الجمعة، 26 مايو 2017

ما السر في سحر تراثنا؟ بقلم البروفيسور محمد الدعمي


”لقد ركز المفكر الأسكتلندي “توماس كارلايل” Carlyle (1795-1881) على قصة ظهور الإسلام ومصداقية الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في محاضرة تاريخية له، بعنوان “البطل نبي”، ليس كحكاية تاريخية، كما قد يتصور البعض، وإنما جزءًا من جهد تصويبي، أراد كارلايل من خلاله تصحيح الخطأ الشائع في العالم الغربي حقبة ذاك،
عد واحدا من كبار مفكري العصر الحديث “من لا يعرف شيئًا بالتاريخ ولا يليه ما يستحق من اهتمام، فإنه إنسان لا يعرف شيئًا البتة”. وقد تأكدت من صدق هذه المقولة برغم استجابتي الانفعالية ضدها آنذاك، عندما بحثت الاهتمام الغربي (الأوروبي والأميركي، خاصة) بالتاريخ العربي الإسلامي، ذلك الاهتمام الذي تبلور كتبًا عملاقة ومقالات مؤثرة، وشذرات فكرية ملأت دنيا هؤلاء المفكرين والفلاسفة على اختلاف مراحل وجودهم التاريخية.
لقد ركز المفكر الأسكتلندي “توماس كارلايل” Carlyle (1795-1881) على قصة ظهور الإسلام ومصداقية الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في محاضرة تاريخية له، بعنوان “البطل نبي”، ليس كحكاية تاريخية، كما قد يتصور البعض، وإنما جزء من جهد تصويبي، أراد كارلايل من خلاله تصحيح الخطأ الشائع في العالم الغربي حقبة ذاك، لأن هذا العالم لم يكن يعد الإسلام دينًا حقًّا، أسوة بسواه من الأديان المنزلة، اليهودية والمسيحية. لذا هزّ هذا المفكر العملاق معايير وأركان مجتمع عصر الثورة الصناعية عندما صرخ به: “هل تريدوني أن أصدق بأن هذه الملايين من المسلمين عبر العالم إنما يؤمنون بــ”كذبة”؟ (والعياذ بالله)
ولكن قبل كارلايل، كرس أبو الأدب الأميركي، واشنطن إرفنج Irving (1783-1859) سني شبابه المبكرة لدراسة قصة الرسول الكريم وظهور الإسلام في جزيرة العرب، جهدًا أوليًّا لتورخة قصة ظهور وتبلور الجمهورية الأميركية ذاتها، إذ حاول هذا العقل العملاق تتبع “تلك الغيمة الصغيرة” من مهدها في مكة وكيف كبرت وتعاظمت عبر المشرق العربي الإسلامي، ثم لتغطي شمال إفريقيا، فتعبر مضيق جبل طارق نحو شبه جزيرة إيبريا: أي إسبانيا والبرتغال حيث بدأت قصة الولايات المتحدة الأميركية عندما قرر كريستوفر كولومبس الانطلاق بسفنه التسع عبر الأطلسي، ليكون “الأميركي الأول”، مصطحبًا معه “العربي الأول”، أي ذلك المترجم المغربي الذي أراد اعتماده عندما يصل وجهته النهائية، الهند. لقد توقع كولومبس أن لغة التداول الدارجة في الهند كانت العربية، الأمر الذي يبرر اصطحابه هذا المترجم.
أما عشق رالف والدو إمرسون Emerson (1803-1882) لتاريخ العرب والمسلمين، فلم يبتعد كثيرًا عن اهتماماته الوطنية، ذلك أنه استحضر أعظم الشواخص العربية الإسلامية، ابتداءً من الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة الكرام، على سبيل تعريف المجتمع الأميركي الفتي بالرجال القادرين على “بناء أمم” عظمى. وقد ركز إمرسون على الإمام علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ والخليفة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ، وعلى العسكريين المسلمين الكبار (مثل خالد بن الوليد ودرار من بين آخرين) نماذجًا، شعر بأن أميركا بحاجة إلى أمثالهم. إلا أن المرء عندما يتعمق أكثر في دوافع إمرسون، فإنه لا بد وأن يجد بأن توظيفه إرثنا الإسلامي إنما كان تعليميًّا وتصحيحيًّا.
أما مجموعة الشعراء الرومانسيين، فقد وقعوا في حب الرومانسية العربية الإسلامية عبر الأدب والشعر، الصوفي خاصة، زد على ذلك عشقهم الوسواسي لرباعيات الخيام، درجة تكريس الشاعر إدوارد فتزجيرالد Fitzgerald (1809-1883) جزءًا من حياته لترجمة الرباعيات (Ruba’yyat) التي أحدثت آثارًا عميقة في الأدب الغربي، درجة مقارنتها بكتاب (ألف ليلة وليلة) The Arabian Nights. بل إن الشاعر الحديث “عزرا باوند” قد عمد الى تسمية ابنه “عمر” Omar، إعجابًا بالخيام. عمر عزرا باوند كان صديقًا لي حتى توفاه الله قبل بضع سنوات.
وإذا كان أغلب هؤلاء ممن عشقوا تاريخنا وتراثنا الأدبي من حبيسي معتكفاتهم، فإن هناك من كبار الأدباء وقادة الرأي الغربيين من هؤلاء الذين كان إهتمامهم بالعرب والإسلام إهتمامًا حركيًّا، بمعنى أنهم شدوا الرحال إلى المشرق العربي الإسلامي في محاولاتهم لسبر أعماق هذه الأرض التي شهدت ولادة الأديان السماوية الثلاثة العظمى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق