السبت، 10 ديسمبر 2016

ضوء على قربان الفسح



ترجمة حسيب شحادة

جامعة هلسنكي

 

في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي كتبهاعطا الله (نتنائيل) بن إبراهيم بن خضر (فنحاس) الكاهن الحفتاوي (١٩٣٠-٢٠١٣، شمّاس معروف، زعيم رزين) بالعبرية ونُشرت في الدورية السامرية أ. ب.- أخبار السامرة، عدد١٢١٣-١٢١٤، ٢٠ آذار ٢٠١٦، ص. ٣٦-٣٧. هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها ــ إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى أيضًا مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني.

بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، توزّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين بالدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّة ترزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن، الشقيقين، بنياميم ويفت (الأمين وحسني)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

 

نهضتُ قُبيل الساعة الرابعة صباحًا للصلاة، الصلاة الأخيرة في أربعة عشر يوم الحراسة. فتحت النافذة لأعرف ما هي طبيعة الطقس ثمّ أغلقتها بسرعة بسبب الريح القارسة جدًّا، التي تسرّبت إلى البيت. خرجت ماشيًا إلى الكنيس في وسط غيمة رطبة وباردة جدًّا حلّت على الجبل. قطرات من المطر البارد لسعت وجهي. بالرغم من أنّ ّالمسافة إلى الكنيس على الجبل قصيرة، إلّا أنّ الرياح العاصفة حالت دون وصولي بسرعة. كلّ من كان ينظر إليّ في تلك اللحظة، لاحظ حتمًا الهمّ العميق الذي ارتسم على وجهي. علمت أنّنا سنقوم بتأدية مراسم قربان الفسح بالكامل، غير آبهين للحالة الجوية. كنّا مرّة قد احتفلنا به والسماء تمطر بَرَدًا، بدون مبالغة.

ولكن بدأت أحسّ بالارتياح، أُقسم بأن لجنتنا قد أحسنت صنعًا في إقامة سقيفة لخدمة العاملين في تنظيف الخراف بعد النحر. ولكن مع ذلك، كنت على يقين بأنّنا سنُمضي فسحًا صعبًا جدّا. بيني وبين نفسي أخذت في البحث عن الأسباب التي جعلت الله لا يلتفت إلينا هذه السنة، ويا لها من بداية غير موفّقة للكاهن الأكبر الجديد، صهري (شقيق زوجتي نعمة) يوسف بن أبي الحسن (حسده)، الذي تقلّد الكهنوت عام ١٩٨٧.

لم يتوقّف هطول المطر حتّى بعد رجوعنا من الصلاة. عبّر شقيقي الكاهن خضر (فنحاس) عن قلقه أيضًا من حالة الطقس المتوقّعة وقت القربان. قلقه كان معلّلًا؛ إنّه يبذُل قُصارى جهده في عمله جزارًا رئيسيًا في القربان. لا تنس أيضًا أنّه ليس صغير السنّ بالمرّة. استمعنا لكلّ نشرات الأخبار في خلال ثلاثة الأيّام السابقة للقربان، كيما نعرف الحالة الجوية يوم القربان، وأعلن عن توقّع طقس أكثر رداءة يوم العيد. فكّرت عن طائفتي الصغيرة، كم ستكون مسكينة في ساعات النحر في جوّ عاصف، بارد ورطب، وتواجد ضيوف مدثّرين ومرتجفين؛ الكلّ منذهل، لماذا فعل الله هذا لهذه الطائفة الصغيرة الآتية لتسبيحه وتبجيله. مع كل ذلك علمت أن القربان، لا محالة، سيتمّ.

 هكذا مرّت عليّ ساعات الصباح. بقيت حالة الطقس على حالها، إلّا أنّ الرياح اللاسعة خفّت قليلا. زارني بعض أبناء الطائفة في بيتي، وكان محور حديثنا بالطبع حول عدد سيول المطر التي ستهطل حتّى تأدية الفريضة؛ لا أحد فكّر في قربان لذيذ المذاق. تغيّر ما أخد يطرأ قُبيل الظهر، ما يشبه الأعجوبة، أخذت السماء تصفو رويدًا رويدا، والرياح لم تعد كما كانت في الصباح الباكر باردة. إنّها رياح أخرى قطعت الغيوم إربًا إربا؛ خرجتُ لأحسّ بالتغيير.

غدت الرياح أدفأ، ويمكن القول إنّها لطيفة. رأيت حشدًا كبيرًا مرتديًا ملابس بشتّى الألوان، ينزل إلى مكان الاحتفال. إخوتي، أبناء الطائفة، كانوا يتراكضون حول المذبح والأفران الأربعة. آخرون مشوا بتُؤَدة نحو مكان حفل استقبال الكاهن الأكبر لمن قدم لدعوته إلى مكان القربان، وكنت من ضمن تلك الحاشية.

على أنغامنشيد البحر“ [سفر الخروج ١٥: ١-١٩] الرائعة خطونا على مهل إلى المذبح. الكاهن الأكبر يوسف صعد على صخرة، رافعًا يديه، ومتوسّلًا من أجل شعبه. أوشك الغروب وحلّ الغسق؛ كانت السماء صافية والرياح ساكنة؛ أشعة غروب الشمس أضاءت القبّة الزرقاء في نزال أخير مع الليل وشيك الوقوع.

وها حدثت الأعجوبة، مربّع كبير من النور حلّق من على المصلّين والعاملين في تحضير القربان، وقد ظهر ذلك النور عن بعد لدقائقَ كثيرة. علمتُ أنّ صلاة الكاهن الأكبر الجديد وكهنوته قد قُبلا. [فياض (زبولن) ألطيف، يسرائيل ألطيف وزهاڤاه (ولدت في يافا ولم يعط لها اسم عربي؛ أشكر صديقي السامري بنياميم راضي صدقة على موافاتي بهذه المعلومة وبمثيلاتها) ألطيف أكّدوا ما رآه الراوي]. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق