الخميس، 8 يناير 2015

الى أقسام اللغة العربية في الجامعات العربية ، بقلم البروفيسور محمد الدعمي



أ.د. محمد الدعمي
” إن عملية إعادة استكشاف الأدب العربي وتقييمه غاية في الأهمية على الرغم من أن الذين دعوا إلى ذلك طاولهم النقد والتكفير والضغائن، كما كانت الحال مع عميد الأدب العربي المرحوم طه حسين ومع عالم الاجتماع العراقي علي الوردي.”
ــــــــــــــــــــــــ
كما يعاني تاريخنا، العربي ـ الإسلامي، من عدة “ثقوب سوداء” تبتلع ما لا يحصى من كواكب العقل والعقلنة الذكية، يعاني أدبنا المتواشج مع تاريخنا على نحو عضوي مما يصعب حصره من الثقوب السوداء والزوايا غير المضاءة والفالتة من الرصد الدقيق والتحليل المجديان.
للمرء أن يدعي ذلك، وهو يستذكر ما اطلع عليه من “المغمور من صفحات الأدب العربي”، ابتداءً من أدب الصعاليك في بائد العصور إلى “أدبيات السرياليين العرب” المعاصرة بما تعكسه من تمرد على كل شيء حرفيا، من أخلاقيات وقيم وروحانيات وتقاليد إلى نهاية قائمة “الضوابط” الاجتماعية.
إن عملية إعادة استكشاف الأدب العربي وتقييمه غاية في الأهمية على الرغم من أن الذين دعوا إلى ذلك طاولهم النقد والتكفير والضغائن، كما كانت الحال مع عميد الأدب العربي المرحوم طه حسين ومع عالم الاجتماع العراقي علي الوردي.
للمرء أن يلاحظ هذا وهو يراجع قوائم أطروحات الدكتوراة والماجستير المنجزة في أقسام اللغة العربية عبر الجامعات العربية عامة، ذلك أنه لا بد وان يجد بأن هناك مواضيع غنية تستحق البحث والاستقصاء، بيد أنها تكمن “خارج حدود” المسموح به بسبب الضوابط المتوارثة من العصر الوسيط وما يسمى بـ”السلامة الفكرية”، تلك السلامة التي لم تترك سالما من ثقافتنا إلا ونالت منه، للأسف.
وإذا كانت قائمة “الممنوعات من الصرف” في جامعاتنا طويلة ومؤرقة، فإن للمرء ان يلاحظ بأننا إن لم نقدم على بحث هذه المواضيع ودراستها، فإننا سنخفق في أن نعرف أنفسنا وتاريخنا؛ وإذا لم تعرف نفسك، فعليك وعلى القادم من الأجيال السلام. زد على ذلك، أن أقسام اللغة والأدب العربي في جامعاتنا إذا لم تملك الشجاعة الكافية لإزالة الممنوعات وإلغاء الحدود بين المسموح والمحرم، فإن هناك، في العالم الغربي والخارجي عامة، من المتوثبين الذين سيقدمون على رصد وبحث وتحليل ما أخفقنا في فعله طوال عقود منذ مرحلة الاستقلال السياسي وتبرعم الجامعات العربية إثر ذلك. إنه لمن المحرج، والمعيب بحق، أن يدرس باحث أجنبي “أدب الجدية” أو “أدب الفرق الإسلامية” المتمردة في تاريخنا، بينما نبقى نحن قابعين في صوامعنا نجتر أقوالا وخطوط دلالة “القدماء” الموروثة.
وإذا ما شاء المرء الإتيان بقائمة المحرمات في الدراسات الأدبية العربية والإسلامية، ذلك أن هناك ما يسمى بأدب الرفض السياسي والتمرد والأدب الخليع و”أدب الجدية” المذكور في أعلاه، زيادة على نصوص المتمردات من الفنانات والأديبات العربيات والمسلمات اللائي بقين خارج حدود البحث، نظرا لـ”تهتكهن”، والأخير لفظ فضفاض لا يخدم غرضا علميا أو عمليا ملموسا.
إنه لمن المؤسف أن ألاحظ بأني قد أشرفت على عدد من أطروحات الدراسات العليا بجامعة بغداد (قسم اللغة الإنجليزية) في حقل الدراسات الأدبية المقارنة، لاكتشف كم من الأديبات والشاعرات العربيات والمسلمات كن قد نالهن الغبن والتجاهل بسبب تمردهن على السائد من الأخلاقيات ورفضهن الانصياع لمنظومات الضوابط القسرية. إنها لمفارقة طريفة أن ترصد طالباتنا في أقسام اللغة الإنجليزية يبحثن من صفحات الأدب العربي، ما أخفقت أقسام اللغة العربية في رصده ودراسته: فشكرا للدراسات الأدبية المقارنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق