الأحد، 18 أكتوبر 2015

إستعراض لقصَّة " توبة ثعلب " - للأطفال - للأديب والشَاعر الأستاذ " سهيل عيساوي "


 

 (  بقلم : حاتم  جوعيه - المغار - الجليل )  

 
 

مقدمة : قصَّة  "توبة ثعلب "من تأليف الأستاذ "سهيل إبراهيم عيساوي " من  سكان  قرية " كفر مندا " -  الجليل الغربي ،  تقعُ  في  30 صفحة  من الحجم  الكبير ووضعَ  الرسومات الداخليَّة  وصورة  الغلاف الخارجي على الوجهين الفنانة التشكيليَّة ( بثينه حلبي )  .  وقد  ترجمتها للعبريَّة " بروريا هورفيتس ) وفي  كلِّ  صفحة من  هذه القصَّة  وُضِعَ النصُّ الأصلي  باللغة العربيَّة بقلم المؤلف"سهيل عيساوي"وتحته مباشرة الترجمة باللغة العبريَّة . 

 

مدخل :  تتحدَّثُ  القصَّةُ عن ثعلب  ماكر ومحتال ومخادع  وخبيث  يرسم  ويعملُ  الحيلَ  والمكائدَ  والمقالبَ مع  جميع  حيوانات  الغابةِ  على مختلف أصنافهم  وأنواعهم ولم يسلم حيوانٌ من شرِّهِ  وخداعِه  ومقالبِهِ فانفضَّت مِن حولهِ جميع الحيوانات، والبعضُ كانَ  يضمرُ لهُ  الشِّرَّ والإنتقام لأجل مكرهِ  وأفعالهِ الشرِّيرة . فهذا الثعلبُ كان قد أوقعَ بالأسد ملك الغابة بعد أن اصطادَ غزالا بعد  مطاردة  طويلة  وجهد  جهيد  فصبرَ الثعلب  حتى أن  نام الأسد  فتسلَّلَ خفيةً وقام بسحب الغزال بعيدًا والتهمَ الفريسة وحدهُ بشراهةٍ وجشع.. فأقسمَ الأسدُ  بعد  أن  صحى من النوم أن ينتقمَ  من الأسد  أشدَّ  انتقام  لأجل فعلته هذه  .  وأوقع  الثعلبُ أيضا  الخلاف والعداوة  بين الزرافات  وحمير الوحش أثناء الشرب على الغدير..حيث قام بإقناع كلٍّ منهم أنَّ  الآخرَ سوف يحتكرُ  ماءَ الجدول لنفسِهِ  .  وضحكَ  أيضا على الغراب الذي  كان  يلتقطُ  قطعةَ جبنٍ فأقنعهُ أنَّ صوتهُ جميل فسقطت القطعة من منقارهِ  فانقضَّ عليها الثعلبُ والتهمَهَا.  وعملَ الكثيرَ من المقالب مع باقي الحيوانات..ولهذا جميع الحيوانات  والطيور غضبت عليه  وأضمرت  لهُ  الشرَّ والإنتقام  كلٌّ حسب طريقتهِ ..  فأصبحَ  الثعلبُ  منبوذا  ومطرودًا  ووصلَ  لمرحلةٍ  أنهُ  أصيب بالإكتئاب  وَملَّ هذه الحياة  وشكى أمرَهُ  لطائر النورس الذي كان يقف على غصن  شجرةٍ  فلامَهُ الأخير لأفعالهِ  وأعمالهِ  الشريرة التي جَرَّت عليه كلَّ هذا البلاء  وأصبحَ منبوذا من الجميع .. وأرشدَهُ أنَّ هنالك  مغارةً  في أعلى الجبل  من يشرب من مائِها يتغيَّرُ في الحال شكلُهُ وجسمُهُ  ويصبحُ  شخصا آخر ولا يستطيعُ أحدٌ من معارفهِ أن يتعرَّفَ عليهِ..فامتثلَ الثعلبُ لقول طائر النورس وذهبَ مباشرةً  وبسرعةٍ إلى المغارة السحريَّة ودخلهَا  وشربَ من مائِها فتغيَّرَ جلدُهُ وشكلهُ بسرعةٍ  وأصبحَ خروفا وديعا  مسالما .. فخرجَ من المغارةِ  وبدأ  يلتهمُ العشبَ  بنهَمٍ  فشاهدَهُ  قطيعٌ من الخراف  فظنوهُ خروفا  بالفعل ظلَّ وتاهَ عن القطيع فضمُّوهُ إليهم وأصبحَ واحدًا منهم وتناول العشبَ  وشربَ معهم .. وأصبحَ  هذا  الثعلبُ  يمرحُ  ويقفزُ من  مكان  لمكان  بخفَّةٍ  وتغيَّرت كلُّ أحاولهِ وصفاتهِ وتصرفاته ونفسيَّته  فغدا خروفا بالفعل ..ولكنَّهُ  بعدعدَّة أيَّام بينما كان قطيعُ الخراف يستريح بعد رحلة طعام أن نظرَ للقطيع  وسالَ  لعابهُ واحمرَّت عيناهُ  وبدأ  شكلهُ وجسمُ  يتغيِّرُ ويتبدَّلُ  بشكل رهيب  ومخيف  فشاهدتهُ الخراف وأحسَّت بالخطر المحدق الذي سينتجُ  منهُ  فولَّت  هاربةً..ورجعَ الثعلبُ إلى أصلِهِ ومعدنِهِ وحقيقتِهِ  ثعلبا محتالا مخادعا  لئيما ومفترسا .  

 

تحليلُ القصَّة:هذه القصَّةُ كتبَت ونسجت فصولُها ولوحاتُها على أسلوب قصص كتاب كليلة ودمنة  للكاتب والأديب الكبير في العصر العبَّاسي "عبد الله بن المعتز " التي وضِعت على ألسنةِ الحيوانات .. وكانَ من  وراء كتاب كليلة ودمنة أهداف سياسيَّة  بحتة وهي: إنتقاد نظام الحكم والوضع السياسي والإحتماعي الذي كان سائدا  آنذاك  والذي لم يرض الكاتب ، وكان الأديبُ ابن المقفع  يخافُ من الحكام ( الخليفة العبَّاسي والدولة العبَّاسيَّة ) ولم يجرؤ على أنتقادهم مباشرة  خوفا من القتل  فاضطرَّ أن يضع  قصص كتابهِ على ألسنة الحيوانات ...وكان من وراء هذا الكتاب النفيس أهداف وأبعاد عديدة : إنسانيَّة  وفكريَّة  وتعليميَّة   وتثقيفيَّة   وترفيهيَّة  ولإعطاء  الدروس  والعبر والمواعظ  لمن  يفهمها .

   والكاتب " سهيل عيساوي" بالطبع قد أطلعَ على كتاب كليلة ودمنة  وقرأهُ بعمق وتأثّرَ بهِ  مثلهُ مثل  كلِّ اديب وكاتب..وصاغ قصَّته هذه التي نحن في صددِها على  نفس النمط  وبنفس التوجُّه  والرُّؤيا .. ولكن  بأسلوبهِ  وطابعهِ وخيالهِ الخاص ..خيال الشاعر واسع الآفاق  والفنَّان المبدع .. فيفتتحُ  ويبدأ  القصَّة  بوصفٍ  شاعريٍّ جميل  لمنظر الغابةِ  المترامية الأطراف المتربِّعة على سلسلة جبال وروابي ( صفحة 6 ) ..وكيف أنَّ الحيوانات من كلِّ حدب وصوب تبحث عن قوتها وطعامِها .. والطيورُ تحلِّقُ في السماء عاليا بحريَّة وسعادة وتعزفُ  أحلى وأروع الألحان وأجمل الأنغام  فتطربُ أهل الغابة .  ولكن  في هذه الغابة  ذاع  وانتشرَ صيتُ الثعلبُ الماكر المخادع الذي أوقع يالكثير من الحيوانات  بمكائدِهِ ودهائهِ وحيلهِ الشيطانيَّة وذاقوا منهُ  المشاكل والصعاب.. ولأجل هذا  كلّ  الحيوانات  كرهتهُ وانفضَّت من حوله.. وحتى الثعالب من أبناء جلدتهِ  لم  تسلم من شرِّهِ ومكرهِ .

 يبدأ الكاتبُ سهيل عيساوي القصَّة بالوصف الشاعري الجميل لمنظر الغابة   ثمَّ  يستمرُّ بأسلوبٍ  سرديٍّ  في مجرى الأحداث  وتسلسلها  وبكلماتٍ  أدبيِّة  جميلة ومنمَّقة  فتجذبُ القارىء  وتشدُّهُ  لمتابعة  قراءةِ  القصَّة  حتى النهاية ..وبالأحرى الطفل الصغيرالذي يستمع للقصَّة.. والقصَّة منسوجة بلغةٍ سهلةٍ وجميلة وسلسة وأدبيَّة ويفهمها  ويتناغمُ ويتفاعلُ معها حتى الطفل الصغير.

     وبعد ذلك ينتقلُ  سهيل الى الحوار المشترك ( ديالوج )  بين  شخصيَّات القصَّة..ويحدثُ الحوارُ بين الثعلبِ وطائر النورس ( كما ذكرَ أعلاه )  الذي كان يقف على غصن شجرة زيتون .. وذلك  بعد أن  نبذت الثعلبَ ورفضتهُ جميعُ الحيوانات  . فأسدى  لهُ  طائر النورس نصيحة  وهي الشرب من ماء المغارة السحريَّة  فيتغيَّرُ جلدهُ وهيأتهُ وشكلهُ كليًّا ولا تعودُ تعرفهُ الحيوانات  ويستطيعُ أن يعيشَ ويمرحَ  ويصول ويجولَ  بحريَّة ... وهذا ما فعلهُ الثعلب حيث شرب من ماء المغارة  وتغيَّر  شكلهُ  .  ويطولُ الحوارُ في القصَّة إلى  عدَّةِ  صفحات  بين الثغلب  وطائر النورس وهو الحوار الوحيد  فيها (( وقد جاء في القصَّة على لسان طائر النورس مخاطبا الثعلب  : " من جيل  لجيل تناقلت الألسن ، أنَّ مغارة ً  سرّيَّة وسحريَّة  في  أعلى  قمَّةِ  الجبل ، كلّ من يدخلُها ويشربُ من مائِها ، يتحوَّلُ من حيوان مفترس إلى حيوان أليف " ... إلخ .. - صفحة 20  ))  .

  وبعد أن يترك الثعلبُ  طائر النورس  ويتوجَّهُ  للمغارة  ويشرب من مائِها  السحريِّ   وجميع  مجرى  أحداث  القصَّة  حتى  النهاية   يصوغُهَا  الكاتُب  بالأسلوب السردي  وبلسانهِ  حتى النهاية ..ولا يوجدُ  ايُّ  حوار  بين أبطال وشخصيَّات القصَّة ( من الحيوانات )  .

 

أهداف القصَّة :هذه القصَّة (توبة ثعلب) وُضِعَت بالطبع لتسلية الأطفال وللترفيه ، ويوجدُ من ورائها عدَّة أهداف ، منها  :  

1 ) الجانب التعليمي والتثقيفي

2 ) إكتشفاف واستنتاج الدروس والعبر  والمواعظ . 

3 ) الطابع الحكمي  .

4 ) تتميَّز القصَّة ُ بمستواها الفنِّي والأدبي الرَّفيع  وبأسلوبها وبلغتها الجميلة والسلسة والعذبة والمُنمَّقة بالرُّغم  من كونها  وُضِعَت  للأطفال .

- مفاد وفحوى القصَّة أنَّ  كلَّ  شخص وكلَّ  كائن حي  مهما  كان  إنسانا أو حيوانا لا  يستطيع  أن يخلع جلدَهُ  وَيُغيِّرُ شكلهُ وأصلهُ  وحقيقته مهما حاولَ وَغيَّرَ وبدَّلَ  أثوابهُ  وعمل الميكياجات  ووَضعَ المساحيق  والدُّهون .. إلخ . فمثلا  الرجال  الكبار  والنساء  الكبار  في السن  ( العجائز ) مهما  وضعوا ماكياجات  وأصبغة  على  وجوههِم   ولبسوا  لباس  الأطفال  فلن   يتغيروا  وستبقى العجوز عجوزا  والشيخ شيخا .. والقردُ  لن يصبحَ غزالا  والثعلبُ لن يصبحَ خروفا  .. والمقصودُ هنا  أنَّ الإنسان الذي طبعهُ الخيانة  والخسَّة والغدر والخداع واللؤم منذ الولادة وبالوراثة فمن المستحيل أن يتبدَّلَ ويتغيَّرَ في يوم  ما  حتى لو  لبسَ أجمل  وأبهى الثياب  وتظاهرَ  بالوداعةِ  والهدوءِ والرَّزانةِ  . وهذا الدرس  يجبُ  أن يعرفهُ الكبير قبل الصَّغير، لأنَّ الكثيرين  في مجتمعنا وفي كلّ مجتمعٍ  بدائيٍّ  أو متحضِّرٍ قد  ينخدعون من  أشخاص مزيَّفين يحملون في داخلهم الحقدَ والغدر واللؤم والعدوانيّة والشرّ  فيحكمون عليهم من  مظهرهم  الخارجي  فقط  ولباسهم  وكلامهم  المعسول  والجميل  واللطيف ولا  يدخلون إلى أعماقِهم وإلى ضمائرهم الميِّتة ليكتشفوا ويعرفوا حقيقتهم  المظلمة  والشريرة .  

    وتعلِّمنا هذه القصَّة  أنَّ الذي  يعملُ  الشرَّ  دائما  ويخدع الناس باستمرار  سيصل لمرحلةٍ أن الجميعَ  سيبتعدُون عنهُ ولن يصدِّقهُ  أحدٌ وسيعيشُ منبوذا وحيدًا كما حدثَ مع الثعلب.وأمَّا الإنسان الصادق والنزيه والمسالم والمحب للناس والذي  يعملُ الخيرَ والإحسان  دائما ويخدم الناس ويساعدهُم  فسينال إحترام ومحبَّة وتقدير الجميع . وهذا الجانب وهذا الدرس مهمٌّ جدا للأطفال  فيرشدهم  ويعلمهم  ويحثهم أن يكونوا صادقين ونزيهين وواضحين  للجميع  ويتصرَّفوا من منطلق إنساني ومحب وأن  يكونوا محبين  ويضمروا المحبَّة والوداعة والسلام  لجميع الناس .

  وأخيرا وليسَ  آخرا هذه  القصَّة  مثلها مثل جميع قصص الكاتب والأديب القدير الاستاذ  سهيل عيساوي  التي كتبها  وخصَّصَها  للأطفال  فهي قصَّة ناجحة  وهادفة  من الدرجة  الأولى  وتحملُ رسالة  مثلى وسامية ..وتصلحُ لجميع مراحل الطفولة وللكبار أيضا ، وفيها  جميع  مُقوِّمَات  وأسس القصة  المتكاملة   أدبيًّا   وفنيًّا   المعدّة   للأطفال   لتسليتهم   ولرفاهيَّتِهم  ولتثقيفهم  وتعليمهم وللسمُوّ  والإرتقاء بهم  فكريًّا وثقافيًّا وأنسانيًّا واجتماعيًّا ..وتعلمهم هذه القصَّة  بشكل مباشر التمسُّكَ والتحلي بالمبادىء والأخلاق والقيم المثلى  وفي نفس الوقت تنبذ هذه القصَّة الضغينة والحقد  والكراهية والشرّ.. القصَّة تعلمهم المحبَّة والعطاء والتفاني لأجل الغير وأنَّ المجتمعَ  بأسرهِ عبارة عن  نسيج  وجسم  واحد ٍ مترابط  ومتناغم  ويجب أن  تكون  العلاقة  بين جميع  افرادِهِ   كبارا  وصغارا علاقة   وطيدة  حميمة  مترعة   بالمحبَّة  والوداعة والتسامح والوداد  ويسودها التعاون المشترك .   

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق