الجمعة، 2 سبتمبر 2016

بين المثقفين العرب والمؤسسات الثقافية بقلم البروفيسور محمد الدعمي



 

 
 
أ.د. محمد الدعمي
بل إن ما يثير الشفقة أحيانًا هو أن هناك من المثقفين والفنانين فريقًا يشعر بالغبن وبالحيف، درجة مطالبة الحكومات بتخصيص مرتبات شهرية لهم ولعوائلهم، بدعوى انهماكهم بتخصصاتهم وبرسالتهم الثقافية أو الفنية أو الفكرية التي لا تدر عليهم بمدخولات تضمن لهم ولأسرهم الحياة الكريمة.
لا يمكن للمرء أن يفلت من ملاحظة ثمة ازدواجية مثيرة للملاحظة للتندر وأحيانًا، بقدر تعلق الأمر بمواقف الأدباء والمثقفين والفنانين العرب حيال “المؤسسات الثقافية” (الحكومية، خاصة). إذ ينقسم هؤلاء عامة إلى فريقين، هما: (1) المؤيدون لتوسع وتكريس المؤسسات الثقافية وأخذها بزمام قيادة الثقافة وتوجيهها، بدعوى ما أطلقت عليه الحكومات العربية عنوان “الثقافة الموجهة”؛ (2) المعارضون لوجود وتوسع المؤسسات الثقافية، درجة الإيمان بأنها كلما صغرت وانكمش دورها، تمتعت الثقافة والآداب والفنون بقدر أكبر من الحرية والقدرة على الإبداع. وبين هذين النقيضين يتقلب أغلب أصحاب الأقلام والفنون في العالم العربي، درجة أن المرء يشعر بالحرج والإرباك، خاصة عندما يرى أن أكثر دعاة توسيع المؤسسات الثقافية في العالم العربي، وهم ينقلبون ضدها حالما تحتك بحرياتهم وبطرائق التعبير الفني الذي يعتمدونه، داعين هذه المرة إلى “حرية الثقافة” بديلًا عن “الثقافة الوطنية الموجهة”!
بل إن ما يثير الشفقة أحيانًا هو أن هناك من المثقفين والفنانين فريقًا يشعر بالغبن وبالحيف، درجة مطالبة الحكومات بتخصيص مرتبات شهرية لهم ولعوائلهم، بدعوى انهماكهم بتخصصاتهم وبرسالتهم الثقافية أو الفنية أو الفكرية التي لا تدر عليهم بمدخولات تضمن لهم ولأسرهم الحياة الكريمة. هذا، بالضبط، ما حدث في العراق على عهدي الرئيس السابق صدام حسين، والعهد القائم الآن. وإذا كانت الحال الأولى، قد قدمت استجابة إيجابية نسبية للمطالبة بالمرتبات والرعاية المادية، فإن مرد ذلك هو اهتمام النظام السابق بالثقافة والفنون، وسائل للدعاية لنفسه؛ أما بالنسبة للنظام القائم الآن، فيبدو أنه بدأ بفكرة الرعاية التي ما لبثت وأن تلاشت بسبب ما شاب المؤسسات الثقافية من “شفط” للأموال وفساد، شفط لا تخفيه هذه المؤسسات نفسها، للأسف.
وهكذا تبقى الثقافة والفنون والآداب العربية تتأرجح بين قطبين: قطب الدعوة إلى تدخل الدولة لرعايتها، دون الاكتراث بما يؤول إليه هذا التدخل من تحديد لحرية العقل المثقف، وقطب الدعوة إلى تقليص تدخل الدولة عبر تحجيم دور المؤسسات الثقافية إلى أصغر حد ممكن، بدعوى التحرر من “الوصاية الحكومية”!
الغريب في الأمر، هو أن هؤلاء الداعين إلى تقليص المؤسسات الثقافية لا يلبثون بالمطالبة بتدخلها عندما يمرض أحد المثقفين، أو عندما تحضره المنية: فتراهم وقد علت أصواتهم: “أين المسؤولون؟” “أين الحكومة؟” بمعنى لماذا لا تتدخل الدولة لعلاج المثقف الفلاني، وترسله لتلقي علاجه خارج البلاد! عندما يتوفى أحد هؤلاء الفنانين أو الأدباء، يطالب الأحياء من زملائه بتدخل الدولة لحماية عائلته وتخصيص ما يناسبها من مرتبات “تقاعدية”. ولا يدري المرء هل يستحق مؤلف قصة أو رسام أو مؤرخ مرتبًا تقاعديًّا أم لا؟ هي استفهامات أرقت ولاة الأمر كما أرقت المثقفين والفنانين الذين يتأرجحون يحبون بين قطبي الرأسمالية هنا والاشتراكية هناك، كذلك!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق