أ.د. محمد الدعمي
لا يخفي الراسخون بالعلم من المراقبين السياسيين الأميركان خشيتهم من مفاجأة هبة خلفية «جحيمية» مرتدة يمكن أن تحدث خلال وقت قصير بعد تداعيات قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إقالة مدير أهم جهاز إستخباري أميركي (مكتب التحقيقات الفيدرالي)، السيد «جيمس كومي» Comey قبل بضعة ايام، وعلى نحو مفاجيء. لقد قدم هذا القرار «رجة وعي» حقيقية، ليس فقط للديمقراطيين المعارضين لسياسة الرئيس ترامب، بل للجمهوريين، المتضايقين، كذلك بسبب ماعرف من إعتزاز الرئيس بالسيد كومي، ناهيك عن سيرة الأخير في الخدمة العامة، إذ عرف بالنزاهة والإستقامة والتوازن والدقة، سلوكياً.
إلا أن المحيّر في الأمر يرد الى ثنائية من الإحتمالات: (1) بينما إتهم مؤيدو السيدة كلينتون السيد كومي بالتسبب بخسارتها الإنتخابات نظراً لفتحه تحقيقاً جديداً حول رسائلها الإلكترونية قبل بضعة أيام من إنطلاق الإنتخابات؛ (2) ذهب ذات الديمقراطيين (بل وحتى بعض الجمهوريين من أعضاء الكونغرس كذلك) الى أن هذه الخطوة المفاجئة إنما تمثل صدى لما فعله الرئيس السابق ريتشارد نيكسون Nixon على سبيل التخلص من تهمة ما سمي بفضيحة «ووترغيت»، محاولاً الذب عن نفسه بأية طريقة للتخلص من قرار بادانته، ثم فرض الإستقالة عليه. ويضيف هؤلاء بأن مرد التشابه يعود الى أن «كومي»، المطرود من منصبه، إنما كان هو المسؤول رقم واحد في سياق التحقيقات الفيدرالية لتتبع خيوط الإتصالات والإرتباطات بين شواخص حملة ترامب الإنتخابية، من ناحية، وبين الروس. وبكلمات أخرى، يذهب المشككون بدوافع إعفاء ترامب للسيد كومي الى خشية الأول من وصول نار التحقيق حول الإرتباط والتواطيء مع موسكو الى شخص الرئيس ترامب شخصياً، باعتبار ما يحتفظ الرئيس به في روسيا من إمبراطورية إستثمارية عملاقة. ناهيك عن تكذيب كومي إدعاء الرئيس بثمة تجسس كان قد حدث ضد الأخير، بأمر من أوباما، أثناء التنافسات للإنتخابات الرئاسية.
لهذا السبب شك الرئيس ترامب، الذي وصف سبب إقالته لكومي بقوله الشديد التبسيطية أنه «لا يؤدي عملاً جيداً في منصبه»! ومن دوافع إقالة كومي يأتي طلبه قبل بضعة أيام من الكونغرس أموالاً وكوادراً وإمكانيات إضافية لإستكمال التحقيقات في تهم إرتباط فريق ترامب الإنتخابي بموسكو، خاصة بقدر تعلق الأمر بتتبع تحويلات مالية مثيرة للشكوك، تحويلات قد تمس الرئيس ترامب شخصياً. لذا، يعتقد هؤلاء أن الرئيس قد قرر القضاء على كومي قبل أن تقود تحقيقات الأخير المركزة إليه شخصياً (أي الى الرئيس)! وهكذا يترقب المتابعون ثمة «هزات أرضية» إرتدادية يمكن أن تطرأ على المشهد الإداري والسياسي في الولايات المتحدة على هامش قرار الإقالة غير المتوقع أعلاه.
كاتب وباحث أكاديمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق