صالح احمد كناعنة
شاكر فريد حسن اغبارية
اختارت اللجنة الخاصة لاختيار
الكتب والقصص لمشتركة في
مشروع مسيرة الكتاب
الوزاري ، بإشراف الأستاذة الهام
حنا ، قصة الأسد الذي
فارق الحياة مبتسما
الصادرة ع أ.دار الهدى عبد
زحالقة 2019 ، رسومات الفنانة
رنا حتاملة ،
قرصان البحر الهائج – 2019 ، اصدار أ .دار
الهدى ، رسومات الفنانة الاء مرتيني ضمن
القائمة الذهبية ، للقصص والكتب المختارة لمشروع مسيرة
الكتاب للسنة الدراسية
2020 ،
كتب الناقد والاديب حاتم
جوعية دراسة مطولة عن قصة
الاسد الذي فارق
الحياة مبسما جاء بها " إنَّ المحور والمركز الرئيسي في هذه القصَّة هو الأسد ، ويتحدثُ عنه الُكاتبُ بلغة وبأسلوب
دراميِّ تراجيديٍّ مؤثر جدا
يذكي ويؤجِّجُ الحنان والشفقة والالم ويجعل كلَّ قارىء لهذه القصَّة - كبيرا او
صغيرا مهما كانت نوعيته ومستواه الثقافي يتعاطف مع هذا الأسد المريض ويشفق عليه ويرثي لحاله
ولوضعه المأساوي ولوضع وحال إسرته
( زوجته وأشباله الصغار)....وكيف كان بالأمس في أوج وقمة القوة والبأس
والعنفوان ويفرضُ هيمنته وسيطرته
على كلَّ الذين في الغابة من حيوانات وطيور..والآن أصبح مريضا
عاجزا يعاني من سكرات الموت
ولا يقوى على النهوض والوقوف على رجليه
..ولا يستطيعُ أن يلاعبَ ويلاطف أشباله الصغار الذين بحاجة لحنانه
ورعايته .
والأسدُ دائما - وفي هذه القصَّة بالذات- يرمزُ لعدة
أمور وأشياء .
1 ) هو يرمزُ للحاكم القوي والشجاع
الذي يفرضُ هيمنته وسلطانه على جميع الذين في المملكة
أو الدولة ، ويهابهُ ويخشاهُ الجميع.
وتعملُ باقي الممالك
والدول الأخرى ألفَ حساب
له ولمملكته ودولته لأنه حاكم قوي ومملكته قويَّة
وتتمتعُ بالقوة والمجد
في عهده وفترة حكمه المزدهرة .. والكاتب هنا ينعتُ الأسدَ
ملك الغابة بالصفات الإيجابية
وأنه حاكم عادل ويحبُّ رعيَّتهُ .. والجميعُ يحبونه.. ولكن هذا الحاكم والملك ومثل كل حاكم وملك على
وجه الأرض لن يعيشَ
ويخلد للأبد ، وسيأتي يوم يمرض
ويضعف وتتراجعُ قواه ويموت مثل جميع المخلوقات والكائنات على وجه هذه الأرض
التي يتصارع الجميع فوقها من أجل البقاء .. وعليها يستحق الحياة .. ولا شيىء يبق ويدوم ويخلد للابد إلا الله جلَّ جلالهُ .
2 ) الأسدُ أيضا
يشيرُ ويرمزُ إلى الرجل الأب وربِّ الأسرةِ القوي
الشجاع والشهم والشريف الأبي الذي يحبُّ عائلته ( بيته وزوجته وأولاده ) ويوفر ويؤمنُ لهم دائما العيشَ الجميلَ الرغد
والحياة الهانئة ... ويحدث أن هذا الرجل
القوي والمثالي في الرجولة والشجاعة والإستقامة
يمرض ويضعف وتنهار قوته ويصبح في وضع وحالة يرثى لها ويعاني من سكرات الموت، ويهتز
وضعُ وجوُّ العائلة ويتغير رأسا
على عقب ( الأولاد والزوجة ) ويتصدعُ
النسيجُ الإجتماعي للأسرة ثمَّ يموت
الرجل ،وتكون كارثة كبيرة لعائلته وإسرته
. إنَّ قصة مرض الأسد
ذكرتي بوضعي الصحي عندما دخلتُ أنا
المستشفى وأجروا لي عمليتين جراحيتين متتاليتين معقدتين خلال أسبوع
وكنت ملقى على السرير لا
أستطيع الحراك أو النهوض ، وقبل أسابيع من المرض وإجراء العملية الجراحيَّة كنت في
قمة النشاط والقوة والحركة
والعنفوان ، وكنت أمارس الرياضة يوميا
وأقفز في الهواء بكل رشاقة وخفة وأركض عدة كيلومترات كل يوم ..وبإختصار إن قصّة الاسد ومرضه والذي فارق الحياة مبتسما .. تجعلُ كلَّ ذي ضمير
حي يقرأ هذه القصة يتعاطف ويتفاعل مع أجوائها الدراميَّة ويشعر بالحزن والالم
واللوعة والمرارة والأسى بشكل تلقائي للوضع الذي آلَ ووصلَ
إليه بطلُ القصَّة ( الأسد ) ولمصيره ونهايته
المأساويَّة.
هذه القصَّة فانتازيّة كتبت ونسجت فصولها وأحداثها على ألسنة
الحيوانات ..والجانب الفانتازي (الخيالي) هو من أهم الجوانب والعناصر في قصص
الاطفال ،ويضيف للقصَّةِ جمالا ورونقا وسحرا خاصا.. والطفلُ بحدِّ
ذاته يحب الفانتازيا والخيال
،وخاصَّة إذا كانت القصَّة على ألسنة
الحيوانات . وهذه القصَّة كُتِبَتْ ونُسِجَتْ بلغة أدبية جميلة منمقة متينة
ومتناسقة وجزلى وباسلوب رشيق شائق.
...وفيها الكثير من الكلمات
الفصحى والتعابير البلاغية الجميلة والعميقة في معانيها وأبعادها ،ولكنها مفهومة
للجميع ولا يوجد فيها تعقيدات . إنَّ
العديد من الكلمات العربية
الفصحى التي تبدو ظاهريًّا أنها صعبة
على الفهم ، وأيضا التشبيهات والتعابير والمصطلحات البلاغيّة والاستعارات الجميلة والساحرة في القصَّة...هذه
الكلمات والتعابير قد تفهم وتفسر تلقائيًّا ويفهمها
الطفلُ الصغير والقارىء البسيط
حسب وضعها وإدرجها في الجمل ، ومن خلال انسياب الجمل وتسلسلها ، ومن خلال مجرى أحداث القصَّة . وأمثلة على ذلك ، مثل كلمات :
( العرين : بيت الأسد- صفحة 4 ) وكلمة
: ( باسقة - صفحة 4 ) . وكلمة : ( براثن
- صفحة 15) .
وكلمة الوعيد - صفحة 5 ) . وكلمة
( القنوط صفحة 10 )..
وكلمة ( اللبوءة - زوجة الأسد صفحة 2
) ..إلخ .ومن التعابير والجمل والإستعارات البلاغية الجميلة، مثل : ( تعجُّ
بالحياة
صفحة 4 ) . ( ترتعد
فرائصها صفحة 4 )
. ( تلاشت عضلاته -صفحة
) . ( أصابه الإحباط
والقنوط - صفحة 10 ) . ( يلوذ
بالصمت المطبق - صفحة 7 ) . ( ينبس
ببنت شفة – صفحة 15 ) . ( براثن الموت المحدق - صفحة 15 ) . ( مسكون
بالحزن والحنين - صفحة 31 )
. ( فراغ دستوري - مصطلح قانوني وقضائي - صفحة
21 ) .
ولهذه القصَّةِ
أهدافٌ وأبعادٌ عديدة وهامَّة : أبعاد إجتماعية وسياسيَّة وأنسانيَّة وأسريَّة ونفسيَّة
..وغيرها - كما ذكر أعلاه .
وبالنسبةِ للبعدِ السياسي فتتحدثُ القصَّة عن المملكةِ التي في
الغابة ويحكمُها الاسدُ القوي ، وتعني وتقصد أن كلَّ مملكة وكل دولة وكل جسم ونسيج إجتماعي يجب أن يكون متماسكا
وله قيادة حكيمة وواعية وتوجِّههُ إلى الطريق الصحيح
والقويم .. وان أيَّ مجتمع وأية دولة
أو مملكة إذا لم تتوفر لها القيادة الصحيحة
والحكيمة والتي تحسُّ بالمسؤولية وتكون أهلا
لأدارة المملكة أو المجتمع فيسحدث التصدُّعُ
والفوضى والبلبلة والإنشقاق ثم الإنهيار الكامل في هذا الجسم والنسيج الإجتماعي-
المملكة أو الدولة .
ويظهر هنا بوضوح ،من خلال مجرى أحداث القصَّة، البعدُ الفلسفي
وحب الحياة والكفاح من أجل الحياة الأفضل والأجمل
..ثمَّ الدروس والعبر ..وأن لا شيىء يدومُ
ويبقى على حاله..ويجب على كلِّ إنسان أن يعمل ألفَ حساب للعواقب وللتغيُّراتِ الحياتيّة
المفاجئة في المستقبل على جميع الأصعدة .
وأخيرا : إن هذه
القصّة جميلة وناجحة وتتوفرُ فيها جميعُ العناصر
والأسس الهامَّة التي يجب أن تكون في كل قصَّةٍ
وفي كلِّ عمل كتابي يقدم للأطفال ...وهذه القصة ترفيهيَّة
وَمُسَليَّة من الدرجة الاولى وفيها عنصر التشويق الهام . وكل شخص يقرأها سيقرأها
باستمرار ودونما إنقطاع حتى نهايتها. .والطابع الفانتازي فيها يضيفُ لها جمالية خاصة ...والجوُّ الدرامي
يدخلُ للقصَّة حياة ودينامكيَّة وَيُحَفّزُ
التفاعلَ مع المتلقي ويجعلُ للقصَّة جوًّا
وسحرا خاصة ويخرجها من الرتابة والجمود. والقصة عبارة عن مزيج من السَّردِ على لسان
الكاتب ثم الحوار بين أبطال القصة وهم من الحيوانات .. واللغةُ الأدبية فيها جميلة وعذبة ومنمقة وراقية .. والشيىء الذي يميِّزُ هذه القصَّة عن جميع قصص
الاطفال التي كتبها الأستاذ سهيل عيساوي
أنها تنتهي نهاية تراجيديّة مأساويّة
بموت البطل ( الأسد ملك الغابة ) .. وهذه القصة تشبهُ العديد من القصص
والروايات الأجنبيَّة العالمية
التي تكتب للأطفال وللكبار أيضا
في أسلوبها طابعها
وأبعادها الفنية والاجتماعية
والإنسانية والفلسفيَّة. .ومعظم النقاد
والأدباء حسب رأيهم أنه من المحبَّذ والمفضل لكل قصّة
تكتبُ للأطفال أن تكون النهايةُ فيها سعيدة ومفرحة
وتدخلَ الأملَ والبهجة والسعادة والحبور لقلوب الاطفال ،ولا تكون تراجيدية مأساوية
تثيرُ القلقَ والاضطراب والحزن
والخوفَ عند الطفل . فالهدفُ الأساسي
أولا وأخيرا يجب أن يكون رفاهة
الطفل وإسعاده وليس إقلاق راحته وإذكاء أحزانه ."
اما الباحث والناقد
صالح أحمد كناعنة كتب
في دراسته عن
القصة " القصة جاءت على لسان الحيوان، على نمط "كليلة ودمنة"
ولكن بقالب عصري، وأسلوب جذاب وحيوي... ولغة سهلة متينة قريبة من عالم الطالب ووعيه
وحسه.
- ملخص القصة:
تدور أحداث القصة حول أسد كان يحكم الغابة بقوة شخصيته، وقوة
عزيمته، وهيبته... تهابه الحيوانات والطيور ولا تخالف شرعه؛ لقوته وجبروته وسطوته التي
يعبر عنها الكاتب بقوله:- "وعندما يزأر ترتعد فرائصها خوفًا، وتهب لسماع خطاباته
التي لا تخلو من الوعيد والتهديد".
ما يدل على أنه كان يحكم بقوة جبروته وبطشه ولغة التخويف
والتهديد والوعيد...
مرض الأسد، وضعف جسمه، وذهبت قوته، ومعها ذهبت هيبته وجبروته...
وانقسم أهل الغابة، ودب الاختلاف بينهم حول من يرث الملك والسلطان بعد الأسد؟ هذا الخلاف
الذي لم ينته، ولم يتوصل أهل الغابة إلى قرار فيه، وظلوا بلا قائد بعده... مات الأسد
بعد معاناة مع المرض، وعاشت الغابة بعده في فوضى وجحيم الخلافات والانقسامات، بل بقوا
على حال من التفرق والخلاف والصراع حول من يملك القدرة والحق في الفوز بالملك بعد الأسد
العظيم.
- تحليل القصة:
بداية؛ يجب الوقوف على دلالة العنوان لأهميتها... فكما بيّن
الباحث زكريا الآغا: "أن العنوان هو أحد أهم الأبنية المعاصرة، كونه المفتَتَح
للنص، والذي من خلاله نستطيع أن نبني صورة عامة للنص بكامله"
كما أن دارسي الأدب يؤكدون على أن العنوان يحمل دلالة مشيرة
ورامزة: إما إلى الشخصية المركزية، أو إلى الفكرة المركزية، أو لكليهما معا...
في عنوان قصة الأستاذ سهيل عيساوي تستوقفنا الصفة الرامزة:
(فارق الحياة مبتسما)، لنجد أنها تشير إلى بطل القصة (الشخصية المركزية والمحورية)،
وفي ذات الوقت نجدها ترمز إلى الفكرة المركزية في القصة، والتي تتمحور حول شخصية الأسد،
وتدفعنا للبحث والتفكير حول الرمز القوي (مات مبتسما)، ولنطرج التساؤل الكبير: (كيف
يموت مبتسما؟ ولماذا يموت مبتسمًا؟ وما الذي في موته يبعث على الابتسام؟) وباختصار:
(على ماذا يدل ابتسامه وهو يفارق الحياة، وبعد مرض وهزال وألم شديد وضعف وفقدان للقوة
والسطوة...؟)
في الإجابة عن هذه التساؤلات؛ وهي لا شك إجابة واحدة؛ تكمن
الفكرة المركزية للقصة.. وفي هذا تكمن قوة القصة، ومهارة الكاتب في جعلها رمزية، تُلزمُ
القارئ التأمل والتفكير والتحليل للوصول إليها... وهي لفتة يشكر عليها كاتبنا؛ لأن
روعة القصة تكمن في قدرتها على حمل القارئ على التفكير والتحيليل... وبكونها لا تقدم
له كل شيء بوضوح كوجبة جاهزة.
حين نتعمق في قراءة الأحداث والمواقف في القصة؛ نجد أنّ الأسد
الذي ملك الغابة وحكم أهلها على اختلاف أنواعهم وقدراتهم وصفاتهم... بقوة شخصيته، وهيبته
وجبروته (كما أسلفنا)، وأنه ظل محتفظًا بهذه الميزة ما دام حيًّا؛ فرغم ضعفه ومرضه
ونحول جسده، وذهاب قوة جسده... ظل محافظا على هيبته، وجبروته... ولم يتنازل، ولم يهن،
ولم يسمح لأحد أن يرى ضعفه، ولم يسمح لنفسه بالاستعانة بأحد... بل آثر أن يتسامى عن
ألمه، وأن يكتم مرضه عن أهل الغابة.. حتى علموا بالأمر صدفة، بعد زيارة الثعلب (طبيبه
الخاص) له..
كذلك: نجد الخلاف الذي دبّ بين أهل الغابة، كل يدعي حقه في
قيادة الغابة بعد موت الأسد، وكل يبني ادعاءه على صفة فيه: فالفيل يفتخر بقوته وصداقته
للأسد، والنمر بسبب قوته وسطوته، والطاووس بجماله وعزة نفسه... كل حيوان يجد في نفسه
ميزة تؤهله للملك، ولكن أحدًا منهم لا يملك كل الصفات المطلوبة والتوفّرة في شخصية
الأسد الذي ملك القوة والعزة والهيبة والحكمة والجبروت... والقدرة على فرض الهيبة،
وبث الخوف في النفوس، وجعلها تطيعه تلزم أمره صاغرة... والقدرة على ضبط الأمور وإعطاء
كل فرد مكانته..
نعم؛ مات الأسد مبتسمًا لأنَّ أحدًا لا يملك القوة على السيطرة
بعده، وأن قوته وجبروته هي عدله فيهم، لأنهم لا يمكن قيادتهم، ومنع افتراقهم واختلافهم
وتخاصمهم... إلا بالقوة والهيبة والجبروت الذي لا يملكه إلا هو.
لقد مات الأسد مبتسما لأنه مات راضيًا عن نفسه، راضيًا عن
قوته الكامنة في حكمته وجبروته معا.. والتي مكنته من أداء واجبه وتأدية رسالته في الحياة
والحكم بقناعة وقوة... داءتلك هي الفكرة المركزية في القصة: (الرضا، رضا الفرد عن نفسه،
رضاه عن أسلوبه وطريقته ونهجه... هي سر قوته وهيبته، وسر سعادته معاً، وهي ما يجعله
يبتسم في النهاية.
وهذا يذكرنا في الحكمة الشائعة (الضاحك الحقيقي من يضحك في
النهاية)... وكذلك يذكرنا بالحكمة القائلة: (العبرة بالخاتمة)..
لقد أبدع الكاتب إذ جعلنا نشعر أن الأسد ابتسم في النهاية،
ومات مبتسما.. بينما بقي الذين مايزالون على قد الحياة على خلاف وصراع وجدال لا يترك
لأحدهم فرصة للابتسام..
ابتسم الأسد لأنه أمسك بزمام الأمور، وقاد الجميع بهيبته،
وفرض على الجميع حبه وطاعته واحترامه بقوة شخصيته وقوة سلطانه... فلم يجد من يعارضه
أو يخالفه في حياته... ابتسم لأنه عاش كما أراد، ومات وهو يملك كل الأمور بيده... ابتسم
لأن خلاف أهل الغابة وتنافسهم أشعره بأنه كان مميزًا متفرِّدًا بقوته وجبروته وهيبته...
التي مكّنته من أداء رسالته على أتم وجه، وكما أراد تمامًا... ولن يجد أهل الغابة من
يشببه بصفاته هذه.
- ملاحظة:
قد يرى البعض في هذه القصة تلميحًا سياسيًّا.. أو إشارة إلى
شخص الزعيم الأسد! ما أراه نوعًا من الشطط والمبالغة، وتحميل القصة ما لا تحتمل، وما
يبعدها عن الهدف الرئيسي منها... كما أنه يحصر القصة في خانة ضيقة وأفق شخصي ضيق ومغرض...
يسيء للقصة، ويبتعد بها عن هدفها التربوي، ويجعل رسائل الكاتب التربوية والتثقيفية
(التي سنشير إليها لاحقا) باهتة وهامشية... والكاتب أرادها أن تكون الأصل والهدف ومركز
الاهتمام.
- رسائل تربوية في القصة:
سهيل عيساوي كاتب يملك مقومات النجاح والتأثير في كتاباته،
فهو يعتبر من أعمدة أدب الأطفال في البلاد وخارجها.. وهو يتجاوز الطفل إلى الأهل..
بمعنى: إنه يكتب بلغة وأسلوبٍ وفكر يداعب حس ووعي وعقل الأهل مع الطفل وبنفس الدرجة..
بحيث يجعل العبرة والفائدة عامة تشمل جميع أفراد العائلة.
لذلك نجده يركز في قصصه على قضايا فكرية وسلوكية، وظواهر
مجتمعية تهم الكبير والصغير معا... ويقصد بها توجيه المجتمع ككل.
في هذه القصة عالج عدة قضايا من بينها:
1- وفاء الزوجة
لزوجها، ورعايتها له مهما حدث... كما بقيت اللبؤة على وفائها وخدمتها لزوجها ووالد
أشبالها... والحفاظ على جو الألفة والحميمية والحنان والاستقرارفي بيتها... ترعى زوجها،
وتصطاد له الظباء الطرية التي لا يتعبه أكلها، وترعى أشبالها، وتحرس وتحمي عرينها بمرض
زوجها.
2- الظن السيّئ،
والشك، وكَيل الاتهامات بدون دليل... من الأمراض السلوكية المجتمعية التي تعمل على
إضعاف العلاقات بين أفراد المجتمع، وتتسبب بالخلافات والصراعات، وبث الأحقاد بين الأفراد...
وقد مثّل لها كاتبنا بقوة في تصويره لاختلاف الحيوانات حول سبب مرض الأسد؛ حيث اختلقت
القصص والأساطير حول ذلك، ودن أي دليل يثبت أيا منها... فمن قائل بأن اللبؤة تآمرت
عليه لتجعل ابنها الشبل يتولى الملك من بعده. ومن قائل أن الضباع منحته لحوما فاسدة
للتخلص من بطشه. ومن قائل إن مرضه جاءَ عقابًا له على ظلمه للحيوانات. ومن قائل بأن
الأسد ليس مريضا، بل يتمارض لاختبار مدى ولاء أهل الغابة له...
3- ظاهرة النفاق:
وقد مثل لها كاتبنا باجتماع الحيوانات والطيور عند باب الأسد كل يكيل له المديح ويثني
عليه.. بعد أن اختلقوا وكالوا له التهم بغيابه، أو بعيدًا عنه.
4- الغرور، والإعجاب
بالذات: فكل حيوان معجب بنفسه، ويرى أنه الأحق من غيره بالملك، كما أشرنا.. ولا أحد
يرى في غيره هذا الحق، أو يعترف بأفضلية أحد عليه.. وهذا أحد أسباب تمزق المجتمع، وتفرق
الكلمة، وضعف الثقة والاحترام المتبادل بين الأفراد.
5- الانفراد بالرأي،
والتآمر بالسر، والخروج على إجماع المجتمع، ومحاولة الالتفاف على الآخرين؛ كما فعل
الفيل والنمر والطاووس... إذ تهامسوا بينهم سرًا ودعوا إلى اجتماع طارئ لاختيار خليفة
للأسد.
يريد كاتبنا أن ينبهنا إلى أن مثل هذه التدابير التي تدار
بالسر؛ لن تأتي إلا بمزيد من الخلافات والمنافسات والتفرق والتباعد والتحاسد... ولذلك
نجد النتيجة واضحة في قوله: (ص36):- "تعالت الصيحات ولغط الأصوات، ولم تتفق الحيوانات
على زعيم يخلف الأسد، فتفرقوا في كل حدبٍ وصوب".
- العبرة:
1- مات الأسد مبتسما؛
لأن كان سبب الوحدة، ولم يكن سبب الفرقة.. كان سبب الاتفاق، ولم يكن سبب الخلاف.. كان
سبب التعاون والقوة، ولم يكن سبب التفرق والضعف.. ما يحمل رسالة قوية يوجهها كاتبنا
للقارئ مفادها:- أن الوحدة والتعاون والتشاور والتفاهم والوضوح والاتفاق... هو سر النجاح
وسر القوة وسر المحبة والسلام والسكينة... أما التهامس بالسر، وكيل الاتهامات، والإعجاب
بالنفس، والأنانية... فهي سر الضعف والتفرق والخصام... ومجلبة للهزيمة والانهيار
2- لا تقاد الشعوب،
ولا تدار الأمور باللين والتساهل والتهاون... بل تدار بالقوة والهيبة والحكمة..
3- ليس الخير فيما
يرضيك دائمًا، وليس الخير في السهل أبدًا... بل قد يكون الخير في الشدة، والفائدة بالصعوبة،
والجدوى فيما لا يرضيك... فلا تحكم على الأمور من ظواهرها، بل من نتائجها... فقوة الأسد
وشدته وهيبته... خلقت جو الوحدة والتماسك والقوة... ولذلك مات مبتسما".
أما الاديب والباحث
محمود ريان كتب
دراسة عن القصة جاء
بها " ا شكّ أنّ الكاتب سهيل
عيساوي، يأبى بقلمه الجفاف أو التّقاعس عن إرواء هذا الجانر من الأدب، الموسوم بأدب
الطّفل، فهو يتحفنا كلّ مرّة بقصّة جديدة، فيها الحبكة والصّراع والنّهاية الهادفة،
وهذا ينسحب بالمجمل على معظم قصصه الّتي كتبها.
لكن هذه القصّة الّتي كتبها مؤخّرًا تُنبئ بفكرة مهيبة، اِختمرت
جيّدًا قبل أن يصدرها الأديب سهيل. ومن عنوانها "الأسد الّذي فارق الحياة مبتسمًا"،
نجد فيه اختصار الحكاية برمّتها، ويبدع بكلّ شيء. فملك الغابة يبدو مبتسمًا، وهذا عند
موته. وفي العادة لا يموت الملك من العائلة الحيوانيّة هنا، والابتسامة على محيّاه.
وإذا بهذا الأسلوب الرّمزيّ أو الاستعاريّ يطرق العنوان قلوبنا، ويجعلنا نبحث عن سرّ
العنوان الّذي ارتضاه الكاتب. وهو يكشف مضمون هذه القصّة المسبوقة بشيء من الإتقان
والإبداع والإبحار في الاتّجاه الإنسانيّ الوجوديّ. فالقصّة لا تتكلّف الوعظ والإرشاد
والتّعليم، بقدر ما تركّز على الحالة الوجدانيّة أو قل الإنسانيّة الّتي يحياها ملك
الغابة، وتحاول طرح حلول واقعيّة مستساغة.
الحالة الّتي يستعرضها الكاتب في قصّته، هي استثنائيّة، تُبرز
هذه الضجّة الكبرى الّتي أثيرت حول الأسد؛ كونه عظيم الحيوانات. والأسد ذو القدر المهمّ،
فالحيوانات دونه لا تستطيع تدبّر أمورها المعيشيّة والحياتيّة. إذ بدون الأسد واقفًا
وقوفًا صلبًا شامخًا، تتعطّل هيبة الحيوان في الغابة، فهو من يَهب الأمن والأمان والرّزق،
وحتّى الألفة بين أفراد المجموعة الحيوانيّة، الّتي تكابد سبل عيشها، وتبلغ الجهد والمشقّة
لتستطيع الحفاظ على بقائها الوجوديّ والنّوعيّ في بيئة الغابة.
إنّ الكاتب يحرص في قصّته على استعمال التّعابير المجازيّة،
وبخاصّة التّشابيه في السّرد؛ ليجعل القصّة شادّة للقارئ، مثيرة، ويُغنيها بالتّكثيف
اللّغويّ الّذي يركّز القصّة، وبذلك يلفت المتلقّي إلى فنيّة وأسلوبيّة القصّة، كما
في قصص كليلة
ودمنة الّتي راجت وبلغت أوج شهرتها في العصر الوسيط، في الحياة
الأدبيّة الكلاسيكيّة. ونضرب هنا أمثلة على مجازيّة وإنسانيّة القصّة؛ ففي البداية
(صفحة 4)، جاء في القصّة: "في غابة مترامية الأطراف يجتازها نهر كبير تتدفّق المياه
بقوّة، أشجارها باسقة، تعجّ بالحياة، يحكمها أسد شجاع تهابه الحيوانات والطّيور...".
أو "أطلّت عليه اللبؤةُ، وكان وجهها شاحبًا والإرهاق باديًا على جسدها"
(ص 10). "انتشر خبر مرض الأسد بين الحيوانات والطّيور، كانتشار النّار في الهشيم"
(ص 16). "أقبلت الحيوانات زرافاتٍ زرافاتٍ هائمة على وجهها، تتلهّف لسماع أخبار
الأسد" (ص 19).
وفي المجمل العامّ نجد أنّ القصّة، تبرز حالة إسقاطيّة أو
ترميزيّة إليغوريّة (Allegoric) لوضع اجتماعيّ إنسانيّ، قد يسود بين بني البشر،
من حيث مبدأ التسلّط والصّراع الطبقيّ والسّياسيّ حتّى. ومن هنا فإنّ مرامي القصّة
أو لِنقُل قصد الكاتب من قصّته هذه، قد يكون إدراك أهميّة العيش في مجتمع متآلف متكاتف،
ومتعاضد خاصّة عندما يعصف بالمجتمع مصيبة، أو كارثة لا تحمد عقباها. ولنأخذ حالة الأسد
نموذجًا حيًّا على ما نقوله.
أمّا من النّاحية السّياسيّة، فإنّ الحدث الّذي يعرضه القاصّ،
يكاد ينطبق على الحالة البشريّة في صراعه على السّلطة وتقلّد منصب الزّعامة على المجتمع...رأينا
كيف عند مرض الأسد واقتراب موته المحقّق، اجتمعت حيوانات الغابة وأرادت أن تنصّب ملكًا
جديدًا عليها، وكلّ يدّعي أنّه صاحب الحقّ في تولّي منصب ملك الغابة...
إنّ رسالة الكاتب، هي أبعد من مخاطبة عقل طفل برأينا، وتخطّي
الفكرة المباشرة الواضحة أمامنا من خلال سير الحدث والحبكة عامّة. فنحن بني البشر،
ننظر إلى حالات بعضنا، وما يحيق بنا من خطوب وإرهاصات وأخطار، دون الوقوف على حيثيّات
المشكلة بل نحوم حولها أحيانًا، دون وضع الحلول الممكنة...كلّ منّا يدّعي الصّدق وصاحب
الحلّ السّليم والواقعيّ، فالجميع يدرك أنّ عدم تولّي قيادة حكيمة لتدبير دفّة الحكم،
قد يؤدّي إلى نتيجة سيّئة، وقد يودي إلى التّهلكة.
لا بدّ من إنشاء وتأكيد مبدأ القوّة والقيادة، بالمعنى الإيجابيّ
في المجتمع، لنستطيع الحفاظ على أفراده، وننهج النّهج السوّي السّليم، وإن اختلفت الآراء
وتباعدت عن الجادّة. الأمر مناط الكلّ، إذ لا بدّ من الائتمان والائتمار على تحقيق
النّهج
الفكريّ والسّياسيّ لبناء مجتمع سليم يترشّد بالحريّات والدّيموقراطيّة
الإيجابيّة. على القائد أن يطمح ليكون طلائعيًّا، ينطلق من هموم واحتياجات النّاس،
ويرجع بعد تحقيق نتائجه ومآربه للنّاس، لتأكيد مبدأ المنفعة العامّة، والحقّ الشّرعيّ
والعيش الكريم، المرتكز على مبدأ سنوح الفرص للمجتمع كافّة. وهذا يمكن أن نلتمسه في
شخصيّة "الأسد"، السيّد المُأتَمن على أحوال العامّة، هذا إذا نظرنا إليه
بشكل كيانيّ وتقييميّ.
إذ لا بدّ من بناء الفرد والوطن وتأكيد حريّة الأفراد، وإحاطتها
بالعناية والرّأي السّديد الّذي يُعاين الواقع، ويقوم بإصلاح الخَلل وتنجيع السّياسة
العمليّة بكلّ أطيافها... وكلّ ذلك تحصيل حاصل، لنضوج الوعي والفكر الخلّاق، والاعتقاد
المبدئيّ بضرورة العيش تجربة مستندة، على أنّ إنسانيّتي وعقيدتي ملاك ذاتي. ونحاول
من موقعنا أن نغيّر واقعنا ببثّ روح الفكر التّنويريّ، ركيزته الحقيقة والرّأي العامّ
المنفتح على الآخر، عبر ثقافة التقبّل بعيدًا عن الكبت والقهر والاستبداد.
أحيانًا نُمثّل أنّنا نمتلك الحلول وبناء الإنسان ومؤسّساته
الّتي مناط ممارساته ونشاطاته الإنسانيّة الفكريّة، الاجتماعيّة والسّياسيّة، لكنّنا
نُجافي الحقيقة، ولا نملك طاقات موضوعيّة لنقود المجتمع إلى تحقيق ذواتنا، وتحقيق الرّفاهية
والأمن والأمان الحقيقيّ، إذ غالبًا ما تتنازعُنا الأهواء وتقضّ مضاجعنا الأهواء والنّزعات
الضيّقة لبلوغ الأهداف دون أن نلج إلى علاج الأزمات الحقيقيّة، والّتي بعلاجها نحقّق
رافعة لقيادة المجتمع بكلّ انتماءاته وأطيافه...
وربّما حالنا وحال أفراد المجتمع الحيوانيّ، قد ينطبق عليه
قول الشّاعر:
"لا تحسبُوا رقصي بينكم طربًا ==== فالطّيرُ يرقص مذبوحًا
منَ الألَمِ"
وعن قصة "قرصان البحر الهائج " كتب الناقد
والأديب شاكر فريد حسن اغبارية "
تحمل القصة في طياتها عِبرًا ورسالة تربوية وقيمية وبعد انساني
واضح ، وصاغها سهيل بأسلوب قصصي سردي مشوق وممتع يناسب الأطفال .
تحكي القصة وتتحدث عن باسل المولود في قرية نائية مطلة على
البحر ، ويعيش في كنف عائلة فقيرة كادحة ، والده يعمل عتالًا في ميناء الصيادين ، وأمه
تعمل في حياكة الصوف وصنع ملابس الأطفال الجميلة . وحين بلغ باسل عامه السادس عشر بدأ
يشتغل بدلًا من أبيه ، بعد ان اصبح عاجزًا عن العمل ، لينتقل بعد فترة وجيزة للعمل
مع قراصنة البحر .
ويسرد الراوي مغامرات القرصان في عرض البحر الهائج ، حيث
كانت سفينتهم تطارد سفينة تجارية ساعة هبت عاصفة قوية ، واخذ البرد الشديد يغزو البحر،
حتى كاد القراصنة يتجمدون ، وأسنانهم تصطك من شدة البرد ، ترتجف وترتعد ، والدم يتجمد
في عروقهم ، فتصطدم سفينتهم بصخرة بجانب جزيرة صغيرة وتتحطم مقدمتها ، لكن باسل ورفاقه
القرصان ينجون من الموت ، بعد أن انقذهم ربان السفينة التجارية التي كانوا يطاردانها
في البحر . وبعد هذه الحادثة يقرر باسل ورفاقه ترك عمل القرصنة ويبنيان سفينة جديدة
أطلقا عليها " نورس السلام " لصيد الأسماك ، وصاروا يرشدون السفن الضالة
في عرض البحر الهائج .
وهذه القصة كتبها سهيل لجميع أجيال الطفولة ، تحمل بداخلها
رسالة جلية ، أسلوبها جميل جدًا ، سلس ، استمتعت بقراءتها ، لغتها فصحى سهلة ومفهومة
دون تعقيدات ، مضمونها رائع ، مترعة بعنصر التشويق والخيال الشاعري والصور الأدبية
الجميلة ، والتعابير المنمقة الملونة المشرقة ، التي تضيف للقصة جمالًا أخاذًا ورونقًا
خاصًا . ونلمس أن سهيل فنان باختيار وانتقاء كلماته الجميلة المعبرة وحبكها بشكل مدهش
، ونسج المشاهد والاحداث في القصة ، ويبدع في الوصف والسرد الماتع ."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق