الخميس، 9 يونيو 2016

"قواعد السعادة السبعون".. كيف تصبح سعيدا بدون معلم!


كتاب جديد للدكتورة داليا الشيمي



"نحن غالبا ما نبحث عن السعادة وهي في متناول أيدينا، تماما كما نبحث عن النظارة وهي فوق أعيينا"!..

هكذا قال الأديب الروسي الشهير ليو تولستوي، في معرض "بحثه الخاص" عن السعادة المفقودة. وليس من قبيل المصادفة أن جميع الأدباء والفلاسفة العظام عبر التاريخ كتبوا عن معنى "السعادة"، وكيفية الوصول إليها، فمعظم المسارات الفلسفية تقودنا إلى السؤال عن معنى "الحياة السعيدة".

وفي التراث العربي، كتب و"مصنفات" عديدة عن ماهية السعادة، منها كتاب للفقيه محمد بن عبد الله الخطيب الإسكافي بعنوان "لطف التدبير" وآخر للأديب عبد الله بن إبراهيم الجار الله عنوانه "الهداية لأسباب السعادة"، وكتاب لأبي العباس بن العريف هو "مفتاح السعادة وتحقيق طريق السعادة".

وحديثا، صدرت كتب عدة تتناول مفهوم السعادة وكيف تتحقق في حياتنا، مثل كتاب عائض القرني الشهير "لا تحزن" واتبعه بكتاب "حتى تكون أسعد الناس" و "أسعد امرأة في العالم".. ومثل كتاب "طريق السعادة" لمقداد يالجن.. وكتاب "خطوات إلى السعادة" لعبد المحسن بن محمد القاسم.. وكتاب "الإفادة إلى طريق السعادة" لعبد الله السليمان.

وتكملة لهذا السعي الجميل من العلماء والباحثين لإرشاد الناس إلى السعادة، أصدرت المستشارة النفسية وخبيرة الإرشاد الأسري الدكتورة داليا الشيمي كتابها الجديد "قواعد السعادة السبعون".. والذي جاء نتاج سنوات عملها الطويل في الاستشارات النفسية والإرشاد الزوجي.. وقدمت فيه رؤيتها حول "مسببات الشقاء" وكل ما يعوق سعادة الإنسان من خلال معاني وقواعد محددة للسعادة.. مطعماً ببعض الحالات الواقعية وبتجارب أناس عرفتهم خلال عملها في هذا المجال، مع الأخذ بكل الوسائل والاحتياطات التي من شأنها تحفظ لهؤلاء الناس خصوصياتهم.

لا ترجع إلى "مكان حادثتك"

تُرسي الكاتبة في كتابها 70 قاعدة للسعادة، وأولى هذه القواعد هي:

لا ترجع إلى "مكان حادثتك"!

فمن أكثر الأشياء التي رأت الشيمي أنها تؤثر على سعادة الناس, بحث الشخص عما كان يُشقيه بعد خرج منه, كمن يذهب إلى مكان وقوع حادثته كل مرة لكي يعيد حالة الألم التي مر بها من قبل.

وتقول المؤلفة إن الكثير من النساء يأتين لها في استشارات نفسية،  حيث تؤكد الواحدة منهن استمرارها في متابعة صفحة "الفيس بوك" أو حتى التواصل مع أصدقاء خطيبها الذي انفصلت عنه بعد حدوث "شرخ" في العلاقة, أو هذا الشاب الذي جاء ليشكو أنه لازال يتابع أخبار حبيبته السابقة حتى بعد معرفته بزواجها من رجل آخر بعد انفصالها منه.

ووفق المؤلفة، فقد وصل الأمر ببعض الرجال إلى أن يدفع مالاً لحارس العقار الذي تسكن فيه مطلقته، ليتتبع ما تقوم به, وأن ما يسمعه عن كونها سعيدة مع زوجها الجديد ولم تعد "عصبية" كما كانت معه، أثر في نفسه وجعله يهمل في عمله, وهو مع ذلك لا يوقف ذلك البحث والفحص.

وتعترف إحدى الفتيات للمؤلفة قائلة: "لا أنام حتى أفتح صفحة خطيبي السابق الفيس بوك، من خلال تلك الصفحة الأخرى التي صنعتها خصيصا لأتابع صفحته. وكلما رأيته يضحك مع أصحابه أو يحيا حياة سعيدة، أبكي وأظل بلا نوم لفترة, حتى أثّر ذلك على حياتي الدراسية".

وتؤكد د. الشيمي أن مثل هذه الأفعال التي يقوم بها الشخص وكأنها أعمال قهرية لا يملك منها فكاكاً تجعل من الإنسان أسيراً لأمر أصبح مجرد ذكرى مضت, لا تُحسن من حياته بعد مرورها, بل كأن الإنسان بعد تعرضه لحادث ما ويقف يتأمل ما حدث, فيعيد له ذهنه الحادث بأكمله لكي يعيش الوجع مرة ومرتين، وهكذا، بعدد مرات بحثه في دفاتر الماضي القديمة!

وتضيف أن "من بين ما يجعلك تبتعد عن الحزن وتقترب من السعادة أن تترك بحثك عما يعذبك.. أن تتوقف عن الاقتراب مما أصبح القرب منه عذابا.. كأن تفتح صفحة الفيس بوك لشخص تركك لترى هل اشتاق لك أم لا .. ألا تسأل عن مكان عمل تركته هل يمشي بعدك بشكل جيد أم لا .. تسأل عن أشياء لم تعد من نصيبك بشكل قهري وكأنك معدوم الإرادة.. كمن يذهب كل يوم لمكان الحادث الذي تعرض له ليعيد الألم كل مرة وكأنه متآمر على نفسه".

وهذا، حسب د. الشيمي، أمر ديني، لأن الله تعالى يعلم عنا ما لا نعلم عن أنفسنا، فالخالق سبحانه يعلمنا فى كتابه العزيز: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ المائدة: 101.

"عطر الصبار" المستحيل!

"لا تنتظر عطر الورد من شجرة الصبار!"

هذه إحدى القواعد التي تؤكدها د. الشيمي في الكتاب الذي بين أيدينا، حيث ترى المؤلفة أن "من بين ما يحقق لك السعادة هو تفهمك أن لكل الشخصيات من حولك تكوينات نفسية محددة، الكثير منها ثابت، وأن لكل شخصية لون طاغ.. فهذه الشخصية جادة.. وهذه طموحة بشكل كبير.. وتلك حنونة.. وهذه تحسب كل شيء.. وتلك يصعب إرضاؤها إلى حد كبير.. وهذه ناقدة ترى الناقص فحسب بطبيعتها".

وهنا تنصح المؤلفة القارئ: عليك حينما تختار الأشخاص أن تتفحصهم جيدا وتتفهم تكوينهم بدقة، وأن تتعامل مع صاحبك كما هو بالفعل، لا "كما ينبغي أن يكون"، وذلك لأمرين:

الأول: أن تحدد الطريقة المناسبة للتعامل معهم ومدى قدرتك على ذلك.

والثاني: ألا تتوقع منهم ما لا يشبههم، وأن تعاقبهم على شيء ليس لديهم القدرة عليه، وحتى لو تدربوا على هذا الشيء فسيفعلونه بـ"طريقتهم الخاصة".

وتشير الكاتبة إلى أن "معظم مشاكل الأزواج والأصدقاء تأتي من أننا نطلب من الشخص ما ليس من تكوين شخصيته أصلا، ونحزن لو غاب هذا المطلب، فمن الحالات التي كانت تشكو للمؤلفة بشكل كبير من صعوبة الحياة حالة زوجة تزوجت رجلا لديه ميل شديد لعقاب الآخرين على أبسط شيء, فقد عرفت أنه كان منذ الخطوبة يخاصم أخته الكبيرة من رمضان إلى رمضان, ولا يصالحها إلا أول ليلة من شهر الصيام, وأنه كان يبقى في بيت أهله عدة أشهر لا  يتحدث خلالها مع أحد".

وفي هذا الصدد، تقول الشيمي: "أعلمهم دائماً أن الصبار لا يُخرج رائحة الورد, وأن الشمس لن تشرق من غير موضعها إلا حينما تقوم قيامة الأرض وينتهى الوجود البشري, ومن هنا فإن عليك أن تعرف صاحبك وتتعامل معه كما هو".

وهنا تنوه الشيمى إلى نقطة مهمة، وهى أنه "ليس معنى ما عرضته أننا لا نتغير, لكن معناه أننا نحمل تكوينا عاما هو بمثابة (بصمة شخصية) لكل منا، لا نغيرها إلا لو رغبنا في ذلك, وبالطبع سنتغير في حدود قدراتنا ورغبتنا الحقيقية التي نُطوع لها هذه القدرات ونبذل لها ما لدينا".

قلّل من "الانهزاميين" في حياتك

هذه واحدة من أهم القواعد التي ذكرتها المؤلفة، وهي تعرّف "الشخصية الانهزامية" بأنها "الشخصية المحبطة لنفسها وللآخرين, التي تدخل فى دائرة الحزن والمظلومية طوال الوقت, ولا تُشجع على العمل ولا تحب أن تدخل في أي منافسة , فهي تُشعر الآخرين دائماً بأنهم مقصرون في حقها, ولا تستطيع التمتع بأي شيء وتجذب كل ما يُشعرها بالهزيمة, ولا تميل إلى دفع الآخرين أو تحمل المسؤولية, ولا تعطى مشاعر داعمة.. وهي شخصيات أميل إلى تسميتها بـ "خاطفة الطاقة"، ويتوجب من وطأتها السلبية عليك".

وتعتقد المؤلفة، في هذا السياق، أن إشكالية البشر الكبرى هي في "نوع الصحبة"، وليس في وجود الصحبة من عدمه. فإذا ما رجعنا إلى حياة الأنبياء والرسل، سنجد أنهم رغم كونهم مدعومين من رب العالمين، إلا أنهم طلبوا من الله سبحانه وتعالى العون والدعم الإنساني من خلال صحبة من البشر, سواء من خلال زوجة أو أخ أو صاحب، أو غير ذلك.

النصائح التي يقدمها الكتاب للقارئ صيغت بأسلوب شيق وسهل العبارة، وقدمت فيه المؤلفة زُبدة خبراتها العلمية وخلاصة تجاربها الإنسانية، ويمكن قراءته مرات عديدة وتكتشف فيه كل مرة فوائد جديدة.. وهذه أبرز عناوين قواعد السعادة السبعين التي اخترناها من الكتاب: (لا تناقش شخص متعصب– تبادل الأدوار مع الأشخاص المهمين حولك– راجع مفاهيمك كل فترة- عدد منافذ حياتك- حدد الوقت المناسب للانسحاب– أحسن الظن برب العالمين- حسن علاقتك بالله- اعرف مداخل مدينتك كي تغلقها وقتما تشعر بالخطر- ابحث عن المنحة في كل محنة- اقرأ إشارات الإنذار المبكر- لا ترتبط بشئ قد لا تملكه يوما ما – قلل من شخصيات تصفير العداد– اعرف مداخل مدينتك كي تغلقها وقتما تشعر بالخطر– تعلم الشكر على النعم– لا تحزن على الماضي– انتقام الأقدار أفضل من انتقام الشطار).

وفي النهاية تخاطب المؤلفة قارئها وتقول: إنني استهدفت أن أفتح معك حواراً ربما يفتح لك أبواباً مغلقة, أو حجرات داخل نفسك لم تدخلها, مفاتيح نور لم تفتحها,حاولت قد أكون أصبت وقد أكون فقط من المجتهدين.. أتمنى لك أن تحيا أفضل, أكثر سعادة, أكثر سلماً مع النفس, ومن ثم مع مَن حولك.. من فضلك... حاول.. فالحياة لا توهب لنا إلا مرة واحدة, ولو فتشت في حياة كل منا لوجدت ألف شئ يمكن أن يعرقل سعادتنا, منا مَن استسلم, ومنا مَن اجتهد وحاول.. فكن ممن حاول.. لعلها محاولة تفلح إن شاء الله.

المؤلفة في سطور: 

الدكتورة داليا الشيمي، مدير مركز "عين على بكرة للمساندة النفسية والتنمية الأسرية" الذي يعمل في مجال تقديم الاستشارات والاختبارات والتدريب النفسي لحل مختلف المشكلات الأسرية والزوجية.

حصلت الشيمي على درجة الدكتوراه بتقدير "امتياز مع مرتبة الشرف الأولى" من كلية الآداب قسم علم النفس – جامعة عين شمس، وقامت بالتدريس العملي للمواد للفرق الدراسية المختلفة بالكلية منذ عام 1998 حتى 2008.

وللدكتورة الشيمي عدة مؤلفات منشورة، منها كتاب مشترك بعنوان "المساندة النفسية لمتضرري الحروب والكوارث من الأطفال والمراهقين" وآخر عنوانه "تعديل سلوك الأطفال" و"دليل الوالدين والمعلمين" و "في بيتنا مراهق".

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق