ما الذي يقبع في قعر عقل المستشرق؟ بقلم : أ.د. محمد الدعمي
أجزم بضرورة توجيه أنشطة البحث العلمي والاستقصاء الدقيق في العالم العربي خاصة نحو أنشطة “تحليل الخطاب” الغربي الذي يتعامل مع عالمنا العربي والإسلامي. ولا بد أن تأخذ قيادات دولنا العربية زمام المبادرة بأيديها على سبيل تحقيق أهداف هذه الجهود من خلال تأسيس “مركز علمي متخصص” لهذا الغرض.
ربما مكنني تخصصي الدقيق في “أدبيات الاستشراق” من ليّ لغز عقدة “اللهجة المثقلة” التي اعتمدتها هذه الأدبيات، منذ العصر الوسيط، حتى اللحظة في تعاملها مع الإسلام والعالم العربي، ماضيا وحاضرا. وإذا كانت هذه اللهجة تستجيب للتحليل لتميط اللثام عن أنواع التحاملات والأشكال النمطية التي تأسست في قرون الظلام بأوروبا، ثم تواصلت عبر عصر الأنوار، مستمرة إلى يومنا هذا، إذ لم يبرأ منها الغرب حتى الآن، فإني متيقن من ثمة تغيرات وتحويرات طرأت على اللهجة المعتمدة من قبل العقل الغربي في تعاملها مع العرب والمسلمين المعاصرين عامة، خصوصا بعد حقبة الكولونيالية وحقبة الكولونيالية وحقبة البترول.
وإذا كانت الأسس والجذور ثابتة منذ الحروب الصليبية، فإن التفرعات والتبرعمات التالية، عقب عصر البترول، قد فرضت الاستحالات الطارئة، نظرا لحاجة العالم الغربي، والصناعي عامة للبترول العربي، وللأسواق العربية، زد على ذلك حاجته إلى التعامل مع الإسلام المؤدلج والمقنن على نحو تخريبي إرهابي. علما أن هذا الموضوع يقبع على رأس قائمة الأولويات هناك: من موسكو إلى واشنطن عبر باريس وبرلين ولندن.
لذا، أجزم بضرورة توجيه أنشطة البحث العلمي والاستقصاء الدقيق في العالم العربي خاصة نحو أنشطة “تحليل الخطاب” الغربي الذي يتعامل مع عالمنا العربي والإسلامي. ولا بد أن تأخذ قيادات دولنا العربية زمام المبادرة بأيديها على سبيل تحقيق أهداف هذه الجهود من خلال تأسيس “مركز علمي متخصص” لهذا الغرض.
قد يبدو الأمر يسيرا للوهلة الأولى، إلا أن الشروط المسبقة لمثل هذا المركز الرائد في رصد ودراسة طرائق تعامل العقل الغربي مع العرب والمسلمين الآن إنما تتطلب تهيئة كادر رفيع التدريب، جله من المترجمين والمعربين العارفين باللغات الأوروبية الرئيسية، كالإنجليزية والألمانية والفرنسية، من أجل رصد وتهيئة أهم الإعلانات الثقافية والسياسية والصحفية الغربية الصادرة في هذه اللغات المهمة على سبيل تقديمها لفرق تحليل النص من المتخصصين لتوظيفها على طريق الخروج بخلاصات علمية دقيقة تقدم لصانع القرار السياسي عبر العواصم العربية.
وإذا كانت جامعة الدول العربية على عهد أمينها العام السابق، عمرو موسى، قد استجمعت الخبراء من جميع الدول العربية، فإنها للأسف أخفضت في البناء على هذا التأسيس المفيد: إذ إنها تركت الموضوع على الرف لجمع غبار الزمن مذاك حتى اليوم. وأسباب ذلك الإخفاقات المتعددة التي لا مجال لحصرها في مقالة صحفية محدودة إلا أن مبادرة عربية شمولية من هذا النوع لم تعد “مسألة “ديكور” ثقافي، ولا قضية “دعاية سياسية”، وإنما هي حال مصيرية سبق للعقل العربي قد تصدى لها مذ عصر الخليفة المأمون العباسي الذي لم يتوانَ عن تخصيص كل ما يحتاج إليه “بيت الحكمة” العباسي ببغداد، “كوزموبوليتان” العصر الوسيط حقبة ذاك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق