْلي المرحوم راضي صدقة الصباحي (رتصون صدقة الصفري، ٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠). مهابة حضرة الكاهن الأكبر توفيق بن خضر (متسليح بن فنحاس) قُل لي هل عرفتَ أصلًا الكاهن الأكبر، توفيق بن خضر، رحمة الله عليه؟“. أيشٍ هذا، إنّه توفي قبل أن وُلدتَ بأكثرَ من سنة. صحيح، في القصّة كنتُ غلامًا يافعًا ابن اثني عشر ربيعًا عند موته. لقد شرّفني الله، ليس في التعرّف عليه فحسب بل وبخدمته. ليس كلّ إنسان يستحقّ هذا الشرف العظيم، سواء صدّقتني أم لم تصدّقني. من لا يعرف الكاهن الأكبر توفيقا، الذي اعتدنا على تسميته بأبي واصف، لا يستطيع أن يتصوّر كُنه هالة الاحترام.؟ إنّه كان نبيًّا، نبيًّ بحقّ وحقيق، صدّقني، كان على ما يبدو نبيّا في جيله.
 ماذا أقول لك؟ لا أستطيع أن أصف عظمته بالكلمات. ولكن، في جُعبتي قصّة ملائمة، تصف لك مدى عظمة أبي واصف الخارقة. إنّها قصّة لم أسمعها ولكن حصلت معي شخصيًا وأرويها لك. ماذا أقول لك؟ من الصعوبة بمكان وصف الرجل بالكلمات. طوبى لي لأنّني حظيت بخدمته، وكان هذا شرفًا كبيرًا لي وأيّ شرف. كم أشتاق إلى شخصه، وكم وددت أن يكون لنا كاهن مثل أبي واصف. ما أسرُده عليك أتذكّره كأنّه حدث لي فقط البارحة. ضربات المِسطرة على أصابع اليد ذات يوم، ذهبت في الصباح الباكر إلى المدرسة، وبينما كنت نازلًا في الطريق، لاحظت من بعيد شخص الكاهن الأكبر أبي واصف. تصرّفت مثلما كان يتصرّف كلّ الناس عند رؤيته، انحرفت عن مساري مهابةً، وانتقلت إلى الجانب الآخر من الشارع خوفًا من نظرته المرعبة. كان ذلك عند الساعة السابعة والنصف صباحًا تقريبًا، أو ربّما الثامنة إلا عشر دقائق، لا أذكر بالضبط. رآني الكاهن الأكبر أبو واصف ودعاني برفع يده تعال هون يا ولد، أنا عاوزك“. تقدمّت نحوه وأنا أرتجف من الإنفعال، هكذا كانت حال كلّ منِ استدعاه الكاهن من الانفعال والخوف. ”تعال، لا تخف !“، هدّأني، ثم قال بصوت حازم خُذ هذه النقود واشتر لي رِزمة من التبغ/التمباك“. كانت لديّ عشر دقائقَ لحين قرع جرس المدرسة، قلت للكاهن بخوف عظيم ولكنّي مستعجل إلى المدرسة وإن تأخّرت فسيضربني الأستاذ عبد الهادي“.
 لا تهتمّ/ولا يهمّك، قال لي الكاهن أبو واصف مضيفًا ”قل له إنّني بعثْك لشراء شيء ما من الدكّان ولذلك تأخّرت“. خطفت النقود من يد الكاهن وطرت كريح عاصفة إلى الدكّان. اشتريت التبغ، سلّمته للكاهن وركضت فورًا إلى المدرسة. تأخرّت ربّما دقيقة أو حتّى نصف دقيقة لا أكثر. استدعاني الأستاذ عبد الهادي حالًا، لماذا تأخّرت؟، أخبرته بما حصل؛ ”أنت كذّابصاح بي عبد الهادي هذا غير صحيح، أنت تكذِب“.
 الحقّ يُقال، عندما طلب الكاهن ما طلب تردّدت كثيرًا ولم أعرف ما الأفضل، فكّرت وعلمت أنّه إن لم أُلبّ طلب الكاهن الأكبر توفيق، فعليّ توقّع ضرب مبرِّح من أبي، وإن لبّيت طلبه فعليّ انتظار ضرب المعلّم، وفضّلت الإمكانية الثانية. ”ضُمّ/اقبض أصابعك، صرخ الأستاذ، وضربني عليها بالمِسطرة فنزف الدم منها. في ذلك اليوم لم أتمكّن لا من الكتابة ولا من الإمساك بأيّ شيء. حلويات كتعويض عند عودتي إلى البيت سألتني والدتي روزا فورًا ماذا جرى لك؟، شرحت لها، استغربت قائلة: هل طرأ على بالك أصلًا عدم تلبية طلب الكاهن أبي واصف؟ في اليوم التالي، التقى بي الكاهن الأكبر بنفسه، سألني عن سبب تضميد أصابعي وأخبرته بما جرى. ”لا عليك يا فتى، سأتدبّر الأمر  قال. في نفس ذلك اليوم شاهدت الكاهن الأكبر يدخل المدرسة ويتهامس مع الأستاذ. ترك عبد الهادي كلّ أشغاله وخرج لإعداد الأرجيلة للكاهن الذي كان يجلس على مقعد في حديقة المدرسة. حاولت سماع محادثتهما، ولكنّي كنت بعيدًا أكثر من اللزوم. على حين غِرّة، استدعاني الأستاذ قُبيل الظهيرة. خفت كثيرًا، من يعلم كم سأُضرَب من جديد، ولكن بدل ذلك ربّت عبد الهادي على كتفي وعانقني، أعطاني حلويات، فواكه وهدية صغيرة وقال لي الآن، تستطيع أن تذهب إلى البيت“. في الحقيقة كنتُ مذهولًا، رحت وقصصت لأبي. ”أفهم لماذا تلقّيت كلّ هذه الهدايا، ضحك أبي، الكلّ بفضل الكاهن أبي واصف، ألا تدري أنّ المعلّم عبد الهادي وحتّى المدير نفسه لا يساويان شيئًا مقارنة بأبي واصف“. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق