لقد صدق أحدُ الأدباء والنقاد
القدامى عندما وَضعَ الشعراء في أربع مراتب ودرجات
حيث قال :
( هنالكَ شاعرٌ يَجري ولا يُجرَى مَعَهْ
وشاعرٌ يخوضُ
وسطَ المَعْمَعَهْ
وشاعرٌ تتمنَّى أن لا
تسمَعَهْ
وشاعرٌ تشتهي
أن تَصفعَهْ
) .
ولكن وللأسف الشديد إنَّ معظمَ الشعراء
المحليٍّين اليوم يدرجون في المرتبة
الرابعة والأخيرة ( شاعرٌ تشتهي أن تصفعَه )... والأنكى من هذا أن الشويعرين والشعرورين الذين على
هذا النحو من الإنحطاط الفكري والكتابي ( من هذه الماركة المُمّيَّزة
) والذين لا يعرفون الأحرف
الهجائيَّة وكتابة الإملاء وحرف النصب من الجر والفاعل من المفعول به يُحتفى
بهم دائما وتقامُ لهم الأمسياتُ التكريميَّة الهزليَّة والهزيلة
من قبل بعض المنتديات والجمعيَّات والمؤسَّسات (
التسكيفيَّة ) التي هدفها وسياستها تدمير الثقافة والأدب والفن والإبداع المحلي
بإيعاز وتوجيه من جهات عليا
معروفة للجميع.. ويتحدَّثُ في هذه
الأمسيات العقيمةِ الكاراكوزاتُ والمُهَرِّجون من كتاب التقاعد ( البينسيا ) والمأجورون العملاء
الوضعاء والذين عقليَّتهم
ومفاهيمهم أيضا منذ عشرات السنين
قد خرجت للتقاعد وشُلَّت
إيجابيًّا ولا تعمل بشكل طبيعي وصحيح وسليم ..ويُديرُها ويتولَّى عرافتها أحيانا
بعضُ السلطويِّين المدسوسين والمأجورين المتطفلين على الصحافةِ والإعلام،وهم
بعيدون عن الصحافة والثقافةِ والأدب مليون سنة ضوئيَّة .
..ويترفَّعُ ويتعالى عن حضورمثل هذه المهازل والسخافات والترَّهات ..
أي ما يُسَمَّى بإمسيات التكريم وإشهار كتاب لكلّ من هَبَّ ودَبَّ كبارُ الشعراء والأدباء وجميعُ المثقفين الحقيقيِّين والشرفاء والأحرار والأخيار من أبناء شعبنا الذي ما زال
منكوبا منذ عام النكبة حتى الآن .. فلا يشاركون إطلاقا
في مثل هذه المسرحيَّات الهزليَّة التي يُعتبرُ وجودُها وانتشارُها وباءً
وكارثة على الأدب والثقافة والفكر والإبداع
المحلي ..وعلى الإنسان الفلسطيني كإنسان..وتفريغه
من كلِّ الأسس والمضامين والقيم :الحضاريّة والإجتماعيّة والفكريَّة
والإنسانيَّة والسلوكيَّة والأخلاقيَّة والوعي القومي والوطني .
ورحمَ الله الشاعر العربي الكبير
أبا الطيِّب المتنبي القائل :
( فقرُ الجهولِ بلا عقلٍ إلى أدبٍ
فقرُ الحمارِ بلا رأسٍ إلى
رسَنٍ )
والذي قال أيضا :
(نامت نواطيرُ مصر عن ثعالبها
فقد بشمنَ وما
تفنى العناقيدُ )
لو
بُعِثَ المتنبِّي إلى الحياةِ من جديد لفضَّلَ أن ينتحرَ مليون مرَّة ولا أن
يرى تلكَ المهازل والمصائب
الموجودة عندنا . وأنا لا أضعَ اللومَ الكبير على الأشخاص غير المتعلمين والذين لا يحملون
الشهادات العالية إذا كانوا لا يعرفون حرف النصب من
الجر والمبتدأ من الخبر وينصبون
الفاعلَ ويرفعون الإسم المجرور..والذين يكتبون الشعر الرَّديىء والهبلَ والتّرَّهات والتخبيصات التي يسمُّونها شعرا ..(( كما حدثَ وما
لمسته عن كثب من شعرورة بلهاء أرسلت
لي ديوانها الشعري الذي تريد أن تطبعَه لأصَحِّحَهُ لها قبل الطباعة وكان كله أخطاء لغوية وأملائية ، مثل جملة ( مشيتُ مع الأطفالُ)
بدل ( مشيتُ مع الأطفالِ..حيث رفعت الإسم المجرور بالضم بدل جرِّهِ بالكسر..وقد أقاموا لهذه الشُّوَيعرة أمسية تكريميَّة بعد صدور ديوانها هذا الذي أنا قمت بتصحيحه
لغويًّا واملائيًّا .. ولكن أنا وغيري نلوم وننتقدُ أشخاصا حاصلين على
شهادات الدكتوراة في اللغة العربيَّة
وآدابها ولا يعرفون أن يعربوا جملة واحدة
من ناحية القواعد
أو يكتبوا جملة مفيدة وسليمة لغويًّا،وهؤلاء وللأسف يتبوَّءُون
الوظائف العالية في مجال التدريس وغيره .. ومثال على ذلك : هنالك شخص حاصل على
شهادة الدكتوراة في اللغة العربية ويُدرِّسُ الطلابَ
في المدرسة للمرحلةِ الإعداديَّة
ودروس القواعد والإعراب التي يعطيها للطلاب كلها خطأ - فينصبُ الإسمَ
المجرور ويرفعُ الفعلَ المجزوم ..فمثلا: جملة الطفلُ لم ينمْ يشكلها (
لم ينمُ ) فيرفعُ الفعلَ المجزوم بدل تسكينه
. والسؤال هنا ..كيف سيكون مصير الطلاب الذين يدرسون اللغة العربية في المدارس والمعاهد العليا والذين يتتلمذون ويتعلّمون على أيدي أساتذه أفذاذ
وعباقرة من هذا النوع ...ولهذا لقد ارزداد
وتفاقمَ عددُ الشعرورين والشويعرين المتطفلين والمتسلقين على دوحةِ الأدب والشعرالمحلي
، وبوجود جهات وأطر تدعم وتشجع هذه الظاهرة الهجينة والمضحكة والخطيرة على الصعيد المحلي . والجديرُ بالذكر لو كان عندنا ، في الداخل ، نقاباتٌ للأدب والثقافة والفن -
كما في باقي البلدان والدول الأخرى- تهتمُّ وتعنى بحقوق ومكانة ومنزلة الكاتب
والأديب الحقيقي المجيد والمبدع، وكان عندنا إتحاداتُ كتاب نشيطة
وفعّالة
وتعملُ بشكل جدِّي وحازم وصارم ولا
تخشى في الحقِّ لومةَ لائم لاختفت
وتلاشت هذه الظاهرة الهجينة ( ظاهرة الفوضى والتسيُّب) كليًّا في
فترة قصيرة على الساحة الأدبية والثقافيَّة المحليَّة
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق