الجمعة، 21 أكتوبر 2016

الأميركي وسيارته ، بقلم البروفيسور محمد الدعمي



بيد أن للسيارة في الذهنية الشعبية الأميركية بعدًا آخر، ذلك أن الإنسان الأميركي (رجلًا كان أم امرأة، شابًّا أم شيخًا) إنما يعد سيارته امتدادًا لشخصيته. هو يفتخر ويتباهى بماركة سيارته، كما أنه يتبختر بطرازها الحديث، باعتبار أن السيارة تعطي مؤشرًا على المستوى الطبقي الذي يحتله المرء، في مجتمع رأسمالي وطبقي من الطراز الأول.


بهرنا معلم الجغرافيا عندما كنا صغارًا فقال إن عدد السيارات الموجودة في مدينة “ديترويت” فقط، بأميركا يتجاوز السبعة ملايين سيارة. أما سبب “العجب”، فقد كان حقيقة مفادها أن عدد سكان العراق حقبة ذاك (أواسط ستينيات القرن الزائل) كان سبعة ملايين نسمة. ودلالة ذلك بالنسبة لأذهاننا الناشئة المتدربة هو أن مدينة أميركية واحدة تمخرها من أعداد من السيارات ما يتجاوز أعداد سكان العراق. ومذاك بقيت صلة السيارة بالإنسان الأميركي من المسائل التي علقت في ذاكرتي.
وعندما وصلت الولايات المتحدة عام 2007، تأكد لي بأنك لا يمكن أن تحيا في أميركا بلا سيارة خاصة بك، برغم توافر النقل الجماعي العام من متروات وحافلات وسيارات أجرة. بيد أن بلادًا مفتوحة الآفاق والمسافات الشاسعة كالولايات المتحدة تجعلك مشلولًا بلا سيارة. فأنت بحاجة لسيارتك الخاصة، كما هي عليه الحال مع زوجتك وجميع أبنائك بسبب المسافات الكبيرة الفاصلة بين سكنك وعملك، وعملك ومراكز التسوق، وبين الأسواق والأطباء والصيدليات: الحياة بلا سيارة مستحيلة في أميركا، بكل تأكيد.
بيد أن للسيارة في الذهنية الشعبية الأميركية بعدًا آخر، ذلك أن الإنسان الأميركي (رجلًا كان أم امرأة، شابًّا أم شيخًا) إنما يعد سيارته امتدادًا لشخصيته. هو يفتخر ويتباهى بماركة سيارته، كما أنه يتبختر بطرازها الحديث، باعتبار أن السيارة تعطي مؤشرًا على المستوى الطبقي الذي يحتله المرء، في مجتمع رأسمالي وطبقي من الطراز الأول.
الأغنياء هم الذين يمتطون السيارات الغالية الثمن، أما أعضاء الطبقات الوسطى والعاملة من أصحاب الحرف والكادحين، فيرغبون بالتشبه بالأغنياء، لذا تجدهم يبتاعون سيارات غالية من نوع “كاديلاك” مثلًا، من أجل التبختر والتشبه بالأثرياء، إلا أنهم لا يمكن أن يشتروا سيارات غالية الثمن من هذا النوع، إلا بطريقة الـ”الأقساط” المهلكة؛ فهو يشتري السيارة وتبقى هذه السيارة تمتص ربع مرتبه طوال سنوات عمله حتى تنهكه. وفي اللحظة التي يجد نفسه قد تمكن من دفع الأقساط التي تستهلك حتى الطعام الموضوع على مائدة عائلته، يتم إغراق السوق بعلامات وطرازات جديدة من السيارة الرائعة، درجة أن السيارة التي اشتراها هذا الكاسب تغدو قديمة وغير قادرة على “مواكبة” ركب التقدم في عالم السيارات المتجدد دائمًا وأبدًا.
وإذا ما كان الإنسان الأميركي يعد سيارته مثل زوجته أحيانًا، أو امتدادًا لشخصيته ولخصوصيته، فإن هذا ما يبرر إحالة جسد السيارة إلى فضاء للدعاية لنفسه أو لمعتقده الديني أو لتفضيلاته السياسية أو لهواياته. لذا، لا يمكن للمتجول في الشوارع الأميركية هذه الأيام أن يخطئ مؤيدي “دونالد ترامب”، عن مؤيدي “هيلاري كلينتون”: فمؤيدو الأول يضعون “لواصق” stickers باسمه أو بشعاره بصورة له، بينما يفعل منافسوهم ذات الشيء، زد على ذلك استعمال السيارة لرفع الشعارات والعلامات الدينية والسياسية التي تدل أيما دلالة على طبيعة شخصية مالكها أو قائدها
!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق