تمكنت من قيادة وعيي بالاستشراق إلى آفاق أرحب وأنقى من براثن الانحياز والعدائية المتعامية والمواقف المسبقة. والحق يقال، فإن اللحظة التي شهدت انجلاء انحيازي المسبق ضد الاستشراق والمستشرقين، قد شهدت “انقلابا” في قراءتي لأعمال الاستشراق والاستعراب على نحو، لا يبحث عن الاختلالات والأخطاء..
باعتبار تخصصي الدقيق بأدبيات “الاستشراق”، فإن لي الاعتراف بأن الجزء الأكبر من مؤلفاتي في هذا التخصص (علاوة على أطروحتي المختصة به للدكتوراه) إنما كانت جميعا متأثرة بأصل يقظة الاهتمام العربي الإسلامي المعاصر بالموضوع أعلاه الذي حاز على السبق المعلى به الأستاذ الأميركي الفلسطيني الراحل “إدوارد سعيد” بعد نشرة كتابه المهم الموسوم بــ(الاستشراق) Orientalism (1978). إلا أن فضل سعيد أعلاه لم يخلُ من منزلقات ومثالب تنميط الدراسات المختصة بالاستشراق على أساس من فكرة “نقد الاستشراق”، وليس دراسته بروح حيادي لا منحاز، الأمر الذي قاد أغلب ما كتبه دراسات المختصون العرب والمسلمون إلى أن تكون دراسات عدائية، أي دراسات مبتناة على موقف تأسيسي نقدي/سلبي مقرر مسبقا. هذا ما قاد هذه الدراسات “النقدية” للاستشراق إلى وقوع في فخ التجريح والانحياز الأعمى ضده وضد المستشرقين، وهو ذات الانحياز الذي يرقى حد عد جميع المستشرقين “عملاء” أو “وكلاء” في خدمة حركة الاستعمار والهيمنة الامبراطورية.
ولكن دراستي المطولة للاستشراق الأدبي والتاريخي والانثروبولوجي تمكنت من قيادة وعيي بالاستشراق إلى آفاق أرحب وأنقى من براثن الانحياز والعدائية المتعامية والمواقف المسبقة. والحق يقال، فإن اللحظة التي شهدت انجلاء انحيازي المسبق ضد الاستشراق والمستشرقين، قد شهدت “انقلابا” في قراءتي لأعمال الاستشراق والاستعراب على نحو، لا يبحث عن الاختلالات والأخطاء Fault-Finding Method فقط، ولكن على نحو يحاول البحث عن إيجابيات منظورات الاستشراق وإمكانية الإفادة منها في خدمة ثقافتنا. هنا يتغير موقفي إلى موقف قانص لشذرات وقدحات الاستشراق المفيدة وذات المنفعة، الأمر الذي أزال غشاوة العصبية وغيمية التحامل وآثار البغضاء والضغائن القومية والروحية عن أعين الباحث، إذ تحولت شخصيا إلى باحث حقيقي، وليس باحث عن مثالب وهفوات المستشرقين على الطريقة أعلاه.
وكمثال على هذا النوع من الفوائد المرتجاة من دراسة الاستشراق على نحو مثقل غير بالتحامل والشكوك، أو غير منحاز مسبقا، للمرء أن يستذكر “الاستشراق التاريخي”، أي دراسة واستقصاء تواريخ المستشرقين وما أماطت هذه الدراسات المهمة اللثام عنه مما لم يكن بمقدور المؤرخين المسلمين والعرب ملامسته بالدراسة والرصد، خشية الغضب، نظرا لمخاطر المساس بالمحرمات والممنوعات التي قد تصب بأحقاد المتابعين على المؤرخ المحلي بسبب تجاوز ما يسمى بــ”الخطوط الحمراء”. ونظرا لأن تواريخنا المتاحة اليوم إنما هي نسخ طبق الأصل من التواريخ التي حبّرها الشيوخ (من أمثال المسعودي والطبري وابن مخنف، من بين سواهم)، فإن أي تشكيك من قبل مؤرخ حديث فيما تمور تواريخنا من أساطير وخرافات وغيبيات إنما هو أمر غير ممكن ولا مقبول، لأنه قد يحال إلى سلة “الزندقة والكفر” فيستحق العزل والعقوبة.
أما الأدوات التي يمتلكها المستشرق من نوع أدوات “التاريخ الحديث”، أي تلك التي لا يعيقها محرم ولا ممنوع، مهما كان، إنما تمكنه من رصد وتحليل تواريخنا بعين ثالثة، أي بعين متحررة من جميع الكوابح والعوائق، باستثناء حرية توظيف العقل، باعتباره الأداة المثلى للتحليل بناء على معطيات الواقع والعقلانية. لذا، تمكن أفراد من أمثالنا وممن سيأتي بعدنا أن يراجعوا تواريخنا التقليدية المتاحة على نحو فيه الكثير من العقلانية والقليل من الأسطورة بسبب مساعدة تواريخ المستشرقين على الارتقاء بالذات إلى مستوى أدق وأفضل لقراءة تواريخ العرب والإسلام.
ولكن دراستي المطولة للاستشراق الأدبي والتاريخي والانثروبولوجي تمكنت من قيادة وعيي بالاستشراق إلى آفاق أرحب وأنقى من براثن الانحياز والعدائية المتعامية والمواقف المسبقة. والحق يقال، فإن اللحظة التي شهدت انجلاء انحيازي المسبق ضد الاستشراق والمستشرقين، قد شهدت “انقلابا” في قراءتي لأعمال الاستشراق والاستعراب على نحو، لا يبحث عن الاختلالات والأخطاء Fault-Finding Method فقط، ولكن على نحو يحاول البحث عن إيجابيات منظورات الاستشراق وإمكانية الإفادة منها في خدمة ثقافتنا. هنا يتغير موقفي إلى موقف قانص لشذرات وقدحات الاستشراق المفيدة وذات المنفعة، الأمر الذي أزال غشاوة العصبية وغيمية التحامل وآثار البغضاء والضغائن القومية والروحية عن أعين الباحث، إذ تحولت شخصيا إلى باحث حقيقي، وليس باحث عن مثالب وهفوات المستشرقين على الطريقة أعلاه.
وكمثال على هذا النوع من الفوائد المرتجاة من دراسة الاستشراق على نحو مثقل غير بالتحامل والشكوك، أو غير منحاز مسبقا، للمرء أن يستذكر “الاستشراق التاريخي”، أي دراسة واستقصاء تواريخ المستشرقين وما أماطت هذه الدراسات المهمة اللثام عنه مما لم يكن بمقدور المؤرخين المسلمين والعرب ملامسته بالدراسة والرصد، خشية الغضب، نظرا لمخاطر المساس بالمحرمات والممنوعات التي قد تصب بأحقاد المتابعين على المؤرخ المحلي بسبب تجاوز ما يسمى بــ”الخطوط الحمراء”. ونظرا لأن تواريخنا المتاحة اليوم إنما هي نسخ طبق الأصل من التواريخ التي حبّرها الشيوخ (من أمثال المسعودي والطبري وابن مخنف، من بين سواهم)، فإن أي تشكيك من قبل مؤرخ حديث فيما تمور تواريخنا من أساطير وخرافات وغيبيات إنما هو أمر غير ممكن ولا مقبول، لأنه قد يحال إلى سلة “الزندقة والكفر” فيستحق العزل والعقوبة.
أما الأدوات التي يمتلكها المستشرق من نوع أدوات “التاريخ الحديث”، أي تلك التي لا يعيقها محرم ولا ممنوع، مهما كان، إنما تمكنه من رصد وتحليل تواريخنا بعين ثالثة، أي بعين متحررة من جميع الكوابح والعوائق، باستثناء حرية توظيف العقل، باعتباره الأداة المثلى للتحليل بناء على معطيات الواقع والعقلانية. لذا، تمكن أفراد من أمثالنا وممن سيأتي بعدنا أن يراجعوا تواريخنا التقليدية المتاحة على نحو فيه الكثير من العقلانية والقليل من الأسطورة بسبب مساعدة تواريخ المستشرقين على الارتقاء بالذات إلى مستوى أدق وأفضل لقراءة تواريخ العرب والإسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق