الجمعة، 2 ديسمبر 2016

وغادر فيدل “هافانا”، أرملة بلا معيل بقام : البروفيسور محمد الدعمي


بقي كاسترو عصيًّا على أقوى قوة في العالم بالرغم من أنه يستقر في جزيرة صغيرة وفقيرة لا تبعد كثيرًا عن الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، خنجرًا في الخاصرة، كما يقال. جايل كاسترو، الذي توفي وعمره تسعون سنة، عشرة رؤساء أميركان: (من آيزنهاور، حتى أوباما) فلم يفلح أي منهم بإزاحته، حتى مع توظيف آلاف الكوبيين من مواطنيه من قبل وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA لإسقاط نظامه.
أ.د. محمد الدعمي
لست أبالغ إن زعمت أن الراحل “فيدل كاسترو”، إنما كان “عميد الشيوعيين” المتبقين في عصر العولمة الجاري، فإذا ما كان أعمدة الشيوعية من روس وصينيين وأوروبيين شرقيين قد نكثوا بالنظام الشيوعي ونكلوا به مذ انهيار جدار برلين في بدايات عقد التسعينيات من القرن الماضي، فإن “فيدل كاسترو” بقي متمسكًا بالنظام الشيوعي حتى تجاوز هؤلاء، مضحيًا بمساعداتهم الاقتصادية، فبقي مخلصًا لهذا النظام ولم يتراجع عنه قيد أنملة.
ومع تمسكه بهذا النظام، بقي “فيدل” عدوًّا لـ”الإمبريالية الأميركية”، لو استعرنا مصطلحه المفضل، كناية عن الولايات المتحدة. بقي كاسترو عصيًّا على أقوى قوة في العالم بالرغم من أنه يستقر في جزيرة صغيرة وفقيرة لا تبعد كثيرًا عن الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، خنجرًا في الخاصرة، كما يقال. جايل كاسترو، الذي توفي وعمره تسعون سنة، عشرة رؤساء أميركان: (من آيزنهاور، حتى أوباما) فلم يفلح أي منهم بإزاحته، حتى مع توظيف آلاف الكوبيين من مواطنيه من قبل وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA لإسقاط نظامه. هو لم يسقط قط، بل وقد فاز على الأميركان في جميع مواجهاته معهم، منذ تاريخ الثورة الكوبية التي حملته إلى سدة السلطة (1959)! قاد كاسترو كوبا أكثر من خمسة عقود، بلا منازع، ولا متحدٍّ. لذا تكون كوبا قد “ترملت” بحق بعد موته، إذ بقيت دولة “أرملة” بلا معيل، برغم أنه كان قد سلم السلطة قبل مدة قصيرة لشقيقه، باقيًا هو شخصيًّا مرشدًا لـ”الثورة الكوبية”. وإذا ما كانت كوبا الحديثة قد حزنت فعلًا على مغادرة مؤسسها، “فيدل” الحياة، فإن سبب هذا الحزن يُرد لأنها بقيت طوال أكثر من نصف قرن معتادة على أسلوب الحياة الشيوعية، بالرغم مما تسبب لهم به هذا الأسلوب من فقر وعوز وحرمان، حالهم حال جميع الشعوب الرازحة تحت نير الدكتاتورية. كوبا لم تزل لا تقود سيارات أميركية إلا من موديلات الخمسينيات بسبب خيلاء النظام الشيوعي والمقاطعة الاقتصادية الأميركية القاسية. إنك إن تمشيت في شوارع “هافانا” اليوم، فلا يمكن إلا أن تستذكر شوارع بغداد أو بيروت في بداية ستينيات القرن الزائل بسبب السيارات القديمة والأبنية المتهالكة.
وإذا كان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد امتدح سيرة فيدل، وقدم التعازي لأسرته، فإنه قد أسدى فضلًا على السياسة الأميركية، نظرًا لأنه قد تخطى جميع الجدران النفسية والاقتصادية والسكانية العازلة والمتبقية منذ “أزمة صواريخ خليج الخنازير” النووية، كي يطير مع أسرته إلى هافانا ليفتح صفحة انفراج جديدة في العلاقات الأميركية الكوبية لأول مرة منذ تاريخ الثورة أعلاه. وقد فتحت زيارة أوباما لهافانا الأبواب الواسعة للتبادل السياحي ومن ثم التجاري، الأمر الذي سيخفف كثيرًا من ضغوط الأزمة الاقتصادية التي رزح الكوبيون تحت أعبائها منذ أن ناصب فيدل العداء لواشنطن في بداية حكمه.
وللمرء أن يلاحظ في هذا السياق، بأن تعنت فيدل وعدم استجابته لأنواع المغريات الأميركية لتغيير سياسته، إنما كان من العوامل الأساس التي جعلت منه شخصية ثورية، يرفع صورتها جميع الثوريين في العالم، من رفيقه الراحل “تشي جيفارا” حتى صاحبه “نيلسون مانديلا”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق