اذا ما تفاعلت عواطف الغضب السوداء في الداخل مع عواطف الغضب والضغائن عبر العالم ضد الإدارة الأميركية، سيكون من الواجب عليها تجنب المخاطر المحدقة بها داخلياً وخارجياً. وهو ليس بالأمر اليسير، ذلك أن عليها أن تناور بدقة، موظفة أدوات الكي هنا، والبتر واللجم هناك، زيادة على محاولات التخفيف من روع الضحايا بأدوات الحوار والتبرير، من بين سواها.”
ـــــــــــــــــــــــــ
ليس من اليسير الجزم بإمكانية الإدارة الأميركية الإمساك بالعصا من الوسط، بقدر تعلق الأمر بما كانت تخشاه أيما خشية من “إنسكاب” إحتجاجات السود من إناء مدينة “فيرجسون” لتمتد وتتمدد بكل الإتجاهات، فتلهب مشاعر وتعابير الإحتجاج الإجتماعي السوداء في المدن الكبيرة، كنيويورك وواشنطن العاصمة ولوس أنجليس، من بين سواها.
ولكن هناك ثمة ما يعقد الأمر من الناحية الثانية، إذ أماط الديمقراطيون في الكونجرس اللثام عن تقرير خطير حول إعتماد وكالة المخابرات المركزية الأميركية أدوات التعذيب الجسدي والنفسي في حملة إدارة الرئيس بوش الإبن للإستجابة لعمليات 11 سبتمبر الإرهابية ضد نيويورك وواشنطن. الخوف الآن يكمن في إمكانية قيام الشبكات الإرهابية عبر العالم بأعمال إنتقامية يمكن أن تطال كل ماهو “أميركي”، فرداً أو مؤسسة أو وكالة حكومية.
هذا هو سر إرتفاع درجة الحذر إلى اللون الأحمر بدلاً عن الألوان الأدنى خطورة، وهو بالضبط ما كمن ويكمن خلف ظاهرة إغلاق سفارات الدول الغربية في العواصم الإسلامية كالقاهرة وصنعاء، من بين سواهما من مدن كبرى. الخوف من ردود الأفعال غدا هاجساً يقض مضاجع الإدارة الأميركية، خاصة عندما تضاف التفاعلات الداخلية بين السود، التي يمكن أن تتصاعد حد التحول الى “إنتفاضة” شاملة، نقول تضاف إلى الشعور اليقيني بأن الكشف عن التقرير الذي يتهم المخابرات المركزية بتشكيل فرق القاء قبض لإلقاء المشكوك بهم في “مراكز سوداء” يتم فيها إستجواب المشبوهين على نحو “مشدد” enhanced investigations، إن صح التعبير، الذي يصب في معنى واحد وهو “التعذيب” الذي إشتهرت الإدارة الأميركية، مع سواها من حكومات الدول الغربية بإدانته عبر العالم. علماً بأن هذا الإستجواب “المشدد” يتراوح بين الضرب والخنق وبين الحجز في فضاء صغير جداً على نحو إنفرادي.
إذا ما تفاعلت عواطف الغضب السوداء في الداخل مع عواطف الغضب والضغائن عبر العالم ضد الإدارة الأميركية، سيكون من الواجب عليها تجنب المخاطر المحدقة بها داخلياً وخارجياً. وهو ليس بالأمر اليسير، ذلك أن عليها أن تناور بدقة، موظفة أدوات الكي هنا، والبتر واللجم هناك، زيادة على محاولات التخفيف من روع الضحايا بأدوات الحوار والتبرير، من بين سواها.
لقد أعلنت وكالة المخابرات المركزية بأن ما اشيع من تعذيب كان مبرراً، بل وموافقاً عليه من قبل الرئيس بوش الإبن إستجابة لمأساة 11 سبتمبر 2001، إلا أن هذا الإعلان لا يتواءم مع صورة الولايات المتحدة “المرجوة” كدولة تحترم حقوق الإنسان، بل وتوظفها لإدانة حكومات دول أخرى، كما فعلت مع عدد من دول الشرق الأوسط، بعد أن طوت ملف التعذيب الذي إعتمده أقوى حلفائها حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي، اي الشاهنشاه محمد رضا بهلوي في إيران.
ثمة ملفات خاصة بالعنف وتوظيف القوة المفرطة يمكن أن تفتح من وقت لآخر، خاصة وأنها لايمكن أن تغلق على نحو نهائي. ويضطلع الإعلام الأميركي (لا أدري لماذا أو كيف) بالعمل على إشاعة ملفات أخطاء الأجهزة القمعية داخل الولايات المتحدة، فيندر أن يمر يوم دون سماع أخبار عن ضحايا سود أودعوا السجون بلا ذنوب، أو أفرج عنهم بعد عقود ليتبين خطأ محاكمتهم وخطأ إدانتهم!
إن كامل النظام القضائي والعدلي الأميركي يبدو على المحك، لأنه بحاجة ماسة إلى مراجعة منصفة تشذبه مما شابه من معايير مزدوجة وتعابير نفاق أو إختلالات تزيد من قوة ما يعتمل داخل وخارج الولايات المتحدة من عواطف مضادة للقسر وللقهر التي تتواشج الآن مع سمعة الإدارة الأميركية، خاصة بعد أن قدم السود الأميركان مايكفي من المبررات لمعارضي السياسة الأميركية في الخارج على سبيل إطلاق ردود الأفعال.
ولا ينبغي ان نتغاضى عن التعقيدات الإضافية التي قد تواجهها الولايات المتحدة عندما تنكشف الأنظمة الحكومية التي تعاونت مع المخابرات المركزية، فسمحت لها بالأنشطة على أراضيها وبتأسيس سجون سرية هناك. الأمر أكثر تعقيداً مما يبدو على السطح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق