بقلم :
حاتم جوعيه
مقدِّمة ٌ : الكاتبُ
والأديبُ الرّوائي الدكتور
" أحمد سليمان " من سكان
مدينة " عكا " وأصل
عائلتهِ ( أبيه وأجداده )
من إحدى قرى قضاء صفد
( قرية علما ) التي
هُجِّرَ سكانُها عام 1948
. بدأ في
كتابة ِ القصص الأدبيَّة والرِّوايات
منذ أكثر من
20 سنة ،
وصدرَ لهُ حتى
الآن عدَّة ُ مجموعاتٍ قصصيَّة ، منها
: 1 ) العنكبوت
( إصدار دار
عكا للنشر بإدارة
" نوال وشاحي منصور "
. 2 ) رواية
" الدمية والظلال " - إصدار
" مؤسَّسة الأشوار
- بإدارة " يعقوب
حجازي " .
3 ) والرواية التي بين أيدينا "
شاعرٌ رغم أنفهِ "
- إصدار " مؤسَّسة
الأسوار – عكا .
والدكتور "أحمد سليمان "
في جميع كتلباته وإصداراتهِ ركزَ
بشكل ٍ مَسهبٍ على
القضايا الوطنيَّة والقوميَّة
والأجواء الشَّعبيَّة
القرويَّة والعادات والتقاليد الموروثةِ
، وبكلِّ ما
يتعلقُ بالتراث والتاريخ الفلسطيني
، فهو
ينقلُ إلينا بريشتهِ
الإبداعيَّةِ الأجواءَ الرِّيفيَّة
بتفاصِيلِهَا الصَّغيرة والدَّقيقة
وكأنهُ وُلِدَ فيها
، رغمَ أن الكاتبَ
من مواليدِ عكا التي
تقعُ على شاطىءِ البحر ِ .
وكما يبدُو أن المرحومَ
والده ُ من قرية " علما " المُهجَّرة
هو مصدرُ هذه
الثروة والآفاق المعرفيَّة
بتفاصيل حياة الرِّيف
اليوميَّة التي كانتت
سائدة ً ومُتبعة ً قبل
عشرات السنين ... وخاضِّة ً في
زمن الإنتداب (
الحكم البريطاني على
فلسطين بعد الأتراك )
.
هذا الكتاب ( الرواية )
التي بين ايدينا
يُعالجُ عدَّة َ قضايا وأمور
تعنى الإنسان الفلسطيني والعربي
أينما وُجِدَ .
فالرواية ُ من صميم ِ واقعنا بَيْدَ
أنَّ الأسماءَ مستعارة ٌ من
خيال الكاتب ِ . وهو يتحدَّثُ
عن تاريخ ِ وحياة ِ
إحدى القرى الفلسطينيَّة
" علما " التي دُمِّرَتْ
وَهُجِّرَ سكانها سنة 1948
. فيُعطينا صورة ً
موسَّعة نابضة ً بالحياة عن نمط ِ حياة ِ
وعيش ِ سكانها والعلاقات
التي تشوبُ أفرادها
والعادات والتقاليد الفلسطينيَّة السَّائدة والمُتوارثة ، وذلك
بأسلوب ٍ روائيٍّ سرديٍّ ،
وتستمرُّ أحداثُ القصَّة ِ
حتى بعد عام ِ
النكبة ِ ( 1948
) . حيثُ
يتحدَّثُ بالتفصيل ِ عن حياة ِ
القرية ِ مثل المُقاومة ِ
والإستشهاد والتشرُّد
والرَّحيل .
لقد تمكنَ
" أحمد سليمان "
من جمع ِالكثير من القصص ِ والأقوال
والنهفات وعملَ على صياغتها
وإعادة إنتاجها بطابع ٍ
إبداعيٍّ أدبيٍّ مُميَّز ٍ
في خمس ٍ وخمسين لوحة ٍ كمَّلت
الواحدة ُ الأخرى حيثُ تشكلُ لوحة َ الريف
الفلسطيني في تلك
الفترة . والخيط
ُ الذي يربط ُ هذه
اللوحات ببعصها لتشكل َ
اللوحة َ الكبيرة المتكاملة َ
والبناء القصصي النهائي هو عدد
من قصص ِ الحبِّ
البريئة والبسيطة .
والرواية ُ جميعها ُكتِبَتْ
بالأسلوب التقريري السَّردي
على لسان صمير
الغائب ِ ( الكاتب )
. وتتحدَّثُ القصَّة ُ
باختصار ٍ ( مجرى
أحداثها ) عن
بطلها الذي يُحِبُّ
ابنة ُ خاله ِ "
ريم " وينازعُهُ في
هذا الحبِّ شخصٌ آخر
يُدعى " سالم "
الذي يُحاولُ كتاية َ
الشَّعرَ . كما
أن والده يُحبُّ
" صبحه العورا "
ويتمناها زوجة ً ثانية ً
بيدض أنهُ يفشلُ
ولا تتحقق ُ أمنيتهُ
... ومن أجل ِ هذا يُصلي
في المسجدِ الأحمر ِ
في " صفد "
ويطلبُ أن تكون َ
من نصيبهِ ولكنه
يلقى حتفهُ عن
طريق ِ فرسهِ التي
تسقط ُ عليه ِ فتقتلهُ قبلَ
أن يتحققَ هدفهُ
بالزواج ِ . وأمَّا صبحه
العورا فتقعُ ضحيَّة ً
لابن ِ المختار ِ فيتركها بدوره ِ بعدما ينالُ
مأربُهُ منها بين كرم ِ
الزيتون . وصبخه العورا
هي ابنة "
محمود " الذي ذهبت
زوجتُهُ خطيفة ً مع سعيد البدار
. وفي نهاية الرواية نعلم
أن أبا محمود
يقتلهُ انتقامًا لكرامته
ورجولتهِ ويُسجن .
ويختتمُ الدكتور أحمد روايته على شكل ِ صرخات ٍ
، فيعودُ إلى
قريتهِ ( بطلُ القصَّة ِ )
بجواز ِ سفر ٍ منزويلي
كسائح ٍ فيرى نفس َ التراب ِ
والجبل ِ ونفس الهواء والشَّمس والسماء
، ولكن قريته
" علما " لم تكن
هي كما كانت
قبل ، ويتوجَّهُ
بطلُ الرِّواية ِ إلى غريمهِ
" سالم " بهذه
الكلما قائلا ً :
" سالم يا
صاحبي وغريمي يا
سالم الدبس ...
أين أنتَ ؟
" . وأمَّا صبحه العورا
فتموتُ في المنفى -
في أمريكا الجنوبيَّة
بعد أن صار
اسمها في الغربة ِ
" السينيورا صبحه "
. وكما ذكرتُ
فالرواية ُ تنقلُ لنا
تفاصيل حياة الريف في
تلك الفترة ِ (
زمن الإنتداب ) بشكل
ٍ مفصَّل ٍ ودقيق ٍ
وممتع ٍ . ولكن الكاتب َ
لم يهتمْ كثيرًا
بمتابعة تفاصيل أهل ِ
القرية ِ ما بعد
المنفى ( بعد
الرحيل والتشرُّد )
فاختصرَ كلَّ هذا
في نهاية ِ رواتهِ بثلاثَ
صفحاتٍ فقط جاءت
على شكل ِ صرخات ٍ وآهات وتفجُّع ٍ نثيرُ الكآبة َ والحزن ،
وربَّما أن الكاتب ( أحمد سليمان ) أرادَ عدمَ
التوسُّع ِ والإطالة وفضَّلَ
، بدوره ، البقاءَ في
إطار ِ الريف عن قصدٍ وهو انعكاس
ونقل حياة هذا الريف
الجميل البريء السَّاجي
للقراء . وكان
بإمكان الكاتب أن
يُواصلَ الكتابة َ عن
حياة ِ أبطال ِ الرواية بعد المنفى
في أمريكيا الجنوبيَّة
والمنفى في عدَّة ِ
أجزاء ، والرواية ُ
تقع ُ في 70 صفحة
( حجم متوسط
) - إصدار
مؤسسة الأسوار عكا ، ورسومات غلافِ الكتاب
للفنان سمير سلامه
.
من الناحية
النقديَّة هذه الرواية
يوجدُ فيها أسُسٌ
ومقومات جماليَّة رائعة
وتألق إبداعي ، وفي
نفس الوقت يشوبها
بعض عناصر النقص
والتصدُّع في النسيج
الدرامي للقصة من
النواحيَّة الفنيَّة والروائية .
يمتازُ أسلوبُ
الكاتب " أحمد سليمان "
بشكل ٍ عام في
جميع كتاباته وقصصه
بطابع ٍ جميل عذبٍ وشائق
وبأفق وطابع ٍ رومانيسيٍّ شاعريٍّ وبألوان ٍ وأبعادٍ جماليَّةٍ
فنيَّة ٍ تطغى على نهجه وتحلي كتاباته ، فهو يملك زمام ناصية ِ الإبداع
ويعرفُ ويدركُ جيَّدًا
أسس البناء الهرمي للقصَّة ِ أو الرواية
، ويعرفُ جيَّدًا ما هي
المقوِّمات الأساسيَّة التي يجبُ أن ترتكزُ
عليها لتكونَ قصَّة ً ناجحة ً ولها دورها
ومكانتها في عالم
الأد بِ . لقد
قرأ "أحمد سليمان "
الكثيرَ من الروايات
وعنده الإطلاع الكافي على
إنتاج معظم الكتاب القصصيِّين والروائيِّين العرب والأجانب والفلسطينيين
خاصة ً كما هو
واضح تماما... هذا
بالإضافة ِ الى موهبته
الأدبيَّة الفطريَّة ،
وبالذات في مجال
القصَّة والرواية بالتحديد
- والتي عملَ
، بدوره ،
على صقلها وتطويرها
من خلال المطالعة المستمرَّة
. وباختصار هذه
القصَّة ناجحة ويوجد
فيها كل كلُّ
عناصرُ الإثارة والتشويق
والجمال ، ولكنها
لاتخلو من نقاط
ضعف وبعض العيوب
، ومنها ومنها مثلا ً :
1 ) يلجأ الكاتبُ
ألى الأسلوب السردي
التقريري المباشر في جميع مواضيع
وأحداث القصَّة ،
فكأنَّ الرواية ُ عبارة ٌ
عن مقال ٍ تقريريٍّ صحفيٍّ
منسوج ٍ ومكتوبٍ بصيغة ِ
الغائب ( الكاتب )
، وهنالك تقليلٌ
وتهميشٌ للأجواءِ الرومانسيَّةِ
الشَّاعريَّة وللغة الأدبيَّة
القصصيَّة الدراميَّة الشيِّقة .
2 ) لا يوجدُ
عنصرُ الحوار ((ديالوج ))
كما هو مُتَّبَعٌ
في كلِّ قصَّة ٍ وروايةٍ إلا َّ
نادرًا جدًّا ، وممَّا
يحدو ببعض ِ النقاد ويُحفزَهُم أن
ينتقدوا ويهاجموا هذه القصَّة الخالية
، شبه كلي ،
من عنصر الحوار
بين أبطالها وشخصيَّاتها
وإلى اعتبارها كتقرير ٍ
إخباريٍّ أو مقال ٍ صحفيٍّ
مطوَّل ٍ - ينقصُهُ
الدراما المشهديَّة والتصويريَّة والأجواءُ
الرومانسيَّة .
3 ) هنالك
بعضُ الإضطرابات والضعف
في تسلسل ِ أحداثَ هذه الروايةِ وقي
الإنسجام ِ والتناغم ِ والتنسيق والترتيب
بين كلِّ حدثٍ ومشهدٍ .
وأما النقاط
والعناصر الإيجابيَّة فهي كثيرة ٌ جدًّا ، مثل
:
1 ) يوجدُ فيها
عنصرُ التشويق والإثارة
والستمتاع .
2 ) يوجدُ فيها
عنصرُ المفاجأة -
فعلى سبيل المثال
القرية التي يتحدَّثُ عنها
الكاتبُ وتدورُ حميعُ أحداثُ
الرِّوايةِ فيها .. ومدى
تسلسل أحداث القصَّة
قد يتساءل ُ القارىءُ
: ما هو اسم
القرية ... وقد تخطرُ على
بالهِ أسماءٌ كثيرة ٌ
لقرى مُهَجَّرة فلسطينيَّة في
قضاء صفد - حتى
في نهاية ِ القصَّةِ يذكرُ الكاتبُ اسم هذه
القرية المنكوبة التي
شُرِّدَ سكانها سنة
( 1948 ) وبأسلوبٍ
مُؤَثر ٍ جدًّا يُثيرُ العواطفَ
والمشاعرَ ويشحذ ُ الفكرَ
ويُذكي الحزنَ ولواعِجَ الوجدان .
وتأتي المُفاجآتُ في
أحداثِ الروايةِ دائمًا
بشكل ٍ لا يتوقعهُ
القارىءُ .
3 ) البعدُ الإنساني -
فهذه القصَّة ُ إنسانيَّة ٌ
من الطراز ِ الأوَّل قبل
أن تكونَ وطنيَّة ً
، ولا تعني
الإنسانَ الفلسطيني فقط . ..
بل الإنسان الإنسان
أينما وُجِدَ في
كلِّ مكان ٍ وزمان ٍ وموقع ٍ
والذي يتحدَّى كلَّ
الخطوب ِ والرَّزابا ويسعى لأجل ِ
العيش ِ بكرامة ٍ وهدوءٍ
وسلام ٍ .
4 ) البُعدُ العاطفي
والنقسي والوجداني .
5 ) البُعدُ الفني
والجمالي .
6) البُعدُ القومي والوطني والتراثي
.
وبالنسبة ِ للبعدِ
القومي والوطني فهذه
القصَّة ُ تتحدَّثُ بشكل ٍ عام
عن القضيَّةِ الفلسطينيَّة ِ والإنسان ِ
الفلسطيني ، وبالأحرى
الشَّعب الفلسطيني الذي
شُرِّدَ من مدنهِ وقراه
عام 1948 ،
ومن ضمن هذه
القرى النكوبة قرية " علما " التي تدورُ
فيها أحداتُ هذه
الرواية والتي شُرِّدَ
سكانها . ويُعطينا الكاتبُ صورة ً
رائعة ً وبطوليَّة ً مُشِعَّة
ً لنضالل ِ أهلها
وذودِهِم عن قريتهِم وَحِياضِهم المقدَّسة حسب إمكانيَّاتهم الضيِّقة والمحدودة آنذاك
كمجتمع ٍ فلاحيٍّ وزراعيٍّ
تنقصُهُ الكثيرُ من
التقنيات والآلات الحديثة
الحياتيَّة والآلات والأسلحة
القتاليَّة الحديثة أيضًا والتي كانت مُتوفرة ً بشكل ٍ كبير ٍ عند
أندادِهم .
وفي هذه
الرواية ِ كما ذكرتُ
سابقا ً سردٌ مُسهبٌ
لحياة ِ هذه القرية ِ
الوادعة ِ ، قبلَ عام
النكبةِ والتشريدِ ، وعن العادات
والتقاليد ونمط الحياة السَّائد فيها
كجميع القرى الفلسطينيَّة ومستوى الحياة
وطرق وسُبُل العمل والعيش : كالرعايةِ والفلاحة ِ ، وغيرها ... وعن الفلكلور الفلسطسني الشَّعبي
بشكل ٍ عام .
إنَّ مجرى
إحداث هذه القصَّة
المُثيرة التي صوَّرَها
خيالُ كاتبنا المُبدعُ
الدكتور " أحمد سليمان "
تصلحُ أن تكونَ
فيلمًا سينمائيًّا مُطوَّلا ً
أو مسلسلا ً تلفيزيونيًّا أو كعمل ٍ
مسرحيٍّ ، وذلك إذا
قامَ كاتبٌ آخر
روائيٌّ أو مسرحيٌّ
قديرٌ مبدعٌ وَمَسْرَحَهَا - أي
حَوَّلَ أحداثهَا ومواضيعَها
ومشاهدَها الرائعة َ إلى حوار
أو حواريَّة (
ديالوج ) وجعلَ شخصيَّات
وأبطالَ هذه القصَّة يتحدَّثونَ مع
بعضهم البعض بشكل ٍ مباشر بدلا ً
أن يكونَ الحديثَ
معظمهُ بشكل ٍ سرديٍّ
تقريري صامتٍ بدون ِحسٍّأو حركة ٍ يرويهِ الكاتبُ
على لسان ِ جميع أبطال وشخصيَّت الرواية بدون
حركة ٍ وحياة .
فإذا مُسْرِحَت
هذه القصَّة ُ .. أو
بالأحرى عُدِّلتْ وَصِيغتْ من
جديد بشكل ٍ حِواريٍّ وقامَ
بعذه المهمَّة ِ الكاتبُ
نفسهُ أو أيُّ
كاتبٍ مُلِمٍّ قدير ٍ مبدع ٍ ومُميَّز ٍ
فستكونُ قمّة ً في
الأدب ِ الإبداعي -
سواءً كمسرحيَّة ٍ أو
كرواية . وإذا
مُثلتْ أيضًا كمسلسل ٍ أو كفيلم ٍ
سينمائيٍّ أو مسرحيَّة
.
وأخيرًا - إنَّ الكاتبَ
الدكتور " أحمد
سليمان " من الكتاب القصصيَّين المبدعين محليًّا والذين
تألقوا ، مُؤخرًا
، في مجال ِ
القصَّة ِ والرواية ِ التي
ُتعالجُ القضايا الإنسانيَّة
أوَّلا ً والقضيَّة الفلسطينيَّة
والتاريخ والتراث الفلسطيني
من عاداتٍ وتقاليد
وقيم ٍ ُمتبَعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق