الجمعة، 5 أغسطس 2016

ملاحظات في الاستشراق الأميركي ، بقلم البروفيسور محمد الدعمي

 


إن الاستشراق الأميركي قد فقد نكهته الأوروبية الدافئة تدريجيًّا حال انتهاء الحرب العالمية الثانية والحرب الفيتنامية، نظرًا لتعاظم مصالح واشنطن الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط بعد الحربين المذكورتين أعلاه.
يعترض أغلب نقاد الاستشراق على اصطلاح “الاستشراق الأميركي”، نظرًا لأنهم يردون الاهتمام الأميركي بالشرق، العربي الإسلامي خاصة، إلى نهاية الحرب العالمية الثانية وتعاظم المصالح الأميركية بالأمم والدول الشرقية بين آسيا وإفريقيا، ليس بنفس طريقة اهتمام بناة الإمبراطوريات الأوروبية السابقة، ولكن بطريقة أميركية خالصة، طريقة لا تعتمد المستشرقين والمرتحلين الأفراد (كما هي كانت حال الاستشراق الأوروبي)، ولكن بطريقة تعتمد العمل الفرقي لأجهزة الاستخبارات ومراكز البحث العلمي، زيادة على الطرق الأوروبية التقليدية الفردية المعروفة منذ القرنين الثامن والتاسع عشر.
ولكن مع استثنائية “الاستشراق” الأميركي، مقارنة بالأوروبي، لا بد للمختصين أن يلاحظوا نقاطًا عدة ترتبط بأصول وطبيعة الاستشراق الأميركي، وهي على نحو خاص:
(1) إن ما يمكن أن نطلق عليه عنوان “الاستشراق الأميركي”، المثير للجدل، إنما بدأ في إقليم “إنجلترا الجديدة” New England، بوصفه امتدادًا لتقاليد الاستشراق الأوروبي، البريطاني والفرنسي والألماني بخاصة. بمعنى أن الأعمال الفكرية “المستشرقة” المبكرة كانت بدرجة من محاكاة الاستشراق الأوروبي، أن المرء لا يمكن أن يحدد ملامح استشراق أميركي متفرد.
(2) إن بدايات الاستشراق الأميركي، في الشرق الأوسط خاصة، إنما كانت برعاية الكنائس وفرق التبشير، بدليل تأسيس المدارس والكليات الدينية في حواضر الشرق الأوسط الرئيسة، كبيروت وحلب والموصل. علمًا أن الجامعة الأميركية ببيروت خدمت كثمرة مبكرة للاستشراق الذي رعته الكنائس، بدليل أن هذه الجامعة بدأت تحت عنوان “الجامعة اليسوعية” Jesuit.
(3) إن الاهتمام الفردي بالشرق العربي الإسلامي كان امتدادًا للتقليد عضويًّا الاستشراقي الأوروبي، وقد دلت كتابات أبو الأدب الأميركي، واشنطن إرفنج Irving، (كالحمراء وتاريخ محمد وخلفاؤه) على ذلك. أما بالنسبة للمرتحلين من غير القساوسة والربان، فإن أغلبهم كانوا من الأدباء ورجال القلم الذين شدوا الرحال شرقًا بحثًا عن ينابيع الإيمان الديني والخلاص الروحي الأصل، درجة إطلاق عنوان “أراضي الكتاب المقدس” Bible lands على المساحة الممتدة من “أور” جنوب العراق حتى سواحل البحر المتوسط، حيث حدثت قصص أنبياء الكتاب المقدس الدينية. لذا، كان ارتحال رجال قلم من أمثال “مارك توين” Twain، وهيرمان ميلفل Mellvile إلى المشرق العربي الإسلامي شكلًا من أشكال البحث من جذور الإيمان الروحي عبر هذا الإقليم: من أبي الأنبياء “إبراهيم عليه السلام”، إلى محمد (صلى الله عليه وسلم).
(4) إن الاستشراق الأميركي قد فقد نكهته الأوروبية الدافئة تدريجيًّا حال انتهاء الحرب العالمية الثانية والحرب الفيتنامية، نظرًا لتعاظم مصالح واشنطن الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط بعد الحربين المذكورتين أعلاه.
(5) إن الاهتمام الأميركي بالشرق العربي الإسلامي قد تعاظم بعد ارتفاع الحاجة العالمية إلى النفط عبر العالم الصناعي، الأمر الذي تطلب من واشنطن ملاحظة المصادر الأساس لهذه المادة الخام وتأسيس صداقات مع من يمتلك مصادر هذه الثروة الحيوية.
(6) إن الاهتمام الأميركي بشرقنا قد تعاظم وقوي بسرعة حال تأسيس الدولة العبرية ومنحها الحماية والعناية الأميركية، على نحو جعل الدول العربية تعد ذلك انحيازًا ضد العرب والفلسطينيين ومصالحهم.
(7) إن “المستشرق الأميركي” اليوم يمكن أن يتبلور أمام ناظريك كضابط مخابرات، أو عضو بفريق علمي في مركز أبحاث، أو مجرد معلم يريد أن يدرس اللغة العربية ويدّرسها هناك، أي عبر المحيط الأطلسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق