الجمعة، 16 فبراير 2018

خطاب لآذان صماء بقلم : أ.د. محمد الدعمي



إن للمرء أن يزعم بشيء شبه مؤكد أن الخطاب لم يخفق في تحقيق أهدافه “الوحدوية” وحسب، بل هو أدى إلى المزيد من الافتراق والتباعد بين مؤيديه من ناحية، وبين الديمقراطيين من معارضيه، من الناحية الثانية. ودليل ما أذهب إليه في هذا السياق “انفعالية” استجابة الرئيس ترامب للبرود الذي عمد الديمقراطيون من خلاله الاستجابة للخطاب.
تراود المرء شكوك جادة حيال تمكن أول خطاب “حال الاتحاد” للرئيس دونالد ترامب من تحقيق أهدافه، بدليل أن الخطاب، من ألفه إلى يائه، قد صمم وحرر على نحو توحيدي يهدف إلى “كسب الجميع” إلى صفوف الرئيس من الآن حتى تاريخ الانتخابات الرئاسية التالية، عام 2020. بيد أن علامات الشك في تمكن الخطاب من تحقيق الهدف أعلاه بانت خلال فعل الخطاب ذاته: فبرغم الابتسامات والتلويحات التي عمد إليها الرئيس ترامب لكسب ود وتأييد جميع الحاضرين تحت سقف الكونجرس أثناء إلقاء الخطاب، لم تتمكن الكاميرات من التمويه وإغفال صور وتعابير الوجوه الواجمة التي أسبغها الديمقراطيون على أنفسهم بتعمد، أقول بتعمد أريد له كهربة الأجواء، أكثر من تلطيفها، كما يبدو لمن تابع الخطاب الذي طال أكثر من ساعة كاملة.
ولا ريب في أن طول مدة هذا الخطاب (الأولى من نوعها عبر عدة خطابات رئاسية سابقة) قد لوحظت من قبل الإعلام المحلي، تحت عنوان “خطاب مارثوني”، وهي استعارة دقيقة للجهد الذي بذله الرئيس من أجل كسب قلوب وتأييد الآخرين، خصوصا بضمن جهد تجسير الفجوة بين “الجزيرتين”، كما يعبر الأميركان عن ذلك، كناية عن الهوة بين الجمهوريين والديمقراطيين. ومن ناحية ثانية، لم يخفِ الديمقراطيون (شواخص قياداتهم خاصة) عدم رضاهم عن الخطوط العامة للخطاب الاتحادي، بدليل أن الرئيس ترامب قد أعلن قبل بضعة أيام بأن “عدم التصفيق” تفاعلا وتأييدا و”عدم الوقوف أثناء التصفيق” وإطراءً للخطاب إنما هي حال “لا وطنية”، بل و”خيانية” treasonous، دون تزويق لفظي لتمرير هذه اللفظة الثقيلة على نفس كل مواطن وكل عضو كونجرس.
بل، إن للمرء أن يزعم بشيء شبه مؤكد أن الخطاب لم يخفق في تحقيق أهدافه “الوحدوية” وحسب، بل هو أدى إلى المزيد من الافتراق والتباعد بين مؤيديه من ناحية، وبين الديمقراطيين من معارضيه، من الناحية الثانية. ودليل ما أذهب إليه في هذا السياق “انفعالية” استجابة الرئيس ترامب للبرود الذي عمد الديمقراطيون من خلاله الاستجابة للخطاب. بل إن الأدلة تأتي تترى مؤشرة ضعف إمكانية اتفاق الحزبين على موضوع واحد في عمل تشريعي ثقيل الوزن، من عيار الاتفاق على خطة إنفاق قومية واحدة، أو التوافق على حل ناجع لمشكلة قبول وانتقاء اللاجئين والمهاجرين إلى الولايات المتحدة، خصوصا بقدر تعلق الأمر بطرائق حل مشكلة التسرب اللاشرعي للمهاجرين من المكسيك وسواها من دول أميركا اللاتينية الفقيرة عبر الحدود نحو دواخل الولايات المتحدة.
وإذا كان الرئيس ترامب قد لوّح بإمكانية توقيعه على تشريع يحل مشكلة الأطفال المكسيكان الذين ولدوا أو حلوا في أميركا وهم أطفال، دون إراداتهم، إلا أنه قد واشج بين موافقته على مثل هذا القرار، وبين موافقة الديمقراطيين على تمويل أسطوري لمشروعه بناء جدار لا يمكن خرقه على طوال الحدود مع المكسيك. وهكذا وجد الكونجرس نفسه في نهاية المطاف وقد وقع في خانق مقفل يصعب التخلص منه: فلا الرئيس يوافق على الصفقة بدون الموافقة على بناء الجدار، ولا الديمقراطيون يوافقون على تحميل الميزانية مبالغ طائلة في مشروع الجدار الذي يجدونه مشروعا عبثيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق