الاثنين، 11 مارس 2019

طبقات المستشرقين CLASSES OF ORIENTALISTS بقلم : د. محمد الدعمي



واحدة من النتائج العرضية، أو العفوية التي طلع بها كتابي الجديد (دون تعمد) الموسوم (العقل المستشرق) The Orientalizing Mind، هي النتيجة التي رصدتها بعد صدوره، أي أثناء تعريبي للكتاب لصالح إحدى دور النشر العربية المهمة، وأقصد بهذه النتيجة: “طبقات المستشرقين”.
والحق، فإن البحث أعلاه قد قام على افتراضية أساس، وهي أن الاستشراق المحترف والذي أطلقت عليه عنوان “الاستشراق السعيدي” يختلف تماما عن “الاستشراق الرومانسي”! فإذا كان الأول متواشجا مع تقديم خدمات للإمبراطوريات الأوروبية على عصرها الذهبي الزائل، فإن الثاني يتواشج مع الأدباء الليبراليين/الرومانسيين الذين أحبوا الشرق أو جوانب منه لذاتها ولقيمتها الجمالية أو الوجدانية أو لصلتها برجل القلم ذاته.
إلا أن التفكير بهذا الموضوع وبحثه على نحو أكاديمي متخصص لأكثر من ثلاثة عقود قادني إلى استمكان ووضع المزيد من الأصناف التي يمكن تقسيم المستشرقين عليها: ففي الحال الأولى، أي الاستشراق السعيدي، نلاحظ (1) المستشرق الإداري الإمبراطوري المتمركز في “الميتروبوليتان”، العاصمة الإمبراطورية، أما لندن أو باريس أو روما، أو سواها من العواصم الإمبريالية؛ (2) المستشرق الميداني، وهو المستشرق المرتحل، الذي لا تربطه صلة استقرار بالمكاتب في العواصم، لأنه قادر على الحركة ويعتمد في عمله عليها، على جمع البيانات خلال تجواله وسياحاته بين الأقوام وعبر الأقاليم. وهو المستشرق المسؤول عن تجهيز زميله الأول أعلاه بالبيانات والمعلومات، على سبيل تيسير التخطيط والتنظير اعتمادا عليها، ثم استخلاص النتائج المفيدة حولها.
أما الاستشراق الرومانسي، فيقع على صنفين موازيين كذلك، أي: هؤلاء الذين يتعاملون مع الشرق عبر الارتحال الخيالي، وأغلبهم كانوا ينطلقون مما تجهزه به حكايات (ألف ليلة وليلة) وسواها من الحكايات المتموضعة في الشرق العربي الإسلامي، من نوع (المقامات)، وحكايات الحكمة، ولكن على ألسن الحيوان، من نوع كتاب ابن المقفع (كليلة ودمنة)، ناهيك عن القصص التوراتي والإنجليني، (الكتاب المقدس) بعهديه القديم والجديد، إذ تتموقع قصصه على “أراضي الكتاب المقدس”، من أور، جنوب بلاد الرافدين، إلى فلسطين على البحر المتوسط.
ثم يأتي دور المستشرق الرومانسي المرتحل، من نوع الكتاب الأميركان “ميلفل” Melvill ومواطنه “مارك توين” Twain، و”واشنطن إرفنج” Irving و”هاريت مارتنو”Martinue. لم يتمكن هؤلاء أن يحتووا حبهم للشرق العربي الإسلامي خاصة، فانطلقوا إليه إرتحالا، قاضين عقود وسنوات من حياتهم في أصقاعه وغامرين أنفسهم بين أقوامه، بحثا عن التجربة المباشرة والشذرات الإبداعية. زد على ذلك المؤرخين والمحققين والجغرافيين منهم. ثم يأتي دور المختصين في شؤون الشرق الأوسط والشرق الأدنى والشرق الأقصى في الجامعات والجمعيات ومراكز البحث المتخصصة (في الولايات المتحدة، خصوصا).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق