الأحد، 3 يناير 2010

كتاب النحت في ذاكرة الصحراء للكاتب سهيل عيساوي





مقدمة
بقلم : صالح زيادنة

النحت في ذاكرة الصحراء هو كتابٌ صغير يروي فيه الكاتب سهيل عيساوي تجربته الشخصية، واللحظات الجميلة التي قضاها في ربوع النقب، إن كان ذلك في الجامعة حيث درَسَ لعدة سنوات، أو خلال فترة التدريس التي قضى أكثر من عقد يُدرِّس فيها في مدرسة الرازي الإعدادية والثانوية في رهط.

لا شك أن الكتاب كُتب بأسلوبٍ أدبيٍ جميل وبعبارات صادقة معبرة، عبر فيها الكاتب عن شعوره الصادق وإحساسه النبيل وما يكنه من حبٍّ حقيقي لتلك المنطقة التي أحبها وألفها ووجد فيها أهلاً وأخوة ملأوا عليه فراغ حياته.

قليلون هم الذين يحملون مثل هذا الشعور، وقليلون هم الذين يندمجون في مجتمعٍ آخر وبيئة أخرى ويربطون مثل هذه العلاقات الطيبة التي استطاع سهيل أن يحيك خيوطها.

ولولا طيبة معدنه، وعراقة أصله وما يحمله في قلبه الكبير من معاني الصدق والوفاء لما استطاع ذلك، وهو يدرك ذلك جيداً ويقول: "وبعد بضعة أميال تكشف الصحراء معدن ما تحمله في سلالك المستورة, فالغربة كفيلة بتعري الأشياء وكشف اللثام عن معدن المرء".

الصديق الوفي عملة نادرة، ولكن سهيل استطاع أن يختار وأن يكوِّن لنفسه مجموعة من الأصدقاء الذين بادلوه شعوره وحفظوا له ودّه وصداقته. ليس ذلك وحسب ولكن هذه الصداقات نمت وكبرت واستطاعت أن تورق وتثمر لأنه "لا يمكننا تغطية شمس المحبة بأصابعنا الخشنة, وما أجمل أن تغرس شجرة في واحة ثم تتظلل بظلها الوارف".

وهو يدرك أن "الصداقة مثل الحديقة الجميلة تقطف منها أروع الزهور لتشكل منها أجمل باقة ورد, تكلّل جبينك وترافقك في ترحالك وعملك وفكرك. ومن الجنون أن تفرط بزهرة واحدة, فتختل ألوان قوس قزح العجيبة, وتخسر لون ابتسامة تطبع السعادة على جبين روحك".

وهو يتذكّر الأيّام الجميلة التي قضاها في سلك التعليم، ويتذكر الطلبة والمعلمين، ولا ينسى تلك الأيام حتى لو عادت به سفينته إلى الجزيرة التي خرج منها ورست به في مرفئها القديم ويقول: "على المعلم الذي عاش في منطقة النقب أن لا يدفن أجمل اللحظات التي دامت سنين في مقبرة الذاكرة, غير آسف على فنجان القهوة السمراء الذي ارتشفه معهم, على ضحكة امتزجت, على كسرة خبز تقاسموها معاً.

كيف ينسى تلك المنطقة وله فيها "أنفاس مبعثرة, حبات عرق اتحدت مع حبات الرمل, له رسائل مقدسة يحملها آلاف من طلابه, له ضحكات وهمسات وخطوات وآهات وشطحات".

وتظل منطقة النقب بيته الثاني الذي يعود إليه متى شاء دون تأشيرة دخول ويقول: "من كفر مندا الجليل إلى رهط النقب, يمتد جسر طويل مرصوف بالمحبة والنوايا الطاهرة، أعبر إليه متى أشاء, وتعبرون إليه متى تشاءون, لم أعد بحاجة إلى جواز سفر, فكل المدن والقرى بلادي، وكل القلوب مرفئي, وكل النقب عشيرتي".

ويتحدث سهيل عن رابطة أقلام الجنوب، وعن حلمه أن تكون كالرابطة القلمية التي أنشأها جبران ورفاقه في المهجر الشمالي في عام 1920م، والتي تركت بصماتها الأدبية على العالم العربي بأسره، وظلت عاملة نشيطة حتى عام 1931م حيث انفرط عقدها بعد وفاة جبران.

ولكن رابطة أقلام الجنوب كانت أكثر هشاشة وأطرى عوداً، ولم تحقق ما كان يصبو إليه سهيل، وما كنا نصبو إليه جميعاً، وسرعان ما انطفأت جمراتها في موقد النسيان، بعد أن هاجرت طيورها لتختفي وراء الأفق، وتغرق في خضم الحياة، وتنصهر في بوتقة العمل.

الحلم شيء جميل، والطموح أجمل وأروع، ولكن الواقع بصخرته الصلبة القاسية، تتكسر عليه أمواج الحلم والطموح، غير أن صاحب العزيمة هو الذي لا يكلّ ولا يملّ فإذا ما انطفأت شمعة قام بإشعال شمعة أخرى.

ويتحدث سهيل عن الندوات والأمسيات الشعرية، وكيف يتجشم الشعراء مشاقّ السفر لساعات طويلة ليقف الشاعر بعدها عدة دقائق يقرأ لجمهوره ما جادت به قريحته، ومهما كان التعب فإن هذه الدقائق القليلة كفيلة أن تعيد للشاعر نشاطه وحيويته وهو يرى نفسه ينثر على الناس من حبات قلبه ومن مكنونات فؤاده، فلذة الشاعر في العطاء أن يرى الناس يأكلون من ثمار إبداعه، وينهلون من نبع معارفه وأفكاره.

ويظل سهيل يرفرف بجناحيه حول المكان الذي أحبّه، والذي تأثر به وأثّر فيه، ويقول في الرسالة الخامسة من رسائل محبته إلى الجنوب: " لو كان بإمكاني أن أطوي المسافات وأحلق فوق السحاب, أتجاوز المدن لأرتشف القهوة مع كل صباح وأتنفس الهواء العليل, أراقب مغيب الشمس من خلف الرمال الذهبية, وأرسم خارطة الأشياء على الرمال, وأصغي لعازف على الناي, وقصة شيخ يروي حكاية عن النخوة والرجولة، الفروسية والإنسان".

هذا هو كتاب سهيل على صغر حجمه، لكنه بحق نحت في ذاكرة الصحراء، وأي نحت أسمى من هذا النحت الذي يحفر الصداقة على جدران القلوب، ويسطر الوفاء بأسمى معانيه وصوره، فبوركت يا أخي سهيل وبورك عملك، وتأكد بأن من يزرع الخير لا يحصد إلا خيراً، وأن الذين تكن لهم شعور المحبة والوفاء يكنون لك مثل شعورك، فأحاسيس القلوب لا تخيب، وأنت لم تعد بحاجة إلى جواز سفر, فكل المدن والقرى بلادك، وكل القلوب مرفئك, وكلّ النقب عشيرتك.

وختاماً أتمنى لك أخي سهيل حياة سعيدة هانئة، وأن يظل نايك يعزف ألحاناً شجية من قلبك الكبير، وأن تتحفنا بين الحين والآخر بعمل أدبي متميز.

أثابك الله ووفقك لما فيه الخير والصلاح، وسدد على طريق الحق والرشد خطاك.

وتقبَّل تحياتي

صالح زيادنة - رهط

10 حزيران 2007م

الاهداء
لذكرى الأيام في النقب الطيب
إلى الأصدقاء الأحباء هناك
إلى أهل المنطقة الطيبة، إلى القلوب التي تنبض بالعطاء
إلى الأصدقاء
الشاعر صالح الزيادنة
المربي يوسف الطوري
المربي سلمان القريناوي





























مدخل
قصتي مع النقب حكاية آلاف الناس من طلاب ومدرسين ومحاضرين وعمال وموظفين, قذف بهم الحظ والزمان وألهمتهم الظروف للقدوم إلى هذه المنطقة, منهم من وجد نفسه على بساط السعادة يرتشف ملعقة الرضى والانبساط, ومنهم من وجد نفسه دون التأثير أو التأثر من المكان والأشخاص, ومنهم من يحاول الانسحاب في كل لحظة سانحة يلملم نفسه على حياء, أنا ما كنت غيمة صيف عابرة أو عابر سبيل يقيس الطريق, بل كنت جزءً منه وكان جزءً مني, كنت واحداً من الأهل لم أشعر بطعم الغربة عن المكان أو عن الإنسان, إيماناً مني بأن الطالب الجامعي أو المربي يحمل رسالة اجتماعية وتربوية, وله دور مركزي في المجتمع العربي, يمارس دوره الطلائعي بعيداً عن الأفكار الاستسلامية, التي تكسو الإنسان ثوب القهر والحرمان.
الإخلاص في العمل الجماهيري
إن ضميري يجذف نحو عطاء غير مشروط, من اختار تيار العلم والتربية, للمجتمع حق أن يقطف ثمار جهده وأفكاره, من أراد الغوص في بحر العطاء, عليه عدم الانتظار والبقاء في حضن المادة وأزقة الذاكرة، خلال فترة مكوثي في النقب بين السنوات 1993-2004 تركت بصماتي في مجال العمل الجماهيري والثقافي والأدبي والإعلامي وعلى الحركة الطلابية ونشاطاتها المتشعبة, أما في المجال المهني حق الطلاب والأهالي ووزارة التربية والتعليم على المعلم أن يعطي بإخلاص وتفاني ليحفظ للمهنة كرامتها .
رأيتُ من المناسب نشر هذه المواقف والآراء لتكون شمعة تضيء وزاداً لعيونٍ تبحث عن الصدق المختبئ في أعماق الصدور وجرعة علم لمن يود معرفة معالم طريق اَمن لمن يؤمن بالإنسان، ويزرع المحبة والثقة في نفسه ونفوس الغير، لمن يتوق لمرحلة من التغيير واحترام الذات العربية الأصيلة، لمن تجري تحت لسانه أسئلة يحسبها فجة. وهل من رسالة في هذا العالم الغاضب كالبركان هل أقدر أن أغير المسار ؟ أم أسير وسط الركب مثل آلة حمقاء ؟ يقيناً أن لكل منا رسالة وإن شاء جعلها مقدسة ولهُ دورٌ يحدد هو حجمه ومساره، الصدف لا تصنع المعجزات بل بالأظافر والمعول وحبات العرق والوقوف في وجه كل تيار يلوح بعباءة الخنوع والصمت واجترار, تراوح المكان والتقهقر.
هي كلمة شكر ووفاء لكل صديق وزميل ورفيق درب شاطرني الأفكار والجهد في ميادين العطاء والتطوع والبحث عن عيون العلم والاغتراف منها وما زلنا نبحث عن الارتواء, هي وقفة تأمل وإجلال لكل الشرفاء في النقب الذين أخذوا على عاتقهم التضحية من أجل إعلاء كلمة أهل النقب, لمن رفع راية العلم والمعرفة والتحدي وامتطاء بساط التغير نحو الأفضل لمن ما زال يرسم وجه البادية والبداوة بريشة الأصالة, رغم الرياح العاتية والتي تحاول أن تشوه الإنسان والمكان ...
إضاءة وإشارة لنا جميعاً أن النقب جزء منا ونحن جزء منه نحتضن أهلهُ ونتواصل معاً ثقافياً وحضارياً، هو نداء لوضع قضايا النقب وفق أولويات الأقلية العربية في البلاد هي همسة عتاب للحكومات المتعاقبة في إسرائيل لماذا تركتم النقب وحيداً, يتيماً يواجه مصيرهُ؟ متى نتجاوز معاً الحقول الشائكة وكل علامات الاستفهام التي تنادي وتصرخ ؟ النقب أولاً.

اليوم الأول
حزمت أمتعتي بسرعة البرق تجد نفسك أمام مدينة يتحرك سكانها بسرعة جنونية بانتظام ودقة, مثل أمواج البحر تعرف حدودها وحدود الرمال أنت على مقاعد الدراسة الجامعية تحاول التعرف على الوجوه الجديدة ولغط الأصوات وعلى السكان وعلى الشخصيات والنظريات في آن واحد، وتلك المرة الوحيدة التي تدوس قدمي منطقة النقب, تختلط هواجس الفرح والخوف والتحدي لتثقل كاهلك وحقيبتك ترافقك مع ظلك الذي لا ينحني ولا يختفي ولا يتلون مع لهيب الصحراء.

بطاقة إلى الجنوب
بعد انقضاء مرحلة الثانوية تقف في خضم الحياة المزدحمة، تعبئ الاستمارات بشكل أو بأخر لتقبل في جامعة الحياة، وكم كنت سعيداً عندما زف لي صندوق البريد الحديدي خبر قبولي في جامعة بن غوريون أو بئر السبع لموضوعي الفلسفة والتاريخ العام, فلسفة في الجامعة أفضل من الفلسفة في البيت.

مرشح وحيد … وفوز أكيد
بعد أن عبرت شاطئ النجاح أخذت التقط أنفاسي, قرأت إعلاناً حول الانتخابات لمجلس الطلاب في الجامعة … فكرت ملياً ثم سارعت لالتقاط صورة جديدة, واضح أن لأشعة الشمس الحارقة بصمات على وجهي, ورحت أٌزين جدران الجامعة نبأ التصويت لي . وكان إلقاء " أنا أفكر أنا موجود أن أصوت لسهيل " لحسن حظي الزملاء العرب واليهود لم يرشحوا أنفسهم بعضهم قالي لي أنت أحق وبعضهم قال لأجلك لن أرشح نفسي, جندت العديد من الأصدقاء للدعوة لدعمي وكانت الفرحة عارمة حيث حصلت على النسبة التي تؤهلني بالفوز بمقعد عن قسم التاريخ.

جائزة رئيس الجامعة
ارتديت عباءة الجدية والمبادرة، اشتركت بكافة الجلسات التي استمرت إلى ما وراء الليل ونشطت في لجنة المناقصات والتعيينات التابعة للجنة الطلاب الجامعين وكانت التعيينات تتم في الصيف, يغادر معظم الطلاب الجامعة في سبيل الترفيه وجمع المال والراحة وحل الوظائف للاستعداد لاستقبال السنة الدراسية القادمة, وقلة هم من يتعقب الوظائف الشاغرة كنت حريصاً على حضور هذه الجلسات لأساهم في صنع القرار وبعد انقضاء عام من العمل والمبادرة قررت عدم ترشيح نفسي رغم طلب وإلحاح العديد من الأصدقاء والشخصيات النافذة في الجامعة, لإعطاء فرصة لغيري لتمثيل القسم وخاصة من الطلاب العرب، وفعلاً لسنوات متتالية كان مقعد التاريخ من نصيب الطلاب العرب، تفاجأت عندما تم تكريمي بمنحة مالية وشهادة تقدير وكتاب من قبل مجلس طلاب ورئيس الجامعة( بفرمن).

الجسم المبادر
اغتراب كلمة تليق بوضع الطالب العربي الذي يهبط بمظلته في أروقة الجامعات, ليس سهلاً أن تقف في النقب, لا صديق ولا رفيق ولا مرشد, وتحط في باحة الجامعة بلا بوصلة لتعرف الجهات والاتجاهات غربة المكان واللغة والناس، هذه الأمور جربناها على جلدنا فقررنا مع مجموعة من الطلاب المبادرين إلى تأسيس الجسم المبادر يكون مؤقتاً حتى إجراء انتخابات للطلاب العرب والهدف تمثيلهم أمام هيئات إدارة الجامعة في قضايا المنح الدراسية ومساكن الطلبة, وفي حالة تعرض أحدهم للغبن, لكن الأمر المؤقت استمر ولم تكن لنا الشرعية في تمثيل الطلاب بالرغم من الهمة العالية للشباب قدمت استقالتي لجميع الأعضاء وسط استغرابهم ما هذه الخطوة.

الأحزاب والانتخابات
لم يعد سراً كون الانتخابات في الجامعات تحركها القيادات الحزبية العليا وفق ضوابط اللعبة السياسية، أصبحت جامعة بئر السبع مثل خلية النحل, زيارات بيتية وزيارات لقيادات حزبية, تشكيل قوائم عربية الجبهة والمستقلون والتجمع.
وبدأ التراشق عبر المنشورات الملونة والمؤلم بالأمر أن جميع المرشحين في القائمتين (الجبهة والتجمع ) من نفس باقة الورد لم أرشح نفسي في مكان متقدم رغم أن بيتي كان مقراً، إن شئت تسميه دار الأرقم بن الأرقم الحديثة أو دار الندوة في عيون "الخصوم السياسيين" . ومنه تصدر القرارات الحاسمة, في نفس العام بسبب التعنت والضغوطات الخارجية, تم وأد مشروع الانتخابات في مهده لأُمور لا تتعلق بطلاب جامعة بئر السبع بل لرغبة البعض في ضم كليات أُخرى للانتخابات ظناً منهم أن لهم فيها قاعدة شعبية عريضة.

بعد عدة سنوات جرت انتخابات أشترك بها الجبهة والتجمع ومستقلون تكللت المحاولة بالنجاح, لكن الحقل السياسي الطلابي سرعان ما جف, بعد ترك القيادات الطلابية النشطة الساحة السياسية وعدم اعتراف الجامعة بلجان أُخرى على أساس قومي، وتقاعست الأحزاب العربية في استثمار جهدها في حلبة جامعة بئر السبع، ربما بسبب نسبة الطلاب العرب الضئيلة هنالك والبعد الجغرافي .

رابطة أقلام الجنوب
بعد فشل العمل الحزبي والتحفظ من انخراط البعض تحت ظلاله والفراغ الذي نتج عن تجمد فاعلية الأحزاب والحزبين رأيتُ مع مجموعة من الأصدقاء إقامة رابطة أقلام الجنوب: من بين المؤسسين الشاعر صالح الزيادنة، يوسف الطوري أمل أبو عمره, الكاتب كرم أبو مخ, سلمان الطوري, متعب أبو ناصر، حسام غنايم، كفاح عسلية، كان القلم هو القاسم المشترك والرغبة في تقديم الخدمة للطلاب العرب والمجتمع العربي في النقب حافزاً قوياً.
بدأنا بإصدار مجلة الينبوع (5000) نسخة وزعت قطرياً, تنظيم الأُمسيات الأدبية وتنظيم الاحتفالات الطلابية وحظينا بدعم إدارة الجامعة ومجلس الطلاب وترحيب طلابي كبير, وكنا نموّل معظم النشاطات من نفقتنا الخاصة وأحياناً نُجند الدعم من الجامعة وأصدرنا أكثر من عشرة كتب لأعضاء المجموعة وكتب عن إبداع الأعضاء في وسائل الأعلام العربية والعبرية, واستمر عمل الرابطة بعد النجاح في إجراء الانتخابات الطلاب العرب منذ عام 1996 حتى 2004 كان يمثل أمامي الكاتب العملاق جبران خليل جبران عندما أقام رابطته الشهيرة في المهجر لتصبح منارة للأدباء والكتاب .

البوصلة
يجد الطالب العربي نفسه أحياناً أمام معضلات ومفترقات طرق, لم تقارع فكرة من قبل ماذا أي مجال سيتعلم ؟ وهل سيساعده في مشواره مع الحياة وفي خدمة مجتمعه ؟! التسجيل للجامعات عشوائي والمواضيع ارتجالية يؤدي إلى هدر الوقت والمال وتعليق أمال عريضة على ورقة توت هزيلة، ينقصنا التوجيه الأكاديمي والإرشاد في المدارس الثانوية, لنشق طريقنا بتخطيط وإستراتجية مدروسة .

شراع العطاء
لا يزال خفاقاً في صحراء النقب, إن قل الماء والخضار، تظل الأيدي المبسوطة تنقل بين حقول العطاء, لا تكل ولا تتعب .
من الناس من يولد مع رسالة اجتماعية صادقة فيفلح في تسجيل العديد من نقاط الضوء في ليلنا الدامس.
من بين معالم الجنوب وتضاريسه البشرية الشامخة: الدكتور رياض اغبارية رئيس عدة جمعيات خيرية فاعلة على الساحة المحلية، ورئيس قسم الصيدلة في جامعة بئر السبع له بصماته في إحداث تغيير جدري في موضوع التعليم الأكاديمي والإسهام في دفع الطلاب العرب في النقب إلى الالتحاق بركب المعاهد العليا .وأمل الصانع، الناشطة في مجال تعزيز مكانة المرأة.
والشاعر صالح الزيادنة, الناشط والطلائعي في مجال رعاية الحركة الأدبية من خلال تنظيم الأمسيات الأدبية ورعاية الكتاب الشباب, وكتابة الأبحاث والمقالات وخاصة عن التراث.
هؤلاء عرفتهم عن قرب, ومن بعيد أراهم يحملون الشمعة ليبدلوا الظلام وليزرعوا الأحلام الوردية في حقول الواقعية يبارك الرب في عملهم وبإيمانهم العميق بقضايا مجتمعنا . هم من يحشد التأييد ويجسد الرؤية فيولد الحلم معافى

هنا موسكو
من المفارقات في مدينة بئر السبع أن تتساقط الثلوج البيضاء فتلامس حبات الرمل الصفراء التي كانت تتمنى على الله بقطرة ماء والله رحمته وسعت كل شيء .
نهرول, أقدامنا تلامس رؤوسنا، نتحسس الثلوج بأصابعنا المندهشة, نشاطر الطبيعة الابتسامة وكأس الفرح الأبيض.

صوت الشاعر القادم من بعيد
الشاعر الحق يحمل مع أوراقه قضايا شعبه منذ التحاقي بالجامعة أخذت على عاتقي الاتصال بالشعراء وحثهم على الالتقاء بالطلاب وأتحفنا قصيدة يتيمة .
من بينهم من كان يواظب على القدوم متحملاً مشقة السفر والإعياء, تطول المسافات بين الجليل والمثلث والنقب ليصدح صوته غير مخنوق في الجنوب ليتواصل أبناء الشعب الواحد فاللغة سفيرنا إلى القلوب التي تنبض بالضاد من بين من أطربوا أرواحنا بعزفهم الفريد، مصطفى مراد, الدكتور جمال قعوار، سعود الأسدي, ميشيل مراد (رحمة الله)، صالح أحمد، عبد الرازق أبو راس الشيخ غسان الحاج يحيى, الدكتور فاروق مواسي، عطا الله جبر, فاطمة ذياب, طه محمد علي, محمد حمد، الدكتور أحمد هيبي, جورج فرح .
ليس سهلاً أن يهتف الناس للشعر والشعراء في زمن المزايدات والغوغائية تجتاز مئات الأميال وأكثر من عشر ساعات لتقف أقل من دقيقة لتحرر من حجرتك كلمات لتحيا من جديد في فضاء جديد لحياة سرمدية .

المظاهرات الطلابية ضد أقساط التعليم
وجدت نفسي في مقدمة الحركة الطلابية المعارضة لأقساط التعليم الباهظة نسافر إلى القدس والكنيست نغلق أبواب الحرم الجامعي في وجه الطلاب والمحاضرين, نطير من مدينة إلى أقرب نرفع الشعارات الاجتماعية، أعتقد أن أصواتنا وصراخنا لا يصل أكثر من المدى, كنا في خندق واحد مع الطلاب اليهود بل كان الأمر بالنسبة لنا في غاية الأهمية لأن أقساط التعليم تلسعنا بصمت .

نظرية الفرصة الواحدة
تعلمت من الشعب الياباني نظرية الفرصة الواحدة، لا أدري مدى نجاعتها, أترك لكم الحكم، في الجامعات يمكن أن يقدم الطالب وظيفة جامعية بمثابة بحث أكاديمي, وبعض المواضيع تتطلب اجتياز امتحان, ويمكنك التقدم لموعدين وخاصة إذا رغبت في تحسين علامتك أو إذا أخفقت في الموعد الأول, عودت نفسي الدراسة جيداً في المرة الأُولى على أن تكون الأخيرة فأسقطت من قاموسي الفرصة الثانية فكنت صارماً مع نفسي ولم أُحطم التعليمات, يعصف بي أحياناً السؤال هل كنت قاسياً مع نفسي أم أني ربحت الوقت أثمن رأسمال؟

أيام وأيام
للطالب الجامعي ثوب فضفاض من الفراغ, والسؤال الذي يتثاءب بعد تسلل الظلام, كيف ننتهز الوقت ؟! وما الهدف؟ ومع من؟ أذكر أن طلاب كفر مندا ومعارفهم كنا نجتمع في أحد البيوت, نجري مباريات في الشعر، نتناول كتاباً صدر لتوه، أو يعرض أحدنا محاضرة شيقة. بعد مرور سنوات نلتُ اللقب الثاني في موضوع تاريخ الشعب اليهودي، أجلس واحتسي القهوة وإن لم تكن عربية، لكن العرب يعشقونها وهي تعشقهم لوجود أكثر من قاسم مشترك..... في ذلك اليوم طار صوابي، إلى أين وصلنا! مجموعة من الطلاب العرب يلعبون الورق في انسجام وغيبوبة فكرية, كأنهم في مقهى وملهى وليس في جامعة محترمة لها صيتها العالمي, بالمقابل على الطاولات المقابلة طلاب يهود كل مع كتابه وحاسوبه الشخصي. تمنيت لو لم أكحل ناظري بهذا المنظر الذي تشمئز له النفس والروح، فقلت في أعماق نفسي لعل البعض هنا سعيد حتى النشوة بهذه المسرحية التراجيدية.

الأسرة الخانقة
من الظواهر المقلقة التي تقف أمامك مثل حاجر معتم شائك, الأبوة الخانقة كأخطبوط, بعض الآباء من فرط حبه وحرصه على أبنه يفرض عليه أعراف الحكم العسكري البائد, كل شيء بإذن وترخيص مسبق، ممنوع الاشتراك في أمسية ثقافيه، احتفال, لقاء، سهر, إلا المراجعة والتعليم, طبعاً النتيجة كارثية, تحطيم نفسية الطالب، تحجيم صقل ونمو شخصيته، وحرمانه من تحقيق ذاته ورسم ملامح شخصيته. حجارتها صلبة وطينتها نكهتها طيبة. بعد فترة وجيزة، يقف أمامنا إنسان مهزوز, مهزوم في أعماق أعماقه, مطعون في جدران قلبه الواهي, من الحب ما قتل, يغتال الأب أو الأم فلذة كبده بهدوء وسكينة، يحاول أن ينقله للعيش إلى ما قبل التاريخ والفلسفة فيصطدم بجدار الواقع المتسارع الذي لا يرحم, إن سعادة الطالب الجامعي تكمن في بناء شخصيته والكشف عن مواهبه ومعايشته للواقع بهدف الاكتساب والتعلم, يخطئ الوالد الذي يريد أن يرى نفسه تماماً في شخصية ابنه، فلا يمكن السباحة في نفس النهر مرتين.

ثقافة الجسد
إن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بجسدنا وهو أمانة في أعناقنا لنصونه ونحافظ عليه ليخدمنا ونتفانى في خدمته، للجسد لغة خاصة لا يفهمها الجميع، نمارس الرياضة لنقوي أجسادنا إن كنا لا نستطيع تحديد لون بشرتنا, لكننا حقاً نقدر أن نهندس أجسادنا, منذ دخولي الحرم الجامعي أصغيت جيداً لهمسات جسدي فكنت أواظب بشكل يومي على ممارسة رياضة كمال الأجسام, مع مرور الوقت تبنى العضلات بشكل طبيعي رويداً رويداً، فتشعر بالإرهاق, فتأخذ قسطاً من الراحة, ولما تتوقُ للمزيد من الرياضة التقط الرمز السريع, فعرفت كل الوجوه من عرب ويهود وقادمين جدد, صداقة المكان والظروف والايدولوجيا الرياضية تتجدد الوجوه كل عام, تظل الماكنات جاثمة على صدر المكان تراقب حركة الوافدين, تشعر بإدمان وانتماء لا يقاوم للمكان.
الأمور التي تثير الشفقة أن البعض هنالك يحاول أن يضخم عضلاته بسرعة البرق فيتناولون بعض المواد المنشطة الخطرة مثل "السترويديم" والتي أشبه بالمخدر, هذه العملية أشبه بعملية اغتصاب وتضليل للعضلة والتي سرعان ما تكتشف الكمين الذي نصب لها, فتعيد الصاع صاعين لصاحبها بعد أن تتعملق تترهل مستسلمة لقدرها مثل عجوز شمطاء على أعتاب التسعين, صحيح الأجساد تتضخم لكن القلب المسكين يظل صغيراً مثل عقولهم, لا يستطع أن يضخ كميات الدم المطلوبة للجسد النهم، نهر الغباء لا ينقطع إنما يتبدل مع دفعة قوية من تيار الجنون.

الصحراء وحدها تكشف المعادن
أنت تشبه مظلي يهبط من منطاده, لا يعرف جغرافية المكان, طبيعة الناس وتاريخهم، تبدأ من نقطة الصفر المتحرك, لا قيمة هنا للقبيلة, للعشيرة، للعائلة, للمعارف، والمجاملات, أنت كما أنت تخطو خطوة على جسد الرمال, فتجسد خطوة واحدة لا عشر, ومعها ترسم معالم وجهك ووجهتك, وبعد بضعة أميال تكشف الصحراء معدن ما تحمله في سلالك المستورة, فالغربة كفيلة بتعري الأشياء وكشف اللثام عن معدن المرء.

واحة نابضة
ما أجمل أن تعود إلى مكان عملك السابق لزيارة مع أعضاء الهيئة التدريسية لمدرسة ابن سينا في كفر مندا، أن تجد التقدير والمحبة في عيون مدير المدرسة وأعضاء الهيئة التدريسية في رهط, فالعمل الطيب يبقيه طيبه ويقوى كلما هرولت الأيام تحييه الذاكرة للبشرية اليقظة, لا يمكننا تغطية شمس المحبة بأصابعنا الخشنة, ما أجمل أن تغرس شجرة في واحة ثم تتظلل بظلها الوارف.

يثلج الصدر
أصدرت رابطة أقلام الجنوب أكثر من 10 كتب لأعضائها, وكتابها الأول كان مشتركاً لأكثر من 15 كاتباً ورساماً تحت عنوان " نحو الشمس " والذي لاقى الترحيب الأدبي والصحفي ثم توالت إصدارات, لسهيل عيساوي, وكرم أبو مخ،وأحمد أبو حسين ( "تعلم الانجليزية ") محمد خلف، ومجلة الينبوع, بأكثر من 5000 نسخة ووزعت بطول البلاد وعرضها, أشترك بها كبار الأدباء جمال قعوار, الدكتور تيسير الناشف ( الولايات المتحدة )، مصطفى مراد, وما يثلج الصدر أن تصادف اللوحات التي أصدرتها الرابطة معلقة في مكتبات الموظفين في بلاد عديدة، ومكاتب المسئولين عنها, والطلبة والمدرسين والمدارس, وأشهر هذه اللوحات قصيدة "أحن إلى خبز أمي" للشاعر الكبير محمود درويش, بخلفية لوحة الفنان جمعه أبو جامع، من مدينة رهط .

من يدون تراثنا
هنالك حاجة ماسة لدراسة وبحث وتدوين الحكايات والأشعار والقصص التراثية, هي مخزون وعمق ثقافي هام ليتوارثه الأجيال جيلاً بعد جيل, لكن هل الموروث الإنساني الهام مرجع وخيمة ثقافية نعود للاحتماء بها خلال العاصفة الرملية الهوجاء.
إن ما يبعث على القلق ويضغط على الصدر مثل الكابوس, عزوف أهل النقب عن التدوين والبحث والكتابة وخاصة في مجالات التراث بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948، صمت أهل القلم والحرف، لعلها الظروف الحالكة التي مر بها أهل المنطقة, من رحيل وتهجير وحقبة الحكم العسكري الجائرة، صحيح أن هنالك عدة أبحاث عن البادية وأهلها لباحثين عرب من النقب أمثال البروفسور عارف أبو ربيعة, في مجال التداوي بالأعشاب وله كتاب قيم "سحر القبور" إلا أن معظم من كتبوا عن البدو والبداوة والعادات والتقاليد كانوا من الباحثين اليهود هذا الأمر هام جداً ومقبول على مضض والأبلغ والأعمق والأصدق والأوجب أن ينقب أهل المنطقة عن منابع المعرفة والعطاء لديهم عن الشخصيات الهامة التي رسمت معالم المكان عن العادات والتقاليد والتراث الشعبي.
ما يثلج الصدر قيام بعض الكتاب العرب من النقب الطلائعيين الذين فهوا عمق المأساة أن يبحث طلابنا العرب عن مواد تخص حضارتهم وأسلوب حياتهم فيجدونها بلغات أخرى وبعقول أخرى, أصدر الصديق الشاعر صالح الزيادنة, كتاب" حكايات من الصحراء " عام 2003 حين قام بجمع العديد من الحكايات من أفواه كبار السن, وكتاب "من الأمثال البدوية" عام 1997 وكتاب, "عبارات ومصطلحات من البادية" 2005 .
وأصدر المربي محمد الحمامدة كتاب "كنوز الأجداد ", وأصدر المربي موسى الحجوج كتاب "الألعاب الشعبية", هذه الكتب رغم شحها إلا أنها كتب هامة وخطوة على طريق الصواب حتى وإن اقتصرت على التجميع والتحرير رغم الجهد المبذول من خلاله إلا أن النقص في هذا المجال والهوة كبيرة بين الحاجة وعدد الكتب التي عالجت الموضوع باللغة العربية، وعدد السكان العرب في النقب, الذين يزيد عددهم عن 150,000 نسمة, إلا أن عدد الكتب التي صدرت بالغة العربية بأقلام عربية أقل من 15 كتاباً، هنالك حاجة إلى استثمار الطاقات الأكاديمية لأجراء أبحاث بمستوى أكاديمي ونشرها على الملأ.
لعل روح الصحراء تعتمد على الذاكرة كمرجع هام, لكن في ظل انتشار التكنولوجيا والحاسوب والكتاب والإنترنت, يمكن من استغلالها لخدمة الذاكرة الجماعية والمحافظة على الموروث الثقافي وهوية الإنسان وحضارته وتواصله مع العالم الكبير من خلال النوافذ الجديدة التي تطل علينا, لننقل للعالم أجمل الصور عنا دون سماسرة أو وسطاء .

فراق معتوه
من الطبيعي أن تنشأ صداقات وعلاقات اجتماعية بين القادمين من بعيد مع بعضهم البعض, وبينهم وبين أهل المنطقة, لكن من غير الطبيعي أن تتقطع أوصال المعرفة والصداقة بمجرد انتهاء مرحلة التعليم الأكاديمي, أو الانتقال وعودة الطالب الجامعي أو المربي أو الموظف إلى بلدته فيدفن أجمل اللحظات والتي دامت سنين في مقبرة الذاكرة غير آسف على فنجان القهوة السمراء الذي ارتشفه معهم, على ضحكة امتزجت, على كسرة خبز تقاسموها معاً .

من بدا جفا
قيل "من بدا جفا", كلمات حق, طبيعة الدراسة في الجنوب بسبب البعد ومشقة السفر تفرض على المرء ثوب الغربة والبعد والجفا عن الأهل، مما يزيد من ثقل الغربة على كاهل الطالب الجامعي، فتتبدل وتتلون حبال المودة بينه وبين أهلة وأصحابه في بلدته, تأخذ صورته التي طبعت عندهم بالتلاشي رويداً رويداً وهو يقابل بالمثل, وهنا يكمن الخطر الاجتماعي، من الصواب المحافظة على العلاقات الاجتماعية مع الأهل وإضافة إليها علاقتنا الجديدة التي يكتسبها في الجنوب، الصداقة مثل الحديقة الجميلة تقطف منها أروع الزهور لتشكل منها أجمل باقة ورد, تكلل جبينك وترافقك في ترحالك وعملك وفكرك.
من الجنون أن تفرط بزهرة واحدة فتختل ألوان قوس قزح العجيبة وتخسر لون ابتسامة تطبع السعادة على جبين روحك.

الشمعة لا تخسر شيئاً إن أنارت شمعة أخرى
إن المسؤولية التاريخية والإنسانية والوطنية ملقاة على عاتق الأقلية العربية في إسرائيل لدعم الأخوة في النقب في مجال حقوق الإنسان, والتربية، والتعليم، والتضامن, والدعم الاقتصادي, أي نقل قسم من الصناعات العربية مع شحها وفقرها، إلى المناطق العربية في الجنوب والتواصل الثقافي وتمثيل أهل النقب في جميع الهيئات الشعبية والرسمية وبضمنها الكنيست, هذا الدعم لا ينقص من إمكانيات أو قدر أهل الجليل والمثلث والنقب, ويقيناً أهل الجنوب سيحفظون هذا الجميل جيلاً بعد جيل, وبسط يد العون من باب الأخوة ووحدة المصير, وترامي الجذور التاريخية، التي تمتد إلى ما قبل بزوغ التاريخ .

عمر المدينة الفاضلة بعمر الزهر
ما أشبة الحياة الجامعية بالمدينة الفاضلة التي حلم بها أفلاطون، مدينة يحكمها الفلاسفة رواد وعشاق الحكمة, هذه المدن الورقية سرعان ما تصطدم بصخرة الحياة القاسية، والحياة الأكاديمية مدينة حدودها معروفة وأطرافها وقوانينها محسومة, سكانها زبدة المجتمع, طلبة ومحاضرين، الكل منغمس بالدراسة والبحث، يغترف من أنهار العلم المتدفقة التي تنتحر على أعتابها المصطلحات الدنيوية الدونية، كالنفاق والكذب والسرقة والاحتيال والغش والعنف والعنصرية والتطرف وحبال الإرهاب, الجوع،الفقر, القتل، الاعتداء، تنبت كلمات أخرى مزهرة وجهها مشرق أنت لا تحتاج إلى الاحتكاك أو الالتقاء مع الآخرين خارج السرب المحلق في القفص الذهبي فكل شيء متوفر بجودة عالمية، هذا الأسلوب المميز يجعلك تؤجل بعض الشيء الأتحام والسباحة في بحر الواقع, وإماطة اللثام عن الوجوه المكدسة خلف حائط الأوهام المؤجلة، بعد تجرع كؤوس الحكمة وميادين التجربة وتسلق قمم الإرادة الفولاذية .

مذاق قديم
في السنوات الماضية كانت هنالك بعض الموروثات الممتازة, التي سرعان ما اختفت مثل فقاقيع المياه, منها تبادل الزيارات بين المدارس المختلفة وتعارف الطلاب على أترابهم واستضافتهم في بيوتهم, ربما بسبب تحسن الظروف الاقتصادية لدى معظم الناس, صار الطالب ينزل في فندق للمبيت متجنباً الدخول للمدارس وللقرى والمدن العربية, هذه خسارة إنسانية فادحة، لماذا لا تتم الزيارات بين المدارس من النقب والجليل والمثلث؟ وتبادل الزيارات بين مؤسسات مختلفة بتشجيع من السلطات المحلية والجمعيات الخيرية, لتقوية شبكة النسيج الاجتماعي هذه الخطوة تقع على كاهل أهل الجنوب وكل من عمل يوماً هنالك من أهل الشمال.

عشر رسائل محبة للجنوب
(1)
أنا ابن الصحراء
لا أخاف عتمة الليل, ولا عواء الذئاب، بعيني أعرف موقع الشمس متى تختفي, أسير وفق حركة النجوم, تسري الشجاعة في دمي والكرم في عروقي والنخوة من قواعدي, مثل عناق الصحراء بعد كل موت ولادة.

قدسية المكان
(2)
كان المكان جزءاً مني, وأنا جزءٌ منه, قطعة مني, وأنا قطعةٌ منه, يسكن فيّ وأسكن به، خارطة المكان محفورة بشرايين قلبي, عند عتبة المكان أشعر برهبة المكان وقدسيته، الزمان وروعة الطبيعة الساحرة ..

لي عندكم
(3)
لي عندكم أنفاس مبعثرة, حبات عرق اتحدت مع حبات الرمل, صدى الصوت يحوم في غرف التدريس ينشد " تعلموا تفلحوا "، لي عندكم رسائل مقدسة يحملها آلاف من طلابي, لي عندكم ضحكات وهمسات وخطوات وآهات وشطحات.

جسر محبة
(4)
من كفر مندا الجليل إلى رهط النقب, يمتد جسر طويل مرصوف بالمحبة والنوايا الطاهرة، أعبر إليه متى أشاء, وتعبرون إليه متى تشاءون لم أعد بحاجة إلى جواز سفر, فكل المدن والقرى بلادي، وكل القلوب مرفئي, وكل النقب عشيرتي.

لو
(5)
لو كان بإمكاني أن أطوي المسافات وأحلق فوق السحاب, أتجاوز المدن لأرتشف القهوة مع كل صباح وأتنفس الهواء العليل, أراقب مغيب الشمس ملف خلف الرمال الذهبية وأرسم خارطة الأشياء على الرمال وأصغي لعازف على الناي, وقصة شيخ يروي حكاية عن، النخوة والرجولة، الفروسية والإنسان.

لو تعلمون كم أحبكم
(6)
إن حبكم لا ينقص من حبي لبلدي وأهلي, بل يزيده عمقاً وجذوراً وأفقاً ورونقاً, ذكر النقب كذكر حبيب عزيز يخفق القلب بسرعة ويضخ الدماء إلى وجهي وتصفق الروح طرباً وفرحاً لذكرى أيام حلوة وبدايات وصداقات, وجهد مبارك, وكلمات طيبة, وألحان لا تزال تعزف في الذاكرة على قيثارة الشوق والحنين, لو كان هنالك مقياس لقياس درجة الحب كمقياس ريختر، لسجل مقياس الحب أعلى الدرجات بامتياز .

إن اعتنقتم دين العولمة
(7)
إن اعتنقتم يا إخوتي دين العولمة الجديد, وطويتم الخيمة طواعية, وعلى الرف وضعتم دلة القهوة, لا تخلعوا ثوب المروءة, وعباءة الكرم, واحترام الشيوخ، وحديث البادية, فهي وقودكم للخلود والوجود في أسفار الكرام.

العلم طريقنا
(8)
العلم طريقنا إلى بر الأمان، يفصل بين الحقيقة والخزعبلات والخرافات, عباءتنا في الليلة الظلماء, "ورفقاً بالقوارير" إن علمنا الفتاة كأننا علمنا أسرة وعشيرة, ونزف إلى الحياة الرجال الحالمين بغد مشرق وحياة مشبعة بالسعادة, علمنا يحمينا من عاصفة هوجاء وطفرة مجنونة.

أنتم جزء
(9)
أنتم لستم وحدكم في خضم البحر الهائج المتلاطم، أنتم جزء من شعب عريق يحب الحياة والإنسان, والعروبة وتعاليم الإسلام السمح ...
أشيروا بأيديكم إلينا … إليكم قولوا نحن هنا … أنتم غصن من شجرة مباركة تمتد جذورها عميقاً في باطن الأرض والتراب والتاريخ والحضارة .

المرأة
(10)
بيدها مفاتيح التغيير, تطلق رياح التبعثر الإيجابي, تقتلع كل شوكة وتدحرج صخور التخلف, والخنوع, نمنحها بعضاً من المفاتيح, لتضعنا جميعاً على خارطة الوجود, بلون زاهر وفي موضع بارز, هي يدك الأخرى فلا تبحث طويلاً لتصفق لترفع الراية, لتسجل انجازاً أو إشراقة شمس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق