السبت، 4 فبراير 2017

تأثيل شعبي للاسم ’’ياسر عرفات‘‘ ساعد في إقامة المُتحف السامري


 
حسيب شحادة

جامعة هلسنكي

 

التأثيل أو التأصيل أو علم أصول الكلمات، هو فرع معقّد من فروع علم اللغة منذ القِدم، يُعنى في البحث في أصول الكلمات وتاريخها وتطوّر دلالاتها عبر العصور والسياقات المختلفة، ويُعرف علميًا بالكلمة Etymology، وهي يونانية الأصل Etymos + logos أي أصل/حقيقة اللفظة“. يتطلّب العمل في هذا الفرع غير الشائع نسبيًا، من الباحث معرفة واسعة وعميقة ببضع لغات، بأصول علم اللغة، وبمواضيع أخرى كثيرة من تاريخية وجغرافية واجتماعية وحضارية. المطبّات في هذا الفرع كثيرة وخطيرة، ولذلك نرى أن قلّة من اللغويين المعتبرَين، تلج هذا الفرع اللغوي في عصرنا الحديث.

إلى جانب هذا العلم، هناك ما يسمّى بـالتأثيل الشعبي“ (Folk etymology)، ويقوم به مَن ليس أهلًا للقيام بمثل هذه البحث الشاقّ والشائق، وهم عادة من أبناء الشعب البسطاء، كما ينمّ عن ذلك المصطلح المذكور. في كل لغة أمثلة لهذا التأثيل الشعبي، وفي اللغة العربية نجد، على سبيل المثال: أصل الإنفلونزا هو أنف العنزة؛ أصل اسم الكاتب الإنجليزي شكسبير (١٥٦٤-١٦١٦) هو الشيخ زُبير؛ أصل اسم مدينة نابلس هو ناب+ لُس، ولُس اسم ثعبان سام خطير قُضي عليه أمام بوابة المدينة (الصواب: الأصل يوناني نيابوبليسأي المدينة الجديدة)؛ أصل الكلمة فنجانهو الكلمتان فَن + جان، أي أنّ قراءة الفنجان هو ”فن الجان، الساحر“ (حول أمثلة إضافية من هذا القبيل، ينظر مثلًا  في مقال لي على الشبكة بعنوان: تأثيل آدم من أديم الأرض والمسيح من المسح بالزيت؛ وكذلك في الرابطين:


                 

التأثيل العلمي للفظة فنجانيقول بأنّ الأصل يوناني وهو pinaks ومن اليونانية دخلت الكلمةُ  اللهجاتِ الآراميةَ ومنها الآرامية البابلية، ومنها إلى الفارسية، ومنها إلى العربية فالعبرية (تغيير في الدلالة، غلاي) ومن العربية إلى التركية، ومنها إلى الهنغارية والبلغارية والصربية والبولونية (أنظر: يحزقيل كوتشر، كلمات وتاريخها. القدس: كريات سيفر، ١٩٦١، ص. ٩٣-٩٥، الكتاب بالعبرية)؛ ولفظة بابلمعناها بلبلة الألسن بحسب الرواية التوراتية والصواب أنها تعني باب الإله“.

شاهدت مؤخرًا يوتيوب بعنوان الشهيد الراحل ياسر عرفات وعلاقته الطيّبة بالطائفة السامرة، وهو مقابلة ميساء، مندوبة فضائية النجاح الفلسطينية مع الكاهن حسني واصف توفيق خضر السامري النابلسي (١٩٤٤ــ)،  شقيق الكاهن الأكبر الحالي، عبدالله (١٩٣٥ - ، كاهن أكبر منذ ٢٠١٣)، ومدير المُتحف السامري على جبل جريزيم، لمناسبة الذكرى الثانية عشرة لرحيل الرئيس ياسر عرفات. أُقيم هذا المُتحف الذي يطمح أن يكون جسرًا للسلام  بين كل الطوائف، قبل عِقدين من الزمان، وقد ساعد أبو عمّار في إقامته، بعد أن فسّر له الكاهن حسني واصف معنى اسمه ياسر عرفات، كما سنرى لاحقا (الاسم الحقيقي لعرفات هو: محمّد عبد الرؤوف القدوة الحسيني، ولد في ٢٤ آب عام ١٩٢٩ في القاهرة وتوفي في ١١ تشرين الثاني ٢٠٠٤ في مستشفى في باريس إثر تسميمه).

مدّة هذا اللقاء هي ١٧ دقيقة تقريبًا، ويُنظر في الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=21JCQhtUS2k&feature=youtu.be وقد اطّلع عليه حتى كتابة هذه الأسطر تسع وتسعون شخصًا، وهو موجود على الشابكة منذ السادس من كانون الثاني الماضي. في المقابلة يتطرّق الكاهن بشكل أساسي لدور الرئيس الشهيد الراحل، الأب، الأخ، المساعد، الرمز، القائد، الثائر، الأب الحنون، كما دعاه، في تقديم الدعم للطائفة السامرية، مثل المساعدة في بناء المُتحف الذي يديره الكاهن حسني نفسه، ومنح عضوية (الكوتا) في المجلس التشريعي للكاهن الأكبر المرحوم سلّوم بن عمران بن إسحق (١٩٢٣-٢٠٠٤، كاهن أكبر لسنتين ونصف تقريبا) عام ١٩٩٦. كما وأعرب الكاهن حسني عن رغبته في أن يحذو الرئيس الفلسطيني الحالي، السيد محمود عباس،  الخليفة الصالح، حذو الراحل عرفات بخصوص تأمين عضوية سامري في المجلس التشريعي الفلسطيني. كما وذكر الكاهن أن الرئيس الراحل قد أطلق أحيانًا اسم اليهود على السامريين  وذلك بحسن نية، وهذا غير صحيح. وعلّق الكاهن حسني قائلا الدين اليهودي بالنسبة لنا بدعةوأضاف مفسرًا معنى التسمية السامريونأي الشاميريم أي المحافظين على الدين، التوراة، أسفار موسى الخمسة. وتوراة السامريين تختلف عن توراة اليهود الربانيين في سبعة آلاف موضع تقريبا. مساعدات عرفات للسامريين لا تعدّ ولا تحصى. ”إنه عمل دولة من ولا إشي، لا سلام بدون إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس؛ وذكر حسني أن عرفات قال لو أعطيت شبر من أرضي لأقمت دولتي“. وأضاف حسني، محافظة نابلس مثل يحتذى به بخصوص التآخي بين الديانات الثلاث السامرية، المسيحية والإسلامية؛ السامريون هم السلالة الحقيقية لبني إسرائيل، لديهم أقدم عادات وּּأقدم توراة وأقدم تاريخ وأقدم لغة“.

ومما ذكره الكاهن حسني واصف في هذا اللقاء، تلك المعركة القوية التي دارت بين عرفات والجنود الإسرائيليين في شارع ٢٤ في جبل النار، حيث أنّ رصاصة أصابت حائط بيت الكاهن، عابرة بين رقبته ورقبة ابن عمّه فضل (بن إبراهيم بن خضر، نائب الكاهن الأكبر الحالي، أشكر صديقي عزيز الكاهن نجل صديقي المرحوم الكاهن الأكبر، أبي شفيق يعقوب بن عزّي ١٨٩٩-١٩٨٧، كاهن أكبر منذ ١٩٨٤حتى وفاته، على موافاتي باسم فضل الكامل)، اللذين كانا جالسين بجانب النافذة يراقبان مجرى المعركة. بضعة سنتمترات فقط فصلت بين الرصاصة وبين عنقي حسني وفضل. هذا الحادث، كما يقول الكاهن حسني، أدّى إلى التوصّل إلى معرفة تفسير اسم ياسر عرفات بحكمة الله،  وخلق ترابطًا خاصًّا بينه وبين أبي عمّار. وعرفات شيء خاصّ بالنسبة للكاهن. وبعد تردّد ما، حاول الكاهن الإجابة عن سؤال طرحته ميساء المحاورة في اللقاء التلفزيوني، عن تفسير الاسم ياسر عرفات“.

أجاب الكاهن: في العربية الاسم مكوّن من: يا+ سر + عرفات أي: سِر إلى جبل عرفات، ولا حجّ في الإسلام، كما هو معروف،  بدون الوقوف على جبل عرفات؛ أو أمامنا- يا سر عرفات - أي في هذا الشخص سرّ خاصّ، قدسية، أشياء كثيرة، وميساء تعقّب: سحر كوني.

وهناك تأثيل آخر يرتكز على اللغة العبرية السامرية كما ذكر الكاهن حسني، والاسم بموجبه مؤلّف من: يشر + عرف + -ات (المقصود: ישר + ערף + -את) والفعل الملفوظ yeyassar يعني يؤدّبو āråf˓ أي עֹרֶף، الرقبة فالمعنى: يؤدّب غلاظة الشعب الإسرائيلي من أوله إلى آخره، إذ أن الألف (آلاف) أول الحروف الهجائية والتاء (تاف) آخرها. يُذكر أنّ الفعل العبري ישר المقابل تأثيليًا للفعل العربي يسر، يعني ”قوِّم، إجعله مستقيمًاويلفظ بالشين وليس بالسين كما نطق به الكاهن حسني، كما ورد في سفر العدد ٢٧: ٢٣،  yīšår وينظر في مواضعَ أخرى في التوراة مثل سفر العدد ٢٣: ١٠؛ سفر التثنية ٣٢: ٤، ٦: ١٨، ١٢: ٨، ٢٥، ٢٨؛ سفر الخروج ١٥: ٢٦. ثم يا تُرى ما الصلة بين -ات في عرفات وأوّل الحروف وآخرها، أين المنطق البسيط؟ وهذا يذكّرني بتفسير قرأته في أكثرَ من مخطوط سامري بالعربية، يقول بأن التوراة كاملة ولا تحتاج لأسفار أخرى كالأنبياء والمكتوبات، كما لدى اليهود، لأنها تستهلّ بالحرف باء وتنتهي بالحرف لام  وبلفي حساب الجُمّل يساوي ٣٢ وهو عدد أسنان الشخص البالغ، وعليه فالتوراة كاملة بالغة (ما شاء الله !!!). لا ميساء ولا الكاهن حسني ابن الكاهن الأكبر واصف (وشقيق الكاهن الأكبر الحالي عبد الله)،  تطرّقا إلى ردّ فعل عرفات عند سماعه لهذا التأثيل غير العلمي.

مثل آخر للتأثيل الشعبي المفتقر لأبسط الأصول العلمية،  ذكره الكاهن  نفسه في موضع آخر https://www.youtube.com/watch?v=9SjEhN2PftU&feature=share حيث ذكر في سياق حديثه أن أصل الاسم جريزيم، المذكور في التوراة السامرية ثلاث عشرة مرّة، في حين أن القدس غير مذكورة فيها، هو من أچْزارِم أي جزّار يعني أن الذبيح يجب أن يكون على قمّة جبل جريزيم“.

الجدير بالذكر أن الكاتب السامري المشهور، أبو الحسن إسحق بن فرج بن ماروث الصوري، (والد الطبيب والنحوي المعروف شمس الحكماء، أبو إسحق إبراهيم بن فرج بن ماروث)، الذي عاش في أواخر القرن الحادي عشر وبدايات الثاني عشر، يقول في كتابه الشهير ”الطبّاخ“ ما يلي ”...الدي يدل علي ان القبله والمقصد بعبادة الله تعالى/جبل البركه المسمي في الشرع الشريف ההר גריזיم/ ومعني هذه اللفظه جبل العباده للمنقطعين الي/ الله وهو معروف يستدل علي معرفته بعشر حدود/...“ (الخط / علامة على آخر سطر وبداية ما يليه، أنظر المخطوط Manchester John Rylands Sam 9A، ص، ١١٥ب وأنظر أطروحة الدكتوراة:

Gerhard Wedel, Kitāb aṭ-Ṭabbā des Samaritaners Abū l-Ḥasan aṣ-Ṣūrī. Kritische Edition und kommentierte Übersetzung des ersten Teils. Berlin: Freien Universität Berlin 1987, p. 147).

كنت قد ذكرت هذا التفسير باختصار في أطروحتي للدكتوراة: الترجمة العربية لنص توراة السامريين، مدخل لطبعة علمية، ثلاثة أجزاء، القدس: الجامعة العبرية، عام ١٩٧٧، بإرشاد الأستاذ زئيڤ بن حاييم (١٩٠٧-٢٠١٣، ج. ١ ص. ١٧٠، ج. ٢ ملحوظة رقم ٧٩٩، ص. ٨٣ [الأصل بالعبرية]). وما زلت أذكر جيّدًا أن هذا الشرح قد لاقى استحسانًا واضحًا عند مرشدي في منتصف سبعينات القرن الماضي، بالرغم من أنّه كان قد ذكر شرحًا آخر في ما كتبه عن جبل جريزيم في الموسوعة التوراتية في العام ١٩٧٣.

 

(قبل بضع سنوات كتبت عرضًا ومراجعة ضافيين لكتاب: التيه الإسرائيلي في شبه جزيرة سيناء، تأليف الكاهن حسني واصف السامري، مركز السامري الطيّب، نابلس - جبل جرزيم، فلسطين. القدس - بيت حنينا، فلسطين، دار نشر جامعة القدس، ط. ١، ٢٠١٢، ٢٨٧ ص. ISBN-13-978-9950-384-00-2؛ وقد صدرت مؤخرًا ترجمة له بالإنجليزية؛ أنظر: أ. ب. -أخبار السامريين، ١١٢٦-١١٢٧، ١٥ كانون الثاني ٢٠١٣، ص. ١٠٣-١١٣؛ خلاصة بالعبرية وبالإنجليزية في أ.ب. -أخبار السامريين ١١٢٨-١١٢٩، ١ شباط ٢٠١٣، ص. ١٤-١٥، ٦١-٥٩؛ أنظر أيضا   http://shomron0.tripod.com/2013/janfeb.pdf))

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق