الجمعة، 24 أغسطس 2018

هل عرفت العربية علامات التنقيط : بلم : أ.د. محمد الدعمي

” إن دليل تنبه العرب الى أهمية هذه العلامات (برموز خاصة بلغتهم، وليس بالرموز الأوروبية المعروفة الآن) في عصر مبكر قد يعود إلى أبي الأسود الدؤلي الذي أطلق علم النحو، وقد شمل ملاحظة الحاجة الى استعمال النقاط على، وتحت الحروف، بعدما كانت تكتب النصوص دون تنقيط، الأمر الذي أدى الى الكثير من اللغط والخطأ، بين المسلمين الأعاجم.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إنه لمن السذاجة بمكان أن يروج البعض في عالمنا العربي (بفئاته الأكثر تعلما ومعرفة) بأن اللغة العربية لم تكن تعرف ما يسمى بــ “علامات التنقيط”، خطأ، أي Punctuation Marks، حتى بدايات العصر الحديث، أي بعد حصول الاحتكاك بالثقافات الأوروبية المدونة، خاصة مع مد حركة الترجمة والتعريب على عهد محمد علي باشا، راعي التحديث والتقدم في مصر.
وللمرء أن يؤشر خطأ شائعا آخر مفاده أن علامات التنقيط أعلاه لا تتجاوز دورا تجميليا تزويقيا، ديكور، يوظفه الكتاب لمنح نصوصهم شيئا من الجمالية، فيا للجهل والتسطيح المرعبان.
ويغيب على بال أفراد الفريقين الواهمين أعلاه أن هذه العلامات (في جوهرها) إنما هي أداةً أساس لتجسير الفجوة بين اللغة الشفاهية المتداولة صوتيا، من ناحية، وبين اللغة أو النص المتداول، مكتوبا، من الناحية الثانية، بمعنى أن هذه العلامات إنما هي بدرجة من الأهمية أنها تغير المعنى، بل وتقلبه رأسا على عقب (إن شئت) إن لم توظف بروية ومعرفة.
أما هؤلاء الذين يعدون العلامات مجرد “ديكور” تزويقي، فإنهم يفضحون أميتهم وجهلهم باستعمالها بهذه الطريقة وعلى نحو مفرط يستدعي التندر: أي باستعمال فوارز ونقاط عديدة في سطر أو جملة واحدة وعلى نحو مضحك.
إن دليل تنبه العرب الى أهمية هذه العلامات (برموز خاصة بلغتهم، وليس بالرموز الأوربية المعروفة الآن) في عصر مبكر قد يعود الى أبي الأسود الدؤلي الذي أطلق علم النحو، وقد شمل ملاحظة الحاجة الى استعمال النقاط على، وتحت الحروف، بعدما كانت تكتب النصوص دون تنقيط، الأمر الذي أدى الى الكثير من اللغط والخطأ، بين المسلمين الأعاجم.
بيد أن احتمال أن تكون الثقافة العربية الإسلامية قد سبقت الثقافات الأوروبية بتوظيف علامات التنقيط إنما هو احتمال قوي يمكن أن يرد الى أسباب دينية تتعلق بعلم التفسير. وأبرز الأدلة على ذلك ظهور “التجويد” و”الترتيل”، وطرائق القراءة المتعددة للقرآن الكريم، الذي لا يمكن أن يفهم دون ملاحظة قارئ التلاوة لمواضع التوقف ولأطوالها، زد على ذلك مواضع الضغط الصوتي Stress ومؤشرات صعود ونزول النبرة عند نهايات الجمل الأمرية أو الخبرية أو الاستفهامية.
لذا، لم يوظف العرب والمسلمون ذات علامات التنقيط المستعملة في اللغات الأوروبية، وإنما هم ابتكروا واستعملوا من هذه العلامات ما هو أكثر تعقيدا وتأشيرا للمعنى، أي أنهم عدوا هذه العلامات مرتكزا مهما لإكمال المعنى. وهذا حسب دلائل التاريخ ليس بموضوع “كمالي” ولا جمالي، لا مجد، وإنما هو موضوع متواشج مع إيصال معنى الآي الكريم إلى المستمع أو القارئ على نحو دقيق، لا مجال فيه للتأويل أو للخطأ في أغراض الدلالة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق