الجمعة، 8 سبتمبر 2017

الكرد: تعريف وآفاق بقلم : أ.د. محمد الدعمي



”.. لا مبالغة في الزعم بأن الكرد هم من أكثر الشعوب الشرقية نقاءً عرقيا، نظرا لأن غالبيتهم من القبائل الجبلية التي تحيا بعيدة في مناطق وعرة وجبال كأداء يصعب الوصول إليها. هذا ما يمكن أن يفسر نقاء ولون البشرة الأبيض والشعر الأشقر الذي يميز الغالبية العظمى من الكرد، ذلك أنهم من أنقى الشعوب الآرية في العالم، بسبب ما ورد أعلاه.”
اعتلى اسم “الكرد” أو الشعب الكردي صدارة ما يسمى بـ”أخبار الساعة” مؤخرا، خاصة بعد الأحداث الجذرية والجسام التي جرت في العراق (بعد سنة 2003) وما تلاها من تداعيات، ناهيك عن دعوة مسعود برزاني لإجراء استفتاء للكرد لتقرير المصير: بين البقاء جزءا من العراق، وبين الاستقلال في دولة جديدة. إن سياسات الدول التي تضم من بين سكانها أجزاءً من الشعب الكردي قد حاولت طوال سني القرن العشرين أن تفرض ستارا فولاذيا، “ستالينيا” إن صح القول، على هذا الشعب المظلوم وعلى نضاله من أجل بلوغ حقوقه القومية، الأمر الذي يفسر انتشار “الجهل” بالكرد وبأحوالهم بين الجمهور عبر العالم والإقليم الشرق أوسطي عامة (باستثناء المتخصصين، بطبيعة الحال)، خاصة خارج العراق الذي توجد فيه نسب كبيرة من الكرد. أما المتخصصون من الباحثين العرب فهم يعرفون الكثير عن الأكراد وحياتهم وأدوارهم السياسية في العصر الحديث بحكم تخصصهم واطلاعهم على مجريات الأحداث. لذا يكون جهد التعريف بالكرد وبحقائق حياتهم وتاريخهم وثقافتهم جهدا مهما الآن، باعتبار الأواصر التاريخية والسكانية والثقافية والدينية التي تربطهم بالعرب وبالحياة السياسية المعاصرة عبر بلداننا في الشرق، ناهيك عن اعتبارات حلمهم القومي.
إن الكرد هم شعب عظيم التعداد يقطن ما يسمى ببلاد “كردستان”، أي أرض الكرد، التي يصعب تشخيص حدود دقيقة المعالم لها، بسبب امتداداتها المترامية ووعورة أراضيها (الجبلية في الغالب) ونتيجة لاختلاط السكان الكرد بالشعوب المحيطة بهم، خاصة المسلمة منها. بيد أن للمرء أن يلاحظ أن الشكل العام لكردستان يمتد من جنوبي روسيا وأرمينيا شمالا، نحو المحافظات الكردية ونصف الكردية في العراق جنوبا؛ بينما تمتد هذه البلاد من شمال إيران وأذربيجان شرقا حتى سوريا وسواحل الأناضول غربا. لذا تكون البقعة التي يقطنها الكرد منذ آلاف السنين كبيرة للغاية، وهي مقسمة بين الدول القائمة اليوم، حيث إن “كردستان الكبرى” تتجزأ اليوم بين تركيا وإيران والعراق وسوريا، من بين سواها من الدول التي توجد فيها أقليات كردية صغيرة. ويرد الساسة والمفكرون الكرد هذا التقسيم والتفتيت إلى سياسات الدول الكبرى، خاصة عبر التاريخ الحديث، ابتداءً من نهايات عهود الدولتين الصفوية (إيران) والعثمانية (تركيا) وانتهاءً بالإمبراطوريات الأوروبية التي تقاسمت بقايا هذه الإمبراطوريات الشرقية القديمة. ويزعم هؤلاء، مبررين إلى أن هذه الإمبراطوريات الأوروبية قد نكثت بوعودها للأكراد بتأسيس وطن قومي لهم من أجل تحقيق مصالحها الذاتية، بينما خذلت نفس الدول “الإمارات” الكردية العشائرية الفتية التي تكونت في بقاع مختلفة من كردستان الأصل، الواحدة تلو الأخرى، الأمر الذي أدى إلى اضمحلالها ثم اختفائها.
وبسبب ذلك يشعر الأكراد بالكثير من الخذلان والمرارة حيال الإمبراطوريات الأوروبية التي تركتهم، ممزقين، دون كيان قومي خاص بهم بناء على المصالح الإمبراطورية النفعية المستقاة من نتائج الحروب الكبرى وما تلا من تقسيم الغنائم والمصالح. وكانت نتيجة هذا “التشطير” الذي فُرض على الشعب الكرد هو أنهم وقعوا ضحية للأنظمة التي تتالت على حكم وإدارة الدول التي تضم أجزاءً من الشعب الكردي. وقد نهجت هذه الحكومات، طوال القرن العشرين، سياسات تراوحت ما بين طمس الهوية ومسخ الثقافة الكردية من ناحية، وبين سياسات التطهير العرقي والإبادة الجماعية من الناحية الثانية. وقد شهدت الحقبة الممتدة ما بين نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن الجاري أنواعا مختلفة من “فنون” اضطهاد الكرد ومن طرائق سحق ثقافتهم وحرمانهم حتى من التكلم بلغتهم، ومن تأسيس مدارسهم وجامعاتهم ومؤسساتهم الثقافية. بل أن بعض الحكومات، خلال القرن الماضي، حرمت الأكراد حتى من ارتداء ملابسهم التقليدية المزركشة، وهي من أجمل الأزياء الفلكلورية في الشرق عامة.
ولا مبالغة في الزعم بأن الكرد هم من أكثر الشعوب الشرقية نقاءً عرقيا، نظرا لأن غالبيتهم من القبائل الجبلية التي تحيا بعيدة في مناطق وعرة وجبال كأداء يصعب الوصول إليها. هذا ما يمكن أن يفسر نقاء ولون البشرة الأبيض والشعر الأشقر الذي يميز الغالبية العظمى من الكرد، ذلك أنهم من أنقى الشعوب الآرية في العالم، بسبب ما ورد أعلاه. كما أن هذا الانعزال البيئي يمكن أن يفسر، كذلك، ميلهم القوي إلى المحافظة على تقاليدهم القومية والفلكلورية المتوارثة، زيادة على اعتزازهم بلغتهم واعتدادهم بعاداتهم وطقوسهم وبلباسهم القومي الزاهي الألوان. وبرغم وجود أقليات دينية “مجهرية” من اليهود والنصارى وأهل الحق واليزيدية (راجع كتابي: المغمور من أديان الشرق الأوسط، 2014) وربما الزرادشتية بينهم، فإن الغالبية الساحقة من الكرد تدين بالإسلام. وقد عُرف الكرد عبر التاريخ بأنهم شعب شديد التدين وقوي التمسك بعقائد هذا الدين الحنيف وتعاليمه بدرجة ظهور العلماء الأعلام والفقهاء الكبار من بين الأكراد. كما أن هذا يساعد المرء على ما يمكن أن يلقي الضوء على إسهامات الكرد في الحروب الدينية في صف الإسلام ضد غير المسلمين في عصور الظلام والارتطامات الطائفية. وتظهر لنا شخصية الناصر “صلاح الدين الأيوبي”، المولود بتكريت، كأنموذج للبطل المسلم الذي حارب الصليبيين وانتصر عليهم في معارك عدة، محررا أجزاءً مهمة من فلسطين، ناهيك عن تأسيسه الدولة الأيوبية بمصر. ويتبلور “التدين” الكردي كذلك في ظهور وانتشار الطرق الصوفية الإسلامية عبر بقاع كردستان، حيث يختلط هول كتل الجبال بعبقرية المتأمل والمجتهد الروحي الكردي، منتجا هذه المدارس الفقهية والطرائق الصوفية الكردية المعروفة، كالطريقة النقشبندية. لقد كان الجبلية هول الكتل الصخرية العملاقة وسلام الوديان الخضراء والقرى الجميلة والكهوف النائية المنقطعة وراء انتشاء ظاهرة “الناسك” التأملي عبر تاريخ كردستان الروحي ، قبل مجيء الإسلام وبعده. لذا كان الإستقبال الكردي للإسلام استقبالا متناهي القوة والحماسة، لأنه وجد في هذا الدين تناغما عظيما مع التصاق الإنسان الكردي بالطبيعة الجبارة التي يحيا في دواخلها. ومع وجود الطوائف الإسلامية الرئيسية بين فئات الكرد (السنة والشيعة وأهل الحق، من بين سواهم)، إلا أن هناك من الأقليات الدينية الأخرى ما يستحق الملاحظة، كاليزيديين الذين يشكلون أقلية دينية، قد تكون من بقايا الأديان الثنوية القديمة. أما اليهود فهم موجودون في كردستان، يمارسون التجارة والحرف المدينية، حتى وقت متأخر. وقد حاولت إسرائيل استقدامهم إليها عبر السنوات الأخيرة بعد ضعف الحكومة المركزية ببغداد، حيث سميت العملية من قبل بعض الصحفيين بـ”فلاشا كردستان”.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق