الخميس، 1 سبتمبر 2016

ما هذه العجمة؟ بقلم البروفيسور محمد الدعمي


د. محمد الدعمي
العصر بقدر تعلق الأمر بالوافد من الاصطلاحات العلمية والتقنية الضرورية لتطور دول عالمنا العربي في شتى المجالات، فإني ألوم المستوى الثقافي والتربوي العام لجمهور الشبيبة والنشء على اعتماده، ليس فقط العامية الهابطة، بل كذلك الألفاظ الأجنبية التي لا حاجة للقارئ العربي بها..

 

استئنافًا للجدل الذي طورته في “العربية وخوانق الإصطلاح” (الوطن، 24 أغسطس 2016)، يتوجب عليّ أن أؤشر الدور السلبي الذي تلعبه شبكات التواصل الاجتماعي في تراجع وتردي المستوى العام للفصحى عبر العالم العربي، إذ ينكرها ويتجنبها مستخدمو هذه الشبكات بوصفها “وسيلة الاتصال” الرسمية، درجة التندر بمن يستخدم الفصحى لأنه أو لأنها تبدو حال “شاذة”، للأسف.
وإذا ما كنت قد لاحظت عجز مجمعات اللغة العربية المتخصصة (في القاهرة ودمشق وبغداد) عن مواكبة العصر بقدر تعلق الأمر بالوافد من الاصطلاحات العلمية والتقنية الضرورية لتطور دول عالمنا العربي في شتى المجالات، فإني ألوم المستوى الثقافي والتربوي العام لجمهور الشبيبة والنشء على اعتماده، ليس فقط العامية الهابطة، بل كذلك الألفاظ الأجنبية التي لا حاجة للقارئ العربي بها، خاصة وأن هناك (حتى في العاميات) ما يوازيها معنى ودقة تعبير. إلا أن الأمر، كما يبدو، يتعدى في مخاطره على الفصحى الحدود العادية، لأنه مرآة دقيقة لما يجري في الإعلام والثقافة العربية الشائعة لشديد الأسف، إذ يشعر المتابع أن بعض المتحدثين والمعلقين الذين يظهرون على الفضائيات أو يكتبون في الآنية الإعلامية الشائعة يبذلون جهودًا مفتعلة واضحة من أجل “تزويق” كلامهم أو كتاباتهم بالألفاظ الأجنبية حتى وإن لم يدركوا دلالاتها بدقة كافية، ولكن بحروف عربية، كناية عن اتساع ثقافتهم واستعراضًا لاعتمادهم المصادر الأجنبية، زيادة على المصادر العربية. وإذا ما كانت هذه حالًا شاذة تدعو للغثيان والتندر أحيانًا، خاصة من قبل عامة المتلقين الذين لا يفهمون الألفاظ الأجنبية أو يحاولون ذلك من خلال السياق، إلا أنها راحت تمتد وتنتشر حتى صارت أشبه بـ”تقليعة، كما يقول إخواننا المصريون، تقليعة غير مستحبة ولا محبذة، كما أرى: فلماذا هذه العناية “بتزويق” كلام المرء بألفاظ إنجليزية أو فرنسية غريبة، إذا كان هناك ما يرادفها باللغة العربية؟ ليس هناك جواب منطقي على سؤال من هذا النوع سوى تعمد الكاتب أو المتكلم “الدعي” “استعراض” “ثقافته الأجنبية”، إن كانت لديه ثمة أقباس حقيقية من هذه الثقافة! أما التعمد المستثقل و”المرطون” في غالب الأحيان فإنه يظهر للمتلقي، حتى وإن كان بسيطًا وساذجًا، تعمدًا سمجًا لا داعي له على الإطلاق.
لذا أغتنم هذه الفرصة لأن أقترح على “مؤتمر دبي” للغة العربية التوصية بدفع منع التزويق المفتعل للأحاديث والكتابات في الآنية الإعلامية العربية منعًا باتًّا نظرًا لمخاطرها على التوظيف الصحي والمثالي للغة العربية الفصحى بين شبيبتنا ونشئنا، من مسقط حتى مراكش.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق