أ.د. محمد الدعمي
ــــــــــــــــــــــ
لا غرو في أن يشعر العقل العربي اليوم بالتحسس، وبالذعر أحياناً، في مواجهة الحاسوب أو الكومبيوتر. وإذا كان اليابانيون والصينيون، الأميركان والأوربيون يرتعدون في سباقهم التنافسي المرعب مع الكومبيوتر، فكيف ستكون حالنا في سباق من هذا النوع، ونحن نقبع في صنف “المستلم الثاني” للكومبيوتر ونتاجاته، كناية عن عدم إسهامنا في ابتكاره ولا تطويره أو حتى في محاولة “تدجينه” على التعاملات العربية الخاصة بدول وشعوب تفضل استئجار مختصين أجانب لتحوير الكومبيوتر لمواءمة الكومبيوتر على الحاجات العربية. لماذا، إذاً، وجع الرأس؟ هذه من النتائج السلبية لطوفان البترودولار، إذ اننا نشتري ونستأجر، لا نبتكر ولا نطور، بسبب غياب الدافعية للتفوق ولبز الآخرين.
وإذا كانت غاية استفزاز الكومبيوتر للعقل العربي راحت تتناهى إلى نفيه من مملكته الوحيدة، وأقصد بها مملكة الشعر وملكته، فلا يبقى له من أدواته واسلحته سوى آثارها التي راحت تجمع غبار الزمن وهي معلقة على الحيطان ومسداة على رفوف المتاحف والمراكز التراثية: فما العمل؟
وللمرء أن ينوه في هذا السياق إلى أن معضلة الصراع بين العبقرية الآدمية والذكاء الصناعي، الذي ربما يتحول إلى عبقرية صناعية يوماً ما، لا تخص العرب فقط، ذلك أنها تخيف الغربيين والمتقدمين في هذه الحقول كذلك. ودليل ذلك هو أن ما كان ينجزه فنان واحد، شاعر أو كاتب، خلال ايام وربما أشهر، راح ينجز في لحظات خاطفات بفضل الكومبيوتر. بل أن الطموحات والصيحات الأخيرة في عالم الكومبيوتر أخذت تتحدث عن الكومبيوتر المشحون بالعواطف والأحاسيس، الأمر الذي قد يخلع في مجال العواطف والأحاسيس امرؤ القيس أو جميل بثينة أو نزار قباني من عروش الغزل وملاعبة عواطف الحسان خلف الخمار، كما كان يفعل “صريع الغواني”! وإذا لم يتخل العرب عن الفنون اللفظية وعن الشعر خاصة، بوصفه “ديوان العرب”، فإن عليهم أن يتحسبوا ليوم لا يبقى فيه لهم مجال تفوق قط. وللمرء أن يلاحظ البرامج الحاسوبية المعقدة التي راحت تطمن منتجيها بقدوم اليوم الذي تنتفي فيه الحاجة للكاتب الفذ أو للشاعر الفحل أو للشواعر الرقيقات اللائي يسحرنك بكلماتهن ويأسرنك بلواحظهن، ليست الأصلية وإنما المحلاة بالعدسات اللاصقة الملونة!
هناك ثمة سباق وجود بين العرب والكومبيوتر: فبعد أن أهملنا “ظاهرة” الكومبيوتر والشبكات الرقمية لسنين بوصفها كماليات طارئة لا حاجة لنا بها، رحنا الآن نسابقها في فتوحها ومغازيها لحقول الإبداع والتفوق، درجة أن طالباً في الصف الأول الابتدائي يستطيع الآن ان ينتج قطعة نثرية مقاربة في جودتها وبلاغتها لنثر الشيخ محمد عبدة، باستخدام برامج تصحيح الأخطاء اللغوية التي أضيفت عليها مؤخراً برامج تحسين وتجويد الإنشاء. لذا ينبغي للإنسان العربي أن يتحسب بحذر شديد، خشية أن يحل الكومبيوتر الياباني محل شعرائه وفنانيه، وإن غداً لناظره قريبا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق