كاتب وباحث أكاديمي عراقي
لا يشك المرء بأن الذهنية الأميركية تحاول الظفر بالإمساك بالعصا من الوسط، بقدر تعلق الأمر بالتناقض بين الفردية وتقديسها هناك، من ناحية؛ وبالنزعة الفرقية، المحترمة هناك كذلك، من الناحية الثانية. وقد تجلت هذه المحاولة المهمة في الألعاب الأولمبية في مدينة “ريو” بالبرازيل، فمن أجل الفوز بأكبر عدد من الميداليات، ركز الرياضيون الأميركان على العمل الفرقي المتسق، كما ركزوا على العمل الفردي وعلى مديات التشبث بالبطولي.
هذه هي من المظاهر المهمة لتلك الذهنية التي تسعى إلى تطبيقات أن “الفائز يأخذ كل شيء” The winner takes all، فربما كانت هذه المقولة وراء التفوق الأميركي في مختلف مضامير الحياة. يتجلى تقديس الفردية لديهم بما يمكن أن يطلق المرء عليه لفظ “النجومية”: فعلى عكس ما يجري لدينا في أجواء الثقافة العربية الشائعة المحبطة من لجم للنجومية وبتر لها، يراهن العقل الأميركي على النجوم والمحتفى بهم اجتماعيًّا من المشاهير الذين يطلق الإعلام عليهم لفظ Celebrities.
أما الاهتمام بالعمل الفرقي الجمعي هناك، فإنه لا بد أن يتجلى في جميع المشاريع الكبرى، خاصة بقدر تعلق الأمر بالمشاريع التي لا يقوى الفرد، مهما أوتي من قوة وعبقرية وثروة، على إنجازها وحده أو بماله فقط. والحق يقال، فإن واحدًا من أهم أسباب ما راح يطفو على سطح الرأي العام الأميركي من عدم تحبيذ لفوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، كما اجتهد شخصيًّا، هو مقاومة هذا الرأي العام لمقولة إن “المال يشتري كل شيء” الشائعة هناك، معتقدين بأن الملياردير دونالد ترامب قد تمكن من شراء كل ما يخطر على بال المرء، من نساء وطائرات وفنادق عملاقة وساحات لعب جولف ومسابقات ملكات جمال، إلا أن أميركا لا ينبغي أن تسمح له “بشراء” البيت الأبيض الذي يرمز لوجودها القومي، فهو الذي يتحكم، ليس بمصير أميركا فقط، ولكن بمصير العالم كذلك بسبب وضع أزرار إطلاق السلاح النووي تحت أصابع رئيس هذه الدولة! بلى، ترامب قادر على ابتياع كل ما يخطر على بال المرء، إلا أنه لا يمكن أن يبتاع مصائر البشر، لا الآن ولا في المستقبل!
لذا، فقد لمّح الرجل إلى أن عدم فوزه سيكون بمثابة “كارثة” تقع على رأسه، بحساب الجهد والمال الذي سخره خلال الأشهر الماضية من أجل الفوز بالمكتب البيضاوي بواشنطن.
ومن ناحية أخرى، يدرك الأميركيون بدقة بأن مشاريع عملاقة من نوع مشاريع اكتشاف واستثمار الفضاء الخارجي، ومشاريع من نمط الأعمال العسكرية الكبرى، لا يمكن أن تنجح دون عمل فرقي يكمل الإنسان الفرد فيه عمل الإنسان الآخر، عضوًا في فريق، ولكن شريطة أن لا يفقد هذا الإنسان فرديته وفردانيته.
وتتبلور حقيقة اعتماد التوازن بين الفردية والجماعية في أكثر الألعاب الرياضية شهرة وشيوعًا في الولايات المتحدة، وهي لعبة كرة القدم الأميركية، إذ تكمل لمسات الفرد الذكية أو القوية العمل الجماعي الفرقي في سبيل الفوز، بكل شيء، ثانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق