الخميس، 25 أكتوبر 2018

في معضلة الإدارة في العالم العربي بقلم : أ.د. محمد الدعمي





”يقال بأن إحدى أدوات تحطيم الاتحاد السوفييتي السابق التي وظفها العالم الرأسمالي كانت تتمثل في عملية تعيين القائد الخطأ في المكان غير المناسب، نكاية بمقولة “الرجل المناسب في المكان المناسب”. وقد أدت هذه الأداة دورا فاعلا، أساسيا في الوصول إلى إخفاقات المؤسسات الاقتصادية والعسكرية، وسواها من أشكال الفشل على نحو تسلسلي، نظرا لأن الاقتصاد يعمل على نحو “حزم” تكمل عناصرها بعضها البعض.”
يدرك ولاة الأمر في معظم الدول العربية أن ما يشوب مفاهيمنا وسياقاتنا للقيادات الإدارية من اختلال، إنما يلعب دورا رئيسا في ضعف الاقتصاد وانكفاء الإنتاجية، بل، وحتى تراجعهما على نحو واضح المعالم، الأمر الذي يضطر هؤلاء من أولي الأمر إلى التدخل من آن لآخر لإجراء المناقلات والأوامر في العزل والإحالة على التقاعد التي يتوقعون بأنها ستعيد الأمور إلى نصابها وأفضل، بالرغم من أنهم يعلمون بأنهم جزء من المعضلة.
إننا نعاني عبر دول العالم العربي من أزمة قيادات إدارية لا ريب فيها، ومرد ذلك هو عجز ولاة الأمر أنفسهم على إدراك حقيقة مفادها أن الإدارة Administration والتدبر Management هما من فروع علم الاقتصاد الأساس. لذا، يسقط هؤلاء ضحايا للاعتباطية وللتعويل على التشبث الفردي عند تعيين المديرين والإداريين، مضاعفين بذلك خللا شائعا مفاده أن الجميع من خريجي الجامعات في العالم العربي يأملون بتقلد وظائف قيادية، لا عملية ولا فاعلة، بل ولا ناجحة. إن الإدارة والتدبر علوم لا يمكن بدونها صناعة مديري مؤسسات وإداريي شركات مهما كان حجمها. أما الخطأ الذي يفعله الكثير من ولاة الأمر، تكرارا، مقصودا أو غير مقصود (والله أعلم)، فهو أنهم يرسلون أحدهم من الخريجين ليتبوأ منصبا إداريا اقتصاديا أو تجاريا أو صناعيا مهما بغض النظر عن تدريبه الإداري، معولين على أن الوظيفة الإدارية ذاتها، باعتبار أنها هي التي ستدربه على التدبر والإدارة الصحيحة. لذا، هم يرتكبون أخطاءً فادحة بحق أوطانهم وتواريخهم القيادية عندما يعينون أقارب أو معارف لهم في مناصب قيادية حساسة من النوع أعلاه على أساس “المحسوبية والمنسوبية”، لبالغ الأسف.
يقال بأن إحدى أدوات تحطيم الاتحاد السوفييتي السابق التي وظفها العالم الرأسمالي كانت تتمثل في عملية تعيين القائد الخطأ في المكان غير المناسب، نكاية بمقولة “الرجل المناسب في المكان المناسب”. وقد أدت هذه الأداة دورا فاعلا، أساسيا في الوصول إلى إخفاقات المؤسسات الاقتصادية والعسكرية، وسواها من اشكال الفشل على نحو تسلسلي، نظرا لأن الاقتصاد يعمل على نحو “حزم” تكمل عناصرها بعضها البعض.
وهكذا، تصل الدول حدا متدنيا من الإخفاق الإداري والأداء الاقتصادي، المدني والعسكري، درجة الاضطرار إلى إعلان “إفلاسها”، وإذا كانت في مواجهة أو منافسة مع دولة أخرى، تضطر إلى الإعلان عن هزيمتها بنفسها.
ويبقى خلل تجاهل حقيقة أن الإدارة هي علم حقيقي يصعب اكتسابه “بالقرابة” من صانع القرار، أو بالتملق والرياء له، لأن ذلك أمرا غير ممكنا البتة.
لهذا السبب لا يمكن أن تجد كلية علوم اقتصادية حقيقية لا تحافظ على قسم مختص بعلم الإدارة، زيادة على توكيدها على الدراسات الإدارية العليا.
أما الاعتقاد بأن تعيين “صديق” أو “قريب” في مركز إداري قيادي يضمن ولاءه، متوقعين بأنه إنما سيتعلم الإدارة من خلال التجربة العملية، فهو خطأ جسيم قاد العديد من دول وشعوب العالم، خاصة العربية، إلى قعر إحصائيات الأمم المتحدة، في كل حقل تقريبا، لبالغ الأسف كذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق