الجمعة، 3 نوفمبر 2017

هاشتاج وأنا كذلك بقلم : أ.د. محمد الدعمي



أما أعلى ما وصلت إليه هذه الموجة الكاسحة، فقد تكللت بالنجاح عندما ادعت ممثلة إيطالية شابة بأن المنتج الهوليوودي العملاق “همفري واينستين” قد حاول اغتصابها في غرفته الخاصة بفندق في نيويورك قبل عدة عقود. ناهيك عن انتقال العدوى إلى الكونجرس، حيث خرجت على الجمهور إحدى عضواته لتصف الطريق الكأداء (المشحون بالتحرش الجنسي) الذي مرّت به حتى وصلت موقعها الرفيع، عضوة في الكونجرس.
بسبب جبروت قوة الإعلام وسطوة الدعاية التجارية في الولايات المتحدة الأميركية يؤسس المجتمع الأميركي ويقود الكثير من “التقليعات” على مستوى عالمي، لو استخدمنا اللفظ المصري المفضل، تلك التعليقات التي سرعان ما تنتشر عبر أوروبا إلى دول العالم الأخرى، أما محاكاةً عمياء للنموذج الأميركي، أو مجرد محاولة للظهور بمظهر “مواكبة العصر” المعولم!
هذا بالضبط ما حدث قبل بضعة أسابيع، إذ اكتشفت ماكينة الإعلام والدعاية الأميركية طريقة مبتكرة للتخلص من بعض “نجوم الفن والمجتمع” الذين استهلكوا أنفسهم ولم يعد بقاؤهم ذا معنى أو فائدة تذكر. والحق، فلطالما تأملت، أنا شخصيا، موضوع النجومية الغامض في الولايات المتحدة، إذ تتم صناعة النجوم وتسويقهم كما تصنع الهواتف الذكية وتسوق من آن لآخر، خلال بضعة أيام كي يصل صيتهم جميع مجتمعات العالم. وبذات الطريقة الفورية، يتم “تسقيط” النجوم خلال بضعة أيام، درجة دحرجتهم إلى الحضيض بلا رحمة.
هذا بالضبط ما حاول المضادون للرئيس “دونالد ترامب” فعله به أثناء أشهر المنافسات الانتخابية (2016)، بيد أنه نجا بأعجوبة بفضل نفوذه وماله، على الرغم مما سخر من وسائل وشواخص للإساءة إلى سمعته ومع ذلك، لم يتوقف عند هذا الحد، إذ ارتفعت موجة التسقيط بالفضائح الجنسية وادعاءات التحرش الجنسي والاغتصاب فيما بعد عندما وجهت بعض العاملات في شبكة “فوكس نيوز” Fox News تهما بهذا المعنى لأحد مؤسسي الشركة ومديرها العام، إذ لم يتحمل الرجل الصدمة، وصدمة دفع ملايين الدولارات لإسكات موظفاته من مدعيات التحرش من مذيعات ومقدمات برامج.
أما أعلى ما وصلت إليه هذه الموجة الكاسحة، فقد تكللت بالنجاح عندما ادعت ممثلة إيطالية شابة بأن المنتج الهوليوودي العملاق “همفري واينستين” قد حاول اغتصابها في غرفته الخاصة بفندق في نيويورك قبل عدة عقود. ناهيك عن انتقال العدوى إلى الكونجرس، حيث خرجت على الجمهور إحدى عضواته لتصف الطريق الكأداء (المشحون بالتحرش الجنسي) الذي مرّت به حتى وصلت موقعها الرفيع، عضوة في الكونجرس.
وإذا ما كان “واينستين” قد أنكر الحادث، فإن سيلا من الإعلانات والاعترافات بذات التهم قد انفتح ضده من قبل عشرات الممثلات والعاملات في قطاع السينما، مدعيات بأن “واينستين” إنما كان يقنعهن أو يجبرهن بتلبية نزواته الجنسية بوصفها الطريقة الوحيدة نحو “النجومية”، وهكذا، تحولت تهم هذه العشرات من النسوة المشهورات ضد هذا المنتج العملاق إلى ظاهرة إعلامية وترفيهية، اتخذت من عنوان “هاشتاج وأنا كذلك” #Metoo رمزا عبر الإعلام والدعاية، لأن كل من تكتب ذلك على صفحات التواصل الاجتماعي إنما تتهم “واينستين” أو سواه من المتنفذين بالتحرش أو الاعتداء الجنسي.
وإذا كان هذا العملاق المتقهقر قد سقط كما سقطت روما، بعدما تم فصله من عمله في الشركة العملاقة التي كان هو أحد مؤسسيها، ثم منعه من العمل في مشاريع جديدة وإرساله لمصح معالجة الإدمان على التحرش بولاية أريزونا، إستحالت “وأنا كذلك#” إلى تقليعة راحت تكتسح العديد من الأسماء البراقة في الإعلام والدعاية، ومنها اسم مقدم البرنامج الشهير “أورايلي” O’Reilly الذي دفع أكثر من ثلاثين مليون دولار للفوز بسكوت واحدة من ضحاياه وهكذا راحت “موجة” و”هاشتاج وأنا كذلك” تتسع في كل إتجاه بسبب ما تكتنزه من قوة وقدرة على التسقيط والإساءة إلى السمعة، درجة وصولها إلى الرئيس الأميركي السابق “جورج بوش” الأب الذي لم يسمح تقادم سني عمره ومركزه بالرد على التهم. أما الممثل الشهير سباسي Spacy فقد أتهم بالتحرش الجنسي على نحو جديد، أي بغلام صغير، في عقد الثمانينيات، الأمر الذي قاده إلى الاعتراف على الملأ بأنه شاذ جنسيا وبأنه يعتذر عما بدر منه تجاه زميله الممثل الصغير.
وما دامت الموجة قد أطلقت على هذا النحو الواسع والمؤثر، فإن للمرء أن يتوقع انتشارها عالميا، بنفس الطريقة التي انتشرت بها موجة لقطات الــ”سيلفي” الأميركية التي لم تترك مجتمعا دون أن تمسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق