السبت، 2 يناير 2010

صدر كتاب عندما تصمت طيور الوطن للاديب سهيل عيساوي


مقدمة - مقدمة الكتاب بقلم الاديب محمد داني
الذي أثار انتباهي عند هذا الشاعر الأديب الفلسطيني ، سهيل عيساوي، هو مواكبته للأحداث، وغزارته الإنتاجية، وتنوعه الفني والأدبي...
كثير السفر والإبحار في الكلمة الأدبية الجميلة. إذ نجده يتنقل كالفراشة السعيدة، وكالنحلة النشيطة من زهرة إلى أخرى. فنجده مبحرا في كل الأجناسيات تقريبا. نجده في المقالة، والخاطرة، والتأملات، والتاريخ، والقصيدة.
وهذا إن دل على شيء ، فإنما يدل على عشقه الكبير للتحليق في عالم الكتابة والأدب . كما نـتبـين – نحن كمتلقين- أنه مثل السمكة لا يمكنها أن تعيش خارج الماء. فسهيل كذلك لا يمكنه أن يعيش بمنأى عن الكتابة، وخارج حدودها. وهو العاشق للكلمة، والكتابة، والبحث، والتأريخ حتى النخاع.
إنه يفاجئنا بين الفينة والأخرى بجديده المتميز. فبعد( وتعود الأطيار إلى أوكارها)، و( فردوس العاشقين)، و(تشرق أسطورة الإنسان)، و(قصائد تغازل الشمس)، ها نحن أمام إضمامته الخامسة. فقد اختار لها كعنوان دال ، ومتميز: ( عندما تصمت طيور الوطن).
إنها مجموعة شعرية مغايرة من حيث الشكل لما سبق. خاصة عندما نعلم أن الوطن الفلسطيني فقد كثيرا من طيوره التي صمتت صمتا أبديا.
نعم... إن سهيل عيساوي، صوت شاعري ، فلسطيني، حداثي ، شاب ، جديد...هذا لا ينكره أحد...واستطاع أن ينحت اسمه بين أسماء فلسطينية كبيرة... كالشاعر صالح زيادنة، والشاعر يعقوب أحمد يعقوب، والشاعر كاظم إبراهيم مواسي، والشاعر عصام الديك، وغيرها من الأسماء الفلسطينية اللامعة.
والجميل أننا نراه في هذه المجموعة الشعرية ( عندما تصمت طيور الوطن)، ينبعث من رماده كالفينيق ، خاصة وان كل قصائد المجموعة كتبت في فتـرة زمنية تمتد على أربع سنوات، أي بين 2004 و 2008، كما حددها الشاعر نفسه كملاحظة على صفحات المجموعة الشعرية.
وعندما نراجع هذه السنوات، نجدها ليست سنوات عجافا، بل سنوات حابلة بالأحداث، والقضايا... سنوات عرف فيها عالمنا العربي نكبات، ونكبات...
وسهيل عيساوي كان القلب المفجوع على هذه الأمة، أمام هذه النكبات والضربات القاسية، والتي كانت تحت الحزام ...وكان العين اللاقطة لكل الصور الدامية. وكان– أيضا - اللسان المعبر عن آلامها وآهتها، وحردها.
هذا يجعلنا ننعته وبكل فخر، أنه شاعر إنساني بامتياز... وشاعر قومي، ووطني بلا منازع.
والسؤال المطروح: لم هذا العنوان( عندما تصمت طيور الوطن).؟ من هي هذه الطيور؟ وما ذا يقصد بهذا العنوان وإلى ماذا يرمز إليه ؟.
إن الطير من صفاته الزقو والإنشاد... والشاعر من طبعه الزقو والإنشاد...وعندما يتألم يصمت. وطبيعي أن لكل وطن طيوره المهاجرة والقاطنة... وسهيل عيساوي واحد منها...
لكنه لا يلبس ثوب النرجسية، والتعالي، والعنجهية... بل نجده يوظف شعره وشاعريته لتمجيد هذه الطيور، أو تأبينها عند صمتها الأخير...وهذا ما يجعل منه شاعرا إنسانيا ، وقوميا، ووطنيا...
نعم... صمت طيور الوطن يجعلنا نـتحسر... ونبكي... ونـتذكر... ونـتـرحم... ونؤبن... إننا نـتـذكر من خلال هذا العنوان الرمزي طيورا كثيرة صمتت،من: هارون رشيد،وبسيسو،وكنفاني، وطوقان،السنتيسي، إلى درويش... وغيرهم.
فهذه الطيور حملت القضية الفلسطينية، والعربية، وغنت للقضية، ودافعت عنها بشعرها و قلمها، ومواقفها... وأسمعت صوت الأرض لكل الأرض...
لكن ما ذا يحدث عندما تصمت طبيعيا أو قهريا هذه الطيور؟...
يكون الألم، وتكثر المفارقات، وتكثر أوجاع الوطن...
هل يمكن أن نقول : إن هذا العنوان( عندما تصمت طيور الوطن)، هو عبارة عن بكائيات وتأبينات الشاعر سهيل عيساوي على أوضاع الأمة، ورفقاء الدرب؟. هل هو نوع من النحت على الذاكرة حتى لا يتم النسيان، والتغاضي؟ وبالتالي يكون الانفلات، والمحو التدريجي؟...
إن سهيل عيساوي في داخله يكمن الشاعر المؤرخ... لذا يهتم بطيور وطنه، ويخلدها بشعره.... وهذا كله جانب من جوانبه الوطنية والإنسانية، والقومية في شعره..
عندما نتجاوز عتبة العنوان، والتي تبقى مفتوحة على التأويل، والتمثل والتفسير، والخاضعة للظرفية الزمانية. نجدنا وجها لوجه أمام الجواب عن العنوان. أي أننا نصل إلى النتيجة الحتمية.
هذه الإجابة نجدها تـتـركز في المجموعة الشعرية، مكونة ل أربعة أبواب، معنونة بعنوان رئيسي. وكل باب يتضمن مجموعة من القصائد . وهي كالتالي:
§ الباب الأول: قصيدة تحية البرق.
ويشتمل على القصائد التالية: ( القصيدة –العمر- اللص- إلى جيش عربي- إلى ولدي إبراهيم- الفتنة المذهبية- شهر رمضان المبارك- المرض الخبيث- عكا- البورصة- المعلم- العيد).
§ الباب الثاني: أوجاع الوطن المعتقة.
ويشتمل على القصائد التالية: ( قارب العروبة- أنفاق غزة- أغنية للقدس- يقف المنصور على أبواب بغداد- أنا لا أشتهي رائحة الموت).
§ الباب الثالث: دمعة تجثم على عتبة الأيام.
ويشتمل على القصائد التالية: (في رثاء عنقاء الشعر-عندما تصمت طيور الوطن- أمام عجلات الزمن- وتشتاق إليك الأيام- عندما يموت الفقراء- دم الحسين ينتفض في كربلاء- شوارع موقوتة – ودعاً أيها المعلم).
§ الباب الرابع: الشاعر في مرآة الشعراء.
وهو باب خاص ، أثبت فيه الشاعر سهيل عيساوي القصائد التي قيلت إليه أو أهديت له من طرف شعراء عرب آخرين.
ويتضمن ثلاث قصائد: ( قلب الأسد للشاعر يعقوب أحمد يعقوب- كل عام وأنت عيد يا سهيل للشاعرة ريم البان، رسالة إلى سهيل – محمد داني ).
والمجموعة الشعرية رغم صغر حجمها، إلا أنها كبيرة في دلالاتها، ومضامينها، وفنيتها. فهي تشتمل على 25 قصيدة من قصيدة النثر.
وعندما نقف إليها نجدها تتضمن الموضوعات أو التيمات التالية:
1- الرثاء والتأبين: إن الشاعر سهيل عيساوي لا ينسى أبدا أصدقاءه، وخلانه، وأبناء وطنه من باعوا نفسهم فداء لهذا الوطن. ودافعوا عن القضية بكل ما لديهم. فعندما أعلنت في العالم كله نبا وفاة الشاعر الكبير محمود درويش، اهتز صرح الشعر، وسال مداد كثير لفقدان هذا الشاعر العظيم، وكان سهيل عيساوي واحدا من الذين رثوا الشاعر الفقيد بشعره، فأفرد له قصيدة في هذه المجموعة تحت عنوان ( في رثاء عنقاء الشعر). فينعته فيها بالفارس الأول، والشاعر الأول، وانه لم يمت بل هو حي ما دام بيننا شعره الخالد. وأنه كلما ذكرنا القضية الفلسطينية إلا وذكرنا اسمه وشعره.
هكذا يلقب سهيل عيساوي درويش بالطائر والحسون. فعلا إنه حسون فلسطين، وطائرها الشادي.
كما نجده يفرد قصيدة مرثية يهديها لروح صديقه ( ماجد عليان) الذي وافته المنية بتاريخ 27/9/2008،وبين فيها أن فلسطين كلها جريحة لفقدان هذا الشاعر المعلم الصديق. والجميل أنه يناديه في قصيدته بأسماء وصفات عديدة كلها تنم عن حب، وتقدير، ووفاء، مثل:( ماجد الشعراء- صديق- شعلة- قلب- فارس- المعلم- الشاعر- صديق الناس).
كما نجد تأبين ورثاء في فقدانه محمود عيساوي الأخ والصديق.
وهذه الرثائيات، نجدها تنفطر ألما، ولواجع على هؤلاء الراحلين لما طبعوا به حياته، وأثروا فيها، وأثروا شاعريته، وإنسانيته.
2- النزعة الإنسانية: تمتاز قصائد سهيل عيساوي بإنسانيتها، وتصوير محنة الإنسان الفلسطيني خاصة، والعربي هامة... وهذا دليل على رقة مشاعره، ورهافة حسه، وطيبة قلبه، وإحساسه الكبير بالهم العربي، والفلسطيني. أي الإحساس بالهم الإنساني عامة.
هذه النزعة نجدها في أبهى صورها في قصيدتيه ( عندما يموت الفقراء) وهي مهداة إلى أرواح ضحايا الانهيار الصخري في جبل المقطم بالقاهرة، و ( المرض الخبيث)، وهي مهداة إلى ضحايا الأمراض الخبيثة في العالم.
3- المحنة والأزمة العربية: وقد افرد لهذه الموضوعة مجموعة من القصائد الجميلة. ففي قصيدة ( قارب العروبة)ن نجده يتحدث عن المجد العربي بشيء من الحسرة. فيذكرنا بعمورية، و موقف المعتصم من العلج الدمستق، وكيف لبى استغاثة المرأة العمورية بإرسال جيش أوله في عمورية وآخره في سامراء. ويحيلنا في فنية كبيرة إلى واقع الحال الذي تعيشه الأمة العربية والنكسات التي تعرفها.
كما أنه يفرد للقضية العراقية، ومحنة بغداد الجريحة قصيدة ( يقف المنصور على أبواب بغداد)، حيث يصور لنا أبواب بغداد واستيلاء الأعاجم على كل أبوابها. كما يعطينا صورة دامية عن آلام وجرح بغداد، فنجده يصرخ على بغداد ومحنة بغداد قائلا:
بغداد يا ضلع العروبة المكسور
ويا قلب الإسلام المكلوم
ويا هبة الله المسروقة من صدر أم رؤوم
تمزقت بردة الإسلام
وعباءة العروبة المثقوبة
تغطي شعاع الشمس
4- القضية الفلسطينية: لم ينس سهيل عيساوي أنه واحد من أبناء فلسطين البررة، وأن هذه الأرض المعطاء تستوجب عليه الدفاع، والكرامة. ولذا خص القضية وفلسطين بثلاث قصائد، هي: ( عكا)و ( أنفاق غزة) ، و( أغنية للقدس)، حيث نجده يتغنى بجمال القدس، وعكا، ويبين قدسية المدينتين، دون أن ينسى إعطاءنا صورة تاريخية للقدس وما عرفته من أحداث تاريخية لن تنسى ، فالقدس لن تنسى دخول عمر بن الخطاب وتسلمه مفاتيحها، وكما لا تنسى دفاع صلاح الدين عنها، وهزم الصليبيين في معركة حطين.
كما نجده يعطينا صورة دامية ، موجعة لغزة وما تعانيه غزة وسكانها من حصار ، وتجويع ، وتقتيل، وتدمير، وهذا كله يجعلنا نجزم أن سهيل عيساوي شاعر إنساني ، ووطني .
وفي هذه المجموعة الشعرية، نجد أن سهيل عيساوي قد برع في قصيدة النثر، وعبر بها عن مضامين إنسانية وفنية، وسبغ عليها من أحاسيسه، ومشاعره، ووجدانه، الشيء الذي أعطاها بعدا فنيا وجماليا.
ورغم أنه اعتمد على قصيدة النثر، فإنه وفر لقصائده نوعا من الإيقاعية، والموسيقى الداخلية، والمتمثلة في تناسق الحروف، وتآلف الصور، وتطابق المدلولات، ومنطقية العرض،وصدق الإحساس، ورهافة الحس.
كما أنه اهتم باللغة اهتماما كبيرا، فاختار كلماته من معجم شعري، امتاز بالوضوح، والابتعاد عن غريب اللفظ ووحشيه،ودلالة الصورة وحسنها وفنيتها.
هذا كله يبين أن سهيل عيساوي شاعر كبير يهتم بشعره، وقضاياه، اهتماما ينم عن ذوق كبير. ولا أجد غير أن أشد على يده بحرارة لما يقدمه للمكتبة الشعرية العربية من خدمات جليلة.

وأتمنى له التوفيق في مساعيه ...
محمد داني
الدار البيضاء: 1/1/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق