أ.د. محمد الدعمي
” على الرغم من تمتع المرء بالموروث والفولكلور، عليه أن يرتجع إلى النظرية التي روج لها بعض كتاب ومفكري العالم الثالث، ومفادها أن الغرب هو المسؤول عن ابتكار “نظرية الفلولكلور” وعن تسويغها وتسويقها لعالمنا القابع خلف الفجوة الحضارية على سبيل “كبسه” هناك، بعيداً عن التشبث بالعلم والصناعة على طريق إبقاء عالمنا المسكين مجرد “مستورداً” سلبي،”
ــــــــــــــ
لايملك المرء إلا أن يشعر بثقل “الفجوة الحضارية” التي تفصلنا عن العالم المتقدم، الذي قطع شوطاً طويلاً في حقول العلوم الرقمية والتقنية، وهو يشاهد رجلاً، لا يخلو من الوسامة، بوصفه من المتخصصين في صناعة “البشت” على إحدى الفضائيات العربية قبل بضعة ايام. لست أخفيكم بأني لا أعرف معنى الـ”بشت” بدقة، إلا أني إفترضت بانه رداء للرجال يستعمل ملبساً شعبياً في بعض صحارينا وسواحلها، برغم أن المصادر تشير إلى أن العرب قد أخذوه من الفرس.
على كل حال، ومع احترام المرء للباس التقليدي وللصناعات اليدوية لكل مجتمع، فإن عليه، كاتباً ومشكلاً للرأي العام، أن يلاحظ بأن هذا النوع من التفاخر بصناعة الـ”بشت” أو التخصص بحياكة الكوفية أو العباءة او بصناعة الآنية المنزلية التي تعيد الإنسان العربي “الحالم” إلى قفار الصحارى، أقول بأنه لم يعد مقبولاً في عصر تعرض به الفضائيات متخصصين بصناعة المكائن الثقيلة وبتطوير البرامجيات الإلكترونية ومتخصصين بعوالم أعماق البحار ومديات الفضاء. لا يدري المرء كيف يمكن لمن يرنو إلى مواكبة العصر أن يفتخر بصناعة البشت الذي يمكن أن تنتجه المصانع الصينية بكميات هائلة، تكفي رجالنا لعقود، مقابل حفنة من “الدنانير”.
ولكن على الرغم من تمتع المرء بالموروث والفولكلور، عليه أن يرتجع الى النظرية التي روج لها بعض كتاب ومفكري العالم الثالث، ومفادها أن الغرب هو المسؤول عن ابتكار “نظرية الفلولكلور” وعن تسويغها وتسويقها لعالمنا القابع خلف الفجوة الحضارية على سبيل “كبسه” هناك، بعيداً عن التشبث بالعلم والصناعة على طريق إبقاء عالمنا المسكين مجرد “مستورداً” سلبي، يستهلك ثرواته الطبيعية باستيراد كل شيء، خاصة بعد أن قفزت دول مثل الصين والهند، من بين سواهما، إلى خانة التنافس العلمي والرقمي مع أميركا واوربا، ثم بزتهما.
هل صحيح أن ادفاعنا المتعامي للفولكلور ولمراكز الصناعات التراثية ولمحاكاة أجدادنا بدلاً عن بزهم والتفوق عليهم هو مؤامرة بالغة النجاح، عنوانها “نظرية الفولكلور”؟ بل إن الأكثر مدعاة للملاحظة وللتندر، أحياناً، هو توجيه أموالنا للإنفاق على هذا النوع من المشاريع، مشاريع الحنين النزق واللامجدي إلى الماضي، درجة إحالة الفولكلور إلى زنزانة بلا نافذة تطل على المدى!
إن المعضلة الفكرية أو الجدلية هنا تتلخص في أنك لو قلت ما قلته أنا في أعلاه لكنت قد حذفت من قائمة “الأصالة” و”الوطنية”، بل وحتى من قائمة “المخلصين” عامة. وهذا مأزق فكري يعاني منه أفضل النقاد العرب للثقافة العربية الإسلامية، لكون الرأي العام غالباً ما ينحو منحى تجريمياً وتشكيكياً وتخوينياً حيال كل من يقترح استبدال “تنور” شيّ الخبز الطيني القديم بالأفران الإلكترونية الحديثة وإحلال الماكنة والكومبيوتر محل الصناعات اليدوية التي لاذ بها الإنسان عندما كان كائناً بدائياً لا يملك أن يتجاوز جوعه اليومي وحاجاته الغرائزية نحو أجواء العلم والمعرفة الواسعة.
ما رأيك، عزيزي القارئ، أن نراجع بعض أخطاء إعلامنا الشائعة ونحن ندق أبواب عام 2015، لتحقيق مبادرة شجاعة للانتفاض على جميع عوامل التردي والنكوص، التراجع والرجوعية.
عن صحيفة الوطن العمانية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق